Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التشظي يضع اليسار التونسي أمام خطر النهاية

كرست حالة الانقسام في صفوف التيار السياسي منذ انتخابات الرئاسة في 2019

تعصف معارك الزعامة بأحزاب اليسار في تونس (أ ف ب)

ملخص

انقسمت أحزاب اليسار في تونس في موقفها من تحرك الـ25 من يوليو 2021 الذي نفذه الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد عندما أطاح البرلمان والحكومة المنتخبين، وذلك بعد تفعيله المادة 80 من الدستور السابق.

مع احتدام الجدل حول الانتخابات الرئاسية في تونس المقرر تنظيمها في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل بدا لافتاً غياب مترشحين عن اليسار الذي يرزح تحت وطأة حالة من التشظي والانقسام التي باتت تهدد مستقبله.

وكرست حالة الانقسام في صفوف اليسار التونسي منذ انتخابات الرئاسة في عام 2019 عندما دخلها بثلاثة مترشحين هم الأمين العام لحركة "تونس إلى الأمام" عبيد البريكي والناطق باسم حزب العمال حمة الهمامي، والقيادي بحزب الديمقراطيين الموحد الذي يعرف اختصاراً بـ"الوطد" منجي الرحوي.

ولم تتوقف الانقسامات عند ذلك الحد، إذ عرف حزب العمال لاحقاً استقالة 64 قيادياً، فيما شهد حزب الوطد هو الآخر صراعاً مريراً على قيادته بين الرحوي وأمينه العام زياد الأخضر انتهى بانشطار الحزب.

تفكك اليسار

أعادت أخيراً المحكمة الإدارية في تونس عبداللطيف المكي، الذي ينتمي إلى التيار الإسلامي، إلى الانتخابات الرئاسية، كما أعادت أيضاً منذر الزنايدي الذي ينتمي إلى العائلة الدستورية، وعماد الدايمي، إلى السباق، فيما غاب مترشحون عن اليسار.

وانقسمت أحزاب اليسار في تونس في موقفها من تحرك الـ25 من يوليو (تموز) 2021 الذي نفذه الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد عندما أطاح البرلمان والحكومة المنتخبين، وذلك بعد تفعيله المادة 80 من الدستور السابق. وتدعم الآن حركة "تونس إلى الأمام" مسعى الرئيس سعيد للفوز بولاية ثانية، فيما لم يعلن حزب الوطد بعد عن موقفه. وفي المقابل يدعو حزب العمال إلى مقاطعة الاستحقاق الرئاسية، وهو الذي يصدح بمواقف ترفض بشدة خطوات سعيد.

 

 

وقال الناشط السياسي اليساري وائل نوار إن "هناك يسارات في تونس الآن، فاليسار الكلاسيكي جزء من الأزمة، فهو صحيح لم يحكم ولا يتحمل مسؤولية سياسية وأخلاقية وقانونية وقضائية، لكن أحزابه فشلت في توحيد التيار وتمكينه من قاعدة اجتماعية وشعبية، وذلك بسبب خيارات خاطئة سياسياً وتنظيمياً".

وأكد نوار في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "هناك صراعاً على الزعامات داخل اليسار الكلاسيكي في تونس قاد في النهاية إلى تفكك آخر قلعة كانت له وهي الجبهة الشعبية، وذلك بسبب الخلافات الفكرية وأيضاً بسبب المعارك على الزعامة"، مشدداً على أن "اليسار الكلاسيكي في تونس لم يستوعب الدرس ولم يغير تفكيره وأساليب عمله، ولم يقم بنقد ذاتي، بالتالي لا أعتقد أنه قادر على تغيير موازين القوى سواء توحد أم لم يتوحد".

وحول خيارات اليسار في استحقاق السادس من أكتوبر، قال إن "مقاطعة الانتخابات هو الحل لأن هذا الاستحقاق جزء من عملية ديكورية لإعطاء شرعية الصندوق لحكم قيس سعيد لا أكثر".

