ملخص
قالت الإدارة العامة للصحة النباتية ومراقبة المدخلات الفلاحية التابعة لوزارة الفلاحة إن هذه القائمة تندرج في إطار مراجعة المواد الفاعلة للمبيدات ذات الاستعمال الفلاحي
أثار استمرار استعمال بعض الأنواع من المبيدات من قبل المزارعين التونسيين مخاوف لدى المنظمات المتخصصة، بعدما ثبتت خطورة المواد الأساسية المكونة لها وإيقاف اعتمادها من جانب بلدان الاتحاد الأوروبي، بينما لم تحذف من قائمة المواد المرخص توريدها وتسويقها في تونس ويتواصل اعتمادها في كثير من الزراعات أهمها الحبوب تليها الخضراوات وصولاً إلى الأشجار المثمرة.
وتعالت أصوات المتخصصين، مطالبين الدولة بالتدخل لإنقاذ صحة التونسيين من مواد وصفوها بالسموم وحفاظاً على تنافسية الصادرات الزراعية التونسية التي تهدد أسواقها الترسبات الناتجة من اعتماد هذه المبيدات، علماً أن السلطات كانت سحبت 31 مبيداً زراعياً ومواد مقاومة للفطريات من السوق منذ قرابة عام.
وأوصت وزارة الفلاحة (الزراعة) بتحديد استعمال ست مواد أخرى على خلفية الخطورة الشديدة لهذه المبيدات ومنعها من قبل دول عدة من بينها الاتحاد الأوروبي.
في غضون ذلك، قالت الإدارة العامة للصحة النباتية ومراقبة المدخلات الفلاحية التابعة لوزارة الفلاحة إن هذه القائمة تندرج في إطار مراجعة المواد الفاعلة للمبيدات ذات الاستعمال الفلاحي.
وورد ذلك رداً على بيانات نص عليها تقرير جمعية التربية البيئية للأجيال المستقبلية والشبكة الدولية للقضاء على المواد الملوثة كشفت فيه عن أن تونس تورد 33 نوعاً من المبيدات منع استخدامها في دول الاتحاد الأوروبي منذ عام 2020.
واستوردت تونس نحو 240.5 طن من المبيدات الزراعية التي منعت في أوروبا أو فُرضت على مستعمليها قيود صارمة في 2018، ومن بينها 35 ألف كيلوغرام من الـ"سياناميد" وفق تقرير "بابليك آيز" ومنظمة "غرين بيس".
لكن يبدو أن مراجعة الإدارة العامة للصحة النباتية لم تكُن شاملة، إذ عاد شبح المبيدات الخطرة يهدد صحة المزارعين والمستهلكين بعد كشف تقرير مؤسسة "هاينريش بول" عن شحن 44 صنفاً من المبيدات شديدة الخطورة إلى تونس، من بينها الـ"كلوربيريفوس"، تلك المادة التي اكتشفت رواسب منها في الطماطم بمستويات تصل إلى 80 في المئة و312 في المئة من الجرعة المرجعية المحددة للبالغين والأطفال وفق دراسة أجريت في محافظة سوسة عام 2018، وهي نسبة مثيرة للقلق وتظهر تلوثاً كبيراً في السلسلة الغذائية، وفقاً للمتخصصين.
سموم بين أيدي المزارعين
وعلى رغم تطبيق تونس للقوانين والمعايير الدولية، إلا أن الرقابة تظل بطيئة النسق في ما يتعلق بالأحكام الخاصة بحماية الفئات الضعيفة من العمال والمزارعين، وكذلك بالنسبة إلى الحد من توريد المبيدات الخطرة أو شروط استخدام المبيدات، وفق عدد من الخبراء والمنظمات.
يشار إلى أن التعرض المزمن لهذه المواد الكيماوية يمكن أن يؤدي إلى مشكلات صحية خطرة مثل السرطان والاضطرابات في الدماغ ومشكلات الخصوبة، ويبدو أن الأطفال والنساء الحوامل والعمال في المجال الزراعي أكثر عرضة للخطر، خصوصاً إثر عملية الرش والاستنشاق.
وعن ذلك، قال المتخصص الزراعي والمستثمر عبدالمنعم الخليفي لـ"اندبندنت عربية" إنه فطن إلى خطورة مادة الـ"أبوكسيكونازول" (مبيد مضاد للطفيليات التي تصيب الحبوب) بعد منع استخدامها في دول الاتحاد الأوروبي وسحبها من السوق، مضيفاً أن "البلد المصنع ألمانيا توقف عن تسويقه في أوروبا، وألغت الشركة المسوقة لهذا المبيد في تونس توريده وهي مؤسسة تعود ملكيتها له إثر إصابته بمرض السرطان واستئصاله لورم خبيث".
وأوضح أن شركته أبلغت السلطات المعنية عن طريق مراسلة لرئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري وجهها إلى وزارتي الفلاحة والصحة، مطالباً بإيقاف توريد هذا المبيد نهائياً.
