ملخص
تبدو ممارسة الرياضة أمراً صعباً في مصر، بخاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، فبحسب تقرير للجهاز المركزي للإحصاء (2018)، لا تتجاوز أوجه الترفيه 2.1 في المئة من متوسط النفقات السنوية للمصريين.
على مدى أسبوعين انشغل الرأي العام المصري بالحديث عن أولمبياد باريس وأداء اللاعبين المصريين، فالآمال كانت مرتفعة بفعل المشاركة بأكبر بعثة أوليمبية في تاريخ مصر، بواقع 164 لاعباً في 22 رياضة، غير أن توالي الخسائر وخروج البعثة بثلاث ميداليات فقط أحبط كثيراً من المصريين. لكن بتوسيع زاوية الرؤية نجد أن ممارسة الرياضة في حد ذاتها في مصر قد يعد إنجازاً في ظل عوائق كثيرة للوصول إلى ما تعده الأمم المتحدة أحد حقوق الإنسان.
وفق تقرير صدر العام الماضي عن مركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصري فإن "72 من المصريين لا يمارسون الرياضة"، وهو ما أرجعه متخصصون تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" إلى العامل الاقتصادي وضعف الإمكانات، إضافة إلى غياب الرياضة عن معظم المدارس. وتزداد نسبة ممارسة الرياضة بين الذكور لتبلغ 40 في المئة مقابل 15.7 في المئة للإناث، كما ترتفع النسبة بين الفئة العمرية بين 18 و30 سنة والمستويات التعليمية والاقتصادية الأعلى.
رياضة على الورق
نقطة البداية لاكتشاف الأبطال الرياضيين غالباً ما تكون المدرسة إلا أن الكثافة الطلابية وغياب الملاعب في كثير من المدارس، إضافة إلى العجز في أعداد المعلمين، يجعل من الرياضة المدرسية موجودة على الورق فقط، بحسب تعبير الخبيرة التربوية بثينة عبدالرؤوف، التي قالت لـ"اندبندنت عربية"، إن مصر "تفتقد مفهوم التربية الرياضية في المدارس". مستشهدة بتجربتها الشخصية مشرفة عامة على عدد من المدارس "لا وجود لحصص تربية رياضية، ولو وجد فيوم فقط في الأسبوع".
وأكدت عبدالرؤوف أن المدارس الحكومية، بخاصة في الريف، لا تضع مساحة لأي رياضة خلال اليوم الدراسي. موضحة أن الفتيات "ليس لديهن أي حصص رياضية على عكس الذكور قد يحصلون على حصة واحدة طوال الأسبوع، وذلك بسبب نقص معلمات التربية الرياضية".
وبحسب تقارير صحافية محلية، يصل العجز في عدد معلمي التربية الرياضية إلى 15 ألف معلم على مستوى الجمهورية، وفقاً لإحصاء عام 2018، مما يعني أن العجز قد يكون قد تفاقم حالياً.
وأشارت المتخصصة التربوية التي عملت عقوداً في التدريس وإدارة عدة مدارس، إلى أن معظم المدارس "استغلت مساحة الفناء لبناء فصول دراسية ومعامل، على عكس الوضع قبل نحو 40 عاماً حين كانت الأنشطة المدرسية كالرياضة والمسرح متاحة، وتمثل فرصة لاكتشاف المواهب، أما الآن فليس أمام معلم التربية الرياضية، إذا أتيح في المدرسة، إلا أن يعطي كرة للتلاميذ كي يلعبوا في المساحة المتوفرة، في ظل صعوبة تدريب عشرات الطلاب في 45 دقيقة هي مدة حصة التربية الرياضية، التي لا تتوفر سوى مرة واحدة أسبوعياً في غالب الأحيان".
ويتفق هذا الرأي مع ما خلصت إليه رسالة دكتوراه في كلية التربية الرياضية بجامعة حلوان، أعدها الباحث أحمد محمد نصر الدين بعنوان "معوقات تنمية تلاميذ المدارس في ضوء برامج الأنشطة الرياضية المدرسية"، إذ ذكر أن المخصصات المالية التي ترصد لبرامج الأنشطة الرياضية المدرسية من قبل وزارة التربية والتعليم "غير كافية". كما أن الموارد البشرية "لا تكفي لتنفيذ الأنشطة الرياضية المدرسية، فيما توضع مشروعات وبرامج من جانب وزارتي الشباب والرياضة والتربية والتعليم دون برامج عمل تنفيذية". مشيراً إلى أن "قلة الإمكانات المادية تؤدي إلى عزوف بعض الإدارات التعليمية عن المشاركة في مشروعات وزارة الشباب والرياضة".
وتشير دراسة أجراها باحثون في المعهد القومي للتغذية إلى أن 64 في المئة من الطلاب في المدارس بين أعمار ستة و13 سنة "لا يمارسون أي نشاط بدني". استناداً إلى عينة شملت 1361 مدرسة في أربع محافظات هي القاهرة والجيزة والمنوفية والقليوبية.
حصة "الألعاب"
إلا أن الصورة لا تبدو قاتمة في كل المدارس، إذ يقول محمد هشام الطالب بالصف الثاني الإعدادي، إن مدرسته الواقعة بمدينة السلام شرقي القاهرة بها ملعبان، الأول من الأسفلت مساحته تقارب الملاعب الخماسية في مراكز الشباب، والثاني على مساحة أصغر، ليتمكنوا من ممارسة الرياضة في ما تسمى "حصة الألعاب".
ويتمتع محمد (13 سنة) وزملاؤه في الفصل، الذي يضم 45 طالباً بـ"حصة ألعاب" واحدة، أي 45 دقيقة كل أسبوع وفق جدوله. يشير إلى أن مدرس التربية الرياضية يقسم الطلاب إلى فرق بحيث يتمكنون جميعاً من لعب كرة القدم، كما يشجعهم المدرس أحياناً على ممارسة تمارين رياضية مختلفة، مثل الجري والضغط والبطن وغيرها.
كما تقول نادية، مديرة مدرسة حكومية بحي البساتين جنوب القاهرة، إن المدارس الحكومية "تهتم بحصص التربية الرياضية، ويحصل كل فصل على حصصه المخصصة للألعاب". مضيفة، لـ"اندبندنت عربية"، طالبة الاكتفاء باسمها الأول، إن المدرسة بها ملعب كبير يمارس فيها الطلاب التمارين الرياضية المختلفة، إضافة إلى حصص الموسيقى والرسم للمرحلة الابتدائية.
فيما تعد تجربة جودي أشرف الطالبة بالصف الخامس الابتدائي، مختلفة، إذ إن الجدول الأسبوعي به حصة تربية رياضية واحدة لا تتخللها ممارسة أي رياضة، تكتفي التلميذات بالجري واللهو مع بعضهن. وتقول، إن مدرستها الحكومية الواقعة في منطقة الطالبية بمحافظة الجيزة بها ملعب أسفلتي بالكاد يكفيهن. موضحة أن معظم حصص الألعاب "ينظمها مدرسو اللغة العربية أو الرياضيات وأحياناً قليلة مدرسة للتربية الرياضية، بسبب قلة أعداد معلمي التربية الرياضية في الإدارة التعليمية، وفي حال غياب مدرسة التربية الرياضية وانشغال معلمي المواد الأساسية تحرم التلميذات من حصة الألعاب ويبقين في الفصل".
ملف الرياضة المدرسية كان تصدر الاهتمام الحكومي بعد حديث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في ديسمبر (كانون الثاني) 2018 في شأن ضرورة أن تكون التربية الرياضية "مادة أساسية"، مما دفع وزير التعليم السابق طارق شوقي إلى إصدار قرار عام 2019 باعتبار التربية الرياضية لها منهج دراسي يمارسه كل الطلاب، ويعقد له تقييم عملي في نهاية كل فصل دراسي، ولا تضاف درجاته إلى المجموع الكلي، في إجراء غير مسبوق بمصر.
وبعد أربعة أعوام من القرار، تقدمت عضو مجلس النواب رغدة نجاتي بطلب إحاطة موجه إلى وزير التعليم حول غياب الأنشطة في المدارس، وأن حصة التربية الرياضية "تجري فعالياتها بشكل عشوائي من دون تنظيم أو هدف لتدريب وتأهيل الطلاب واكتشاف مواهبهم".
الأندية الخاصة
بعيداً من المدرسة، تبدو ممارسة الرياضة أمراً صعباً، بخاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر، فبحسب تقرير للجهاز المركزي للإحصاء، لا تتجاوز أوجه الترفيه 2.1 في المئة من متوسط النفقات السنوية للمصريين، وفق تقرير صدر عام 2018.
وتعد المشاركة في ناد من البنود المكلفة لأي أسرة، فعلى سبيل المثال يتجاوز اشتراك النادي الأهلي المليون جنيه (20 ألف دولار)، ونادي الزمالك 300 ألف جنيه (6 آلاف دولار)، ونادي وادي دجلة 250 ألف جنيه (5 آلاف دولار)، ونادي "النادي" 130 ألفاً (2.6 ألف دولار)، وفق تقارير صحافية محلية.
وبحسب إحصاء حكومي، وصل عدد الأندية ومراكز الشباب إلى 5240 عام 2022، منها 595 نادياً تابعاً للقطاع الخاص، و4449 مركز شباب على مستوى قرى ومحافظات الجمهورية. لكن بتحليل ذلك التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء، نجد أن عدد أندية القطاع الحكومي انخفض من 140 نادياً في عام 2012 إلى 80 في عام 2021، كما انخفض عدد أندية قطاع الأعمال العام (شبه حكومي) من 137 في 2012 إلى 116 في عام 2021.
وتراجع عدد اللاعبين في الأندية الحكومية 33 في المئة، وفي مراكز الشباب 51 في المئة بين عامي 2013 و2021، وهو ما أرجعه تقرير لمركز حلول للدراسات البديلة التابع للجامعة الأميركية إلى نقص الاستثمار الحكومي في البنية التحتية الرياضية. وفي المقابل زاد عدد لاعبي فرق الأندية الخاصة 22 في المئة. وتقول وزارة الشباب والرياضة إنها أنفقت 22 مليار جنيه (450 مليون دولار) على إنشاء وتطوير منشآت رياضية بين أعوام 2014 و2023.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تخطيط المدن
عرفة سلامة سكرتير عام الاتحاد الرياضي للجامعات سابقاً، أشار إلى أن توزيع السكان في المدن وضيق المساحات مقارنة بالعقود السابقة "يصعب ممارسة الرياضة على الراغبين، إذ كانت الشوارع الفسيحة في الماضي تسمح بممارسة الرياضة من دون كلفة ولو بالركض أو المشي".
وقال الأستاذ بكلية التربية الرياضية جامعة حلوان لـ"اندبندنت عربية"، إن الجانب الاقتصادي ضمن أبرز المؤثرات في عدم ممارسة الرياضة في المجتمع، فالغالبية ليس لديها الوفرة للاشتراك في ناد على سبيل المثال لممارسة الرياضة مع أطفالهم.
كذلك أشار سلامة إلى جهود داخل الجامعات المصرية، للتشجيع على ممارسة الرياضة، مثل دورة "الشهيد إبراهيم الرفاعي"، التي يشارك فيها قرابة 40 ألف طالب من 70 جامعة حكومية وخاصة وأهلية في منافسات للألعاب الجماعية والفردية، وذلك بعد تصفيتهم في منافسات على مستوى كل كلية وجامعة، مما يعني أن ممارسي الرياضة ضمن الإطار الجامعي قد يصل إلى 120 ألفاً من بين 3 ملايين طالب جامعي.
"سوء تخطيط المدن" الذي يحد من حركة المواطنين كان السبب الرئيس لسمنة المصريين، وفق تصريحات للمسؤولة بمنظمة الصحة العالمية راندا أبوالنجا لصحيفة "الغارديان" البريطانية، بعدما أظهر تقرير للمنظمة أن 62 في المئة من المصريين وزنهم أكثر من المعدل الطبيعي. وقالت أبوالنجا إنه يجب إيجاد أماكن لممارسة الرياضة، بخاصة أن التكدس في المدارس لا يسمح بممارسة الرياضة. مشيرة إلى أن 75 في المئة من المصريين "لا يقومون بنشاط بدني كاف".