ضياع فكري وزعامات

وفي أكتوبر 2012 أسس 11 حزباً قومياً ويسارياً في تونس "الجبهة الشعبية" التي شكلت ما يشبه الوعاء لأطياف اليسار، وهي جبهة تقدم نفسها على أنها خيار ثالث للتونسيين في خضم مزاحمة آنذاك بين أنصار النظام الذي أسقطته ثورة الـ14 من يناير (كانون الثاني) للتو والترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية.

والجبهة الشعبية نجحت في أن تحل ثالثة في الانتخابات البرلمانية في 2014 من خلال حصد 15 مقعداً من أصل 217، لكنها سرعان ما تفككت وهو أمر جعلها تتراجع في انتخابات عام 2019 التشريعية وتحصد مقعداً وحيداً.

وقال أستاذ تاريخ العالم العربي المعاصر عادل اللطيفي إنه "لا بد من التأكيد أن معظم أحزاب اليسار في تونس تعارض مساري الانتخابات الحالي وما يسمى 25 يوليو، وهما حزبا المسار والعمال والتكتل والقطب وشق من الوطد، وغيرها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأرجع ضعف اليسار التونسي حالياً إلى مشكلة هيكلية تتجسد في الهوية، إذ "يعيش اليسار مشكلة هوية، وهذا الإشكال يتمثل في ضرورة الإجابة عن السؤال التالي ما معنى أن تكون يسارياً اليوم؟ نحن في القرن الـ21 فهل اليسار هو اليسار الأيديولوجي الماركسي الذي عرفناه سابقاً؟ وما هو اليسار الذي يصلح لتونس بعد الثورة التي تطالب بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية؟".

ومضى في حديثه، "الحقيقة أن هناك حالة من الضياع الفكري لأن الثورة التي خلقت واقعاً جديداً اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً باغتت أحزاب اليسار في تونس التي لم تكن متعودة عن إشكالات مثل حقوق الإنسان والديمقراطية لأنها عادة تركز على مناهضة الإمبريالية وغير مهيأة فكرياً لهذه الإشكالات". وأضاف، "هذا يظهر من خلال علاقتها بالأحزاب الأخرى في الساحة، خصوصاً الأحزاب التي كانت موجودة قبل الثورة، اليسار رفضت تلك الأحزاب مثل الدستوريين باعتبار أنهم كانوا يمثلون النظام القديم ولم تكن متعودة على العيش المشترك".

لا اندثار

بدوره اعتبر المحلل السياسي عبدالجليل معالي أن "اليسار التونسي لا ينظر إلى الاستحقاق الانتخابي القادم نظرة موحدة، إذ تتباين مواقف أحزاب التيار بين خياري المشاركة والمقاطعة، وبين خيار دعم الرئيس قيس سعيد أو خوض الانتخابات بمرشح معين آخر".

وأوضح معالي أن "هذا التباين هو أولاً مشتق من الموقف من حدث 25 يوليو 2021 ذاته، ثم ثانياً ناتج من عوامل عميقة وقديمة بعضها يعود إلى أن معظم التيارات والأحزاب اليسارية التي لا تزال وفية - في تحليلها للظواهر السياسية والاقتصادية والاجتماعية - للكراسات القديمة التي صيغت في سبعينيات وثمانينيات القرن الـ21".

ولفت إلى أن "اليسار في تونس ليس في طريقه إلى الاندثار أولاً لأن مقومات وجوده ما زالت قائمة، وثانياً لأن الاختلافات الداخلية ظاهرة عادية بالنظر لنظيرتها الفكرية والأيديولوجية التي تتكئ عليها الأحزاب اليسارية".

وأشار إلى أنه "لفهم هذا التأصيل يكفي أن نستحضر بعض المقدمات الضرورية، أولها أن لحظة ثورة 2011 كانت يسارية بامتياز، لكن الأحزاب اليسارية، وقتها، عجزت عن التقاط اللحظة وفشلت في تحويل المقاربات الاقتصادية والاجتماعية اليسارية إلى برامج حكم، وترنحت في صياغة تكتيكات تسمح لها بالاقتراب من التطلعات الشعبية وبالوصول تبعاً لذلك إلى السلطة والحكم".

