ملخص
الولايات المتحدة في مأزق هو في الوقت نفسه أزمة للعالم.
حين راجت معادلة "صعود الصين وهبوط أميركا"، قال مسؤول صيني لمسؤول أميركي سابق، كما روى البروفيسور زبغنيو بريغينسكي، "نرجوكم أن تجعلوا الهبوط بطيئاً".
وبعدما أصدر الألماني أوسفالد شبنغلر كتاب "أفول الغرب"، صعد الغرب إلى ذرى عالمية ووصلت الولايات المتحدة إلى قمة الأحادية العالمية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.
اليوم يصدر المؤرخ الفرنسي إيمانويل تود كتاب "هزيمة الغرب"، ويقول إن "أفضل ما يمكن أن يحدث لأوروبا هو أن تختفي أميركا، وعندها ستعيش في سلام"، لا بل يرى "أن الغرب يدمر نفسه بدلاً من أن يتعرض لهجوم من روسيا"، والجدل مستمر في أميركا والعالم حول الانحدار والصعود.
روبرت غيتس الذي عمل وزيراً للدفاع ومديراً للمخابرات المركزية الأميركية يصف أميركا حالياً بأنها "قوة عظمى مختلة الوظيفة"، والبروفيسور أندرو باسيفيتش يسجل أن أميركا في "لحظة السويس"، وهي لحظة انحدار القوة البريطانية والفرنسية بعد العدوان الثلاثي على مصر، لكن روبرت كاغان من "بروكينغز" يقول "إن أميركا قوة عظمى أحبت أم لا، وعليها قبول دورها الكوني من دون التزلج بين التدخل والخندقة".
والواقع أن أميركا في مأزق هو في الوقت نفسه مأزق للعالم، وإن كانت هناك قوى تتصور أن المأزق الأميركي نصر لها، مأزق أبعد بالطبع من مغامرات المحافظين الجدد أيام جورج بوش الابن، كما من واقعية باراك أوباما وتهور دونالد ترمب وعقلانية جو بايدن، وليس أخطر من قوة أميركا سوى ضعفها.
وهذا ما عرفه ويعرفه واختبره ويختبره الحلفاء والأصدقاء، الخصوم والأعداء، المنافسون وطالبو القرب والرضى، ففي القوة تمارس واشنطن غطرسة لا تطاق وتفرض على دول العالم الإيقاع والسلوك، وتربط المساعدات بشروط غير مناسبة للأوضاع السياسية والاجتماعية في كل بلد.
وفي الضعف تطمح قوى دولية وإقليمية إلى ممارسة نفوذ أكبر خارج حدودها ومواجهة أميركا، ويقع العالم في فوضى يصعب على خصوم أميركا إدارتها وممارسة دور الشرطي الدولي الذي لعبته واشنطن، لا بل إن أميركا في ظل أية إدارة جمهورية أو ديمقراطية تصبح عاجزة عن تسوية أزمات إقليمية حتى بين حلفائها وأصدقائها قبل أعدائها أو التوسط لتسويتها، كما تخلق أزمات جديدة في بلدان عدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعدما تبنت أميركا إستراتيجية التوجه نحو الشرق الأقصى للتركيز على مواجهة الصين أيام أوباما وشعار "أميركا أولاً" أيام ترمب و"الحلول الدبلوماسية" مع بايدن، أعادتها حرب أوكرانيا للدخول في حرب بالوكالة مع روسيا وتجييش أوروبا، وأعادتها حرب غزة للانخراط في الشرق الأوسط لدعم إسرائيل بالمال والسلاح والدبلوماسية، كما دفعها تهديد الحوثيين لحرية الملاحة في البحر الأحمر إلى قصف قواعدهم وصواريخهم في اليمن بالاشتراك مع بريطانيا.
ولا أحد يعرف إن كان دعاة العودة للانعزال أو الخندقة سينجحون هذه المرة في إعادة ترمب للبيت الأبيض في المواجهة المكررة مع بايدن الذي فاز عليه خلال انتخابات 2020، فلا شيء يوقف ترمب عن رهن الحزب الجمهوري، حزب أبراهام لينكولن، وأخذه إلى التطرف ونظريات المؤامرة، على رغم أنه خاضع للمحاكمات بـ 91 تهمة.
ووسط الجدل بين الأميركيين الذين يرون مع ترمب أن بايدن هو "أسوأ رئيس في تاريخ أميركا وقادها إلى أكبر كارثة"، والذين يعتقدون أن بايدن أعاد أميركا لدورها القيادي، والذين يبحثون عن خيار آخر غير ترمب وبايدن، يكتب فريد زكريا مقالة في "فورين أفيرز" بعنوان "قوة عظمى شكاكة في نفسها"، وفيها يقول إن "أميركا لا تستطيع التخلي عن العالم الذي صنعته".
وووفق زكريا فإن التحدي أمام الولايات المتحدة هو "أن تعمل بصورة أسرع ولكن ألا تعمل بخوف، فهي من دون الجميع تبقى قابلة بصورة فريدة ومستعدة لأن تلعب دوراً مركزياً في الحفاظ على النظام العالمي، وطالما لم تفقد أميركا الثقة بنفسها، وهي لا تزال أقوى قوة عسكرية منفردة، فإن النظام العالمي الحالي يمكن أن يستمر لعقود مقبلة".
وهذا طبعاً تصور معاكس للوصول إلى ما تسميه روسيا "عالم ما بعد الغرب" وعالم التعددية القطبية، أما الواقع الذي يسلّم به زكريا فهو أننا في عالم "ثنائي القطبية" بين أميركا والصين.
وأما مستشار بايدن لشؤون الأمن القومي جايك سوليفان فإنه يعتبر "الخيارات الإستراتيجية أهم من مصادر القوة الجغرافية والديموغرافية والمصادر الطبيعية"، ويرى أن المهم هو "كيف تنظم مصادر القوة؟"، وتلك هي المسألة، لكن المشكلة هي إما في غياب الخيارات الإستراتيجية وإما في غياب القوة التي تحقق الخيارات أو الرغبة في توظيف "القوة الصلبة والقوة الناعمة"، على حد التعبير الذي صكه البروفيسور جوزف ناي.