Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مغامرة أوكرانية خارج الصندوق

ما أصر بوتين على تسميتها "عملية عسكرية خاصة" تحولت إلى حرب كاملة الأوصاف

متطوعون محليون يسيرون أمام مبنى تضرر بسبب الضربات الأوكرانية في كورسك، 16 أغسطس 2024 (أ ف ب)

ملخص

ما فعله بوتين، كما يرى المؤرخ أندريه زورين، هو" استدعاء الماضي للحلول محل مستقبل خطر وغير مؤكد للإمبراطورية".

حرب غزة حجبت الأضواء عن حرب أوكرانيا الأشد خطورة منها. والسبب هو التركيز الإعلامي وغير الإعلامي على أي صراع يتعلق بإسرائيل ودور إيران والفصائل المرتبطة بها في الصراع على الطريق إلى المشروع الإقليمي للجمهورية الإسلامية.

أخطر ما تقود إليه حرب غزة هو حرب إقليمية قابلة للضبط. أما حرب أوكرانيا فإنها قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة لا ضوابط لها، ما يحدث في الشرق الأوسط، على رغم أهميته الجيوسياسية والاستراتيجية والاقتصادية، لا يرتقي إلى مستوى تغيير العالم.

وما يحدث في أوروبا يغير العالم. وهو تغير ثلاث مرات خلال القرن الـ20 عبر حروب تبدأ في أوروبا: الحرب العالمية الأولى، الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة التي انتهت بسقوط الاتحاد السوفياتي، لكن حرب أوكرانيا استعادت الأضواء بعد مفاجأة أوكرانية توحي أن اللعبة الكبيرة بين روسيا وأوكرانيا و"الناتو" بالوكالة صارت أكبر وأكثر تعقيداً. فمن حيث كان الجيش الروسي يتقدم ببطء من قرية إلى أخرى في منطقة الدونباس شرق أوكرانيا، فاجأت كييف روسيا والعالم ونفسها بالتوغل السريع في منطقة كورسك الروسية.

وهي صفعة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يمارس غطرسة "القيصر" على شعبه كما على الأوكرانيين ويفاخر بغزو جيشه لجارته التي كانت من ضمن الجمهوريات في الاتحاد السوفياتي، و"رسالة" إلى العالم كله، كما إلى الغرب الذي يسلح كييف ويدعمها، خلاصتها أن الجيش الأوكراني الذي يتعثر في الدفاع عن شرق بلاده قادر على الهجوم واحتلال أراض روسية في منطقة مهمة تضم منشأة لتصدير الغاز ومنشآت نووية.

ولا يبدل في الأمر أن من الصعب على كييف الحفاظ على مواقع جيشها في كورسك، لأن موسكو قادرة على دفع أعداد هائلة من القوات بينها "قوات أحمد" الشيشانية لاستعادة الأرض، فالهدف ليس احتلال أرض روسية بل التفاوض والمقايضة مع روسيا على الانسحاب من الأرض التي احتلتها في أوكرانيا.

ولا يبدل في الأمر أيضاً صحة أو خطأ ما كتبته تاتيانا ستانوفايا من مركز "روسيا أوراسيا" من أن "حرب أوكرانيا بدأت تغير روسيا" وأن بوتين صار "ضعيفاً بما يجعله أداة في يد المتطرفين من الصقور".

تقول المؤرخة الكندية مارغريت ماكميلان إنه "في أي حرب تطول تتطور أهداف طرفي الصراع". وهذا ما يبدو واضحاً في حرب أوكرانيا. بوتين بدأ الحرب لتغيير النظام والقضاء على "النازيين الجدد" ونزع سلاح أوكرانيا وفرض حيادها ولعب دور في هندسة نظام أوروبي أمني ودور شريك كامل في نظام عالمي تعددي، لكن فشله في احتلال كييف، كما في تقدير رد فعل الغرب الذي دعم أوكرانيا بقوة، خلافاً لما حدث بعد ضم موسكو لشبه جزيرة القرم أيام رئاسة باراك أوباما أدى إلى تقليص أهدافه: من الهيمنة على أوكرانيا، وربما إلغائها، إلى الاستعداد للتفاوض على تسوية تكفل له ضم أربع مقاطعات أوكرانية إلى روسيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من حيث أراد بوتين حياد كييف ونزع سلاحها وإبعاد "الناتو" عن حدوده، صارت كل أسلحة "الناتو" فيها، وبات طريق الاتحاد الأوروبي مفتوحاً أمامها، فضلاً عن أن ما أصر بوتين على تسميتها "عملية عسكرية خاصة" تحولت إلى حرب كاملة الأوصاف مرشحة لأن تصبح حرباً عالمية ثالثة، أقله بالتهويل.

وفي حين يقول بوتين إنه "لا مصلحة لروسيا في حرب مع 'الناتو'"، يقول وزير خارجيته سيرغي لافروف: "نحن مستعدون لملاقاة 'الناتو' في الميدان"، ويكرر صديقه الرئيس ورئيس الحكومة سابقاً ديميتري ميدفيديف التلويح باستخدام السلاح النووي.

والأمر نفسه ينطبق على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، هو رفض أي تفاوض مع موسكو إن لم تنسحب سلفاً من الأراضي الأوكرانية التي احتلتها. وأصر على طرد الروس بالقوة، لا بل حرص على إصدار قانون يمنع التفاوض مع بوتين، لكنه حين فشل، ثم احتل أجزاءً من مقاطعة كورسك الروسية صار يطالب بالتفاوض على "تسوية عادلة".

واللعبة دقيقة بمقدار ما هي معقدة، فالغرب الذي تحدث عن إلحاق "هزيمة استراتيجية" بروسيا، رد عليه المتخصص الروسي ليونيد بيرشيد سكي بالقول: "كيف يمكن إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا إذا لم تتم هزيمتها في حرب أوسع من جغرافيا أوكرانيا؟".

والخبيرة الأميركية فيونا هيل ترى أن "الحرب لا تتعلق في الحقيقة بأوكرانيا، بل بصراع قوى كبرى في الفضاء الأوروبي نحو نهاية النظام العالمي الحالي". أما صامويل تشاراب، فإنه يتحدث عن "حرب لا يمكن ربحها". فالرد الغربي على الغزو الروسي واضح، لكن "الهدف في نهاية اللعبة ضبابي". ومن الصعب على أميركا تحديد الهدف النهائي من حرب "لا تشارك فيها قواتها".

لكن التسوية بالتفاوض ليست أقل صعوبة من ربح الحرب. فلا تسوية من دون تنازلات عن أرض في أوكرانيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. ولا "تسوية عادلة" مع التنازل عن أرض. ولا مجال لأن تقرر موسكو الانسحاب من أوكرانيا مقابل انسحاب الجيش الأوكراني من كورسك. فهي تعرف ما تعانيه كييف من نقص في أعداد العسكر، ومن مصاعب لوجيستية في تأمين الإمدادات بقواتها. وهي تحاول وضع القوات الأوكرانية داخل مصيدة على أرض روسيا، وتصر على أنها تحارب أميركا و"الناتو" لا مجرد أوكرانيا.

ومهما يكن، فإن النصر لأي طرف في حرب أوكرانيا هو مهمة مستحيلة. والطرفان خاسران نسبياً. ولا شيء يعوض الخسائر العسكرية والمدنية للطرفين، بصرف النظر عن دعم الغرب لأوكرانيا، وعن "شراكة بلا حدود" بين روسيا والصين وتعاون روسي عسكري مع كل من كوريا الشمالية وإيران.

وما فعله بوتين، كما يرى المؤرخ أندريه زورين، هو" استدعاء الماضي للحلول محل مستقبل خطر وغير مؤكد للإمبراطورية". وإذا كانت موارد روسيا العسكرية عاجزة عن تحقيق أهدافها السياسية، فإن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن يعترف بأن "بقاء أوكرانيا في خطر، وأمن أميركا في خطر".

المزيد من آراء