وقال إن "بعد ذلك واصل اليسار التونسي تبديد الفرص، وكان أهمها لحظة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، وهي لحظة قدمت الدليل على أن اليسار التونسي الذي يقدم الشهداء جدير بالوصول إلى الحكم بالنظر للتماهي بن برامحه الاقتصادية وبين ما تحتاج إليه البلاد، لكن حصاد اليسار لم يكن متناسباً مع بيدر البلاد، وهذا ليس مترتباً عن عيب في الأفكار بل هو ناتج أساساً من قصور في التكتيكات اليسارية، وجنوح القيادات اليسارية إلى التركيز على الخلافات الزعاماتية الشخصية، بدل الركون إلى اجتراح برامج وحلول تقنع الناس وتسمح لليسار بالوصول إلى السلطة في سياق وطني يسمح بذلك في إطار التداول السلمي على السلطة". واستنتج أن "بهذا المعنى يصبح التباين اليساري في النظر إلى الانتخابات الرئاسية القادمة مفهوماً ومتوقعاً، فإن ذلك لا يدل بالضرورة على توفر مقومات الاندثار".

أزمات عميقة

تاريخياً، دخل اليسار في تونس في اشتباكات مباشرة مع السلطة، سواء في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة أو زين العابدين بن علي، لكنه لم ينجح في الوصول إلى السلطة خلال فترة الانفتاح السياسي التي عرفتها البلاد بعد ثورة 2011.

 

 

المحلل السياسي عبدالجليل معالي يعود للتأكيد أن "اليسار التونسي يعاني أزمات عميقة كثيرة، منها التنظيمي مثل غياب الديمقراطية الداخلية وترهل القيادات والتوجس من أي دعوة للتحيين والمراجعة، ومنها الفكري والتكتيكي والتاريخي وغيرها من العوامل، ومع ذلك يظل اليسار التونسي، بكل مكوناته وروافده، مكوناً مهماً وأساساً ولازماً في الحالة السياسية التونسية، بل إن وجوده، حتى في حالة الوهن الراهنة، يظل ضرورياً ومفيداً لحاضر البلاد ومستقبلها". وأضاف أن "اليسار التونسي اليوم هو يسارات متعددة تتباين وتتصارع وتختلف حتى في تقييم الواقع التونسي، لكن ما يكسبه ديمومة وجوده هي المضامين التي يتبناها ويذود عنها". وأفاد بأن "هذه المضامين نادت بها الفئات الشعبية في أكثر من مناسبة، ويكفي أن يبذل اليسار جهداً في تحيين سردياته وجعلها مواكبة للراهن التونسي، وأن يفتح أروقته الداخلية على هواء الديمقراطية الداخلية ويشبب قياداته ويخرج من مربع الخلافات الشخصية لكي تلتف حوله الجماهير، وهو ما يعني تالياً الوصول إلى السلطة وتطبيق أفكاره، ودون ذلك سيظل اليسار ظاهرة فكرية احتجاجية أصيلة، لا تأثير لها في انشغالات الناس اليومية وسيظل حبيس الجامعة واتحاد الشغل وبعض المنظمات الحقوقية ذات الملمح اليساري".

مشكلة الزعامة

وظلت مشكلات مثل زعامة بعض التنظيمات تلاحق اليسار في تونس على غرار ما حدث في حزب الوطد بين منجي الرحوي وزياد الأخضر الذين تنازعا على قيادة الحزب مما أدى إلى تفككه قبل أشهر.

ويرى أستاذ تاريخ العالم العربي المعاصر عادل اللطيفي أن "مشكلة الزعامة هو عامل ضعف كبير في اليسار التونسي، المفروض أن نرى قيادات جديدة وشابة في أحزاب مثل العمال وغيره. الأحزاب اليسارية بصورة عامة غير قادرة على تجديد ذاتها وأفكارها". وتساءل، "هل أحزاب اليسار قادرة على خوض تجربة مثل الجبهة الشعبية السابقة؟ لا أعتقد ذلك لأنه لم يعد لها قاعدة شعبية، الحل في حزب جديد يأتي بفكر جديد وبتبني فكرة الديمقراطية".

المزيد من تقارير