ملخص
طالما أن معدل نمو الاقتصاد في أية دولة يتجاوز سعر الفائدة على الدَين، فيمكن للحكومة أن تدير عجزاً دائماً مع الحفاظ على ديونها بنسبة ثابتة من الناتج المحلي الإجمالي.
ارتفعت مستويات الدَين العام على مستوى العالم بصورة حادة خلال الأعوام الأخيرة، لكن بينما يبدو معدل تراكم الديون الحالي مثيراً للقلق فإن عدداً من العوامل يمكن أن تخفف مخاوف المستثمرين، بحسب ما يخلص إليه تقرير حديث.
وقد نما الدَين العام بصورة كبيرة خلال العقود الأخيرة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، من أقل من 75 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عند مطلع هذا العقد في الاقتصادات المتقدمة، و50 في المئة في الاقتصادات الناشئة، فيما يتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاعاً إلى 120 و80 في المئة على التوالي بحلول عام 2028.
وفي الولايات المتحدة حذر مكتب الموازنة بالكونغرس من حجم الدَين والذي يتوقع ارتفاعه إلى 192 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2053 إذا استمرت السياسات الحالية، بعدما شكل السخاء المالي خلال الجائحة أحد محركات الارتفاعات الأخيرة، إضافة إلى الأسباب الهيكلية، إذ تتطلب الشيخوخة السكانية مزيداً من الإنفاق على الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، علاوة على حاجة البنية التحتية إلى استثمارات كبيرة.
سباق الإنفاق الرأسمالي
وبينما تعمل المنافسات الجيوسياسية على دفع سباق الإنفاق الرأسمالي في الصناعات الإستراتيجية بما في ذلك التكنولوجيا والدفاع والرعاية الصحية، فإن ثمة ما يدفع بنك "لومبارد أودييه السويسري" للاعتقاد في استمرار زيادة الشهية للعجز العام المرتفع، وهو ما يقود إلى ارتفاع طفيف في التضخم الهيكلي وأسعار فائدة محايدة خلال الأعوام المقبلة.
وفي مذكرة لمحللي البنك السويسري، سامي الشعار وفيليبو بالوتي، تساءلا حول الأسباب وراء شعور المستثمرين بالقلق إزاء قضية الديون في الوقت الراهن، وقالا إنه على رغم بدء دورة خفض أسعار الفائدة في عدد من الأسواق المتقدمة فإن الفائدة المرتفعة لا تزال تقيد اقتصاداتها، وعلاوة على ذلك يتباطأ النمو العالمي، وعام 2024 عام انتخابي كبير، مما يزيد من أخطار وعود الإنفاق غير المستدامة.
وفي الولايات المتحدة لم يُظهر أي من المرشحين لانتخابات الرئاسة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل أي حرص على معالجة العجز الفيدرالي، وخلال الأعوام المقبلة من المرجح أن يمدد الرئيس الجمهوري أو الديمقراطي إما الخفوض الضريبية أو الإعفاءات الضريبية على التوالي، مما يؤدي إلى ارتفاع الديون، بحسب مذكرة البنك.
تقييم ما يُستخدم الدَين من أجله
ويعتقد كل من الشعار وبالوتي أن هناك حاجة إلى إطار منضبط لتقييم أخطار الديون، وهذا يعني النظر إلى مستويات ديون القطاعين العام والخاص بصورة شاملة داخل الاقتصاد، إضافة إلى تقييم ما يُستخدم هذا الدَين من أجله والقدرة على تمويله وكلفة الدَين، بخاصة نسبته إلى معدل نمو الاقتصاد.
وقدم الباحثان تقييماً لأخطار الديون الناشئة في الاقتصادات المتقدمة الرئيسة، بخاصة في الولايات المتحدة، وسلطا الضوء على أسباب تجعل ارتفاع الدَين العام غير مثير لقلق المستثمرين بصورة مفرطة.
وفي حين يميل تركيز السوق إلى حجم كومة الديون، يعتقد الباحثان أنه يتعين على المستثمرين التركيز بصورة أكبر على ما يُستخدم الدَين من أجله، فباستثناء المساعدات المقدمة في ظل الجائحة فإن كثيراً من الارتفاع الأخير في الدَين العام على مستوى العالم كان في الاستثمار الإنتاجي طويل الأجل، والذي من المأمول أن يعزز النمو.
أضافا أنه "في عدد من الاقتصادات المتقدمة، بما في ذلك اليابان وألمانيا والاتحاد الأوروبي على نطاق أوسع، نرى أن هناك إمكاناً لزيادة مثل هذه الاستثمارات، وفي ألمانيا بخاصة يقيد الاستثمار العام القواعد الدستورية في البلاد مما يضر بالنمو".
توخي الحذر عند زيادة الديون
وعلى رغم وجود بعض الأدلة التاريخية على أن الإنفاق الحكومي يمكن أن يردع أو يزاحم استثمارات القطاع الخاص، إلا أنه حتى الآن يبدو الأمر كذلك في الولايات المتحدة، وعلى رغم أن جميع الحكومات تحتاج إلى توخي الحذر عند زيادة الديون، فإن التحول في مجال الطاقة سيتطلب استثمارات كبيرة من شأنها أن تشكل تحدياً للقطاع الخاص وحده.
ووفقاً لمعهد "بيترسون" للاقتصاد الدولي فإن تقديرات كلفة التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه في الاقتصادات المتقدمة تراوح ما بين واحد وثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وثمة سبب آخر دفع الباحثين إلى الاعتقاد بأن مستويات الدَين في الاقتصادات الكبرى قابلة للإدارة، وهو الديناميكيات المختلفة للديون في القطاعين العام والخاص، إذ تعمل الموازنات العمومية القوية للأسر والشركات على مستوى العالم على تهدئة المخاوف في شأن ارتفاع الدَين العام إلى حد كبير، لأنها تخلق الظروف التي تسمح للقطاع الأسري بامتصاص الدَين العام، وعلاوة على ذلك تحسنت اختلالات الحساب الجاري بصورة ملحوظة في عدد من الاقتصادات الرئيسة خلال الأعوام الـ15 الماضية، بخاصة في الاتحاد الأوروبي، إذ كانت الاقتصادات الأكثر تضرراً في أزمة الديون السيادية خلال عامي 2009 و2010 هي تلك التي كانت تميل إلى وجود عجز مزدوج في الموازنة والحساب الجاري.
ووفق مذكرة البنك، فطالما أن معدل نمو الاقتصاد في أية دولة يتجاوز سعر الفائدة على الدَين فيمكن للحكومة أن تدير عجزاً دائماً مع الحفاظ على ديونها بنسبة ثابتة من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي عدد من الاقتصادات المتقدمة على مدى جزء كبير من القرن الماضي، وظل سعر الفائدة الحقيقي أقل من معدل النمو بالفعل، ومن المرجح أن يؤدي عصر تمزق سلاسل التجارة والتوريد وارتفاع الديون الحكومية إلى ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية إلى حد ما في المستقبل، لكن مع ذلك يرجح "لومبارد أودييه" أن تظل أسعار الفائدة الحقيقية طويلة الأجل أقل من النمو المحتمل طويل الأجل في معظم الاقتصادات الكبرى في المستقبل، مع تحسن الفارق بين الاثنين قليلاً عن المستويات الحالية، وبخاصة في الولايات المتحدة، مما يسمح ببعض العجز الحكومي المستدام بمرور الوقت من دون المساس باستدامة الدَين.
ويتوقع البنك السويسري أن تستمر مخاوف المستثمرين في شأن استدامة الدَين الأميركي في إشعال فتيل فترات من التقلب في سوق الخزانة، مشيراً إلى أن أي شكل من أشكال التخلف عن السداد في الولايات المتحدة أمر غير مرجح للغاية، لأنه إذا تصاعدت المخاوف في شأن استدامة الدَين الأميركي فإن الولايات المتحدة لديها أيضاً مجال لزيادة الضرائب، والتي تعد حالياً من بين أدنى المعدلات النسبية للناتج المحلي الإجمالي بين الاقتصادات الكبرى.