Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جدي اخترع ركلة الجزاء واتحاد "فيفا"جعلها سيفا مسلطا

مع دخول إنجلترا مرحلة المباريات الحاسمة في كأس الأمم الأوروبية يتناول روبيرت ماكرام اللحظة التي ترهب جماهير الكرة، لحظة "البينالتي". كحفيد لمخترع لحظة "الموت أو المجد" هذه، يراجع ماكرام أصول "القاعدة 13"

كريستيانو رونالدو يذرف الدموع بعد إهدار  ضربة جزاء في الوقت الإضافي (غيتي)

ملخص

قصة ركلات الترجيح بعد تحولها إلى سيف مسلط على اللاعبين

هنا تبدأ نهاية حلم اليقظة عند الإنجليز، الحلم الذي يتخيل أن "كرة القدم عائدة إلى الديار". ويتجدد كابوسنا الضارب كل أربع سنوات والموصوف من قبل أحد الكتاب الألمان بـ"رعب ركلة الجزاء". على أن هذه العبارات حتى لا تبدأ بوصف الشعور السائد أمام هاوية الرعب التي يمكن "للعبة الجميلة"، على ما تنعت، أن توصلنا إليها، فنبدو إزاءها أشبه بشخصيات رسوم متحركة. ونحن إذ نحدق بالرعب على شاشات التلفاز، من الملائم أن نرى منطقة الجزاء أشبه بحيز موت [ولعنة].

أداء منتخبنا الوطني هذه السنة ملأنا بالخوف [التوجس] وأخواته القاتمة – القنوط، الاستياء، الخيبة، والنفور. وبالمقارنة مع ما يمكن أن يحصل في الأسابيع المقبلة، فإن هذا الضرب من ضروب القلق الموقت الراهن لن يساوي شيئاً إزاء العذاب الناتج من ركلات الترجيح، تلك الركلات التي تشبه كل واحدة منها تأرجحاً عند حافة هاوية يفهمه جيداً مشاهدو كرة القدم.

حين يقف المرء عند نقطة ركلة الجزاء (أو الترجيح) أمام مرمى مفتوح على مصراعيه تنتابه [لا محالة] رهبة شديدة – لا بل رهبة انتحارية حتى – إزاء الاحتمالات المشرعة التي تطل عليها. المساحة التي يدافع عنها حارس المرمى عرضها 24 قدماً وارتفاعها ثمانية أقدام، لكنها، من مسافة قريبة، تبدو لمعظم المراقبين المحايدين هدفاً لا يمكن تفويته [سانحاً]. أما حراس المرمى المحترفون فسيقولون، بالتأكيد، إن كل ياردة داخل تلك المنطقة تبقى بعيدة المنال ولا يمكن (أو يصعب) الدفاع عنها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ألا تنتمي "ركلة الجزاء" هذه، أو ركلة الترجيح، إلى لائحة تناقضات كرة القدم المتوجة بـ"الخطأ التكتيكي"؟ كيف يمكن لأي شخص أن يفكر جدياً بأن "ركلة الجزاء"، ووفق أي معيار منطقي، تعد أمراً عادلاً؟ يسأل المرء نفسه. وأي منطق يبعدها من أن تكون مرتعاً للتناقضات وتجسيداً للعبة رمي نرد صارخة؟ أليس للمهاجم، الذي قام بمحاولات ومبادرات كثيرة خلال المباراة، ميزة وأرجحية في هذه الحالة؟ والأسوأ من هذا كله: أليس حارس المرمى، الذي بات (وحيداً) في موقع الدفاع الآن، مجرد بطة راقدة [هدفاً سائغاً في مرمى الصياد]؟

نحو ثلث ركلات الجزاء يعد ركلات ضائعة أو مردودة [خائبة]. بعض المراهنين قد يرحب بتناقضات كهذه، لكن الأمر يبدو مثل لعبة باتت تشكل تحدياً سيكولوجياً ينبغي من المتخصصين التعامل معه. إذ كما قال مرة المهاجم الإيطالي الشهير روبيرتو باجيو: "الطريقة الوحيدة لضمان عدم إهدار ركلة جزاء هي عدم تنفيذ أي ركلة جزاء".

مع هذا، فإننا كجمهور ومشاهدين نندهش إزاء تلك اللحظة التي تمثل ذروة الدراما الكروية، إذ من النادر أن تبلغ اللحظات السيكولوجية في أية لعبة رياضية مقداراً أكبر من ذلك: مواجهة بين شخصين تشبه المبارزة في الأزمنة القديمة. البعض يراها أشبه بـ"ويسترن" (مواجهة بين اثنين من رعاة البقر المسلحين)، ذروة لعبة "الموت أو المجد" المليئة بالخطر والخوف والمجازفة والثواب. وآخرون يرونها "هراءً مفتعلاً" أو "تشويقاً رخيصاً"، لكن مهما كان الرأي فيها فإن تسجيل الهدف بركلة الجزاء، وفي كل الأحوال، يتطلب سيطرة وتركيزاً شديداً، إضافة إلى "غريزة القاتل". ومن غير المفاجئ ربما في هذا السياق أن يكون ابتكارها تم في إيرلندا الشمالية.

ركلة الجزاء منذ البداية كانت مثيرة للجدل واستدعت مواقف سلبية لم تغب يوماً. عندما اقترحت للمرة الأولى سنة 1890 لـ"رابطة كرة القدم" (Football Association-FA) من قبل حارس مرمى هاو من آرماغ (Armagh) يدعى ويلي ماكرام – جدي – ردت الصحافة الإنجليزية باستنكار "القاعدة 13"، إذ عدتها "قانوناً إيرلندياً". القيمون على المدارس الرسمية من جهتهم، الذين أشرفوا على "رابطة كرة القدم"، رأوها خروجاً على نبل اللعبة من أساسها. فتساءلوا: كيف يمكن إزاء المكر المهذب (السائد بين اللاعبين) رصد ومعاينة أخطاء اللعب في مباريات تجري بين سادة رجال؟

لكن على رغم تلك الهواجس والتحفظات جرى تبني "القاعدة 13" في سنة 1891. عبقرية كرة القدم تكمن في بساطتها، إذ إنها رياضة لا تكف عن السعي إلى الوصول إلى الأفضل. وقد ظلت ركلة الجزاء لأكثر من 100 عام، مثلها مثل قانون التسلل، مصدراً للخلاف، إلا أنها بقيت جزءاً أساساً من قصة كرة القدم.

"الطريقة الوحيدة لعدم إهدار ركلة جزاء هي عدم تنفيذ أية ركلة جزاء"  

روبيرتو باجيو عن ركلات الجزاء الترجيحية

وكان بعد فوز إنجلترا بكأس العالم سنة 1966 أن حلت أزمة في اللعبة بأعلى مستوياتها. ماذا يمكن العمل في صدد "لعنة الإعادة"؟ في الستينيات كانوا توصلوا إلى حل كابوس نتيجة التعادل بعد تمديد الوقت الأصلي برمي العملات المعدنية والرهان على أحد وجهيها، أو عبر سحب القرعة. لكن في سنة 1970 تصاعد تذمر عام ودولي من هاتين الطريقتين البدائيتين.

وكان زمن التلفزيون قد أزف. النتائج الحاسمة وليس أي أمر آخر هي ما كان مطلوباً. فالتعادل لا يعتد به في سوق كرة القدم العالمية. التلفزيون الأميركي من جهته أراد مسابقات باهرة بلحظات ذروة توقف القلب، وعنصر تشويق "الربح أو الخسارة". لذا قام اتحاد "الفيفا" (الاتحاد الدولي لكرة القدم) بالتوسل بـ"القاعدة 13" وركلة الجزاء واستخدمها سلاحاً رهيباً لحسم المباريات العالقة في ورطة التعادل. قانون ركلات الجزاء الترجيحية ينص على: خمس ركلات من ذات الموقع في الجهتين (جهتي الملعب)، لكن كما حصل سنة 1890، فقد جرى الاستخفاف بهذا الابتكار ووصف بأنه لإرضاء الجمهور، وعد إهانة للمباريات العظيمة.

"ركلات الجزاء ليست كرة قدم"، كتبت "تايمز" معترضة، "حتى أنها لا تشكل دراما عظيمة. إنها ميلودراما رخيصة، مبنية على مبالغة سخيفة. والميلودراما فن رديء مثلما ركلات الجزاء رياضة رديئة". هذا الكلام ورد بغض النظر عن أن ركلات الجزاء ليست سوى اختزال (أو اختصار) للعبة الجماعية، وردها إلى مكونها الأساس: لاعب مقابل لاعب.

وإزاء الازدراء الذي واجهته ركلات الجزاء الترجيحية من قبل رواد المدرسة القديمة في كرة القدم، إذ عدوها خذلاناً رسمياً للعبة، فإن منتخب إنجلترا لم يتدرب على تلك الركلات أبداً. وإن حصل تدريب ما فهو كان تدريباً فوضوياً وارتجالياً على صعيد فردي. أما رسمياً فقد كان الألمان وحدهم من تدرب عليها، ورافق ذلك إشارات ضمنية غير دقيقة إلى أن الأمر مثل نوعاً من الغش.

في تلك الأيام جاء تعريف غاري لينيكر (لاعب كرة إنجليزي) لكرة القدم ليعكس روح الانهزامية السائدة: "اثنان وعشرون رجلاً يطاردون الكرة لمدة 90 دقيقة، وفي النهاية يفوز الألمان". ولأكثر من 30 سنة تعرضت إنجلترا للإذلال مرة تلو الأخرى. وضمن تلك الأجواء الخبيثة عبر موقف غاري نيفيل عن الرأي العام السائد تجاه ركلات الجزاء الترجيحية، حين قال: "إنها من قبيل لعبة لوتو [مثل لعبة حظ]". فلماذا الاهتمام بالتدرب عليها؟

لاعب آخر هو غاريث ساوثغيت بدا متبنياً تلك الشكوك الإنجليزية، إذ قال في السياق السجال القائم: "من المرجح أن يعمل اللاعبون على حل نقاط ضعف أخرى في اللعبة يواجهونها أسبوعاً بعد أسبوع". وفي كلمات تبرر موقفه الشخصي ذاك ولا تبدي أي ندم، أضاف: "في الحقيقة لا يمكنك التدرب طوال الوقت على شيء لن تقوم به سوى مرة أو مرتين في مسيرتك"، لكن ساوثغيت وعلى نحو مشهود غير موقفه. إذ بعد بطولة الأمم الأوروبية سنة 1996 أدت ركلته الفاشلة والمهدورة إلى تحديد حياته المهنية كمدير لمنتخب إنجلترا. فبادر ساوثغيت قبل كل شيء إلى فهم الحاجة إلى التدريب، ضاماً إلى فريقه التدريبي "مستشارين في شؤون ركلات الترجيح" للتخلص من اللعنة. وربما لعبت والدته دوراً في سياق مراجعته لأفكاره، إذ أفيد بأنها صرحت غاضبة إثر تلك الكارثة: "لماذا لم تقم بتسديدها كما يجب في الأقل؟".

ولكن المشكلة لم تجد حلاُ بعد.  إذ بعد عرضين ناجحين أو ثلاثة في بطولة الأمم الأوروبية سنة 2020، وصلت إنجلترا لمواجهة إيطاليا في نهائي البطولة (نتيجة المباراة كانت 1 – 1 بنهاية الوقت الإضافي). وبعد أن أضاع راشفورد ركلته غدا الضغط النفسي للحظة الـ"كل شيء أو لا شيء"، لا يحتمل. وقد أهدر رفيقا راشفورد – جايدون سانشو، ثم بوكايو ساكا – فرصتيهما أيضاً. وانهزمت إنجلترا مرة أخرى، وبقيت لعنة ركلات الترجيح مخيمة في الأجواء.

الآن في سنة 2024، وبعد بداية مزرية، تعود إنجلترا إلى حلبة الرعب من جديد. ربما – والأمر مجرد احتمال – سنفوز بلعبة حظ هذه المرة. وربما سيكون الجمهور أفضل استعداداً، إذ في عصر الحيرة هذا فإن ركلات الترجيح تخاطب جيلاً كاملاً على دراية تامة بمعنى الأخطار وغياب اليقين.

روبيرت ماكرام سيظهر في وثائقي "راديو 4" "في نقطة الجزاء" (On The Spot) الأحد الساعة 7.15 مساءً. 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من رياضة