قال مصدر قضائي كبير في لبنان لوكالة "رويترز"، إنه تم توقيف حاكم مصرف لبنان المركزي السابق رياض سلامة اليوم الثلاثاء أثناء جلسة قضائية كان يحضرها في العاصمة بيروت.
وقال مصدر لوكالة الصحافة الفرنسية من دون الكشف عن هويته، "أوقف النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، سلامة بعد استجوابه على مدى ثلاث ساعات حول شبهات اختلاس من مصرف لبنان تفوق 40 مليون دولار"، علماً أنها أول مرة يمثل فيها سلامة أمام القضاء منذ انتهاء ولايته في 31 يوليو (تموز) 2023.
وبحسب وسائل إعلام محلية، توجه سلامة اليوم إلى قصر العدل للاستماع إليه من قبل مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار في شأن ملف يتناول شركة "أوبتيموم" والعقود التي أبرمتها مع مصرف لبنان.
وبعد التحقيق معه، أوقف سلامة بإشارة من النيابة العامة التمييزية.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن القاضي الحجار قوله إن توقيف سلامة خطوة احترازية ومفاعيلها تمتد لأربعة أيام، على أن يحال بعدها إلى قاضي التحقيق الذي يستجوبه ويتخذ القرار القضائي المناسب بحقه والذي قد يكون مذكرة توقيف وجاهية.
وأوضح الحجار أن سلامة نقل إلى نظارة المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في الأشرفية "نظراً لوضعه أمنياً وصحياً".
"أوبتيموم إنفست"
ويواجه سلامة اتهامات في لبنان بارتكاب جرائم مالية تشمل غسل الأموال والاختلاس والإثراء غير المشروع، وهي جميعها اتهامات ينفيها.
ونقلت "رويترز" عن مصدرين قضائيين أن حاكم مصرف لبنان السابق سلامة متهم بالحصول على أكثر من 110 ملايين دولار عبر جرائم مالية تشمل شركة "أوبتيموم إنفست".
وقالت الرئيسة التنفيذية لشركة "أوبتيموم إنفست" اللبنانية رين عبود إنه لم يجر استدعاء الشركة إلى جلسة اليوم وإنها سمعت بتوقيف سلامة من وسائل الإعلام.
و"أوبتيموم إنفست" شركة لبنانية تقدم خدمات الوساطة في الدخل، بحسب موقعها على الإنترنت، وقال مصدر إنها تعاملت مع المصرف المركزي اللبناني لشراء وبيع سندات الخزينة وشهادات الإيداع بالليرة اللبنانية.
وذكر بيان غير مؤرخ على موقعها على الإنترنت أن التدقيق المالي لم يجد "أي دليل على مخالفات أو ممارسات غير مشروعة" في تعاملات الشركة مع البنك المركزي اللبناني.
وتعليقاً على توقيفه، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إن توقيف سلامة "قرار قضائي ولن نتدخل فيه".
بدوره، قال وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري إن "القضاء قال كلمته ونحن نحترم قرار القضاء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحقيقات أوروبية
وشغل سلامة (73 سنة) منصب محافظ مصرف لبنان المركزي 30 عاماً حتى يوليو 2023.
ويشكل سلامة منذ ثلاثة أعوام محور تحقيقات محلية وأوروبية تشتبه في أنه راكم أصولاً عقارية ومصرفية بصورة غير قانونية، وأساء استخدام أموال عامة على نطاق واسع خلال توليه حاكمية مصرف لبنان، عدا عن تحويله الأموال إلى حسابات في الخارج و"الإثراء غير المشروع".
وبناء على التحقيقات فقد أصدرت قاضية فرنسية في باريس والمدعية العامة في ميونيخ العام الماضي مذكرتي توقيف بحقه جرى تعميمهما عبر الإنتربول، وقرر القضاء اللبناني بناء عليهما منعه من السفر وصادر جوازي سفره اللبناني والفرنسي، إلا أن النيابة العامة في ميونيخ ألغت في يونيو (حزيران) الماضي مذكرة التوقيف بحق سلامة، لأنه "لم يعد يشغل منصب حاكم مصرف لبنان المركزي، وبالتالي لم يعد هناك أي خطر بإتلاف أدلة"، لكن القرار لا يعني أن التحقيق انتهى.
وعلى رغم أن مذكرة التوقيف الصادرة من فرنسا التي يحمل سلامة جنسيتها لا تزال سارية، لكنها من دون طائل إذ لا يسلم لبنان مواطنيه لمحاكمتهم في دولة أجنبية.
وفرضت الولايات المتحدة إلى جانب كندا والمملكة المتحدة، عقوبات اقتصادية على سلامة وأفراد عائلته لشبهات فساد، بما في ذلك تجميد أصولهم في البلدان الثلاثة.
وكثيراً ما نفى سلامة التهم الموجهة إليه، متحدثاً عن "بيانات مزورة" وخلفيات "سياسية"، وعلى رغم التحقيقات التي طاولته أصر على البقاء في منصبه حتى إنهاء ولايته، مستفيداً من حماية سياسية وفرتها له قوى رئيسة في البلاد.
ويُعد عهد سلامة الذي شغل منصب حاكم مصرف لبنان منذ عام 1993 حتى 2023 الأطول في العالم لحكام المصارف المركزية، وكان سلامة مهندس السياسات المالية في مرحلة تعافي الاقتصاد ما بعد الحرب الأهلية (1975 - 1990)، لكن على وقع الانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي يشهده لبنان منذ عام 2019، فقد بات يُحمل مع أركان الطبقة الحاكمة مسؤولية الفشل في إدارة أزمات البلاد المتلاحقة.
وتحمل جهات سياسية ومحللون ومواطنون في لبنان سلامة مسؤولية انهيار العملة الوطنية، وينتقدون بصورة حادة السياسات النقدية التي اعتمدها، باعتبار أنها راكمت الديون وسرعت الأزمة، إلا أنه دافع مراراً عن نفسه بتأكيده أن المصرف المركزي "موّل الدولة ولكنه لم يصرف الأموال".