Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هدم "قبة تاريخية" في مصر يعيد جدل الأثر والتراث

تعود إلى مستولدة محمد علي باشا ومسؤولون برروا القرار بكونها غير مسجلة ضمن المواقع الأثرية

عملية هدم قبة مستولدة محمد علي في القاهرة التاريخية (مواقع التواصل)

ملخص

أثريون انتقدوا تلك الخطوة ووصفوها بأنها تمثل "هدماً للتاريخ المصري وذاكرة الأمة"، مطالبين بإيقاف عمليات الهدم بصورة فورية والبحث عن حلول هندسية بديلة لمخططات الطرق والمحاور المرورية التي تسعى الحكومة المصرية لتنفيذها للربط بين شرق وجنوب القاهرة.

من جديد عادت معاول هدم المواقع التاريخية والتراثية في مصر لتثير موجة واسعة من الجدل، لا سيما عقب تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي وناشطين ومهتمين بالتراث والآثار، صوراً توثق عملية هدم قبة مستولدة محمد علي باشا بمدفن "حليم باشا" بجبانة الإمام الشافعي في القاهرة التاريخية، التي صاحبها حال كبيرة من الاستياء والغضب، تزامناً مع تحركات برلمانية تطالب بالعدول عن أعمال الهدم للحفاظ على القيمة التاريخية والتراثية ومراجعة خطة تطوير المنطقة لضمان الحفاظ على المواقع التراثية بمنطقة القاهرة التاريخية.

اللافت أن تلك الواقعة لم تكن الأولى من نوعها، بل سبقها عديد من الوقائع الأخرى، إذ تعالت صيحات ورثة المقابر التاريخية والتراثية في منتصف العام الماضي للتراجع عن هدم جباناتهم، من أبرزها مقبرة "محمود سامي باشا البارودي" و"الأمير محمد فاضل باشا الدرمللي" و"محمد محمود باشا"، ودعم تلك النداءات بعض الأقلام والكتابات الصحافية لمثقفين وشخصيات عامة أعربوا عن رفضهم نقل رفات الموتى والبحث عن بدائل أخرى يمكن من خلالها الاستفادة بتلك المنطقة كمزار سياحي، وبرزت آخر تلك الوقائع في الخطاب المنسوب لمحافظة القاهرة، في أبريل (نيسان) الماضي، الذي يفيد بأنه "يتم إيقاف الدفن في المقابر والمدافن الواقعة في نطاق محور صلاح سالم البديل مع نقل الرفات إلى مدافن التعويضات بالعاشر من رمضان تمهيداً لإزالتها".

وبينما يرى متخصصون في الشأن الأثري والتاريخي، ممن تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، أن إزالة قبة مستولدة "محمد علي باشا" يتوافق مع المصلحة العامة ومخططات التطوير، لا سيما أنها ليست مسجلة في تعداد المواقع الأثرية، انتقد آخرون تلك الخطوة ووصفوها بأنها تمثل "هدماً للتاريخ المصري وذاكرة الأمة"، مطالبين بإيقاف عمليات الهدم بصورة فورية والبحث عن حلول هندسية بديلة لمخططات الطرق والمحاور المرورية التي تسعى الحكومة المصرية لتنفيذها للربط بين شرق وجنوب القاهرة.

يشار إلى أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، كان قد أكد في تصريحات له في سبتمبر (أيلول) من عام 2022، أن القائمين على العمل في الطرق والمحاور التي يجري تنفيذها حريصون على عدم المساس نهائياً بأي مناطق أثرية أو مقابر، مشيراً إلى أن العمل في هذه الطرق والمحاور يهدف إلى تحقيق أقصى درجات الانسيابية في حركة المرور بصفة عامة، مردفاً "لا يمكن أبداً المساس بأي مناطق فيها مقابر لشخصيات نقدرها ونحترمها أو مناطق أثرية، وإذا وجدت مقابر أو مناطق أثرية في خط سير العمل، نعالج ونتلافى ذلك بإنشاء كباري، للحفاظ على تلك المقابر والمناطق الأثرية".

هدم للتاريخ والذاكرة المصرية

"ما يحدث يمثل هدماً للتاريخ والذاكرة المصرية ومدينة الـ1000 مئذنة تحولت إلى مدينة الـ1000 بلدوزر"، هكذا وصفت عالمة المصريات أستاذة مساعدة بالآثار والتراث الحضاري مونيكا حنا، أعمال الهدم لقبة مستولدة محمد علي باشا بمنطقة الإمام الشافعي، مشيرة إلى أن تلك الممارسات تفقد التراث المصري هويته وتمنع أي فرص مستقبلية لإحياء هذا التراث وإدارته بصورة تنموية.

