ملخص
ينحدر بن غفير المولود بالقدس في الخامس من مايو 1976 من أصول شرقية لأب من جذور عراقية، وأم من كردستان كانت ناشطة في الحركة الصهيونية المعروفة بـ"التنظيم الوطني العسكري" (إيتسل) الذي نفذ عمليات عدائية ضد الفلسطينيين
لم يكتف وزير الأمن القومي الإسرائيلي رئيس حزب "عوتسما يهوديت" أو "القوة اليهودية" إيتمار بن غفير بعرقلة مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والتهديد أكثر من مرة بإسقاط الحكومة الائتلافية في حال وقع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الاتفاق مع "حماس"، بل خرج أخيراً بتصريحات هي الأكثر جدلاً على الإطلاق منذ أن قفز إلى الأضواء، فصباح أول من أمس الإثنين ضجت وسائل الإعلام العربية والأجنبية بتصريحاته الجريئة التي دعا فيها إلى إقامة كنيس يهودي في المسجد الأقصى، ووضع العلم الإسرائيلي ليرفرف فوقه، معلناً أحقية اليهود قانونياً للصلاة فيه أسوة بالمسلمين. وهو ما فجر "عاصفة سياسية" داخل إسرائيل، وموجة من الغضب الإسلامي العارم والإدانات الدولية التي اعتبرت الرجل متهوراً وغير مسؤول عن عباراته التي وصفوها بـ"المتهورة"، التي قد تجر المنطقة إلى حرب دينية تؤجج مزيداً من الكراهية بين العرب واليهود.
ومنذ تشكيل الحكومة الحالية في اليومين الأخيرين من عام 2022، لم يهدأ بن غفير يوماً، وسعى إلى توسيع نطاق صلاحياته كوزير بشكل غير مسبوق، وإلى جانب تصعيد اقتحاماته المكثفة والاستفزازية للمسجد الأقصى برفقة الشرطة وعشرات المستوطنين، يطالب بن غفير بإلغاء اتفاق "أوسلو" ويعارض إنشاء الدولة الفلسطينية وتجميد بناء المستوطنات، ويدعو إلى فرض السيادة والحكم الإسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة، وطالب علناً بتهجيرهم إلى الخارج. وفيما يدافع بن غفير عن عقوبة الإعدام للمسلحين الفلسطينيين، منح المستوطنين في الأشهر الأخيرة أكثر من 30 ألف ترخيص بحمل السلاح. ووصفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية فوزه مع حزبه في انتخابات الكنيست لعام 2022 بأنه "اليوم الأسود في تاريخ إسرائيل"، في حين وصفه الكاتب إيتسيك سابان، في مقالة له بصحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية المتشددة، "مثل فيل في حانوت سيراميك أصابعه دائماً على الزناد".
نشأة متطرفة
ينحدر بن غفير المولود بالقدس في الخامس من مايو (أيار) 1976 من أصول شرقية لأب من جذور عراقية، وأم من كردستان كانت ناشطة في الحركة الصهيونية المعروفة بـ"التنظيم الوطني العسكري" (إيتسل) الذي نفذ عمليات عدائية ضد الفلسطينيين. أحداث كثيرة حصلت في فترة مراهقته، تركت أثراً كبيراً في مسيرته السياسية لاحقاً، فعندما بلغ بن غفير 12 سنة، قرر التدين بشكل كامل وصار يلتزم بشكل حرفي بإقامة الشعائر الدينية كافة، حتى أصبحت التوراة هي دستوره الوحيد. وبدأت مشاركته الأولى في الاحتجاجات وهو لايزال في الـ14 من عمره، وهتف ضد تظاهرة أقامتها حركة "النساء بالسواد"، اليسارية في القدس، وهي التي التقى فيها للمرة الأولى بنوعام فيدرمان، أحد الأعضاء البارزين في حركة "كاخ" اليمينية المتطرفة، الذي دعاه إلى الانخراط في مدرسة "الفكرة اليهودية" التي أسسها مائير كاهانا رئيس الحركة، التي وضعت في قائمة المنظمات الإرهابية في إسرائيل والولايات المتحدة وحظرت عقب مجزرة الحرم الإبراهيمي التي نفذها أحد أعضائها مطلع التسعينيات. وما إن وصل بن غفير إلى سن 16 سنة وانضم إلى حركة "كاخ" ونشط فيها، حتى أصبح مسؤول الشبيبة في الحركة، يدعو إلى رفع العرق اليهودي إلى مرتبة سامية مقدسة، ويشيطن كل ما هو غير يهودي ويدعو إلى طرده وإبعاده أو التخلص منه، بحسب ناشطين سياسيين، إلا أن سجله الجنائي وهو في سن التجنيد (18 سنة) حال دون قبوله في الجيش الإسرائيلي، إذ حوكم بن غفير ودين بثماني قضايا من أصل 53 فتحتها له الشرطة.