واستدرك الخليفي "لكن ظل إيقاف توريده إجراء فردياً طوعياً من قبل الشركة ولم يشطب من قائمة المواد المرخص توريدها، ولم تحذر السلطات المتخصصة من خطورة استخدامه بل استغل الطلب الكبير في السوق من قبل موردين آخرين بحكم عدم شطبه وعمدوا إلى توريد كميات كبيرة وهي مخزنة بكميات مهمة إلى حد اليوم وتروج على رغم خطورتها الكبيرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعا إلى تطوير وسائل الرقابة والتأسيس لمختبرات مخصصة لتحليل مكونات المبيدات في تونس بحكم عدم توافر وسائل الرقابة الذاتية في الوقت الراهن والاكتفاء بالاستئناس بالإجراءات لدى الدول الأوروبية، وفي انتظار ذلك تتحمل الجهات المانحة لرخص التوريد أو المتخاذلة في تحيين قائمة الواردات من المبيدات وفق التطورات العلمية مسؤولية وجود هذه المبيدات في السوق التونسية على رغم إيقاف استعمالها في بلدان مصنعيها. وللإفلات من التزام تدابير المنع يعمد الموردون إلى الاستظهار بوثائق تثبت ترويج المبيدات ومواصلة استعمالها في بلدان أفريقية وآسيوية غير ملتزمة بدورها.
يشار إلى أن صلاحية المبيدات في المجمل بما فيها غير المصنفة خطرة لا تزيد على عامين، لكن تسجل تجاوزات فيحتفظ بها وتروّج بعد انتهاء المدة عن طريق تقديم تحاليل معتمدة من مختبرات محلية لمراقبة فاعليتها على النباتات.
والحال أن تواصل فاعليتها لا ينفي انتهاء صلاحيتها وتحولها إلى مواد سامة وهي ثغرات تستغل لترويج هذه المواد.
أما الأزمة الثانية، فتتمثل في اقتصار إجراءات المنع على بلدان المنشأ الأصلي ضمن بلدان الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وفرنسا وسويسرا التي أوقفت استخدام المبيدات على رغم الخسائر التي تكبدتها، لكن لا ينطبق ذلك على المواد الجنيسة (البديلة) التي تصنع في كثير من البلدان الآسيوية مثل الهند والصين ويتم توريدها في تونس أيضاً وترويجها.
تهديدات تطاول صحة التونسيين ثم أسواقهم
من جانبه، دعا المتحدث الرسمي باسم اتحاد الفلاحة والصيد البحري وعضو المكتب التنفيذي فتحي بن خليفة إلى تفعيل الرقابة وجمع المعلومات وتحديث الإحصاءات بصورة منهجية بخصوص المبيدات المعتمدة في جميع الزراعات والنظر في آثارها الضارة على صحة الإنسان عن طريق المنتجات الزراعية المستهلكة محلياً والمصدرة، بعدما تسبب الافتقار إلى جمع البيانات وسياسة التوعية العامة في تفاقم الوضع.
وقال بن خليفة إن "التغييرات المناخية والوضع البيئي الحالي في العالم وتفعيل شهادات المطابقة للمواصفات من قبل الموردين للإنتاج الزراعي التونسي في بلدان الاتحاد الأوروبي قريباً، تمثل عوامل تدعو إلى تكثيف الرقابة على استعمال المبيدات للحفاظ على تنافسية المنتجات الزراعية التونسية في السوق الأوروبية والعالمية في المستقبل"، مطالباً بتحديث القوانين المنظمة للصادرات بهدف مراقبة المنتجات الزراعية المصدرة وفي هذا الإطار تأسست الإدارة العامة للصحة النباتية لتقتسم المسؤولية والمجهود مع وزارة التجارة ووزارة الصحة بهدف تشديد الرقابة.
وأشار إلى أن المسؤولية الأساسية تتمثل في مراجعة قائمة المبيدات الموردة ومتابعة المستجدات لدى البلدان الأوروبية المصنعة بهدف شطب المبيدات المصنفة خطرة حديثاً.
في الوقت نفسه، لم ينفِ بن خليفة وجود تجاوزات على رغم توافر مجهود رقابي وصفه بـ"غير كاف" في الوقت الحالي، إذ يتطلب الوضع الحالي فتح هذا الملف وضرب رقابة صارمة على الموردين التونسيين للمبيدات من إيطاليا وفرنسا وألمانيا وتركيا والصين، على ألا تتوقف عند المبيدات فحسب، بل تشمل جميع وسائل الإنتاج أيضاً حفاظاً على صحة وسلامة المزارعين في مرحلة أولى ثم تأمين النسبة الدنيا لرواسب المبيدات في المنتجات الزراعية عن طريق التوعية وتنظيم الاستعمال حفاظاً على الأسواق ومراعاة للصحة العامة وحماية للبيئة والمحيط.
واستهجن بن خليفة غياب الرقابة في البلدان الأوروبية على عمليات تصدير مبيدات ممنوعة لديها إلى الخارج لاستهلاكها، منتقداً عدم الالتزام القانوني والأخلاقي الذي أظهرته.