وتضيف "مونيكا"، مؤلفة كتاب "مستقبل علم المصريات"، أنه كان من الأجدى على وزارة الآثار المصرية أن تسجل تلك القبة ضمن تعداد الآثار المصرية وتحافظ عليها وتقوم بترميمها وتعيد إحياءها من جديد بإنشاء ممشى يحكي تاريخ تلك المنطقة، مؤكدة أن المكان مدفون به مصريون منذ أكثر من1000  عام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وترى مونيكا أن الحل يكمن في إيقاف أعمال الهدم فوراً وتشكيل لجنة تضم خبراء متخصصين يؤخذ رأيها بجدية، لأن هناك حلولاً هندسية عديدة لإنشاء الطرق والمحاور المرورية يمكن عملها من دون المساس بالأماكن التراثية والتاريخية.

يعضد الطرح السابق أستاذة العمارة والتصميم العمراني بجامعة القاهرة الدكتورة سهير زكي حواس، موضحة أن هدم تلك القبة بمثابة استكمال لمسلسل هدم المقابر والجبانات بحجة أنها ليست مسجلة كأثر ولا ينطبق عليها معايير وشروط التسجيل وفقاً للقانون، متسائلة "لماذا لم تسجل تلك القبة كأثر على رغم أن عمرها 155 عاماً؟ وإذا كانت تراثية وليست أثرية فلا بد من تسجيلها طبقاً لقانون 144 لسنة 2006".

وكانت وزارة السياحة والآثار المصرية، أصدرت بياناً رسمياً على لسان مصدر مسؤول، أكدت خلاله أن هذه القبة غير مسجلة كأثر في عداد الآثار الإسلامية، وأنها لا تنطبق عليها أو يتوفر بها اشتراطات وقواعد تسجيل الآثار، وفقاً للقانون الخاص بذلك رقم 117 لعام 1983 وتعديلاته.

وتطالب سهير بوقف أعمال الهدم بصورة فورية ومحاسبة كل من اتخذ القرار، علاوة على مراجعة المشروع المزمع تنفيذه وإعادة النظر في كل المشروعات التي تعتمد على الهدم والإحلال، قائلة "لا يجوز أن تكون أعمال الهدم على حساب المدينة القديمة التاريخية"، منوهة بأن دور العلم والتخطيط السليم والهندسة هو وضع الحلول التي تحقق التوازن بين القديم والجديد.

وتفاعل عدد من الفنانين والشخصيات العامة مع صور هدم تلك القبة التي تتميز بطراز معماري فريد ونقوش مميزة، إذ علق الفنان المصري خالد النبوي، عبر حسابه على "فيسبوك"، قائلاً "عمرها آلاف السنين... عاوزين تخلوا عمرها صفر ليه؟"، فيما أبدى رجل الأعمال نجيب ساويرس على منصة "إكس"، حزنه على إزالة القبة، كما علقت الإعلامية لميس الحديدي، قائلة "وقف الخلق ينظرون جميعاً كيف أبني قواعد المجد وحدي.. ووقفوا بعد دهر ينظرون كيف يهدم أبنائي تاريخي وذاكرة السنين. هكذا مصر تتحدث عن نفسها". وأشارت الحديدي في تدوينات أخرى إلى أن منطقة القاهرة الخديوية مسجلة كمنطقة تراث عالمي، وكل ما يقع فيها ضمن خريطة الـ"يونيسكو" ودور الحكومة الحفاظ عليها. وقالت إنه "إذا كانت هذه الجبانة ليست مسجلة أثراً لكنها طراز معمارية مميزة تحمل الفن والتاريخ الحي".

حزن وغضب

في السياق ذاته، يبدى أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر أيمن فؤاد، حزنه وغضبه من تنفيذ أعمال الهدم بمنطقة الإمام الشافعي وقبة مستولدة محمد علي باشا، متسائلاً "لماذا يتم هدم تلك القباب ذات القيمة التاريخية والأثرية وهل ما يحدث مقابل إنشاء كوبري أو شارع؟"، موضحاً أن ما يحدث يشير إلى عدم تقدير للآثار الإسلامية وأنها لا تحظى بعناية حقيقية من المسؤولين.

ويضيف فؤاد، أن أي مقبرة أو قبة تحمل قيمة معمارية وتاريخية مميزة من المفترض أن تسجل أثراً، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك عناية ودعاية كافية بالمناطق السياحية التي تعبر عن مكانة القاهرة التاريخية.