لمع نجم بن غفير في وسائل الإعلام الإسرائيلية للمرة الأولى عندما كان في الـ19 من عمره، عقب توقيع "اتفاقية أوسلو" بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني في سبتمبر (أيلول) 1993، عندما خرج بمسيرات احتجاجية ورفع إشارة سيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إسحاق رابين أمام عدسات الكاميرات، قائلاً "كما وصلنا إلى سيارته نستطيع أيضاً أن نصل إليه"، وبعد أسابيع عدة اغتيل رابين بالفعل. واعتبر إعلاميون وناشطون أن "إعجاب بن غفير بقتل باروخ غولدشتاين أحد رفاقه في حركة ’كاخ‘ عشرات الفلسطينيين في مذبحة الحرم الإبراهيمي عام 1994، أحد أهم الأفعال والمواقف العنصرية المرتبطة بمسيرته المتطرفة، ولم يكتف برفع يافطة كتب عليها: طوبى للرجل الذي يفتح النار... بطلي غولدشتاين، بل ظلت الصورة معلقة على جدار منزله حتى عام 2020 عندما بدأ صعوده السياسي يستدعي لباقة سياسية".
معترك سياسي
لأعوام ظل بن غفير الذي درس الحقوق يثير ضجة، وإنما على هامش الحياة السياسة الإسرائيلية، إلا أنه وفق محللين أظهر براعة في تغليف تطرفه اليميني المتشدد بالقانون، فكان المحامي الإسرائيلي الرئيس لمعظم المستوطنين الذين نفذوا عمليات عدائية ودموية في حق الفلسطينيين، على رغم أن نقابة المحامين رفضته مراراً، بسبب سجله الجنائي وتورطه في تظاهرات وأنشطة لليمين المتطرف، إلا أنه قاد احتجاجاً على قرارها عام 2012، حتى سمح له بالانضمام بعد أن اجتاز اختبار النقابة، مما مهد له في العام نفسه تأسيس حزب "القوة اليهودية" مع عدد من أتباع كاهانا. وعلى رغم فشل حزب "القوة اليهودية" الذي يترأسه بن غفير ويعد امتداداً لحركة "كاخ" دخول الكنيست في انتخابات عام 2013 و2015 سواء بالتحالف مع أحزاب أخرى أم بمفرده، إلا أن ذلك لم يمنعه من خوض انتخابات أخرى عام 2019، التي دخل فيها حزبه في تحالف البيت اليهودي الذي يضم أحزاب اليمين المتطرف، وتمكن التحالف من الفوز بخمسة مقاعد، وحل حزبه في المرتبة السابعة من حيث عدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات بين أحزاب التحالف.
وساعد تأجيجه كعضو كنيست لمزيد من الكراهية ضد العرب والفلسطينيين ونشر الفوضى، ومضايقة المتظاهرين في أية مسيرة أو وقفة لليسار، وتنظيمه مسيرات استفزازية في الداخل الفلسطيني، دعا خلالها إلى تهجير "عرب 48"، واعتبرهم "قنبلة موقوتة" تشكل خطراً على "يهودية إسرائيل"، برفع شعبيته بشكل جارف في الأوساط اليمينية وبين جنود الجيش وحتى في الكيبوتسات التي عرفت بميولها اليسارية، التي مهدت لوصوله في ما بعد إلى الكنيست. وبعد أن نجح نتنياهو في العودة لكرسي رئاسة الوزراء بائتلاف يضم تحالف الليكود وحزب "القوة اليهودية" الذي يتزعمه بن غفير عام 2021، نجح الأخير في دخول المعترك السياسي بقوة كبيرة، مكنته في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022 من الحصول على مقعد في حكومة نتنياهو الأمنية، الذي عينه وزيراً للأمن القومي يتولى مسؤولية الشرطة المحلية وشرطة الحدود الإسرائيلية العسكرية.
وبينت أحد استطلاعات الرأي الإسرائيلية أن 46 في المئة من الإسرائيليين يرون أن بن غفير لا يستحق حقيبة وزارة الأمن القومي، التي تشمل السلطة على دوريات الحدود في الضفة الغربية، خصوصاً وأن تقريراً لجهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك"، أكد أن خطابات بن غفير التحريضية على الفلسطينيين أسهمت بزيادة الاعتداءات عليهم بالضفة الغربية والقدس وفي المدن الساحلية داخل إسرائيل، إذ تضاعفت اعتداءات المستوطنين في النصف الأول من 2021 بتسجيل 416 اعتداء. وتقول وثيقة مسربة نشرها موقع "كالكلسيت" الاقتصادي الإسرائيلي في وقت سابق إن بن غفير أوعز إلى الشرطة بالامتناع عن اتخاذ أي إجراءات لملاحقة المتطرفين اليهود، الذين يرتكبون اعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية.
مثيرة للجدل
علاوة على قلنسوته الكبيرة المطرزة وصوته العالي وصراخه الدائم، يعرف وزير الأمن القومي بن غفير (47 سنة) بتصريحاته المستفزة التي أصبحت معروفة للجميع على الساحة السياسية الإسرائيلية والعالمية. فرئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار يرى أن التصرفات الاستعراضية لبن غفير "يمكن أن تجر إسرائيل إلى اتجاه يؤدي إلى إراقة كثير من الدماء، ويغير وجه إسرائيل إلى درجة لا يمكن معرفتها". وشارك وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بار في رأيه وطالب بإقالة بن غفير، قائلاً إن "تصرفاته تعرض الأمن القومي للخطر"، وكتب عبر حسابه على منصة "إكس" إنه "أمام التصرفات غير المسؤولة للوزير بن غفير، التي تعرض الأمن القومي لدولة إسرائيل للخطر وتخلق انقساماً داخلياً في البلاد، فإن رئيس جهاز الأمن العام وأفراده يقومون بواجبهم ويحذرون من العواقب الوخيمة من هذه التصرفات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه دعا وزير الداخلية موشيه أربيل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى إقالة الوزير من منصبه المشرف على شرطة إسرائيل، وحذر من أن تهور زعيم حزب "عوتسما يهوديت" "قد يدفع ثمنه بالدم". وقال إن "تصريحات بن غفير غير المسؤولة تثير الشكوك حول تحالفات إسرائيل الاستراتيجية مع الدول الإسلامية كجزء من التحالف ضد المحور الإيراني"، كما انتقد وزير التعليم يوآف كيش من حزب "الليكود" الحاكم، زعيم حزب "عوتسما يهوديت"، وقال إن "التصريحات غير المسؤولة التي يدلي بها بن غفير في وسائل الإعلام شعبوية وغير ضرورية". في المقابل سارع يائير لابيد ورؤساء أحزاب المعارضة إلى ضم أصواتهم لجوقة الإدانات، متهمين نتنياهو وبقية الائتلاف بتمكين بن غفير وإبقائه في السلطة. وكتب لابيد على موقع "إكس" إن "المنطقة كلها ترى ضعف نتنياهو أمام بن غفير، فهو لا يستطيع السيطرة على الحكومة حتى في ما يتعلق بمحاولة واضحة لزعزعة استقرار أمننا القومي". في حين قال رئيس "حزب الوحدة الوطنية" المعارض بيني غانتس إنه لا يتوقع كثيراً من نتنياهو "الذي سمح لمشعل الحرائق غير المسؤول بإسقاطنا إلى الهاوية في مقابل الهدوء السياسي"، وأضاف "لن تكفي الإدانات والكلمات اللطيفة هنا، وسيحكم عليكم التاريخ لكونكم جزءاً من هذا المسعى الخطر".
تكمن المفارقة الحقيقة من وجهة نظر كثير من الإسرائيليين، أن وزير الأمن القومي الذي قدمت 50 إلى 55 لائحة اتهام في حقه خلال الأعوام الماضية، ودين بالفعل بنحو ثمان منها في الأقل تتعلق بالعنصرية والتحريض بالقتل وعرقلة عمل الشرطة والإخلال بالنظام، يصبح بعد نحو عقد من الزمن وزيراً للشرطة.