ملخص
عادت طوابير الانتظار أمام بعض محطات المحروقات في لبنان وسط مخاوف من انقطاع الفيول بعدما أعلنت نقابة استيراد النفط الإضراب
لم يمر أسبوع على إقرار مجلس النواب اللبناني موازنة 2024 المثقلة بالضرائب، حتى بدأت الإضرابات والإجراءات الاحتجاجية تتوالى مهددة استدامة المواد الأساسية للبنانيين، بما فيها المحروقات والخبز. فاعتراضاً على "الضريبة الاستثنائية" التي طاولت المواد التي نالت دعماً حكومياً سابقاً، أعلن "تجمع الشركات المستوردة للنفط في لبنان" الإضراب وتعليق تسليم واستيراد المحروقات، في وقت أعلن موظفون في عدد من الإدارات الرسمية إضرابهم اعتراضاً على عدم تصحيح أجورهم.
وضمن قانون الموازنة، أقر مجلس النواب مساء الجمعة الماضي، "ضريبة استثنائية بنسبة 10 في المئة على كل من استفاد من دعم يفوق 10 آلاف دولار أمنه مصرف لبنان للمؤسسات والتجار"، بما في ذلك شركات النفط، علماً أنه في السنوات الأربع الماضية استفادت شركات كثيرة من شراء الدولار عبر منصة "صيرفة" التابعة للمصرف المركزي بسعر أقل من السوق السوداء بغية دعم سلع محددة.
الدعم كان قراراً حكومياً
إثر ذلك، أعلن "تجمع الشركات المستوردة للنفط في لبنان" الإضراب لتعود مشاهد الطوابير أمام محطات المحروقات وسط تخوف المواطنين من انقطاع الفيول.
واعتبر رئيس تجمع شركات النفط مارون شماس، في مؤتمر صحافي أمس الأربعاء، أن الضريبة "مجحفة" و"ضربة قاضية على الشركات المستوردة الخاصة"، قائلاً إنها تلزم "الشركات المستوردة بتحمل ضريبة قيمتها 10 في المئة على كل مبيعاتها خلال فترة الدعم".
وأوضح شماس أن "الجميع على علم بأن فترة الدعم المحددة هي قرار حكومي، والمواطن المستهلك هو المستفيد الوحيد من هذا القرار، وليس الشركات المستوردة... فوزارة الطاقة هي الجهة التي تحدد جدول تركيب الأسعار وهوامش المصاريف والربح. والشركات ملزمة التقيد بهذا الجدول، ولا يحق لها بتاتاً تغيير الأسعار". وتابع "خلال فترة الدعم، تم دعم الليرة اللبنانية وليس المادة"، مشيراً إلى أن الشركات كانت تسلم الأموال نقداً لمصرف لبنان بالليرة اللبنانية، ليقوم بدوره بصرفها إلى الدولار الأميركي ويحولها مباشرة إلى الشركات الموردة للنفط في الخارج، في عملية خاضعة لرقابة شديدة.
وقال رئيس تجمع شركات النفط إن الضريبة المقترحة "على حجم الأعمال أو مبيعات الشركات، يعني إلزامها دفع 350 مليون دولار في السنة، أي 700 مليون دولار عن سنتين، وهذا مبلغ خيالي لا تملكه الشركات ولا يمكنها تحمله إطلاقاً".
وسعياً إلى تفادي أزمة محروقات جديدة تهدد أعمال اللبنانيين وأبسط حاجاتهم الأساسية، قال شماس إن "السلطة التشريعية هي القوة الوحيدة القادرة على وقف هذا القرار"، داعياً النواب إلى "أخذ الإجراءات اللازمة بدلاً من التزام الصمت".
وزارة الطاقة
وفي ضوء البلبلة التي أحدثها قرار إضراب مستوردي النفط، أكدت وزارة الطاقة والمياه في بيان أمس أنها "غير مسؤولة عما يحدث اليوم في قطاع المحروقات" وأنها "تنتظر ما سيتم إقراره في المجلس النيابي بصورة واضحة ونهائية". وأوضحت الوزارة أن "سياسة دعم سعر الصرف أمنت استمرارية حجم السوق" مع الإبقاء على هامش الربح نفسه قبل وخلال وبعد الدعم وفق أسعار المحروقات التي تحددها الوزارة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبرت وزارة الطاقة أن "مبدأ استيفاء الدولة لنسبة عادلة من هذه الأرباح في حال تحققها هو أمر إيجابي يمكن من إنعاش المالية العامة والاقتصاد الوطني إذا استفيد منها بشكل صحيح، ولكن على أن يحددها بطريقة مدروسة وغير مجحفة في حق الشركات". وشدد البيان على أن "هذا الرسم الاستثنائي (في حال إقرار هذا القانون) يجب أن يقتطع من الأرباح المحققة وليس من الإيرادات أو من قيمة الكميات المستوردة".
وفيما دعت الشركات إلى الاستمرار في تزويد السوق بالمواد النفطية، طالبت الوزارة المجلس النيابي بتوضيح رؤيته لهذا القانون.
ووسط الغموض الحاصل في شأن كيفية تطبيق الضريبة الاستثنائية، قال رئيس تجمع شركات النفط إن "لا أزمة محروقات والحلحلة قريبة". وأضاف اليوم في تصريح إذاعي "تبين لنا أن الضريبة ستكون على الأرباح لا المبيعات وهذه نقطة إيجابية".
وتوقع شماس في حديث لمحطة تلفزيونية محلية أن تعود الشركات لتوزيع المحروقات بأقرب وقت بعد الحصول على تأكيدات حول تفسير المادة، ومن المتوقع أن تنفرج الأمور ربما في الساعات المقبلة أو غداً.
كما أعلنت نقابة أصحاب المستشفيات في بيان أنها توصلت إلى اتفاق مع شركات استيراد النفط لاستثناء المستشفيات من قرار التوقف عن تسليم المحروقات.
أزمة طحين؟
"تجمع المطاحن في لبنان" رأى بدوره في بيان اليوم أن "الاقتراح بفرض غرامة أو ضريبة استثنائية على الشركات التي استوردت سلعاً مدعومة باعتبارها استفادت منه، ليس في محله"، مضيفاً أن "تطبيق هذه الضريبة سيقضي كلياً على الحركة التجارية في البلاد ويدفع بالشركات إلى الإفلاس والإقفال وتشريد آلاف العمال والمستخدمين".
ورفض التجمع "فرض ضريبة على سياسة اعتمدتها الدولة وأجبرت الشركات على تطبيقها"، مشيراً إلى أن الحكومة هي من قررت اعتماد سياسة دعم الرغيف وتثبيت سعر الطحين فيما لعبت المطاحن دور الوسيط فقط و"منيت بخسائر كبيرة"، علماً أن وزارة الاقتصاد والتجارة هي من حددت كلفة الطحن وسعر الطحين وربطة الخبز ووزنها.
وحذر التجمع من تدمير قطاع الاستيراد والمطاحن ومن أزمة قمح وطحين ورغيف "نحن بغنى عنها في ظل الحرب المتربصة بلبنان".
الغذاء والغاز والأدوية
التنديد انسحب أيضاً على نقابة مستوردي المواد الغذائية التي أعلنت في بيان "استهجانها وتحفظها الشديد" على الضريبة الاستثنائية، معتبرة أنها "مجحفة وغير عادلة وهي تصيب الجميع من دون استثناء لا سيما الشركات الشرعية التي طبقت بشفافية آلية الدعم بكل مندرجاتها".
بدورها، أملت نقابة موزعي الغاز في بيان "في الوصول إلى حل بخصوص الضريبة الاستثنائية"، مؤكدة أن المواطن هو من كان يستفيد مباشرة من الدعم، إذ إن الأسعار كانت تحددها وزارة الطاقة.
نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات اعتبرت بدورها أن "اعتماد الغرامة الاستثنائية على الشركات المستفيدة من الدعم، سيؤدي حتماً إلى ضرب القطاع الدوائي الشرعي بالكامل، وسيعرض أمن المواطن الصحي ويهدد توفر الدواء في لبنان".
وعارضت الهيئات الاقتصادية اللبنانية في بيان فرض الضريبة الاستثنائية، مؤكدة مبدأ "لا رجعية القوانين". وأضافت أنه "بدلاً من ملاحقة التهريب والمهربين والمتهربين، تذهب السلطة إلى ضرب الاقتصاد القانوني والملتزم، وكأن المطلوب الإمعان في سياسات إفقار اللبنانيين".
إضرابات واسعة
وفي سياق متصل، تتوالى إضرابات الموظفين في القطاع العام احتجاجاً على تدني أجورهم.
ولبت اليوم الخميس الدوائر الرسمية في معظم المناطق اللبنانية دعوة "الهئية الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة"، إلى الإضراب العام لمدة أسبوع، من أجل الضغط لإقرار الزيادات "المنصفة والعادلة" على رواتبهم.
وأقفلت دوائر النفوس والعمل والصحة والزراعة والاقتصاد والمالية وقلم النفوس والشؤون الاجتماعية وغيرها من المؤسسات العامة أبوابها بصورة كاملة في عدد من المناطق، فيما توقفت أخرى جزئياً عن العمل أو واصلت أعمالها.
وأعلنت "اللجنة الرسمية للأساتذة المتعاقدين بالساعة في الجامعة اللبنانية"، صرح التعليم العالي الرسمي الوحيد في لبنان، بدورها "التوقف عن مراقبة الاختبارات، وعدم تصحيح المسابقات، وعدم تسليم العلامات" لمدة أسبوعين قابلة للتجديد، اعتراضاً على عدم رفع أجر ساعة الأستاذ الجامعي المتعاقد التي لا تتعدى ثلاثة دولارات، وعلى عدم البت في ملف تفرغ الأساتذة.