Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كنيسة سودانية في مرمى "الدعم السريع": صلوا لأجلنا

يحتمي بها 80 شخصاً محاصرون بين مطرقة الجوع وسندان القصف والراهبات يغلين أوراق الأشجار لإطعام الأطفال

انتهت محاولة من الصليب الأحمر لإنقاذهم في ديسمبر الماضي بمقتل شخصين وإصابة سبعة آخرين (أ ف ب)

ملخص

تعرض سقف المبنى الرئيس لأضرار جراء القذائف واشتعلت النيران في أجزاء من سكن الراهبات. وصارت العين لا تخطئ الثقوب التي تركت بصمتها على الجدران لتكون شاهداً على عبور رصاصات طائشة.

اضطر الأب جاكوب ثليكادان المحاصر في مركز كاثوليكي يؤوي عشرات النساء والأطفال لحمايتهم من المعارك المستعرة في شوارع الخرطوم، إلى عمل ثقوب جديدة في حزامه بعدما تسبب شح ​​إمدادات الطعام في نقص وزنه.

ويحتمي نحو 80 شخصاً في دار مريم وهي كنيسة كاثوليكية ومجمع تعليمي في حي الشجرة بالخرطوم، بعد أن تقطعت بهم السبل وسط تبادل إطلاق النار بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" شبه العسكرية، وفقاً لما أوضحه الكاهن وسبعة أشخاص آخرون في الدار.

جوع ورصاص طائش

وتعرض سقف المبنى الرئيس لأضرار جراء القذائف واشتعلت النيران في أجزاء من سكن الراهبات. وصارت العين لا تخطئ الثقوب التي تركت بصمتها على الجدران لتكون شاهداً على عبور رصاصات طائشة.

وفي ظل شح الطعام تقوم الراهبات بغلي أوراق الأشجار ليأكلها الأطفال، فيما يؤثر بالغون غيرهم على أنفسهم ولا يتناولون ما يسد الرمق.

 

 

وانتهت محاولة من الصليب الأحمر لإنقاذهم في ديسمبر (كانون الأول) بمقتل شخصين وإصابة سبعة آخرين بينهم ثلاثة من موظفي المؤسسة الخيرية، بعد أن فتح مسلحون النار على قافلة مما أجبرها على العودة قبل أن تتمكن من الوصول إلى الدار. وتبادل الطرفان المتحاربان الاتهامات بالمسؤولية عن الهجوم.

وقال ثليكادان وهو هندي يبلغ من العمر 69 سنة إنه والراهبات رفضوا عروضاً من الجيش لنقلهم عبر النهر بصورة دائمة مع ترك العائلات وراءهم، مضيفاً "عندما يصبح الطريق آمناً سنكون أول من يغادر، ولكن مع الناس".

ممرات يكسوها السواد

وفرّ كثير من سكان العاصمة السودانية بعد اندلاع شرارة الصراع في أبريل (نيسان) 2023 وامتدادها إلى الخرطوم ومدينتي بحري وأم درمان على نهر النيل، قبل أن يتسع الصراع سريعاً إلى مناطق أخرى من البلاد.

وفي بداية الحرب احتلت قوات "الدعم السريع" مواقع استراتيجية وأحياء سكنية في الخرطوم ونشرت قناصة على المباني الشاهقة. ورد الجيش الذي لا يمتلك قوات برية فعالة بالمدفعية الثقيلة والضربات الجوية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأصبحت دار مريم ملاذاً آمناً لأولئك الذين لا يملكون المال اللازم للفرار، أو ليس لديهم مكان يذهبون إليه.

وتظهر الصور التي أطلع ثليكادان "رويترز" عليها أجزاء من مباني الدار يتناثر فيها الحطام، فضلاً عن جدران لحقت بها أضرار شديدة بسبب الرصاص أو القصف، وغرف وممرات يكسوها السواد بسبب الدخان. وقال "أصبح وضعنا الغذائي سيئاً للغاية ونشعر جميعاً بالوهن الشديد".

وينتشر الجوع الحاد في المناطق الأكثر نكبة نتيجة الصراع في أنحاء السودان، مما استلزم إطلاق تحذيرات من مجاعة في مناطق من بينها الخرطوم.

10 ملايين نازح

لجأت بعض العائلات إلى المركز في يونيو (حزيران) 2023 على أمل الاحتماء تحت سقف خرساني. وقال ثليكادان إن المنطقة مع ذلك سرعان ما صارت معزولة مع ضغط قوات "الدعم السريع" للسيطرة على مقر سلاح المدرعات ذي الأهمية الاستراتيجية، والذي يبعد نحو كيلومترين عن المركز الكاثوليكي ضمن عدد من قواعد الجيش التي كانت تستهدفها.

ويتعرض حي الشجرة لهجوم عنيف من قبل قوات "الدعم السريع". وسجل من يملكون المال اللازم من السكان قرب الحي أسماءهم لدى الجيش ليتم نقلهم إلى الضفة الأخرى من نهر النيل، وينتظر بعضهم منذ أشهر.

وقال ثليكادان إن الإجلاء ليلاً بالقوارب عبر رافد النيل الأبيض يعد بالغ الخطورة على الأطفال المحتمين بالمركز.

 

 

وفجرت حرب السودان أكبر أزمة نزوح في العالم ودفعت نحو 10 ملايين شخص للبحث عن مأوى داخل البلاد أو خارجها، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة.

ووثقت "رويترز" كيف أدى القتال إلى عمليات قتل ذات دوافع عرقية في إقليم دارفور بغرب البلاد، وإلى انتشار الجوع بصورة مميتة.

وألحقت الحرب دماراً غير مسبوق بالعاصمة التي لم تنل منها صراعات سابقة في تاريخ السودان الحديث. ويقول عمال الإغاثة إن طرفي الصراع عرقلا تسليم مواد الإغاثة الإنسانية، مما ترك المدنيين يعتمدون على التبرعات الخيرية التي تقدمها مجموعات من المتطوعين المحليين وغيرهم.

عندما يبدأ القتال

وقال مسؤول إعلامي بقوات "الدعم السريع" إن القوات شبه العسكرية حاولت السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر بإجلاء الأسر، لكن الجيش أحبط هذه الجهود واستخدم هذه الأسر دروعاً بشرية.

وفي المقابل قال متحدث باسم الجيش إن الأسر محاصرة بسبب الحرب، وإن قوات من سلاح المدرعات أدت واجبها لحماية الأسر ومساعدتها مثلما فعل الجيش في مناطق أخرى طاولها الصراع.

ويذكر ثليكادان أن الأعداد تتغير لكن منذ مارس (آذار) الماضي هناك نحو 30 امرأة إلى جانب 50 طفلاً أعمارهم بين سنتين و15 سنة في المركز. وأكدت روايته راهبتان وأحد الإداريين وأربع نساء من اللاجئات في المركز وقسان آخران يتواصلان باستمرار مع دار مريم، وكذلك مسؤول في استخبارات الجيش معني بالكنائس في الخرطوم.

ومعظم المقيمين في المركز من المسيحيين اللاجئين من جنوب السودان وإثيوبيا، الذين نصبوا خياماً من المفارش البلاستيكية حول مباني المجمع الذي يشمل كنيسة ومجمعاً تعليمياً ومبنى سكنياً.

وعندما يبدأ القتال في مكان قريب يختبئ هؤلاء داخل المبنى السكني. وبحثت بعض الأسر السودانية المسلمة الفقيرة عن مأوى موقت في المركز.

في انتظار الإجلاء

مزق القصف في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 صورة مريم العذراء في مدخل المجمع ودمر جزءاً من أرضية الطابق الثاني للبناية الرئيسة، وأشعل النيران في السطح وأصيب كثر بجروح طفيفة.

ووضع قناصة قوات "الدعم السريع" مدخل دار مريم في مرماهم. وقال ثليكادان إن صبياً من الحي قتل بشظية من قذيفة "مورتر" اخترقت رأسه، بعد أن ساعد في فتح مخرج خلف المجمع لتجنب نيران القناصة.

 

 

وقالت الأخت مريم وهي من الراهبات لـ"رويترز" في مكالمة عبر الفيديو، إن من لاذوا بالمجمع يحاولون النجاة من كثير من عمليات إطلاق النار والقصف، متابعة "اعتدنا الأمر ولم نعد خائفين. الرب يحمينا لكننا في انتظار الإجلاء".

وحول الأب ثليكادان والراهبات أكثر غرف المكان أمناً إلى ملاذ لحماية الأطفال من تبادل إطلاق النار. وهم يحاولون صرف انتباه الأطفال عن العنف الدائر حولهم بإتاحة مساحة لركوب الدراجات في الباحة وتشجيعهم على الانشغال بألعاب فيديو، قائلاً "حاولنا ألا نجعلهم يشعرون وكأنهم في سجن".

وفي مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي تعرض المجمع لتبادل لإطلاق النار مجدداً، مما تسبب في اشتعال النيران في سكن الراهبات.

ويشكل الحصول على الغذاء تحدياً. فبحلول سبتمبر (أيلول) 2023 بدأت النقود تنفد، وبات جلب الإمدادات من الأسواق في المنطقة شبه مستحيل بسبب الاشتباكات.

صلوا من أجلنا

عادة ما كان الأطفال يتلقون كميات ضئيلة من العصيدة والعدس والفول، لكن المخزونات تناقصت بشدة.

وقال الأب ثليكادان إنه منذ فبراير (شباط) أوصلت قوات في معسكر سلاح المدرعات بعض المساعدات جواً إلى دار مريم بما يشمل السكر والوقود لمولدات سحب المياه من الآبار.

وأتاح الجيش اتصالاً عبر "ستارلينك" ليسمح لمن هم في المجمع باستخدام هواتفهم. ونقلوا القس ومسؤولاً إدارياً مرتين إلى بورتسودان، وهي مدينة على البحر الأحمر انتقل إليها الجيش والحكومة لمقابلة مسؤولين من الكنيسة وجمع بعض الأموال والإمدادات.

وقالت الأخت سلستين (راهبة) إنها لا تزال تشعر بالخوف في كل مرة يهز فيها القصف المنطقة، مضيفة "أود الخروج من هنا. أريد أن أخرج وأكتب كتاباً عن كل ما حدث".

وليست هناك مؤشرات تذكر على أن القتال سيهدأ.

وقال الأب ثيلكادان في رسالة خلال الـ19 من يونيو الماضي "كانت الأيام الأربعة الماضية صعبة علينا جميعاً في دار مريم والناس من حولنا، إذ أصبحت الانفجارات والتفجيرات وإطلاق النار وما إلى ذلك أكثر شدة وتواتراً. من فضلكم واصلوا الدعاء والصلاة من أجلنا".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات