ملخص
الهدف من عملية الإنزال العسكري التي تريد إسرائيل تنفيذها قد يكون استهداف البنية التحتية الحيوية، مثل الموانئ ومحطات الكهرباء أو منشآت الاتصالات، إضافة إلى التطويق والضغط العسكري على "حزب الله" في الجنوب.
تتصارع على الأراضي اللبنانية إرادات عدة، وهي الواقع العسكري الذي تريد إسرائيل تثبيته بقوة النار والقتل، وإرادة "حزب الله" ومن خلفه إيران حول الاستمرار في الحرب والإسناد حتى لو كان انتحاراً جماعياً تحت وابل الغارات والقصف والاغتيالات الإسرائيلية، وإرادات دولية ترى الحرب القائمة كل بحسب مصالحها ووجهة نظرها، كفرنسا والولايات المتحدة، وإرادة الحكومة اللبنانية التي تحاول متأخرة التشبث بالقرارات الأممية ومنها القرار (1701)، وإرادة الشعب اللبناني الذي لا يريد الحرب بخاصة أنها حرب فرضت عليه وورطته، ووضعته في نفق لا يتبين بصيص ضوء في آخره حتى اللحظة.
حرب مفتوحة على كل الاحتمالات
وعلى هذا المنوال يبدو أن التصعيد والحرب المفتوحة بين إسرائيل من جهة و"حزب الله" وإيران من جهة أخرى، يشكل عنواناً للمرحلة المقبلة في ظل التوترات الإقليمية المتزايدة، فالعلاقة المتوترة بين هذه الأطراف ليست وليدة اليوم بل هي نتيجة عقود من الصراعات التي راوحت بين المواجهات المباشرة والحروب بالوكالة.
ومع تفاقم التوترات في المنطقة، وخصوصاً بعد التطورات في الملف النووي الإيراني والضغوط الدولية على طهران، إضافة إلى الدور الذي يضطلع فيه "حزب الله" كالذراع الأقوى للنظام الإيراني، تتجه المنطقة نحو مواجهة جديدة قد تكون أشرس من حرب غزة، ذلك أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو صرح بداية الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أن "هذه هي حرب الاستقلال الثانية، وفيها سنبيد العدو تحت وفوق الأرض، وهذه مهمة حياتي".
وأيضاً صرح المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي أن قوة "حزب الله" أكبر من أن تهزم أمام إسرائيل، مؤكداً أن الاغتيالات لن تهزه، في حين أعلن الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان في سبتمبر (أيلول) الماضي من مدينة نيويورك، أن "حزب الله" لن يقف بمفرده في مواجهة إسرائيل، موضحاً بأنه لا يمكن لـ "حزب الله" أن "يواجه بمفرده دولة تدافع عنها وتدعمها وتزودها بالإمدادات دول غربية ودول أوروبية والولايات المتحدة".
وفي السياق جاء إعلان نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم أن العالم بات أمام خطر شرق أوسط جديد على طريقة إسرائيل، معرباً عن فخره بإيران ودورها في المنطقة، معتبراً أن ما يفعله "حزب الله" اليوم مقاومة مشروعة، ومؤكداً أن حزبه انتقل اليوم من مرحلة الإسناد إلى الحرب مع إسرائيل التي بدأت منذ "تفجير البيجر" في أغسطس (أب) الماضي.
ومنذ إعلان الجيش الإسرائيلي في سبتمبر الماضي بدء عملية برية مطلقاً عليها اسم "سهام الشمال"، محددة الهدف والدقة ضد أهداف لـ "حزب الله" في المنطقة القريبة من الحدود في جنوب لبنان، وأن وحدات كوماندوز خاصة من الجيش توغلت في الجانب اللبناني، ومن ثم أنذر بـ "إخلاء الشواطئ البحرية الجنوبية، بدءاً من مدينة صيدا ووصولاً إلى الناقورة الواقعة على الحدود"، ومحذراً اللبنانيين من "الوجود على ساحل البحر جنوب نهر الأولي"، ومعلناً أنه "سيستهدف المنطقة البحرية في جنوب لبنان".
وأشار المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إلى الأفراد بـ "تفادي ارتياد شاطئ البحر أو ركوب قوارب على ساحل لبنان من نهر الأولي جنوباً حتى إشعار آخر"، وخرجت إلى الإعلام سيناريوهات عدة تحدثت عن التكتيك والإستراتيجية اللذين سينتهجهما الجيش الإسرائيلي في حربه ضد لبنان، وعن عمليات إنزال مركزة من البحر شبيهة بالتي حصلت على شاطئ غزة.
لكن هذا السيناريو شديد التعقيد وله أبعاد عسكرية واستراتيجية عدة، فما هي السيناريوهات المحتملة لهذه العمليات بناء على القدرات الإسرائيلية وواقع الشواطئ اللبنانية والظروف الجيوسياسية المحيطة؟
الهدف من الإنزال البحري على شواطئ لبنان
وفقاً لرصد وجهات نظر أكثر من محلل عسكري فإن الهدف قد يكون استهداف البنية التحتية الحيوية مثل الموانئ ومحطات الكهرباء أو منشآت الاتصالات، إضافة إلى التطويق والضغط العسكري على "حزب الله" في الجنوب، وربما يمتد ليصل إلى تطويق وحصار العاصمة بيروت، وقد يكون الهدف من هذا الإنزال تشتيت أو تضليل انتباه عناصر "حزب الله" أو العناصر المقاتلة التي لا تزال على الجبهة.
وتهدف إسرائيل إلى السيطرة على مناطق ساحلية وإنشاء نقاط لوجستية تُمكنها من فتح جبهة إضافية أو تسهيل عمليات إنزال مستقبلية، وهذا ما أعلنه الجيش الإسرائيلي بأنه سيعمل "في الوقت القريب في المنطقة البحرية ضد أنشطة "حزب الله"، ومتوجهاً للصيادين ورواد الشاطئ بالقول "من أجل سلامتكم امتنعوا من الحضور إلى البحر أو على الشاطئ من الآن وحتى إشعار آخر".
ضرب كل مواقع الحزب على الساحل
لكن أي إنزال إسرائيلي على شواطئ لبنان سيواجه برد فعل قوي من "حزب الله" الذي أعد لهذا النوع من السيناريوهات، وإضافة إلى ذلك يمكن أن يثير هذا العمل العسكري ردود فعل دولية واسعة، بخاصة إذا استهدفت مناطق مدنية أو حيوية، وفي حال حدث الإنزال في مناطق مأهولة فمن المتوقع أن يتحول الصراع إلى حرب مدن، مما سيزيد الخسائر البشرية والمادية على طرفي النزاع، وأضف إلى ذلك أن عملية الإنزال البحري على شواطئ لبنان، وعلى رغم أنها ممكنة من الناحية العسكرية، لكنها تمثل تحدياً كبيراً نظراً إلى تعقيدات الجغرافيا والدفاعات الساحلية لـ "حزب الله"، ومع ذلك فقد تلجأ إسرائيل إلى مثل هذه العمليات في حال التصعيد الكبير بهدف إحداث تأثير مفاجئ أو تضليلي.
ويعتبر المحلل العسكري والإستراتيجي العميد خليل الحلو في حديث صحافي أن "إصرار إسرائيل على إخلاء الشواطئ في جنوب لبنان من الناس أمر مثير للاهتمام، خصوصاً أن 'حزب الله' ليست لديه مراكز عسكرية على البحر ولا زوارق حربية تشكل تهديداً للإسرائيليين"، موضحاً أن "هذا الإنذار يهدف إلى الضغط على الناس للخروج من مناطق الجنوب بسرعة، مما يتيح للجيش الإسرائيلي استخدام البوارج الحربية للتخلص من كل منصات الصواريخ المتوسطة، مثل 'فلق' و'الفجر' التي تهدد أمن الشمال الإسرائيلي".
وتخوّف الحلو من أن ذلك قد يكون تمهيداً لعمل عسكري كبير، ربما عبر إنزال لقوات المشاة البحرية أو تدخل البوارج البحرية لضرب كل مواقع الحزب الموجودة على الساحل، مما سيربك الحزب عبر تشتيت اهتمامه بعيداً من الحدود البرية الجنوبية.
حصار بحري وبري وجوي
في المقابل يقول المحلل السياسي سمير سكاف لـ "اندبندنت عربية" إن "لبنان لن يكون بخير خلال الأشهر الخمسة المقبلة في الأقل"، ويعتبر أن طموحات إسرائيل تغيرت في الحرب على لبنان بعد عام على دخول "حزب الله" حرب الإسناد غداة انطلاق "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023، وبخاصة بعد الـ 27 من سبتمبر الماضي ونجاح إسرائيل في اغتيال قائد ورمز 'حزب الله' الأمين العام حسن نصرالله، وهو الذي كرس وجسد صورة التوازن في الصراع مع إسرائيل لأكثر من ثلاثة عقود".
ويتابع سكاف أن "رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو يريد اليوم كسر إمكان الحزب لعب أي دور عسكري في المستقبل، وبالتالي كسر أي إمكان له بتشكيل أي خطر على إسرائيل، ومنع الحزب من إمكان تنفيذ أية عملية مشابهة لعملية السابع من أكتوبر"، وهذا ما كان قد صرح به نتنياهو علناً وأنه يريد منع إعادة تنظيم "حزب الله" لنفسه ومنع إعادة تسليحه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف سكاف أن هذا "يعني أيضاً سيطرة إسرائيل لاحقاً على مداخل لبنان البرية والبحرية والجوية كافة لفترة طويلة، وقد تكون بمشاركة دولية وأممية، مما يعني حصاراً كاملاً على لبنان لوقف تزويد الحزب بالسلاح عبر المعابر البرية، والذي بدأت ملامحه بقصف طرقات ومنشآت هذه المعابر، وبخاصة طريق ومعبر المصنع بين لبنان وسوريا.
ومن صور الحصار أيضاً وجود أسطول إسرائيلي بحري كبير قبالة الشواطئ اللبنانية بمساندة أميركية وبريطانية وأوروبية، بانتظار قرار إسرائيلي صريح بالحصار الجوي على لبنان، بعدما غادرت آخر طائرة إجلاء للرعايا الأميركيين من لبنان".
ما هي قدرات "حزب الله" للدفاع في حال عملية كوماندوز إسرائيلية بحرية؟
لا تُخفي إسرائيل أن قوة "حزب الله" العسكرية تفوق قوة حركة "حماس" بعشرات الأضعاف، وتحدث كثير من كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين عن أن "حزب الله" لم يُخرج حتى اللحظة إلى العلن قدراته البحرية، لافتين في الوقت عينه إلى أن "التنظيم الإرهابي سيفاجئ الجيش الإسرائيلي تحديداً من هذا المجال، إذ إن القوة البحرية تضم مئات المقاتلين.
ونقلت صحيفة "كالكاليست" العبرية في يوليو (تموز) الماضي عن مسؤولين أن "حزب الله" يمتلك مئات الصواريخ ضد السفن، بما في ذلك صواريخ من طراز "سي-802" والتي يصل مداها إلى 120 كيلومتراً، ويحمل متفجرات بزنة 165 كيلوغراماً، وإضافة إلى ذلك يمتلك الحزب صواريخ من طراز "ياخونت" والتي يصل مداها إلى 300 كيلومتر وباستطاعتها حمل متفجرات بزنة 300 كيلوغرام.
ووفقاً للصحيفة فإن "حزب الله" يملك ويُفعل قوات كوماندوز بحرية تضم سفناً صغيرة وسريعة، وتعمل أساساً على جميع المعلومات عن المناطق الحساسة والإستراتيجية داخل العمق الإسرائيلي، وذلك اعتماداً على دراسة لمركز "ألما" وهو مركز تعليمي وبحثي مخصص لبحث التحديات الأمنية على الحدود الشمالية لإسرائيل، وتثقيف صناع الرأي من مراكز الأبحاث والأوساط الأكاديمية وغيرها حول التعقيدات متعددة الأبعاد في الشرق الأوسط.
وتشدد الصحيفة العبرية في سياق تقريرها على أن "حزب الله" يملك غواصات صغيرة من طراز "غدير" التي يصل طولها إلى 29 متراً، وبمقدورها حمل 10 حتى 18 مقاتلاً متخصصاً في المجال البحري.
ووفقاً لما نقلت عن مصادر في تل أبيب فإن الحزب يملك غواصات من دون غواصين مثل الطائرات من دون طيار، وبواسطة هذا السلاح فقد أصبح قادراً على تهديد حقل الغاز في "كاريش" المتاخم للحدود الاقتصادية مع لبنان، كما أنها تشكل تهديداً على قطع الأسلحة التابعة لسلاح البحرية الإسرائيلية، وضرب الكوابل المنصوبة في أعماق البحر، ومنها الكابل الواصل بين مدينتي نهاريا وحيفا.
وتابعت الصحيفة العبرية نقلاً عن مصادرها أن هناك تهديداً إضافياً يمكن أن يستشف من عمليات جماعة الحوثيين في اليمن، وهو القطعة البحرية من دون قائد بشري، إذ تمكن مقاتلو الحركة من ضرب سفن عدة تابعة لدول غربية حاولت المرور من باب المندب وفي البحر الأحمر.
وإضافة إلى العلاقات المميزة بين إيران والحوثيين في اليمن و"حزب الله" في لبنان، فإنه من الوارد جداً أن يكون بحوزة الحزب قطع الأسلحة والغواصات التي يستخدمها الحوثيون في حربهم ضد السفن الغربية، على حد ما نقلت الصحيفة، لكن الخطير في ما نقلته الصحيفة العبرية أنه فقط من طريق اجتياح جنوب لبنان يمكن الكشف عن قوة "حزب الله" الحقيقية، وعلى نحو خاص الأنفاق التي تثير القلق إسرائيل.
منظومة دفاع تحت الأرض من بيروت إلى البقاع وتصل حتى سوريا
وفي السياق يقول تقرير لصحيفة "ليبراسبيون" الفرنسية إن كوريا الشمالية ساعدت "حزب الله" منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي في بناء منظومة دفاع تحت الأرض يصل طولها إلى مئات الكيلومترات، وتصل من بيروت إلى البقاع وحتى سوريا.
وقدرت الصحيفة الفرنسية أن شبكة دفاع الحزب تشمل عشرات المراكز العملياتية التي تقوم بإدارة شبكة الأنفاق المحلية، وأيضاً الواصلة بين المناطق، مضيفة أن عمق النفق يصل إلى ما بين 40 و 80 متراً في أرض صخرية، وأن جميعها مزودة بصواريخ إيرانية من طراز "فاتح 110" قصيرة المدى، إضافة إلى الصواريخ الباليستية.
وكانت صحيفة "ليبراسيون" نشرت تقريراً في فبراير (شباط) 2023 قالت فيه إن "حزب الله" في لبنان "يقوم منذ الثمانينيات بمساعدة من كوريا الشمالية ببناء نظام دفاعي تحت الأرض تحسباً لغزو إسرائيلي، وبالفعل أنشأ شبكة عسكرية تحت الأرض أكثر تطوراً من تلك الموجودة في قطاع غزة يبلغ طولها مئات الكيلومترات، ولها تشعبات تصل إلى إسرائيل وربما تصل إلى سوريا".
أما المنظومة الجوية الهجومية للحزب فإنها تعتمد على صواريخ ومقذوفات ومسيرات، وكل ذلك بدعم إيراني، وأوضحت المصادر أنه حتى اللحظة، أي صدور تقرير الصحيفة، لم يستخدم "حزب الله" قدراته في مجال الطائرات من دون طيار، إذ إنه يمتلك مسيرات تحمل الواحدة منها 400 كيلوغرام من المتفجرات، وبحسب تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) فإن "حزب الله" يملك أكثر من 150 ألف صاروخ ومقذوفة.
الصواريخ موجودة على طول الساحل اللبناني
وكان مركز "ألما" نشر تقريراً في يونيو (حزيران) 2022 تحدث فيه عن الوحدة البحرية لـ "حزب الله" التي وصفها بـ "الصغيرة نسبياً ومقسمة إلى أقسام ونخبة"، وقدر "قوتها العاملة غير المعروفة ببضع مئات من النشطاء، وهدف الوحدة هو السماح لـ "حزب الله" باستخدام الأسلحة وقدرات الكوماندوز بالعمل ضد إسرائيل في الساحة البحرية، مثل جزء كبير من الوحدة العسكرية لـ "حزب الله"، تم إنشاء وحدته البحرية بمساعدة إيران، إذ تزود طهران الوحدة بالمعدات والأسلحة المناسبة والخبرة والمعرفة المهنية والتقنية، والتدريب في إيران ولبنان، حتى إن عملاء الوحدة يتعرضون للمعرفة الغربية ويستخدمون معدات غربية سربها الجيش اللبناني المدعوم من الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
ويتابع تقرير "ألما" أنه "علاوة على ذلك نقدر أن إيران تمكنت من نقل صواريخ أرض - بحر كروز إيرانية الصنع إلى 'حزب الله' ومن المحتمل أن تمتلك الوحدة البحرية التابعة للحزب صواريخ (نور) و (نيتزر)، ولا يعرف العدد الدقيق لصواريخ أرض - بحر وصواريخ كروز التي يمتلكها الحزب، لكن يقدر أن لديه عدة عشرات منها، وتخزن بعض هذه الصواريخ قرب الساحل اللبناني للاستخدام الفوري، وستطلق من مواقع الإطلاق التي أعدها 'حزب الله' ورسم خرائط لها مسبقاً".
وبحسب التحليل الجغرافي للمركز وخصائص الصاروخ فإن صواريخ "ياخونت" بعيدة من إسرائيل، فيما الأنواع الأخرى من الصواريخ موجودة على طول الساحل اللبناني، وأن أحد مواقع الإطلاق للوحدات البحرية التابعة للحزب يقع جنوب مدينة صور إلى جوار قرية المنصوري.