Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وثائق ومخطوطات مجهولة للإمام محمد عبده

كانت في حوزة مصور بعثة حج مصرية وتمثل منطلق مشروع لتوثيق الآثار المحيطة بالحرميْن

الإمام المصري محمد عبده (من الكتاب)

ملخص

في عام 2007 نُشِر على موقع صالة "سوذبي" للمزادات أن هناك مجموعة أوراق معروضة للبيع منسوبة إلى الإمام محمد عبده. فتقدم "معهد دراسات حول حضارات المسلمين" التابع لجامعة أغا خان في لندن، لشراء هذه المجموعة وأودعها مكتبته. وحديثاً صدر كتاب "من أوراق الإمام محمد عبده المجهولة: مشروع استقلال مصر 1883" للباحثين عماد أبو غازي ووليد غالي، يضم كل هذه الأوراق. وعلى رغم أن الفحص الاستطلاعي لهذه الوثائق والمخطوطات بدأ في مارس (آذار) 2015، فإن فهرستها ورقمنتها تأخرتا حتى عام 2018.

اكتشفت المجموعة التي تحتوي على أوراق ومخطوطات مكتوب عليها جميعاً "من أوراق الإمام محمد عبده"، وبعض الكتب النادرة مثل كتاب "زعماء الإصلاح" لأحمد أمين، و"تفسير المنار" لمحمد رشيد رضا. واشتملت أيضاً على صورة أصلية للشيخ محمد عبده مع صاحب المجموعة، وهو محمد علي أفندي السعودي، وكان يعمل لدى وزارة الحقَّانية (العدل الآن) المصرية، ومن ثم فإنه كان ممَّن يصاحبون رحلات المَحْمَل من مصر إلى الأراضي المقدسة في الحجاز، وقد عُرِفت عنه هوايته للتصوير وجمع النوادر. ومن ثم اشتملت المجموعة على ألبومات لصور فوتوغرافية التقطها صاحبها. وتلك الصور والمذكرات المصاحبة لها تجعل من محمد علي السعودي، كما جاء في مقدمة كتاب "من أوراق الإمام محمد عبده المجهولة: مشروع استقلال مصر 1883" (دار الشروق – القاهرة) للباحثين عماد أبو غازي ووليد غالي، "شاهداً استثنائياً على رحلة الحج من مصر إلى مكة المكرمة". ويقول الباحثان في المقدمة نفسها: "ما يهمنا في هذا الصدد هو التركيز على أمريْن: الأول علاقة صاحب المجموعة بالشيخ محمد عبده وملازمته إياه لفترة طويلة؛ وهو ما يبرر وجود مخطوطات بخط يد الشيخ ضمن مقتنيات السعودي أفندي، ولعل وجود صورة فوتوغرافية أصلية جمعتهما يؤكد تلك العلاقة الوثيقة. أما الأمر الثاني، والذي وصفاه بالأهم، فهو أن محمد عبده كان الباعث الحقيقي وراء تسجيل السعودي لمذكراته وتوثيقه رحلة الحج، حيث طلب منه أن يكتب تقريراً عن التاريخ الديني لكل الآثار المحيطة بالحرم والمنتشرة في الأراضي المقدسة.

رحلة الحج

وهذا ما تؤكده العبارة الموجَّهة من السعودي إلى محمد عبده في موسم الحج عام 1904: "أقدم لك، بناءً على طلبك، ما استطعتُ كتابته بقلم الرصاص في هذه المرحلة، وسأزودك بما تبقى من معلومات بعد الانتهاء من كتابي الذي يتحدث عن رحلة الحج ووصف الحجاز، بإذن الله". أما تصويره لرحلة الحج فربما يرجع أكثر، كما يرى الباحثان، إلى الرحلة الثانية في عام 1907/ 1908، والتي قام بها بعد وفاة الإمام محمد عبده، حيث كان مصوراً مرافقاً لعلي بك بهجت الآثاري، وكانت مهمته تصوير آثار الحجاز. وكان بهجت مهتماً بدراسة آثار الحجاز ونشر ما عليها من كتابات ونقوش، فقد أرسل أكثر من رسالة إلى صديقه المستشرق السويسري ماكس فان برشم، أشار فيها إلى مشروعه لتوثيق النقوش الأثرية في الحجاز في أثناء رحلته للحج خلال ديسمبر (كانون الأول) 1907 ويناير (كانون الثاني) 1908. وتشير أوراق محمد علي السعودي إلى علاقته الوطيدة بأمير الحج المصري آنذاك اللواء إبراهيم رفعت، تلك العلاقة التي أغضبت علي بهجت الذي كان يعتبر أن السعودي تابع له في مهمته، بحسب تحليل أبي غازي وغالي.

وما لم يذكره الباحثان، هو أن جهد محمد علي السعودي ظهر في كتاب صادر عام 2019 عن مشروع "كلمة"؛ في أبو ظبي، من إعداد فريد قيومجي، وهو باحث متخصص فى أدب الرحلات المتعلق بالشرق الأوسط، وروبرت غراهام، وهو صحافي مستقل يعيش فى باريس وجنوب إسبانيا، وترجمة الأردنية سرى خريس.

وعنوان هذا الكتاب هو "مصوّر في الحج... رحلات محمد علي أفندي السعودي 1904 ـ 1908"، ويعتبر أحد أهم الكتب التي تؤرخ لرحلة الحج من مصر إلى الأراضى المقدسة. ويقدم الكتاب وصفاً مصوراً ونادراً لهذه الرحلة من خلال يوميات وصور المصوِّر المصري محمد علي أفندي السعودي، الذي قام برحلتي حج ضمن بعثة الحج المصرية الرسمية. وقام السعودي بالتقاط صور لمكة والمدينة أبرز فيها الطراز المعماري السائد وطبيعة المباني حول الحرمين. كما جال بكاميرته داخل الحرمين وحولهما مسجلاً للتاريخ مواقع اختفى معظمها الآن. وسجل السعودي المولود في القاهرة عام 1865، وصفاً دقيقاً لمناسك العمرة التى أداها فى اليوم التالي لوصوله إلى مكة، وأيضاً مناسك الحج التى أداها فى تلك الرحلة، كما سجَّل وصفاً أكثر دقة لمعالم مكة المكرمة والمدينة المنورة بالصورة والكلمة معاً.

الإمام في المنفى

وتشتمل أوراق الإمام محمد عبده التي حازتها جامعة أغا خان على مجموعة خطيَّة عبارة عن بعض الأوراق المفردة وكراستيْن. الأوراق المفردة مدوَّن فيها جدول بأهم الأحداث التاريخية في فلسطين من عام 400 قبل الميلاد وحتى عام 400 م. أما الكراستان فأولاهما مخطوطة معنونة بـ"تنوير العقول بتفسير أشياء عقلية"، وتتضمن موضوعات اجتماعية متفرقة حول الأسرة والمجتمع والعمل والأجناس البشرية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول أبو غازي وغالي إنه قد اتضح بالبحث أن هذه الكراسة هي مسوَّدة لترجمة كتاب تشارلز ديلون، وترجمته عن الفرنسية هي "مدخل مُبسَّط للإعداد لدراسة التاريخ"؛ المنشور في مدرسة محمد عبده لتعليم اللغة الفرنسية. ومن اللافت في هذه الترجمة استخدامه لمصطلحات ابن خلدون في عدة مواضع. أما الكراسة الثانية فتضم ترجمة لثلاثة فصول من كتاب "الجمهورية" لأفلاطون، وأغلب الظن كما يقول الباحثان، هو أنها محاولات أولى للشيخ محمد عبده لترجمة أفلاطون إلى العربية بغرض تعلم اللغة الفرنسية أو ربما لاستخدامها في التدريس. كما تحوي الكراسة صفحات متفرقة دوَّن فيها محمد عبده موضوعات متنوعة؛ فتحت عنوان "الأمثال وما يجري مجراها من اللوازم الدائرة في الاستعمال"، أورَد على عموديْن مجموعة من الأمثال العربية، وفي صفحات أخرى من المخطوط ذكر بعضاً من أبيات الشعر، وهناك كذلك محاولة للترجمة من الأوديسية في بعض الصفحات الأخرى. ويبدو أن محمد عبده واصل تحصيل العلم في منفاه وسعى لدراسة العلوم العصرية، ولكن المعروف أنه بدأ في تعلم اللغة الفرنسية بعد عودته من المنفى.

كانت الخطوة الأولى في سبيل إعداد هذا الكتاب هي التحقق من أن هذه الأوراق والمخطوطات تنتسب إلى الإمام محمد عبده بالفعل، وذلك من خلال مضاهاة خطوطها بالخطوط التي دونت بها أوراق أخرى تأكَّد أنها بخطه، مثل بعض رسائله الموقَّعة والتي سبق نشر نماذج منها في أعماله الكاملة، وفي بعض الدراسات التي تناولت حياته وأعماله. ومن خلال هذا الإجراء أصبح من المؤكد، كما يقول الباحثان، أن هذه الأوراق كتبها محمد عبده بخط يده.

نص مجهول

ويقول أبو غازي وغالي إنه في أثناء إجراء التحقق "كانت المفاجأة التي صادفتنا في منتصف الفصل الثاني من ترجمة كتاب "الجمهورية"؛ حيث اكتشفنا نصَّاً مكتوباً على أربع صفحات بحبر بلون مغاير، والنص يتضح من عنوانه أنه مشروع لائحة تأسيسية يتبناها الحزب الأهلي لإقامة حكومة وطنية في مصر يرجع تاريخها إلى شهر سبتمبر (أيلول) 1883، أي بعد سنة من الاحتلال البريطاني لمصر، الواضح أن الهدف من كتابة هذا النص بين صفحات ترجمة محمد عبده لكتاب "الجمهورية" هو إخفاؤه عن أعين الرقباء عند تهريبه إلى مصر.

وأكد الباحثان أن مشروع استقلال مصر عام 1883، أو كما سمَّاه محمد عبده "مشروع لائحة أساسية لإعادة حكومة أهلية"، هو نص مجهول، قادت المصادفة إلى اكتشافه بين مجموعة من الأوراق الخاصة بالإمام المستنير، اقتنتها جامعة أغا خان في لندن. النص مدوَّن بخط يد محمد عبده في كراسة صغيرة في وسط صفحات بها ترجمة لفصول من كتاب "الجمهورية" لأفلاطون. ومن الواضح أن محمد عبده كان يسعى لتهريبه إلى مصر في أثناء وجوده في المنفى؛ لذلك دوَنه بهذا الأسلوب الذي يخفيه عن الأعين. في هذا الكتاب نص هذه اللائحة وتحليل له، ومقارنته ببرنامج الحزب الوطني الذي صاغه محمد عبده وبلنت في ديسمبر (كانون الأول) 1881، في لحظة انتصار الثورة العرابية. ويقدم الباحثان استعراضاً تاريخياً، نتبيَّن منه السياق الذي انتهى باحتلال مصر، ثم يعرضان ما يكشفه هذا النص من أمور كانت غائبة، ويلقيان الضوء على تلك الفترة الدقيقة من تاريخ مصر ويثبتان أن الحراك السياسي المصري لم يتوقف بهزيمة العرابيين والاحتلال البريطاني للبلاد.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة