تتهاوى الليرة السورية أمام الدولار، مسجلة في دمشق سعراً جديداً للصرف 634 ليرة اليوم الاثنين 30 سبتمبر (أيلول)، في وقت ظل سعر الصرف يتأرجح هبوطاً وصعوداً بحسب الطلب المتزايد على القطع الأجنبي من جهة، وتدخل المصرف المركزي السوري من جهة أخرى.
بين الوهم والحقيقة
اللافت ما حدث أخيراً من تدخل سريع ومفاجئ من جانب رجال أعمال سوريين في دمشق أسهموا بضخ الملايين، وتتناقل الأنباء المتواترة خلال اليومين الماضيين أنه عقب اجتماع لكبار رجال الأعمال يصفهم الشارع السوري بـ "حيتان" الاقتصاد، تمكّنوا من ضخ مبلغ مالي ضخم بالعملة الأجنبية، من دون ذكر رقم محدد حتى تاريخه.
وتشير مصادر لـ"اندبندنت عربية" إلى أنه لا توجد تأكيدات وأرقام واضحة عن الكميات والأرقام المالية التي ضخت من الدولار، ولكن يَعقدُ رجال أعمال العزم على مساهمة وُصِفت بالواسعة، للتدخل بعدما أعلن أشهر رجال الأعمال السوريين وهو سامر الفوز، ضخه عشرة ملايين دولار.
ووصف اللقاء بأنه رُتب على عجل في فندق الشيراتون، ضم نخبة رجال الأعمال، بخاصة أولئك الذين لمعت أسماؤهم في واجهة المال والأعمال في ظل الحرب.
رجال الظل
ويراهن المستثمرون السوريون خلال "اجتماع القمة" كما وُصف، على عمليات الإنتاج، كونها تحسن العملة السورية بعد تدهورها غير المسبوق.
في حين طالب رجل الأعمال سامر الفوز الذي بدا متزعماً الاجتماع في صور مسربة من كواليسه، بأن يضخ كل رجل أعمال مبالغ مالية محددة.
ووفق تسريبات أولية من الاجتماع، أن المبلغ الذي حُدد لكل تاجر من الـ 70 تاجراً الذين حضروه، لا يقل عن خمسة ملايين دولار.
الحلقة المفرغة
سيناريو صرف الليرة السورية مقابل الدولار باتت تفاصيله واضحة. ويقول مصرفي سابق إن المضاربين يعملون على رفع قيمة الدولار، ويسهمون بذلك إلى جانب ظروف اقتصادية ومنها سياسية.
في سياق متصل، يعزو المستثمرون السوريون في الداخل ممن يشاركون في حملة دعم الليرة، أسباب انخفاضها إلى دور إعلامي عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي ومساهمتها بدور دعائي لصالح رفع سعر الصرف في "السوق السوداء"، بينما يبلغ سعر صرف العملة السورية 430 ليرة مقابل الدولار الواحد في المصرف السوري المركزي، وهو سعر الصرف الرسمي.
وتُظهر تسريبات من داخل المصرف المركزي، اجتماعات مغلقة بين حاكم المصرف حازم قرفول وتجار ورجال أعمال، أعلنوا عن تدخل وُصف بـ"الحاد"، وبعد سلسلة من الاجتماعات، وعد التجار بعمليات الضخ.
في غضون ذلك، لم ترصد مصادر مصرفية أي تحسن بعد كل الوعود أو التدخل الفعلي، مؤكدةً أنه لم تحدث إلاّ عمليات ضخ بسيطة وليست على المستوى الذي يأمله المركزي، المسؤول عن رسم السياسة الاقتصادية للبلاد.
في المقابل، اعتمدت الحكومة السورية قراراً لم يُخرق منذ عام 2016، يقضي وفق تصريحات رئيس مجلس الوزراء عماد خميس "بوقف سياسة التدخل المباشر في سوق القطع الأجنبي، إذ تسببت سابقاً باستنزاف جزء ليس بقليل من احتياطي القطع الأجنبي وتشجيع المضاربين على المزيد من أعمال المضاربة"، وفق ما نقله موقع الأسهم السورية المسؤول عن رصد أسعار الصرف في الأسواق.
وإزاء التدخلات المصرفية والمالية في الشق الآخر، أنشأت غرفة تجارة دمشق صندوقاً لدعم الليرة، أطلقت عليه تسمية "الصندوق التدخلي"، لكن لم يثمر ذلك عن أية نتائج ملموسة على الأرض، وفق مصادر مصرفية.
رأس المال الصديق
يصف مصرفيون عمليات التدخل التي تحدث بأنها "عمليات بالمبدأ إعلامية"، ولا ينكرون حدوث تدخلات ولكن هذه الأرقام، إن كانت عشرات أو مئات ملايين الدولارات، لا تكفي بعد التضخم الكبير لليرة.
ووفق خبير مصرفي، فضّل عدم الكشف عن اسمه "أن طريقة الإيعاز للفعاليات الاقتصادية والتجارية وحتى الصناعية الكبيرة والمتوسطة بالتدخل بإيداع مبالغ من القطع الأجنبي، لن تحل المشكلة".
ولعل هذه السياسة لن تجدي نفعاً لأن أصحاب رؤوس الأموال تهمّهم مصالحهم الخاصة وجني الأرباح بالنتيجة، وفق الخبراء.
من جانبها، وإن التزمت الفعاليات الاقتصادية بالتدخل في البداية، فلن يستمر ذلك طويلاً، ولعل طريقة الإلزام ستؤدي إلى نفور رؤوس الأموال وهربها إلى بيئة تحفيزية أكثر أماناً، ما عدا رجال الأعمال الذين تربطهم علاقة متينة بالنظام السوري.