ملخص
حققت الأحزاب المنتمية إلى "اليمين المتطرف" مكاسب في انتخابات البرلمان الأوروبي، مما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الدعوة لانتخابات باكرة فضلاً عن زيادة حال عدم اليقين في شأن مستقبل الاتجاه السياسي لأوروبا.
استبعد المستشار الألماني أولاف شولتز إجراء انتخابات برلمانية مبكرة كما فعلت فرنسا، بعد الانتكاسة المريرة التي تعرضت لها حكومته في الانتخابات الأوروبية، وفق ما أعلن المتحدث باسمه اليوم الإثنين.
وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن هيبشترايت إن خيار إجراء انتخابات مبكرة الذي طالب به اليمين المتطرف والزعماء المحافظون، لم يتم تناوله "في أي وقت ولا لثانية واحدة"، على رغم النتيجة "غير المرضية" التي حققتها الأحزاب الثلاثة في الائتلاف الحكومي والمكون من الديمقراطيين الاجتماعيين والخضر والليبراليين.
وأضاف "تم تحديد موعد الانتخابات الدورية في خريف 2025، وهذا ما نعتزم القيام به"، مشيراً إلى الاختلافات الكبيرة بين النظام الفرنسي الذي يلعب فيه الرئيس دوراً قيادياً، والنظام الألماني الذي يضع السلطة التنفيذية بين أيدي المستشار وحكومته.
حصلت أحزاب الائتلاف الحاكم منذ نهاية 2021 مجتمعة على أقل من ثلث الأصوات في الانتخابات الأوروبية، التي جرت أمس الأحد مما أفقدها مكانتها، بخاصة حزب الخضر، وفقاً لنتائج أولية.
أما الفائز الأكبر في الانتخابات فهو المعسكر المحافظ "حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي" وحليفه البافاري "حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي"، مع 30 في المئة، يليه الحزب اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا" بـ15,9 في المئة.
ودعا زعيم الاتحاد الاجتماعي المسيحي اليوم الإثنين إلى إجراء الانتخابات "في أسرع وقت ممكن"، ومن أجل "بداية جديدة لبلادنا".
وقال ماركوس سودر لقناة "إن تي في" إن حكومة شولتز "لم تعد تتمتع بأي دعم بين السكان".
واعتبرت الرئيسة المشاركة لحزب "البديل من أجل ألمانيا" أليس فايدل، على منصة "إكس" أنه "لم يتبق أمام السيد شولتز سوى مهمة واحدة لإنجازها، تمهيد الطريق لإجراء انتخابات جديدة بدلاً من الحكم سنة أخرى ضد الغالبية العظمى من السكان".
منذ تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية في عام 1949، تم إجراء انتخابات مبكرة ثلاث مرات بعد فشل التصويت على الثقة في البوندستاغ (مجلس النواب) وذلك في عهد الديمقراطي الاجتماعي ويلي براندت (1972)، والمحافظ هيلموت كول (1982) وغيرهارد شرودر، الديمقراطي الاجتماعي كذلك، في عام 2005.
صعود يمني
شهدت الانتخابات الأوروبية صعود تيار "اليمين المتطرف" في عدد من الدول، محدثة زلزالاً سياسياً في فرنسا، لكن من دون الإخلال بالتوازن السياسي في بروكسل.
وتؤكد المعطيات الأولية إحراز الأحزاب اليمينية القومية والمتطرفة مكاسب مهمة وانتكاسة مريرة لزعيمي القوتين الرئيسيتين في الاتحاد الأوروبي، المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أعلن حل "الجمعية الفرنسية" ودعا إلى انتخابات تشريعية في الـ 30 من يونيو (حزيران) الجاري.
وجرت الانتخابات التي دُعي إليها أكثر من 360 مليون ناخب لاختيار 720 عضواً في البرلمان الأوروبي منذ الخميس الماضي في مناخ مثقل بالوضع الاقتصادي القاتم والحرب في أوكرانيا، فيما يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات إستراتيجية من الصين والولايات المتحدة.
والتوجه المتوقع للبرلمان الأوروبي نحو اليمين يعني أن المجلس قد يكون أقل حماسة للسياسات الرامية إلى معالجة تغير المناخ، بينما سيكون حريصاً على التدابير الرامية للحد من الهجرة إلى الاتحاد الأوروبي، وهو تكتل يضم 450 مليون مواطن.