"لا أعلم لماذا الإصرار العجيب على هدم قباب وجبانات تاريخية وتراثية بدلاً من تطويرها والحفاظ على قيمتها ومكانتها مثلما يحدث في أي دولة أخرى في العالم؟"، تساؤل طرحه مصطفى الصادق المهتم بتاريخ وتراث جبانات القاهرة التاريخية، موضحاً أن هدم قبة مستولدة محمد علي باشا خسارة كبيرة لا تعوض وبمثابة هدم للتاريخ المصري، منوهاً بأن تلك القبة تعود تاريخياً إلى "نام شاذ قادين"، التي تعد إحدى مستولدات الوالي محمد علي باشا الذي حكم مصر خلال الفترة من 1769 وحتى 1849، ورزق منها بالأمير محمد عبدالحليم، وهو أحد السياسيين البارزين الذي كاد يرث الدولة العثمانية، ولذا اختار لها منطقة الإمام الشافعي التي تعد من أهم المناطق في القاهرة التاريخية ومبنية منذ القرن السادس الميلادي، ليبني لها قبة على الطراز المملوكي الجديد.

ويوضح الصادق مؤلف كتاب "كنوز مقابر مصر" أنه ذهب بنفسه لمنطقة الإمام الشافعي للتأكد من حقيقة الصور المتداولة وتبين صحة هدم قبة مستولدة محمد علي باشا، قائلاً "كنت أشعر بحزن يعتصر قلبي وكادت الدموع تتساقط مني حينما رأيت هذا المشهد أمام عيني"، موضحاً أنه كان من الأجدى نقل القبة إلى مكان آخر أو الاحتفاظ بها في نفس مكانها بدلاً من هدمها على غرار "قبة قانصوه أبو سعيد" المسجلة ضمن تعداد القباب الأثرية وتوجد في منطقة الغفير في وسط طريق محور جيهان السادات، وعمرها يعود إلى ما قبل عام 1517.

 

يشير الصادق إلى إزالة عديد من المدافن بمنطقة الإمام الشافعي خلال الفترة الماضية لرموز تاريخية وشخصيات عامة عريقة، أمثال "محمود سامي البارودي" و"قاسم محمد" و"إسماعيل سليم" وعائلة "ثابت" وعائلة "العظم" وعائلة "ذو الفقار" ووجيدة يكن وعائلة "رشاد"، قائلاً "ما يحدث أمر غريب وغير مفهوم وليس له تفسير".

وكان علاء مبارك نجل الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك، انتقد مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، إقدام السلطات المصرية على إزالة مدفن عائلة "ثابت" -عائلة والدته سوزان مبارك- بمنطقة الإمام الشافعي، وكتب عبر حسابه على "إكس"، "مدفن عائلة ثابت بالإمام الشافعي ضمن مدافن أخرى يتم نقل رفات الموتى منها مع إزالة المدفن"، ووصف الأمر بأنه "محزن ومؤلم"، منتقداً "إزالة مدافن تجاوز عمرها الـ120 عاماً من أجل تنفيذ مشاريع توسعية من دون أي مراعاة لحرمة الموتى"، على حد تعبيره.

وفي منتصف يونيو (حزيران) من العام الماضي، وجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بإنشاء "مقبرة الخالدين" في موقع مناسب، لتكون صرحاً يضم رفات عظماء ورموز مصر من ذوي الإسهامات البارزة في رفعة الوطن، وأن تتضمن متحفاً للأعمال الفنية والأثرية الموجودة في المقابر الحالية، وتشكيل لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء تضم جميع الجهات المعنية والأثريين المتخصصين والمكاتب الاستشارية الهندسية، لتقييم الموقف في شأن نقل المقابر بمنطقة السيدة نفيسة والإمام الشافعي.

وسبق وأصدرت الحكومة المصرية بياناً أواخر مايو (أيار) من العام الماضي، أكدت خلاله أنه لا صحة لتنفيذ حملة شاملة لهدم مقابر أثرية، مشددة على أن جميع المقابر الأثرية قائمة كما هي، ولا يمكن المساس بها، فهي تخضع لقانون حماية الآثار، الذي يجرم أي عمل يتلف أو يهدم أثراً، مؤكدة حرص الدولة على الحفاظ على الآثار بجميع أنواعها وأشكالها، ليس فحسب للأجيال القادمة لكن للإنسانية جمعاء.

القبة ليست أثرية

يعقب الدكتور مجدي شاكر كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار على أعمال هدم قبة مستولدة محمد علي باشا، "أؤيد قرار الإزالة لتنفيذ أعمال التطوير التي تخدم المصلحة العامة إذا لم يتوافر حل هندسي بديل خصوصاً أن البنية التحتية في تلك المقابر لم تعد مؤهلة والأرض بها أصبحت مشبعة بالمياه"، موضحاً أن هدم تلك القبة أثارت جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، لاعتبارها جزءاً مهماً من التاريخ المصري، وتحمل قيمة معمارية لا تقدر بثمن.

ويشير شاكر إلى أن تلك القبة ليست أثرية على رغم أن نفس المنطقة بها أكثر من 200 أثر مسجل وتعود سنوات الدفن فيها للقرن السادس الهجري والثالث عشر الميلادي وتحديداً منذ 1400 عام، موضحاً أن القانون وضع شروطاً محددة لتسجيل المباني كآثار من بينها أن يكون مر على المبنى 100 عام منذ تطبيق القانون، وأن تكون حالة المبنى جيدة وبه عناصر جيدة معمارية وأن يعرض على اللجنة الدائمة للآثار القبطية والإسلامية والحصول على موافقة وزير الآثار عليها، منوهاً بأن هناك حالة من عدم الفهم لدى المواطنين في شأن ما هو أثري وما هو غير أثري.

 

وتابع "اليونيسكو لا يحق له للاعتراض على أعمال الهدم لأن تلك القبة غير مسجلة كأثر، والمنظمة تعترف فقط بما يسجل في وزارة الآثار وليس أي جهة أخرى".

ويوضح كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، أن هناك مشكلة جراء تداخل القوانين، إذ يوجد قانون خاص بالآثار وآخر بالتراث والمباني غير الآيلة للسقوط والجبانات، داعياً لأن يكون هناك قانون موحد يسمى قانون "الآثار والتراث" ويشارك فيه جميع المتخصصين وأعضاء من "يونيسكو"، منوهاً بأنه كان يفضل نقل قبة مستولدة محمد علي باشا إلى مكان آخر، من خلال قطع القبة بطريقة هندسية للحفاظ على تاريخها.

وعلى رغم تأييده إزالة القبة من أجل التطوير، لم يخف شاكر حزنه من تداول صور الهدم بـ"البلدوزر"، متسائلاً "هل من المقبول أن يذهب مرشح مصري لليونيسكو وتتداول تلك الصور القاسية أمامهم، وكيف يحدث ذلك تزامناً مع إنجاز المتحف المصري الكبير وبعد الدعاية الكبيرة التي أحدثها فيديو الكلب في الأهرام، وكلها أمور تثير البلبلة وتشوه صورة مصر خارجياً".

يتسق الطرح السابق مع ما ذكره المتخصص في مجال الآثار الإسلامية مختار الكسباني، في تصريحات متلفزة قبل أيام، مشيراً إلى أن هناك فرقاً كبيراً بين التراث والأثر، موضحاً أن التشابه بين الأحجار المستخدمة في بعض المباني الحديثة وتلك المستخدمة في المباني الأثرية أدى إلى اعتقاد البعض بأن المباني التي هدمت على طريق صلاح سالم كانت أثرية، في حين أنها ليست كذلك، مردفاً "لا يوجد أثر في مصر تمت إزالة طوبة منه".

تساؤلات برلمانية

واستدعى الجدل حول هدم قبة مستولدة محمد علي باشا، تحركاً برلمانياً، إذ تقدم البرلماني المصري عبدالمنعم إمام بطلب إحاطة لوزير السياحة والآثار شريف فتحي، موضحاً أن قبة مستولدة محمد علي باشا تعد جزءاً من التراث الثقافي والتاريخي لمصر، وتحمل قيمة معمارية وأثرية لا تقدر بثمن، مما يثير القلق حول مدى اهتمام الدولة بالحفاظ على هذا المعلم التاريخي، مردفاً "هذا التصرف يمثل تهديداً للمواقع الأثرية والتراثية التي تشكل جزءاً مهماً من الهوية المصرية والحفاظ على هذه المواقع يتطلب جهوداً مكثفة وتعاوناً بين الوزارات المتخصصة".

فيما تساءلت البرلمانية المصرية سميرة الجزار، في بيان عاجل لرئيس مجلس النواب الدكتور حنفي جبالي، "لماذا يتم محو التراث والتاريخ والجغرافيا ومن له الحق في ذلك من دون الرجوع للشعب وما السبب القوي وراء هدم التراث الإسلامي؟"، مشيرة إلى أن "مقابر الإمام الشافعي كان يمكن أن تكون مزاراً سياحياً مهماً للسياحة الدينية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير