ملخص
في جميع العمليات العسكرية التي كانت تشنها إسرائيل على غزة منذ تولي حركة "حماس" سدة الحكم عام 2007 حتى الحرب الدائرة حالياً، لعبت مصر دور الوسيط القوي وشبه الوحيد ونجحت دائماً في التوصل إلى صيغة اتفاق لوقف الهجوم المسلح على القطاع.
بعبارات بسيطة تحدث بها عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" موسى أبو مرزوق عن مصر أدى إلى تدهور العلاقات بين الفصيل السياسي والجارة المحاذية لغزة، إذ اتهم القيادي الحمساوي القاهرة بأنها تتقاعس عن وقف حرب القطاع، وهذا ما كشف عن وجود خلافات بين الطرفين.
يقول أبو مرزوق "من واجب مصر العمل على وقف إطلاق النار في غزة، فلهذه الدولة مسؤوليات خاصة في القطاع، ولا بد أن تقوم بها لوقف المجازر. لا يمكن أن تعد مصر نفسها طرفاً محايداً، وألا تقف إلى جانب المظلومين الفلسطينيين".
الكلمات التي أطلقها القيادي في "حماس" أيضاً، "مصر قادرة على وقف الحرب والمجازر في يوم واحد، لكنهم أبلغونا في (حماس) أنهم لا يستطيعون فعل شيء أمام تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يأتي هذا الرد في وقت ما زال يواجه سكان غزة مذابح مستمرة عبر الصواريخ وعبر منع الدواء والغذاء".
في الواقع، ما تحدث به أبو مرزوق يكشف عن وجود خلافات واضحة بين مصر وحركة "حماس"، وأن العلاقات بين الطرفين لم تعد كما كانت تتميز بأنها جيدة وقوية، ويعتقد الباحثون السياسيون أن هذه الخلافات بدأت بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي محافظة رفح المحاذية للحدود مع سيناء المصرية.
دور مصر خلال الحرب
في جميع العمليات العسكرية التي كانت تشنها إسرائيل على غزة منذ تولي حركة "حماس" سدة الحكم عام 2007 حتى الحرب الدائرة، كانت مصر تلعب دور الوسيط القوي وشبه الوحيد، وتنجح دائماً في التوصل إلى صيغة اتفاق لوقف الهجوم المسلح على القطاع.
بسبب دور الوسيط باتت العلاقات بين مصر و"حماس" جيدة، وتطورت إلى أن شملت تدخل القاهرة لإنعاش اقتصاد القطاع، إضافة إلى تقديم مزيد من التسهيلات لسكان غزة مثل السفر من أراضيها والعلاج والدراسة وغيرها من المجالات.
وحتى في الحرب الدائرة في غزة لعبت مصر دوراً مهماً، إذ عندما رد الجيش الإسرائيلي على هجوم "حماس" أعلنت القاهرة أنها ستلعب دور الوسيط بين الطرفين وستعمل قدماً من أجل التوصل إلى اتفاق في شأن حرب القطاع بالتعاون مع وسطاء آخرين وتحت قيادة الولايات المتحدة.
وفي الجانب الإنساني فتحت مصر معبر رفح الحدودي مع غزة، وسمحت عبره بتدفق المعونات الإنسانية وسهلت عملية التبادل التجاري، كما سهلت أيضاً سفر المرضى وأصحاب الجوازات الأجنبية وحتى سكان غزة الراغبين في مغادرة القطاع.
شيدت مصر خلال فترة الحرب مخيمات إيواء للنازحين وأيضاً أرسلت شاحنات أدوية، واستقبل الهلال الأحمر التابع لها ملايين الأطنان من المعونات الإنسانية وأسهم في تدفقها لغزة، فضلاً عن ذلك زودت القطاع بالوقود وغاز الطهي طوال فترة الحرب.
وفي الجانب الدبلوماسي والترتيبات الأمنية فإن مصر هددت بقطع العلاقات مع إسرائيل على خلفية شن الجيش هجوماً على محافظة رفح واجتياح معبر رفح ومحور فيلادلفيا، واحتجت على خرق اتفاقية كامب ديفيد وملحقها الخاص بمحور فيلادلفيا، وأيضاً تضامنت مع دعوى جنوب أفريقيا التي رفعتها أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، بتهمة خرق الجيش معاهدة منع الإبادة الجماعية.
رأي الجانب المصري
في أي حال وعلى رغم دور مصر في الوساطة وتقديم الدعم الإنساني وحتى الدبلوماسي، فإن موسى أبو مرزوق الذي كان يشغل سابقاً رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" وكان كذلك يقيم في القاهرة ويمارس نشاطاً سياسياً فيها حتى عام 2013، انتقد القاهرة وسبب خلافات واضحة بين حركته والوسيط العربي الذي يفاوض بلسانه.
من الجانب المصري، يقول عضو البرلمان المصري مصطفى بكري "لجأت حماس إلى فتح جبهة جديدة واختلاق أزمة مع مصر، في وقت من المفروض أن الفلسطينيين يحتاجون إلى تكاتف الجهود لمواجهة المخططات الإسرائيلية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يتساءل بكري "ماذا جرى، لماذا انقلبت على موقفك السابق؟"، ويضيف "أعرف أن لا أحد في (حماس) يجيب، لكن في ظل أن هناك شعباً يباد، مصر ارتفعت بمواقفها عند مستوى المسؤولية، ويجب التذكير بأن مصر ليس لها مصلحة مع أي طرف، وأننا نعد القضية الفلسطينية قضيتنا المركزية".
وبدأت العلاقات بين مصر و"حماس" تصاب بالفتور، وظهر ذلك بصورة واضحة عندما رفضت القاهرة استضافة قمة الوسطاء التي تعقد حالياً في العاصمة القطرية الدوحة، برئاسة الولايات المتحدة مع الوسطاء المصريين والقطريين والإقليميين وإسرائيل.
توتر العلاقات مستبعد
وبحسب معلومات "اندبندنت عربية" فإن مصر رفضت لقاء قيادات "حماس" في قطر على هامش وجودها هناك للمشاركة في محادثات وقف إطلاق النار في غزة، كما اكتفت في التفاوض بآلية تبادل الرهائن الإسرائيليين، ولم تناقش ملفات مهمة منها محور فيلادلفيا.
ولكن على رغم هذه الأزمة الجديدة بين "حماس" ومصر، استبعد رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية محمد العرابي أن تتأثر علاقة الحركة بالقاهرة في ضوء ذلك التراشق. وقال "مصر هي السند، وتعمل لمصلحة الشعب الفلسطيني بكامله، وليس لفصيل معين".
الأزمة التي تختلقها "حماس" أثارت غضب حركة "فتح"، إذ يقول القيادي فيها جهاد الحرازين "مصر لم تتخل عن سكان غزة في أي مرحلة، وفتحت أبوابها على مصراعيها لدعم حقوقهم، يجب على (حماس) عدم خلق أي عداء غير مبرر مع القاهرة، حتى لا تضر بمصالح الفلسطينيين".
سر التأزم
لكن ما السبب وراء توتر العلاقات بين مصر و"حماس"؟ من وجهة نظر البرلماني المصري مصطفى بكري "فإن حماس غاضبة بسبب تنسيق القاهرة مع السلطة الشرعية في رام الله لتسلم الجانب الفلسطيني من معبر رفح حتى تتمكن من إدخال المساعدات".
ويوضح أن "حماس ثارت غضباً على مصر بسبب ذلك. ورأت أن ذلك فيه إبعاد لها من أن تتولى هي الإشراف على القطاع، وتجاهلت أن سكان غزة يتضورون جوعاً وانتبهت لمصالحها الحزبية الفئوية، لافتاً إلى أن مصر لا تتآمر ضد أحد".
حاولت "اندبندنت عربية" الاتصال بمكاتب حركة "حماس" لمعرفة سبب الخلاف، لكن لا إجابة حول ذلك. في هذا الوقت يقول الباحث في شؤون الفصائل الفلسطينية ثابت العمور "هناك سبب واحد وراء توتر العلاقات هو تأييد مناقشة مصر فكرة اليوم التالي للحرب مع الوسطاء وجهات أخرى".
القوات الدولية سبب الخلاف
يرى ثابت العمور أنه "في مايو (أيار) الماضي طالبت الدول العربية في بيان قمتها بنشر قوات دولية في غزة لحماية الفلسطينيين والإشراف على توزيع المساعدات، وحينها أيدت مصر الفكرة، وهذا سبب غضب (حماس) وجن جنونها".
ويوضح أن مصر والإمارات ناقشا خلال زيارة رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مدينة العلمين للقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وتبع ذلك زيارة رئيس "الموساد" إلى العلمين للقاء مسؤولي الاستخبارات المصرية، وهذا جعل "حماس" في شك حول ما يدور، واعتقدت أن الأطراف تناقش ما وراء وجود الحركة في غزة.
وبحسب العمور فإن "حماس" حريصة على بقاء حكمها في غزة ولهذا حاولت توتير العلاقات مع مصر، ولكن لهذا الأمر آثار كارثية ستكون على الحركة التي يبدو أنها تتخبط ولا رؤية سياسية لديها حول مستقبلها في القطاع.