Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بزشكيان والنووي الإيراني... هل يكون "صورة مزيفة" لكسب الوقت؟

لم تتمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عهد أية حكومة أصولية أو إصلاحية أو معتدلة من التأكيد أن طبيعة الأنشطة سلمية

الرئيس الإيراني المنتخب حديثاً مسعود بزشكيان يتحدث خلال زيارة لضريح مؤسس الجمهورية آية الله الخميني (أ ف ب)

ملخص

كشف عن النشاط النووي الإيراني خلال إدارة محمد خاتمي للبلاد وفي الأشهر الأخيرة من حكومته أعلن استئناف تخصيب اليورانيوم، ومنذ ذلك الحين لم تتمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تأكيد الطبيعة السلمية لهذه الأنشطة النووية الإيرانية.

مسعود بزشكيان الشخصية السياسية التي كانت أقل شهرة مقارنة بالأسماء التي يتكرر ذكرها في المشهد السياسي الإيراني، ذاع صيته فجأة وقُدم باعتباره الرئيس التاسع للنظام الإيراني، بعد مقتل إبراهيم رئيسي إثر حادثة تحطم المروحية التي كانت تقله.

بزشكيان الذي أطلق على نفسه "متيم بالمرشد"، قُدم للمجتمع الدولي على أنه "إصلاحي ومعتدل"، هذا العنوان حتى في بنية النظام فاقد للمعنى، ويتناقض مع خصائص الرئيس وسجله من وجهة نظر بيت المرشد، لكن في الغرب هناك من يشتري واللوبي الإيراني التابع لنظام الجمهورية أدى الدعاية المطلوبة له.

في هذه الدعاية تحدث اللوبي الإيراني عن وعود بإحياء الاتفاق النووي لعام 2015 الذي يسمى "خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)"، وإلغاء العقوبات المفروضة على إيران.  

وبغض النظر عن مدى نجاح حكومة مسعود بزشكيان بمساعدة الأعضاء البقية من مجموعة نيويورك والجيل الذي تدرب على أيديهم (والقصد هنا مجموعة محمد جواد ظريف) في جلب رضا الإدارة الأميركية للمساعدة في مواصلة اللعبة النووية من قبل طهران، وإلى أي مدى ستؤثر عوامل التغيير المحتمل للإدارة الأميركية في الأوضاع، فإن إلقاء نظرة على سجل الأنشطة النووية للنظام الإيراني في الحكومات الإصلاحية والمعتدلة والأصولية، قد تساعدنا في فهم الأمور بقادم الأيام.

خلال الحملة الانتخابية لمسعود بزشكيان، كان الهجوم على سعيد جليلي بسبب قرارات العقوبات التي صدرت ضد إيران في فترة رئاسته لفريق المفاوضات النووية في حينها، هذا الهجوم الذي انتشر على نطاق واسع أثناء الحملة الانتخابية، لا يشير إلى نقطة انطلاق الملف النووي الإيراني في حكومة محمد خاتمي الإصلاحية، إذ كُشف عن الأنشطة النووية السرية للنظام الإيراني في منشأتي نطنز وأراك للمياه الثقيلة، التي كانت تتم من دون علم الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في صيف عام 2022، أي بعد مرور خمسة أعوام من حكومة محمد خاتمي.  

وبعد هذا الكشف أجبر النظام الإيراني أن يعلن رسمياً خبر إنتاج الوقود النووي في فبراير (شباط) عام 2021، وبعد ذلك بدأت عملية المفاوضات لحل القضية.

وبعد عام من كشف الأنشطة السرية النووية الإيرانية، صدرت البيانات الشهيرة من سعد آباد وبروكسل، كما أن حسن روحاني الذي كان رئيساً للفريق المفاوض في حكومة محمد خاتمي مع الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا)، أصبح رئيساً للجمهورية في إيران بعد عقد من الزمان ووقع خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015.

لا تغيير

كمال خرازي الذي يترأس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية بأمر من المرشد علي خامنئي، كان عضواً في الفريق المفاوض، وفي مقابلة له مع صحيفة "فاينانشيال تايمز" أجريت أخيراً قال خرازي إن السياسة الخارجية في حكومة مسعود بزشكيان لن تتغير.

كما كان قد هدد رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية في وقت سابق بأنه إذا ما شعرت إيران بالتهديد، فسوف تعيد النظر في عقيدتها النووية.  

في الوقت نفسه وفي ظل تشديد الأزمة النووية الإيرانية، تحدثت وسائل الإعلام المعارضة للنظام في طهران عن مسعى جديد لـ"مجموعة نيويورك" لممارسة الضغط على الغرب، وسيروس ناصري هو الذي كان قد مثل فريق حكومة محمد خاتمي باتفاق باريس في أكتوبر (تشرين الأول) 2004.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وصحيح أن هذه البيانات والاتفاقات فرضت قيوداً على البرنامج النووي الإيراني، فإن محمد خاتمي كان قد أعلن استئناف تخصيب اليورانيوم في الشهر الأخير من ولايته الثانية، وهو الإجراء الذي كان سبباً في إصدار قرارات مجلس الأمن بسبب الحساسيات الدولية.

وفي الفترة من يوليو (تموز) 2006، أي بعد مرور عام على انتهاء فترة حكومة محمد خاتمي الإصلاحية وبدء حكومة محمود أحمدي نجاد الأصولية حتى يونيو (حزيران) 2010، صدرت قرارات دولية عدة ضد إيران ومنها قرارات العقوبات أرقام ( 1747 و1803 و1835 و1929).

خلال هذه الفترة لم تسفر المفاوضات النووية التي تعقد حالياً في إطار مجموعة 5+1 (أميركا وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا وألمانيا) بدلاً من الترويكا الأوروبية، عن أية نتيجة تذكر، ومفاوضات جنيف وبغداد وإسطنبول وموسكو وألمانيا، قد أصبحت مثالاً واضحاً على فشل الفريق المفاوض برئاسة سعيد جليلي الذي كان يشغل منصب أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في حينها.

وفي صيف عام 2013 وصلت ما تسمى حكومة حسن روحاني "المعتدلة" إلى السلطة، وبعد فترة وجيزة عقدت أولى المحادثات المباشرة بين وزيري الخارجية الإيراني والأميركي في نيويورك وأمام عدسات وسائل الإعلام الدولية، وبعدها عقدت جولات عدة من المفاوضات في فيينا وجنيف ولوزان وبالنتيجة وُقع الاتفاق النووي الذي عرف بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة" في يونيو 2015.

إلا أن النقطة التي تلفت الانتباه كثيراً هي العملية التي أدت إلى إيجاد أرضية لحدوث مفاوضات علنية بين إيران والولايات المتحدة الأميركية.

وأشار وزير الخارجية الإيراني الأسبق علي أكبر صالحي، في مقابلة له مع مجلة "آكاهي نو"، إلى المفاوضات السرية التي جرت في سلطنة عمان في نهاية حكومة محمود أحمدي نجاد، والتي مهدت الطريق لإجراء مشاورات علنية بين طهران وواشنطن، وبالنتيجة توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة.

وقال صالحي في هذه المقابلة إن أحمدي نجاد لم يعترض طريقه لدفع المفاوضات مع واشنطن قدماً، مضيفاً أن خامنئي قال إنه "يجب أن يكون (أحمدي نجاد) مسؤولاً عن الطريقتين الدبلوماسيتين، الطريق الأول كان مفاوضات مع 5+1 الذي كان سعيد جليلي مسؤولاً عنها، أما الطريق الثاني، فهو المفاوضات في سلطنة عمان، إذ حصلنا على إذن من المرشد علي خامنئي للتفاوض مع الأميركيين بصورة مباشرة، مع مراعاة بعض القضايا".  

وجرت هذه المفاوضات بين ممثلين عن إيران وأميركا في الفيلا الخاصة بسلطان عمان السابق في مدينة مسقط، ونتج منها بعد عام لقاء بين محمد جواد ظريف وجون كيري في نيويورك.

استمرت خطة العمل الشاملة المشتركة نحو ثلاثة أعوام، ومع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018، بدأت عملية انهيار الاتفاق النووي وتفاقم مع وصول حكومة إبراهيم رئيسي الأصولية إلى السلطة في إيران.

كلفة النووي

أما الآن وفي وقت عادت مسألة حل القضية النووية إلى الواجهة من جديد، أي بعد مرور 23 عاماً على بداية الأزمة النووية الإيرانية، لا يزال هناك عدد من الشخصيات المؤثرة في هذه العملية في مواقع صنع القرار ورسم السياسات، ومن هؤلاء سعيد جليلي الذي لا يزال عضواً في المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية ومجمع تشخيص مصلحة النظام والمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، إذ تشير التقديرات إلى أن الإنفاق على البرنامج النووي تجاوز عشرات المليارات من الدولارات، وأن الكلف الجانبية للمشروع النووي الإيراني تعد بمئات مليارات الدولارات، إذ أعلن محمود أحمدي نجاد وقبل ستة أعوام بالتحديد أن الإنفاق على البرنامج النووي بلغ الـ30 مليار دولار، بينما المصادر الإسرائيلية تؤكد أن الإنفاق بحدود الـ40 مليار دولار. وأيضاً، في تقرير لصحيفة "دنياي اقتصاد" الإيرانية تحدثت الصحيفة عن أن الكلف الجانبية للبرنامج النووي الإيراني وتأثير العقوبات بلغ نحو 400 مليار دولار على الاقتصاد، كما أن حسن روحاني قال قبل أربعة أعوام إنه لو لم تكن هناك عقوبات لكنا قد حصلنا على 200 مليار دولار.

إن شرط حل الأزمة النووية هو إثبات الطبيعة غير العسكرية للأنشطة النووية الإيرانية، إذ يقول حتى أكثر الخبراء حذراً إنه ليس له مبرر مدني. كما أنه خلال العقدين الماضيين، لم تتمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لا في عهد حكومة محمد خاتمي الإصلاحية، ولا في عهد حكومة محمود أحمدي نجاد الأصولية، ولا في حكومة حسن روحاني المعتدلة، ولا في حكومة إبراهيم رئيسي الأصولية، أن تؤكد أن طبيعة الأنشطة النووية الإيرانية سلمية.

وأما السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما إذا كان النظام الإيراني بعدما أنفق مبالغ ضخمة للوصول إلى عتبة الهرب النووي، ومع الصورة المزيفة التي أوصلتها طهران عن مسعود بزشكيان للمجتمع الدولي، هل لديه غرض آخر غير شراء الوقت ومحاولة لتخفيف التوترات مع الغرب بشكل موقت؟

نقلاً عن "اندبندنت فارسية"

المزيد من تحلیل