بين فرنسا وألمانيا وإسبانيا
ففي فرنسا تصدر حزب "التجمع الوطني" بقيادة جوردان بارديلا النتائج بنسبة تزيد على 31.5 في المئة من الأصوات، متقدماً بفارق كبير على حزب النهضة الذي يتزعمه الرئيس ماكرون (15.2 في المئة)، بحسب تقديرات معاهد الاستطلاع، وبذلك سيحصل حزب الجبهة الوطنية على 31 من أصل 81 مقعداً فرنسياً في البرلمان الأوروبي.
وفي رد فعل فوري أعلنت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان "نحن على استعداد لممارسة السلطة إذا منحنا الفرنسيون ثقتهم"، إذ خسرت لوبان في مواجهتها مع ماكرون مرتين خلال الانتخابات الرئاسية لعامي 2017 و2022، وتهدف إلى الوصول للرئاسة في الاستحقاق المقرر عام 2027.
وتشكل نتيجة الانتخابات الحالية ضربة قاسية لماكرون الذي وصل إلى السلطة عام 2017 مع وجود رغبة لديه في تعزيز النفوذ الفرنسي داخل الاتحاد الأوروبي، مع وعد بالقضاء على التطرف على الساحة الوطنية.
من جانبه، جدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التأكيد، اليوم الإثنين، غداة إعلانه حل الجمعية الوطنية، أنه "يثق بقدرة الفرنسيين" على "القيام بالخيار الأنسب" خلال الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة بعد ثلاثة أسابيع.
وكتب ماكرون عبر منصة اكس، "أنا أثق بقدرة الشعب الفرنسي على القيام بالخيار الأنسب له وللأجيال المقبلة. طموحي الوحيد هو أن أكون مفيدا لبلادنا التي أحب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان انتصار اليمين الفرنسي المتطرف متوقعاً في هذه الانتخابات، ذلك أن بارديلا الذي ركز خطابه على مواضيع الهجرة والأمن والقوة الشرائية، ظل طوال الحملة الانتخابية متقدماً بفارق كبير على فاليري هاير.
وبفضل حضوره الإعلامي تمكن بارديلا من ترسيخ نفسه في أقل من خمس سنوات في المشهد السياسي الفرنسي المتجدد بالكامل، وواصل إستراتيجية تغيير الصورة النمطية التي دأبت على "شيطنة" حزب "اليمين المتطرف" الفرنسي.
أما في ألمانيا وعلى رغم الفضائح الأخيرة التي طالت رئيس قائمته، فقد احتل حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف المركز الثاني بنسبة 16.5 في المئة إلى 16 في المئة من الأصوات خلف المحافظين (29.5 إلى 30 في المئة)، لكنه تقدم بفارق كبير على حزبي الائتلاف الحاكم، "الاشتراكيين الديمقراطيين" (14 في المئة) و"الخضر" (12 في المئة).
وفي إيطاليا تصدر حزب "إخوة إيطاليا" اليميني المتطرف الذي تتزعمه رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني النتائج بنسبة 25 إلى 31 في المئة من الأصوات، وفق استطلاعات رأي مختلفة، وكذلك في النمسا تصدر حزب الحرية "إف بي أو" اليميني المتطرف الانتخابات الأوروبية محققاً بذلك أول فوز له في انتخابات وطنية.
وحصل الحزب على 25.7 في المئة من الأصوات، وفقاً لنتائج شبه كاملة نشرتها وسائل الإعلام مساء، يليه مباشرة حزب "أو في بي" المحافظ (24.7 في المئة)، ثم حزب "إس بي أو" الاشتراكي الديمقراطي (23.2 في المئة)، بينما حصل حزب "الخضر" من جهته على 10.7 في المئة.
أما الهولنديون الذين كانوا أول من أدلوا بأصواتهم الخميس الماضي ، فعززوا موقف حزب "خِيرت فيلدرز" اليميني المتطرف.
وفي إسبانيا أظهرت النتائج الرسمية حصول الحزب الشعبي اليميني، التشكيل الرئيسي للمعارضة الإسبانية، على 22 مقعداً في البرلمان الأوروبي مقابل 20 للـ "اشتراكيين" بزعامة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، وحقق حزب "فوكس" اليميني المتطرف تقدماً بحصوله على ستة مقاعد، أما في بولند فاعتبر رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك الذي فاز حزبه الوسطي المؤيد لأوروبا أن بلاده تقدم "بصيص أمل" للقارة العجوز على النقيض من حال "الحزن الرهيب" في باريس.
وقال الرئيس السابق للمجلس الأوروبي بعد إعلان نتائج استطلاعات الرأي في بولندا، إن "من هم في السلطة في ألمانيا ليس لديهم سبب للشعور بالرضا، ومن هم في السلطة في فرنسا لديهم سبب للشعور بحزن شديد"، مضيفاً أن "بولندا أظهرت انتصار الديمقراطية والصدق وأوروبا"، بينما فاز حزب "توسك" الوسطي المؤيد لأوروبا "الائتلاف المدني" في الانتخابات بـ 38.2 في المئة من الأصوات، مما يمنحه 21 مقعداً في البرلمان الأوروبي.
من جهته حلّ حزب "القانون والعدالة" القومي الشعبوي الذي تولى السلطة في بولندا مدة ثمانية أعوام حتى الانتخابات التشريعية في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل في المركز الثاني بحصوله على 33.9 في المئة، مما يمنحه 19 مقعداً في بروكسل.
وفي النمسا، حصل "حزب الحرية" اليميني المتطرف على 27 في المئة من الأصوات.
عزوف عن التصويت في اليونان
وفاز حزب "الديمقراطية الجديدة" اليميني بزعامة رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في الانتخابات الأوروبية، وهو اقتراع اتسم بنسبة امتناع كبيرة من التصويت، وفقاً لنتائج رسمية جزئية جمعت من أكثر من 90 في المئة من مراكز الاقتراع.
واستناداً إلى هذه النتائج التي نشرتها وزارة الداخلية فلم تبلغ نسبة المشاركة سوى 40.53 في المئة مقارنة بـ58.69 في المئة في الانتخابات الأوروبية السابقة عام 2019، وهي سابقة في اليونان خلال العقود الأخيرة، إذ كانت نسبة المشاركة أعلى بكثير من 50 في المئة.
وحصل حزب "الديمقراطية الجديدة" على 27.85 في المئة من الأصوات وسبعة مقاعد في البرلمان الأوروبي، مما يظهر وجود فجوة كبيرة مع حزب "سيريزا" اليساري بقيادة ستيفانوس كاسيلاكيس الذي حصل على 14.93 في المئة (أربعة مقاعد)، يليه حزب "باسوك" الاشتراكي (12.91 في المئة) بثلاثة مقاعد.
وعلى رغم فوزه فقد أخفق ميتسوتاكيس، الذي أعيد انتخابه بغالبية كبيرة قبل عام، في تحقيق هدفه المتمثل في جمع 33 في المئة من الأصوات، وقال رئيس الوزراء بعد نشر النتائج الجزئية "لن أخفي الحقيقة، حزبنا لم يحقق الهدف الذي كنا نأمل فيه، حتى لو كانت الفجوة مع الحزب الذي حل ثانياً هي الأكبر على الإطلاق خلال الانتخابات الأوروبية"، معتبراً أن هذه النتيجة وسيلة بالنسبة إلى "بعض الناخبين من أجل الاحتجاج" على صعوبات الحياة اليومية وارتفاع الأسعار، مما يشكل مصدر قلق كبير لمواطنيه، ووعد بأن حكومته "ستحاول تأدية عمل أفضل" خلال الأعوام الثلاثة المقبلة قبل انتهاء ولايتها، وفي المجموع فهناك ثمانية أحزاب يونانية ممثلة في البرلمان الأوروبي، بحسب هذه النتائج الجزئية.
الليبراليون يهزمون حزب رئيس الوزراء السلوفاكي
وحقق الحزب "الليبرالي" المعارض في سلوفاكيا مفاجأة أمس الأحد بفوزه في الانتخابات الأوروبية ضد حزب "سمير-إس دي" الاشتراكي الديمقراطي بزعامة رئيس الوزراء روبرت فيكو ذي الميول المؤيدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأصيب فيكو بجروح خطرة جراء تعرضه لهجوم في منتصف مايو (أيار) الماضي، وهو معاد للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، وكان المرشح الأوفر حظاً بحسب استطلاعات الرأي التي أشارت إلى أن الهجوم الذي تعرض له عزز التأييد لحزبه.
وفي رسالة نشرها على صفحته في موقع "فيسبوك"، قدم حزب "سمير-إس دي" مساء أمس الأحد "التهاني للفائز في الانتخابات، حزب سلوفاكيا التقدمية"، وفي ثاني فوز على التوالي يحققه في الانتخابات الأوروبية حصل على 27.81 في المئة من الأصوات، مما يمنحه ستة مقاعد في البرلمان الأوروبي، وفقاً للنتائج التي نشرتها الصحافة السلوفاكية، وسيكون لحزب "سمير-إس دي" الذي حصل على 24.76 في المئة من الأصوات خمسة نواب في بروكسل.
وحل حزب "ريبابليكا" اليميني المتطرف ثالثاً بحصوله على نسبة 12.53 في المئة من الأصوات، وسيكون له ممثلان في البرلمان الأوروبي، إذ بلغت نسبة المشاركة 34.38 في المئة، أي أعلى مما كانت عليه خلال الانتخابات السابقة.
اليمين المتطرف منقسم
واليمين المتطرف منقسم في البرلمان الأوروبي إلى كتلتين لا يزال تقاربهما غير مؤكد بسبب خلافات كبيرة بينهما، بخاصة في ما يتعلق بروسيا، ويرى سيباستيان ميلار من "معهد جاك ديلور" في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، أن "أصوات اليمين المتطرف واليمين السيادي لا يمكن جمعها معاً، وهذا سيحد من وزنهما المباشر في المجلس التشريعي"، مضيفاً أن صعود اليمين المتطرف "الواضح وخصوصاً في فرنسا، سيؤثر حتماً في المناخ السياسي الذي تعمل فيه المفوضية، وسيتعين على الغالبية أن تأخذ ذلك في الاعتبار". ويحذر المحلل قائلاً "في حال الفشل في التأثير بشكل مباشر فسيكون اليمين المتطرف قادراً على التأثير بشكل خبيث".
القضايا الحاسمة
وبينما يتبنى أعضاء البرلمان الأوروبي تشريعات بالتنسيق مع الدول الأعضاء، يمكن لليمين المتطرف أن يجعل صوته مسموعاً في القضايا الحاسمة، مثل الدفاع ضد روسيا التوسعية والسياسة الزراعية والهجرة والهدف المناخي لعام 2040 ومواصلة التدابير البيئية التي يرفضونها بشدة.
وتبقى الغالبية مشكّلة من أحزاب "الائتلاف الكبير" الوسطي الذي يضم اليمين (حزب الشعب الأوروبي)، و"الاشتراكيين الديمقراطيين" والليبراليين (التجديد)، والتي تحصل عادة في إطاره التسويات داخل البرلمان الأوروبي.
ووفق التقديرات التي نشرها البرلمان الأوروبي الأحد، فإن حزب "الشعب" الأوروبي سيحصل على 191 مقعداً، والديموقراطيون الاشتراكيون 135 مقعداً، وحزب "تجديد أوروبا" 83 مقعداً. ويتوقع أن ينخفض عدد مقاعد الخضر إلى 53 مقعداً (مقارنة بأكثر من 70 حالياً).
وأكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين الأحد أن "حزب الشعب الأوروبي هو أقوى مجموعة سياسية وهذا مهم، وسنبني حصناً ضد متطرفي اليسار واليمين وسنوقفهم".
وفون دير لايين مرشحة لشغل المنصب مجدداً، ويتعين عليها الحصول على موافقة زعماء الدول الأعضاء ثم غالبية أعضاء البرلمان الأوروبي الذين منحوها ثقتهم عام 2019 بغالبية ضئيلة للغاية (تسعة أصوات).
وكانت رئيسة المفوضية الأوربية قد توددت إلى رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وحزبها، وقالت إنها ترى فيها شريكاً مناسباً مؤيداً لأوروبا ومؤيداً لأوكرانيا، مما أثار استياء "الليبراليين" و"الاشتراكيين" وكذلك "الخضر"، وفي هذا الصدد قال رئيس كتلة "الخضر" في البرلمان الأوروبي باس إيكهوت "هل سندعم أورسولا فون دير لايين؟ من السابق لأوانه الحسم، ومن الواضح جداً أننا مستعدون للتفاوض"، لكن بشرط استبعاد أي تقارب مع ميلوني، مشدداً على أن توسيع الميثاق الأخضر "عنصر مهم للغاية" في برنامج المفوضية المستقبلي، على رغم أن حزب الشعب الأوروبي متردد جداً في هذا الشأن.