Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اغتيال هنية... إسرائيل حققت أكثر من هدف لكن لم تحسم المواجهة

تل أبيب تعهدت بعدم اغتياله في الدوحة... والهجوم الصاروخي الإيراني خلال أبريل وفر الضوء الأخضر للعملية

هنية مصفقاً خلال استماعه لخطاب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان وإلى جانبه نائب الأمين العام لـ "حزب الله" نعيم قاسم، في طهران، في 30 يوليو الماضي (أ ب)

ملخص

فيما كانت عملية الضاحية متوقعة في أعقاب التهديدات المتصاعدة لإسرائيل بالرد على "حزب الله" واستهداف قادته وبناه التحتية، جاء تنفيذ العملية في إيران لافتاً ويطرح تساؤلات عدة، لماذا إيران؟ وهل هذا هو الوقت المناسب لاغتيال الشخصية رقم واحد المشاركة في مفاوضات صفقة الأسرى، التي كان متوقعاً أن تعقد جلسة قريباً لاستمرار التفاوض للتوصل إليها؟

بفارق ست ساعات ما بين تل أبيب وبيروت وطهران، دخلت حرب "طوفان الأقصى" نقطة تحول بعد تنفيذ إسرائيل عمليتي اغتيال في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت وفي العاصمة الإيرانية طهران، فاستهدفت مساء أول من أمس الثلاثاء فؤاد شكر الرجل الثاني في "حزب الله" والذي أدرجته على قائمتها بصفته رئيس أركان الحزب، وبعد ست ساعات عند الثانية من فجر أمس الأربعاء نفذت إسرائيل عملية اغتيال للشخصية الأولى في حركة "حماس" رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، داخل مكان إقامته في طهران التي وصلها للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.

الإسرائيليون الذي ناموا على بيان للناطق بلسان الجيش دنيال هاغاري يؤكد فيه نجاح عملية اغتيال شكر في الضاحية الجنوبية، مستبقاً أي إعلان لـ"حزب الله"، استيقظوا على عملية اغتيال أخرى لم تخف جهات عدة مفاجآتها حيالها بل استعجل وزراء في حكومة نتنياهو التهليل لها، على رغم عدم صدور أي إعلان رسمي لإسرائيل بتبني العملية، مما استدعى من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إصدار تعليمات لوزرائه بالكف عن أي تعليق على عمليتي طهران وبيروت.

تساؤلات في شأن الدلالات

وفيما كانت عملية الضاحية متوقعة في أعقاب التهديدات المتصاعدة لإسرائيل بالرد على "حزب الله" واستهداف قادته وبناه التحتية، جاء تنفيذ العملية في إيران لافتاً ويطرح تساؤلات عدة، لماذا إيران؟ وهل هذا هو الوقت المناسب لاغتيال الشخصية رقم واحد المشاركة في مفاوضات صفقة الأسرى، التي كان متوقعاً أن تعقد جلسة قريباً لاستمرار التفاوض للتوصل إليها؟

إسرائيل التزمت الصمت رسمياً، ولكن إزاء التساؤلات العديدة حول اختيار إيران وإعادة فتح الجبهة تجاهها تحدث أمنيون وعسكريون حول دوافع هذا الخيار، من دون أن تتضح معلومات دقيقة حول تنفيذ العملية. بداية ذكر مسؤول أمني أنها نفذت عبر مسيرة إسرائيلية من النوعية بعيدة المدى وتحمل كميات كبيرة من المتفجرات، ثم سرت أنباء عن أنها نفذت عبر طائرة حربية انطلقت من دولة ثالثة، وما بين الطرفين لم تتضح تماماً تفاصيل تنفيذ عملية الاغتيال، إلا أن ما تم التأكد منه هو أن أجهزة الاستخبارات عملت لأشهر طويلة في إيران، وبحسب مسؤولين أمنيين وعسكريين نجحت في تجنيد عملاء لها هناك ترقبوا هنية خلال هذه الزيارة، وكانت لهم المساهمة الكبيرة في نجاح العملية ودقتها.

لماذا إيران؟

أكثر من مسؤول أمني أكد أن إسماعيل هنية كان على رأس قائمة الاغتيالات التي وضعتها إسرائيل لقيادة "حماس" بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، واعتبرته الشخصية الأقرب لزعيم "حماس" في غزة يحيى السنوار والمخطط أيضاً لهذا الهجوم.

وكان نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ووزراء آخرون صرحوا مرات عدة بأن إسرائيل ستطال قادة الحركة أينما تواجدوا، وقطر كان البلد الذي يوجد فيه هنية معظم الوقت.
وذكر مسؤول أمني أن مناقشات جرت بين تل أبيب والدوحة حول هذه الاغتيالات وضغطت إسرائيل إلى جانب واشنطن، لإبعاد قيادة "حماس" من الدوحة إلا أن إجراء مفاوضات الأسرى بمعظمها في قطر أبقى القيادة هناك، وتلقت الدوحة تعهداً من إسرائيل بأنها لن تنفذ عملية اغتيال هنية على أراضيها.

بعد إسقاط الدوحة من حسابات الاستخبارات والمستوى السياسي كمكان لاغتيال هنية بحث الإسرائيليون احتمال تنفيذها في تركيا، وهنا أيضاً جرت نقاشات طويلة حول الموضوع وخلص الإسرائيليون إلى عدم تنفيذها هناك أيضاً، نظراً للعلاقة الاقتصادية التي تربط تل أبيب بأنقرة على رغم توتر العلاقات بينهما.

وبعد الهجوم الإيراني على إسرائيل في أبريل (نيسان) الماضي حسمت الاستخبارات بالتنسيق مع رئيس الحكومة ووزير الدفاع وقيادة الأجهزة الأمنية أن تكون إيران مكان تنفيذ العملية.

وفسر مسؤول أمني إسرائيلي اختيار تنفيذ اغتيال هنية داخل طهران بأن إسرائيل أرادت بذلك إصابة عصفورين بحجر واحد، "القضاء على رأس الهرم في ’حماس‘ في مكان يشعر فيه بأمان وحصانة وتوجيه رسالة لإيران بأنها غير محصنة واستضافتها لقيادة تنظيمات، وصفتها إسرائيل بـ"الإرهابية"، سيجعلها تدفع ثمناً باهظاً إلى جانب تأكيد أنها مخترقة من قبل الاستخبارات الإسرائيلية ومدى طول ذراع إسرائيل القادرة على الوصول إلى أي هدف تريده".
ونقل عن ذات المسؤول قوله إن "نجاح عملية اغتيال هنية إنما يشكل أفضل رد على وزير الاستخبارات الإيراني المنتهية ولايته إسماعيل خطيب الأسبوع الماضي، بأن أعظم إنجاز في ولايته هو تفكيك شبكة الموساد التي تسللت إلى إيران".
وأضاف مسؤول أمني آخر أن اختيار إيران يأتي "بهدف وضع طهران في قلب التركيز العالمي كمضيفة للإرهاب وتوجيهه وتمويله".

من جهته، أشاد وزير الزراعة والأمن الغذائي الإسرائيلي آفي ديختر بعملية اغتيال هنية بعدما تفاخر بأنه هو من طرد هنية من غزة خلال عام 1992 إلى خارج الأراضي الفلسطينية. وقال ديختر "في الحرب على الإرهاب هناك قاعدة حديدية أكررها دائماً، وهي أن حصان الحكومة وإن كان يعرج، لكنه في نهاية الأمر سيصل إلى حيث يجب أن يكون، وسواء كانت إسرائيل نفذت الاغتيال أو غيرها فإن حقيقة ما أقوله هو ما حدث أيضاً في الضاحية ببيروت".

إغلاق الأجواء وتأهب غير مسبوق

إزاء هاتين العمليتين وعلى رغم وصف إسرائيل لهما بالإنجاز الكبير وتعزيز لردعها أمام "حزب الله" وإيران، وتصريحاتها بعدم رغبتها في اتساع القتال إلى حرب إقليمية، فإن أجهزتها الأمنية وقيادتها السياسية وجبهتها الداخلية واصلت اجتماعاتها ومشاوراتها لأكثر من 10 ساعات متواصلة، سواء في الاجتماعين التشاوريين الذين عقدهما نتنياهو وغالانت مع رؤساء الأجهزة الأمنية، ظهر ومساء أول من أمس لبحث ما يجب تنفيذه في لبنان بعد عملية الضاحية، وإذا ما كان يجب أن تستبق إسرائيل رد "حزب الله" بعمليات مكثفة على بناه التحتية العسكرية وتدميرها لمنع دخولها في حرب إقليمية وهي في ذروة قوتها اليوم، أو اجتماع المجلس الوزاري الأمني المصغر لاطلاع الوزراء على السيناريوهات المختلفة للرد المتوقع من إيران ولبنان.

ورفعت إسرائيل منذ ساعات الصباح حالة التأهب والاستعداد من أقصى الجنوب والمركز وحتى أقصى الشمال إلى أعلى درجاتها. وأغلقت أجواء منطقة شاسعة من الخضيرة، إذ مركز شبكات الكهرباء وهي منطقة في الوسط يمكن أن تتعرض لهجوم من الحوثيين و"حماس" و"حزب الله"، وحتى أقصى الشمال بما في ذلك طبريا التي أدخلتها أيضاً إلى أقصى درجات الاحتياط.

وتوقفت جميع رحلات الطيران وأغلقت أجواء مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب، ونشرت إسرائيل كل ما تملك من منظومات دفاع لضمان حماية أوسع منطقة متوقع تعرضها لهجوم من قبل "حزب الله" أو إيران.

وبحسب ما علمنا من سكان في البلدات المحاذية للحدود ويسكنها فلسطينيو 48 مثل معليا وترشيحا وفسوطة إلى جانب مدينة صفد، فقد نصحت الجبهة الداخلية السكان بالبقاء داخل غرف آمنة أو حتى مغادرة تلك البلدات قدر الإمكان.
وتفقد وزير الدفاع يوآف غالانت قاعدة منظومة الدفاع "حيتس" للاطلاع من كثب على التحضيرات وجاهزية الدفاع الجوي، وأعلن من هناك أن "إسرائيل لا تريد الحرب ولكنها مستعدة لمختلف السيناريوهات المتوقعة".

وأشاد غالانت بنجاح عملية الاغتيال التي نفذت في الضاحية الجنوبية، مؤكداً جاهزية منظومات الدفاع واستعدادها لمختلف السيناريوهات، وذلك بخلاف تقارير الجيش ومراكز أبحاث تؤكد أن إسرائيل تواجه ضعفاً كبيراً في منظومات دفاعها ضد المسيرات والصواريخ التي يملكها "حزب الله".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


ضربة استباقية للحزب

ومن ضمن المقترحات التي بحثت أيضاً توجيه ضربة استباقية لـ"حزب الله" وعدم انتظار رده، فقال مسؤول أمني إسرائيلي إن "هناك حاجة لتوجيه ضربات قاسية ومكثفة ضد البنى التحتية العسكرية للحزب ومواقع استراتيجية ومهمة له، والقضاء عليها قدر الإمكان، ليكون في حالة ضعف إذا ما اتسع القتال إلى حرب واسعة"، فيما اعتبر الرئيس السابق لوحدات العمليات في الجيش جنرال احتياط يسرائيل زيف أن العمليتين شكلتا تحولاً جذرياً في هذه الحرب، "الأمر الأول بالنسبة إلى إسرائيل خصوصاً بعد السابع من أكتوبر(تشرين الأول) 2023 فقد أظهرت قدرة كبيرة على استعادة ردعها وقدرات استخباراتها، بل إنها ذات ميزة خاصة بنوعية وقدرة استخباراتها في ما حققته من اختراق والحصول على معلومات دقيقة في عمليتي الاغتيال في إيران ولبنان".

ولا يستبعد زيف أن يصل التحول في هذه الحرب إلى الاتساع لحرب شاملة، قائلاً "الأمر متعلق بمدى ونوعية رد ’حزب الله‘ وإيران أيضاً التي هددت بالرد، وقد نرى كميات هائلة من الصواريخ تصل إلينا. صحيح أن ما نفذته إسرائيل هما عمليتان جراحيتان محددتان، ولكن مثل هذه العمليات قد تجرنا أيضاً إلى حرب واسعة وخطرة".
أما صحيفة "هآرتس" وفي تقرير لها حول تداعيات عملية الضاحية، فعدت أنه "حتى لو أن الهجوم في بيروت لن يؤدي إلى حرب شاملة، فلا يلوح في الأفق حتى الآن أي مسار يؤدي إلى إعادة الاستقرار تجاه الحدود مع لبنان". وأضافت الصحيفة "في هذه الأثناء يبدو أيضاً أن التوصل إلى صفقة التبادل مع ’حماس‘ ووقف إطلاق النار في القطاع، والذي يبدو مساراً بديلاً للتهدئة على الجبهة الشمالية، وصل إلى طريق مسدود. حتى بعد اغتيال شكر فإن الحكومة والجيش بعيدان عن أي حل للضائقة الاستراتيجية في الشمال".
 

 مرحلة جديدة في المواجهة الاستراتيجية

ومن جهته يرى الباحث في شؤون إيران و"حزب الله" في معهد "مسغاف" للأمن القومي والاستراتيجي يوسي منشروف أن الحزب "سيرد على عملية الضاحية، وهناك أكثر من سيناريو"، وبحسبه...

-هجوم صاروخي لمرة واحدة نحو تل أبيب، ويقول "حسب المنطق الذي يعمل به (الأمين العام للحزب حسن) نصرالله في الحرب وعموماً، فان "حزب الله" يتطلع لأن يرد على إسرائيل بصيغة "العين بالعين". ولإسرائيل تفوق تكنولوجي واستخباري على الحزب، بالتالي ليس في وسعه تصفية مسؤول إسرائيلي كبير. وعليه، يحتمل أن يختار الرد على إسرائيل بهجوم صاروخي يستهدف قلب إسرائيل، هجوم يكون بوزن الهجوم الإسرائيلي في الضاحية.

 - الدخول في حرب شاملة، وبحسب منشروف "حتى الآن المنطق الذي وجه "حزب الله" في الحرب كان التطلع لاستنزاف إسرائيل من أجل مساعدة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في غزة. لكن إذا ما شعر نصرالله والقيادة في إيران بأن الوقت نضج للدخول في حرب شاملة، حرب تجبي من إسرائيل ثمناً ذا مغزى، فإنهم سيبدأون بضربة ثقيلة تحت رعايتها يمكن تحريك خطة "احتلال الجليل". وفي إطار الخطة، سيحاول نصرالله أن يدخل إلى إسرائيل آلاف المقاتلين من قوته المختارة، قوة الرضوان، للسيطرة على قاطع إقليمي إسرائيلي".
وفي السيناريو الثالث، يقول منشروف إن "’حزب الله‘ قد يختار تنفيذ هجوم قوي يتضمن توسيع مدى النار واستخدام صواريخ دقيقة لجباية ثمن باهظ من إسرائيل قدر الإمكان على التصفية التاريخية".
وفي نصيحة قدمها لمتخذي القرار، دعا منشروف إلى استخدام ما سماها "المجسات الاستخباراتية" في محاولة لتفهم إسرائيل قبل الأوان كيف يعتزم "حزب الله" الرد. وإذا تبين أن "حزب الله" يوشك على فتح حرب شاملة، فمن الأفضل لإسرائيل أن تبدأ بضربة مسبقة تتطلع فيها إلى أن تقتلع من الحزب مقدرات كثيرة قدر الإمكان مثل قادة كبار، وأنفاق وقيادات استراتيجية ومخازن سلاح وما شابه، بحيث يصل إلى الحرب الشاملة بجاهزية أقل".
ومن جهة أخرى، ولمنع عمليات التسلل يجب على إسرائيل وفق منشروف "تكثيف الحزام الدفاعي على الحدود اللبنانية بصورة كبيرة، بحيث تمنع عمليات القنص واجتياح محتمل لقوة الرضوان. كما على إسرائيل أن تتحدث وبصورة واضحة عبر نتنياهو وغالانت المخولين بالقرارات تجاه لبنان، لتحذير الحكومة والشعب في لبنان من أن الحرب ستؤدي إلى تدمير البنى التحتية لذلك البلد وإلى دمار عظيم في أرجاء الدولة، بخلاف حرب يوليو (تموز) 2006".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات