ملخص
ضياع أوراقهم الرسمية جراء قصف منازلهم، زاد المسألة تعقيداً، وبات من الصعب إخراجهم من قطاع غزة كلاجئين
بعد قصف منزله بحي المنارة في خان يونس ومقتل جميع من كانوا فيه من أهل الدار والنازحين، أصبح آدم (ست سنوات) الطفل الوحيد الناجي من عائلة أبو شمالة، لينضم بذلك إلى قائمة طويلة من الأطفال اليتامى في غزة.
إلى جانب تهديد أمنهم وحياتهم وانقطاعهم عن الدراسة بسبب قصف مدارسهم وحرمانهم الغذاء والسكن والرعاية الصحية، زاد اليُتم وضعهم سوءاً، وعلى رغم صعوبة حصر العدد الإجمالي والنهائي لعدد الأيتام في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، رصد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان وجود أكثر من 25 ألف طفل فقدوا أحد الوالدين أو كليهما في غزة، بينما دُمرت أو تضررت منازل نحو 640 ألفاً منهم، مما يجعلهم من دون مأوى. فيما أكدت تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) وجود ما لا يقل عن 17 ألف طفل يتيم في قطاع غزة، أي ما يوازي واحد في المئة من إجمالي عدد النازحين الذي بلغ مليوني شخص. وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، أصبح لهم تعريف خاص داخل المستشفيات WCNSF، وهي الحروف الأولى من جملة "طفل جريح من دون والدين على قيد الحياة".
وفقاً لإحصاء مؤسسة "إس كاي تي ويلفير" الخيرية الإسلامية، بلغ عدد الأطفال الأيتام في القطاع قبل الحرب نحو 33 ألفاً، بينما قدّرت مؤسسة "Orphans in Need" البريطانية الخيرية، وجود ما لا يقل عن 5 آلاف أرملة، يواجهن أخطاراً على سلامتهم وصعوبات جسيمة لإعالة أطفالهن بمفردهن. وبحسب بيانات رسمية صادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية في غزة، أسفرت الحرب على قطاع غزة عام 2009 عن وجود 1089 يتيماً، بينما خلفت الحرب في 2012، 224 يتيماً، في حين بلغ عدد الأيتام في حرب 2014 أكثر من 2000، وأدت الحرب عام 2021 إلى إضافة 241 يتيماً، وبذلك فإن الحرب الحالية المندلعة منذ 165 يوماً بحسب المنظمات أممية وحقوقية، تسببت بوجود عدد غير مسبوق من الأيتام لا يقارن بأي صراع آخر في العصر الحديث. ووفقاً للبيانات التي يجمعها مكتب المراجع السكانية غير الربحي الذي يتخذ من العاصمة الأميركية واشنطن مقراً له، يعد سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من بين السكان الأصغر سناً في العالم، ونصفهم تقريباً دون الـ18 سنة، وعام 2018 أبلغت لجنة حقوق الطفل في الأمم المتحدة أن دولة فلسطين لم تقدم إحصاء بعدد الأطفال الأيتام لأن حصرهم يعد تحدياً كبيراً.
مراكز إيواء
على رغم صعوبة حصر أعداد الأطفال الفلسطينيين الذين فقدوا أحد والديهم أو كليهما بسبب ظروف الحرب، يجمع نشطاء وأمميون أن مصيراً صعباً جداً ينتظر أيتام غزة، بالنظر إلى ضعف إمكانات دور الأيتام التي تحولت إلى مراكز إيواء، والظروف البائسة على الأرض. ومع أن السائد في قطاع غزة أن يتكفل أقرب الأقربين إلى الطفل برعايته وتعليمه وتلبية حاجاته، وتجنب إيداعه في مراكز خاصة إلا في حالات استثنائية، قلبت الحرب الحالية كل الموازين المجتمعية وفرضت على الغزيين حالاً اجتماعية جديدة، إذ أصبح آلاف الأطفال من دون أقارب بالمطلق.
ووفقاً لصحيفة "ذا تليغراف" البريطانية، تسببت الحرب في امتلاء أروقة المستشفيات ومخيمات النازحين بالأيتام، مما يعتبر سابقة من نوعها أن يتيتم هذا العدد الكبير من الأطفال في فترة قصيرة وقالت الطبيبة النفسية في منظمة "أطباء بلا حدود" أودري ماكموان للصحيفة إن "صك التعريف الجديد في إشارة إلى WCNSF، أمر مرعب وصادم ومخزٍ لنا جميعاً، وهو بمثابة جرح معنوي للإنسانية"، مضيفة أنه "إلى جانب صدمة الحرب، فإن الأطفال الذين فقدوا آباءهم وأطرافهم يتعلمون التعايش مع الإعاقة، وهذا سيكون له تأثير يمتد مدى الحياة". في حين أكد مدير الاتصالات في "يونيسيف" بفلسطين جوناثان كريكس بعد زيارته لأحد المخيمات أن الأطفال بصورة عامة "يعانون حالات الصدمة الشديدة ويتجلى ذلك في أوقات القصف، ولكن أوضاع الأيتام في شمال القطاع ووسطه أسوأ بكثير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وضم قطاع غزة قبل الحرب خمس مؤسسات رئيسة لرعاية الأيتام والتكفل بهم مع تقديم خدمات إيواء ورعاية وتعليم وتوفير المأكل والملبس، وتقدم مؤسسات إغاثية أخرى في غزة لمن يتكفل باليتيم من أعمام وأخوال وأجداد، مصروفاً أو راتباً شهرياً يكفي سد حاجاته، إلا أنه وبالنظر إلى حال العزلة الشديدة التي تفرضها الحرب، يصعب تواصل تقديم خدماتها إلى الأيتام. وبحسب برنامج "النظام الوطني لحماية الطفل والرعاية البديلة (SOS)، أو ما يعرف بقرى الأطفال، تبلغ الطاقة الاستيعابية لمؤسسات رعاية الأيتام الرئيسة في قطاع غزة 2800 طفل يتيم فقط لكل واحدة منها، مشيرة إلى أن أهم تلك المؤسسات تعرضت لأضرار جسيمة خلال الحرب على القطاع عام 2021 التي استمرت 11 يوماً.
وعلى رغم ذلك، لجأ إليها سكان القطاع كوجهة آمنة نسبياً، مما شكّل تحدياً كبيراً أمام الدور وازدادت صعوبة تقديم الخدمات للأطفال الأيتام القاطنين داخلها. ويرى متخصصون أن الأزمة الحقيقية للأيتام الجدد، تتمثل في انعدام الخدمات التي من شأنها تحسين أوضاعهم، خصوصاً أنهم بحاجة لرعاية ودعم خاصين لتجاوز صدمة الحرب والفقدان معاً، والأعداد الكبيرة للأيتام وضياع أوراقهم الرسمية جراء قصف منازلهم زاد المسألة تعقيداً، إذ يصعب إخراجهم من قطاع غزة كلاجئين.
70 يتيماً
في عملية استثنائية، وافقت إسرائيل مطلع مارس (آذار) الجاري على نقل 70 يتيماً فلسطينياً ينتمون لقرية الأطفال "SOS" في رفح، إلى قرية الأطفال في مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية، ومن بينهم بالغون غادروا هذه القرى وجاؤوا مرافقين للأطفال، على رغم أن مجلس الوزراء السياسي الأمني المصغر "الكابينت" لم يتلقَّ أي تحديث في شأن هذه الخطوة، ولم يصدر قراراً بالموافقة عليها. وبحسب القناة "12" الإسرائيلية، جرى نقل الأطفال عبر حافلات بالتنسيق ما بين الجيش وجهاز الإدارة المدنية الإسرائيلية، على طول المحور المروري من معبر طابا الحدودي بين مصر وإسرائيل قرب إيلات، إلى طريق الأنفاق جنوب القدس. وقالت القناة إن "هذه اللفتة الإنسانية غير العادية جاءت بناء على طلب السفارة الألمانية، وتمت مع أن حركة حماس التي تسيطر على القطاع غير مستعدة لتسمية حتى أسماء وأعداد المختطفين الأحياء".
وعلى رغم أن عمليات "نقل الأطفال" أثناء الحرب العالمية الثانية اعتبر عالمياً رمزاً للإنسانية لإنقاذه نحو 10 آلاف طفل من ويلات الحرب بعد نقلهم من ألمانيا والدول المحيطة بها إلى المملكة المتحدة، إلا أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وصف العملية بأنها "فشل أخلاقي"، بل طالب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتوضيحات عاجلة حول هوية من أصدر هذا الأمر. ونقلت القناة ذاتها عن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير قوله "ليست هذه هي الطريقة التي تسير بها الدولة التي تريد النصر المطلق". وأضاف أن "هناك عدداً لا يحصى من الإنسانية الزائفة، وما زال مواطنو إسرائيل يدفعون الثمن"، مشدداً في تصريحاته على أنه "في الحرب، عليك أن تسحق العدو وليس أن تجمل نفسك باستمرار". وكانت القناة نقلت أيضاً عن مسؤول كبير في مجلس الوزراء السياسي الأمني في إسرائيل قوله إن الإجراء "يعد فضيحة وسلوكاً غير أخلاقي تجاه المختطفين في غزة وعائلاتهم".
في المقابل، أكد محافظ بيت لحم محمد طه أن نقل عشرات الأطفال من قرية الأطفال SOS في مدينة رفح جنوب قطاع غزة للإقامة في فرع القرية بمدينة بيت لحم في الضفة الغربية، سيكون موقتاً إلى حين انتهاء الحرب، موضحاً أن عدد من جاؤوا على متن حافلات من غزة نحو 95 فرداً، من أطفال وطواقم إدارة ومربيات.
برامج خاصة
فلسطينياً، يعد الأطفال الذين تيتموا في الحروب حالات إنسانية خاصة وحساسة، مما دفع جهات رسمية فلسطينية عدة لتبني برامج مختلفة لتخفيف معاناتهم، مثل برامج "الأسرة الحاضنة (البديلة)" التي يتم فيها إدماج الطفل اليتيم داخل أسر فلسطينية تمنحه شكلاً مختلفاً من الرعاية التي لا يجدها ربما في دار الأيتام. ويوفر برنامج "الأم البديلة" مرشدات يحاولن القيام بالدور البديل للأم المفقودة عبر تخصيص مشرفات يركزن اهتماماً مباشراً على مجموعة محددة وصغيرة من الأطفال لضمان رعايتهم دراسياً وتربوياً على النحو الأمثل. وكذلك تبنى مشروع "الأخ الأكبر" استمرار رعاية الأيتام حتى مراحل عمرية متقدمة عبر مساندتهم مالياً بمصاريفهم الدراسية ومنحهم دورات تدريبية تسهل حصولهم على عمل.