Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اقتحام الملاعب... مستطيل البهجة والعنف

التعصب الرياضي والاحتقان المجتمعي والضغوط الاقتصادية والمكايدة السياسية عوامل رئيسة والباحثون عن "بريق السوشيال" أكثرهم سلمية

قد تستمر عواقب الاقتحامات عقوداً، بل وتظل ضمن قائمة الحوادث التي يضرب بها المثل في اختلال النظام (أ ف ب)

ملخص

ضحايا اقتحامات الملاعب يتساقطون في شتى أنحاء العالم، وعلى رغم تباين المجتمعات فإن طبيعة جماهير كرة القدم تتشابه في كثير من السلوكيات، فما الذي نعرفه عن هذه الحوادث وكيف يفسرها المراقبون؟

الكرة للجماهير لكن الملعب ملك اللاعبين والحكام، يتحركون في مساحته وفق قوانين في مساحة محددة الإطار تاركين المدرجات المريحة للمتفرجين الذين يستمتعون بمشاهدة لعبتهم المفضلة من الزوايا كافة، لكن حينما تتداخل الخطوط وتختل الأدوار تحدث الأزمات التي تتدرج من موقف عابر يُسيطر عليه في لحظات، إلى فواجع وحوادث يسجلها التاريخ بالدم.

ومثلما تحدث تجاوزات من اللاعبين أنفسهم وتعاقبهم اللجان المتخصصة أياً كانت اللعبة التي يمارسونها، فإن بعض الجمهور يمكن أن تقوده الحماسة والتهور نحو اقتحام الملاعب، وفي حال تطور الأمر فإن الضحايا يتساقطون من كل جانب والأذى يطاول عائلات شتى، إضافة إلى تضرر النشاط الرياضي نفسه.

روح الغضب

ما بين الرغبة في الاحتفال أو محاولة لفت الانتباه وبث روح الغضب اعتراضاً على تصرف ما، تتنوع وتتشعب أسباب اقتحام الجماهير للملاعب، وعلى رغم أن الأمر قد يحدث على استحياء وبشكل نادر في ألعاب كثيرة، ولا سيما الجماعية، لكنه أكثر ملاحظة وتكراراً في ما تعلق بكرة القدم، إذ يلجأ بعضهم إلى إشاعة الفوضى وتحويل الملعب إلى هرج ومرج وارتباك من أجل التقاط صورة "سيلفي" مع لاعبه المفضل، وآخرون يسعون إلى إلقاء الضوء على قضية بعيدة تماماً من عالم الرياضة، فيما الأكثر رعباً هو زحف الجماهير من المدرجات إلى المستطيل الأخضر للتعبير عن الرفض ومحاولة إصلاح الخطأ الذي حدث من وجهة نظرهم، بتصرف عادة تكون عواقبه وخيمة، نظراً إلى أن الكرة بطبيعة الحال لعبة تتغذى على المبالغة في التشجيع وطرق التعبير عن الولاءات، وبالتالي قد تستمر عواقب الاقتحامات عقوداً، بل قد تظل ضمن قائمة الحوادث التي يضرب بها المثل في اختلال النظام وتعريض الحيوات للخطر في بقعة من المفترض أنها عنوان للروح الرياضية والمنافسة التي تسيرها قواعد متفق عليها.

وقود الفوضى

لا أحد يمكنه السيطرة على الجماهير في رياضة وقودها الحماسة الزائدة، ولا أحد يعرف متى تحين لحظة الاستثارة الجماعية التي تندفع معها موجات الاقتحام، ولا سيما أن كثيراً منها لا يكون متفقاً عليه، فإذا كانت هناك بعض التصرفات بالفعل تم التجهيز لها مسبقاً مثلما يحدث في الجماعات المشجعة التنظيمية كـ "ألتراس" في البلاد العربية أو الـ"هوليغانز" عالمياً، لكن أيضاً في كثير من الأحيان تكون بعض الاقتحامات رد فعل سريعاً اعتراضاً على سير المباراة، لتجلب معها طاقات من التعصب والفوضى والعنف، ويتحول المشهد إلى ساحة رعب خارجة عن السيطرة.

 

 

ووفقاً للتحليلات المتعددة التي رصدها خبراء متابعة الملاعب وعلم النفس الرياضي عالمياً ومحلياً، فإن عدوى سلوك الشغب والاقتحامات تنتشر من ملعب إلى آخر في أرجاء المعمورة، فالجماهير تستقي تلك السلوكيات من بعضها بعضاً، كأن يحدث اقتحام الملعب لمشاركة اللاعبين الاحتفال بالفوز أو بتجاوز خصم عنيد، ثم تُتناقل الأنباء فيقوم غيرهم بتكرار الموقف نفسه، كما أن التنفيس عن الضغوط المكبوتة أيضاً من الأسباب التي وجد المراقبون أنها تتكرر في مواضع كثيرة، بخاصة حينما يكون الموسم الكروي متأزماً أو حتى تحدث نتيجة شحنات الغضب جراء تبادل المكايدة بين المشجعين المتعصبين، إذ يصبح هذا السلوك محاولة لتفريغ الطاقة السلبية وربما الانتقام.

ومن بين ما أرودته دراسة بعنوان "السلوكيات العنيفة والمعادية للمجتمع في مباريات كرة القدم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" والتي جاءت بدورها ضمن مشروع بحثي مستقل أعدته مؤسسة "Europe RAND" لمصلحة جامعة قطر قبل عامين، فإن العنف والشغب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتبط بعوامل مثل الضغط الاجتماعي والاقتصادي والصراعات السياسية وتأثير الإعلام، وكذلك المنافسات الرياضية.

الهوس بالمشاهير

بخلاف ذلك يأتي هوس المعجبين كسبب رئيس وراء اقتحام فئة أخرى للملاعب يكون هدفها تحقيق الحلم بالتقاط صورة رفقة النجم الرياضي المفضل، وهي تصرفات اعتاد عليها كبار نجوم اللعبة وتتكرر في المسابقات الدولية والمحلية على السواء، لكنها في الغالب تمر سريعاً، وأخيراً قام عدد من محبي نجم الكرة كريستيانو رونالدو باقتحام الملعب أثناء مباراة منتخب بلاده البرتغال ضد تركيا ضمن بطولة "يورو 2024" في ألمانيا.

وعلى رغم التشديدات الأمنية الصارمة ومحاولات الشرطة السيطرة على الأجواء يتم خرق الأطواق الأمنية دوماً من أجل صورة "سيلفي"، إذ يعرّض المشجعون أنفسهم للمساءلة، بخاصة أن أحد المشجعين أمسك بعنف برقبة اللاعب البرتغالي بغرض الظهور معه وتوثيق اللحظة.

ووفقاً لموقع "Trigger The Press" فإن من أبرز أسباب انتشار تلك الظاهرة الرغبة في التقاط فيديوهات وبثها عبر الـ "سوشيال ميديا" بغية تحقيق مشاهدات وشهرة، كما أن هناك تهاوناً كبيراً مع المعجبين من قبل رجال الأمن، فيشعر المقتحمون السلميون بأنهم سيفلتون من العقاب فيجربون حظهم بالسعي نحو تحقيق نصر شخصي، كما أن محاولات لفت الأنظار من خلال اقتحام الملاعب لم تقتصر على المشجعين المخلصين للرياضة فقط، ولكن أيضاً طاولت فئات أخرى ترغب في نيل اهتمام جماهيري من أجل دعم صورتها ونشاطها التجاري في بعض الأوقات.

 

 

ومن بين هؤلاء عارضة شابة اقتحمت ملعب "متروبوليتانو" الإسباني في إطار "دوري أبطال أوروبا 2019" بين "ليفربول" و"توتنهام"، وتمكنت من خلال ظهورها العابر من حصد مئات آلاف المتابعات بعد وقت قصير، وتدخل رجال الأمن سريعاً وأخرجوها بالقوة، وقد كان لزوجها سابقة في اقتحام ملعب "نهائي مونديال البرازيل 2014".

كما شهدت مباراة الجولة السابعة من "تصفيات كأس العالم 2018" بين منتخبي أوكرانيا وتركيا التي أقيمت في سبتمبر (أيلول) 2017 قيام ناشطة في منظمة "فيمن" النسائية بالدخول إلى المستطيل الأخضر شبه عارية، وكتبت على جسدها عبارة "أردوغان قاتل".

وعلى رغم أن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يولي منذ 13 عاماً اهتماماً بهذا الجانب وفرض عقوبات على مرتكبي تلك الحوادث، فقد طالبت الاتحادات المحلية بوضع بنود لضبط الملاعب لتراوح الخسائر ما بين الغرامات على الفرق التي يقوم مشجعوها بارتكاب سلوك عنيف أو خطر في الملاعب إلى الحرمان من بعض المسابقات، كما أن بعضهم يغرم المشجعين أنفسهم أيضاً بخلاف الحرمان من حضور المباريات، وقد وضع "فيفا" تلك الأفكار ضمن لائحة الجزاءات، وعرّف السلوك الجماهيري غير اللائق بأنه يتضمن "رفع شعارات مسيئة أو سياسية بأية شكل من الأشكال، أو التلفظ بألفاظ أو أصوات مهينة، أو اقتحام الملاعب"، إضافة إلى العنف تجاه الآخرين أو إحداث تلفيات أو استعمال القنابل الدخانية، وكما هو واضح فالاتحاد تعامل مع العنف اللفظي والجسدي على السواء.

ضحاياه بالآلاف

اللافت أن الشغب الجماهيري في الملاعب تشترك فيه تقريباً غالبية المجتمعات على خلاف نوعياتها، فهناك ما يشبه السلوك الجمعي الذي تتميز به جماهير كرة القدم مهما تناقضت خلفياتها الثقافية، وإيقاف اللعب أو تعطيل النشاط يعتبر أقل الآثار، إذ ينجم عن بعض الاقتحامات تعريض سلامة اللاعبين والمشجعين والحكام للخطر، إذ فقد آلاف أرواحهم جراء الاقتحامات عبر التاريخ، وربما لا تزال حاضرة في الأذهان كارثة إندونيسيا قبل عامين حين خلف اقتحام ملعب رياضي بجزيرة جاوا 174 قتيلاً بينهم أفراد من الجمهور ورجال الأمن إضافة إلى مئات المصابين، إثر اقتحام نحو 3 آلاف مشجع من أصل 50 ألفاً ملعب "كانجوروهان"، حيث اندفع أنصار فريق مدينة مالانغ للتعبير عن غضبهم من الخسارة أمام فريق مدينة سورابايا، وكلاهما تابعان للإقليم نفسه، وحينها تم إيقاف الدوري بعد تلك الكارثة الرياضية التي تم التعامل معها بقنابل الغاز لتفريق الجماهير، ومع ذلك تفشت أعمال الشغب وتم حرق سيارات الشرطة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا كان التعصب الرياضي هو السبب الأول وراء تلك الحادثة الدموية، فقد شهدت تصفيات أميركا الجنوبية المؤهلة لـ "أولمبياد طوكيو" عام 1964 مئات القتلى إثر مشاحنات رياضية أججتها الخلافات السياسية بين جماهير دولتي الأرجنتين وألبيرو، حيث التقى المنتخبان على الملعب الدولي في العاصمة البيروفية ليما، وبعد إلغاء الحكم للهدف الذي كان مفترضاً أن يضمن التعادل لفريق ألبيرو هاجت الجماهير التي تكن عداء مختزناً للخصم، لتنزل عشرات آلاف الجماهير إلى أرض الملعب وتقوم مجموعات "هوليغانز" المشجعة بمهاجمة الحكم، ثم أطلقت الشرطة الأعيرة النارية وقنابل الغاز ليصل عدد الضحايا إلى 328 شخصاً، كثير منهم ينتمون لمشجعي فريق الأرجنتين.

موطن المشاحنات

والـ "هوليغانز" مجموعة من المشجعين انتشرت في بريطانيا أولاً ومنها إلى باقي العالم، وقد عرفت بسلوكها العنيف والمدمر، والتسمية مشتقة من كلمة "المشاكس"، إذ ارتبطت في البداية بالتشكيلات العصابية، وعلى رغم أن القوانين الصارمة التي تحكم المنظومة الرياضية في إنجلترا سنّت قوانين عدة للتصدي لتصرفاتهم الخطرة، فإن مجموعات التشجيع المختلفة لنوادي الدولة التي تطلق على نفسها أسماء ذات نزعة عدائية مثل "الجيش الأحمر" و"فريق عمل السيوف" و"الانتحارين"، لا تأبه بذلك، وطوال الوقت لديهم خطط عنيفة للتعامل مع نتائج المباريات على رغم أن منهم من مُنع من حضور المباريات مدى الحياة، وآخرون واجهوا عقوبة السجن، كما أن الجزاءات امتدت أيضاً على مستوى القارة الأوروبية بحق بعضهم، إلا أن الاستثارة والحماسة والغضب العارم في كثير من الأوقات هي ما يقود تلك المجموعات.

 

 

وفي عام 1974 وقعت أحداث شغب خلال كأس الاتحاد الإنجليزي وتحديداً في مباراة بين "نوتنغهام فوريست" و"نيوكاسل"، عندما تقدم الفريق الأول خلال الشوط الأول فاقتحمت الجماهير الملعب ونتج من الحادثة إصابات خطرة، أما عام 1985 فقد امتدت أعمال التخريب من قبل الـ"هوليغانز" البريطانيين إلى خارج الملعب بعد أن قاموا بتخريب المدرجات وارتكاب اعتداءات خلفت 80 جريحاً عقب مباراة في نهائيات كأس الاتحاد الإنجليزي أيضاً جمعت بين "لوتون تاون" و"ميلوول"، وفي عام 1989 لقى ما يقارب 100 شخص مصرعهم إثر قيام مناصري فريقي "ليفربول" و"نوتنغهام" باقتحام ملعب "هيلزبره"، وألقي اللوم على السلوك غير المنضبط المتعلق بالمبالغة في استهلاك الكحول والعقاقير من قبل الجماهير المشجعة.

العنف الإنجليزي ذهب أيضاً إلى ملاعب بلجيكا حينما اعتدى "هوليغانز" نادي "ليفربول" على جماهير "يوفنتوس" الإيطالي على هامش مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا في إستاد هيسل البلجيكي، فخلفت الحادثة 40 قتيلاً وأكثر من 600 جريح.

قائمة المتهمين

عربياً خلفت حوادث اقتحام المشجعين الملاعب كثيراً من الضحايا، بل إن بعضها أثر في النشاط الرياضي نفسه وتسبب في إبعاد الجماهير من حضور المباريات لأعوام طويلة، وهو ما جرى عقب كارثة إستاد بورسعيد في مصر مطلع فبراير (شباط) 2012 خلال مباراة "الأهلي" و"المصري" التي انتهت بفوز الأخير بثلاثة أهداف في مقابل هدف ضمن جدول الدوري المصري، وقد توفي 74 شخصاً إثر الاشتباكات التي استخدمت فيها الحجارة والزجاجات المشتعلة، إضافة إلى 1400 جريح على رغم تدخلات الشرطة، وجرى اتهام فصائل سياسية بالتدخل لإشعال الموقف من أجل تحقيق مصالح تخدم أهدافها.

وتبدو أحداث الشغب التي أعقبت مباراة مصر والجزائر وأقيمت في مدينة أم درمان بالسودان ضمن تصفيات بطولة الأمم الأفريقية عام 2009، ماثلة في الأذهان، إذ حدث تراشق سياسي على أعلى مستوى بين البلدين، وإن كانت أعمال العنف الأساس حدثت خارج الملعب وليس داخله، وهو ما تكرر في بلدان عربية أخرى مثل المغرب والجزائر، إذ اتهمت روابط الأندية بتشجيع أعمال العنف والتخريب.

 

 

كذلك وقعت حوادث مروعة في كثير من البلدان بسبب تدافع الجماهير نحو البوابات للهرب من أعمال شغب أو كارثة طبيعية أو بسبب سوء التنظيم والتزاحم، مما أسفر عن مقتل المئات، لكنها لم تكن ناتجة من اقتحام الملاعب بشكل مباشر.

"ألتراس" الفرق الرياضية مجموعات تحركها العاطفة والشعور الجياش والغضب في أوقات كثيرة، وعلى رغم طبيعتها شبه النظامية لكنها قادرة على إحداث الفوضى إذا ما اتخذت قراراً بذلك، كما أن لها مواقف سياسية محددة تعلنها بطريقتها في بعض القضايا الكبرى، ولكن في الأوقات العادية هي جماهير محبة ومخلصة تؤازر فرقها وتحثها على بذل الجهود داخل حدود المستطيل الأخضر.

والظاهرة المتفشية التي تتعدد عقوباتها وتتشدد عام بعد عام في جميع أنحاء العالم اُهتم بها كثيراً على مستوى البحث العلمي في مختلف البلدان، وبينها دراسة بعنوان "مظاهر السلوك العدواني وعلاقتها بسوء استخدام بعض المشجعين لرياضة كرة القدم لشبكات التواصل الاجتماعي"، للأكاديميين شيماء رياض وإياد عبدالعظيم اليماني عام 2018، ومن ضمن أبرز توصياتها ضرورة إشهار روابط المشجعين وفقاً للقانون والرقابة الصارمة على بيع التذاكر للمباريات وتعاون روابط الأندية مع قوات الشرطة المكلفة بتأمين المباريات لتجنب إدخال أسلحة بيضاء للمدرجات، وكذلك ضرورة إدانة المتورطين في أعمال العدوان والعنف وإقصاء مثيري الفوضى.

المزيد من رياضة