ملخص
وثق التقرير أن أديس أبابا احتلت المرتبة الثالثة بين أسوأ الدول من حيث سجن الصحافيين في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في الأعوام 2020 و2021 و2023. ووفقاً للتقرير الدوري الذي أجرته اللجنة خلال الأعوام الماضية، ثمة انتهاكات واسعة لا تزال تمارس في إثيوبيا من بينها الخطف والاعتقال لمدد طويلة لصحافيين في مواقع لا تشرف عليها المؤسسات القضائية ومن دون تقديم تهم واضحة.
سلطت لجنة حماية الصحافيين الضوء على العديد من الاعتقالات والاحتجازات التعسفية بحق الصحافيين في إثيوبيا
قدمت لجنة حماية الصحافيين الدولية تقريراً إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بشأن نتائج تحقيقاتها عن أوضاع حرية الصحافة في إثيوبيا، وذلك قبيل إصدار التقرير الدوري الشامل للأمم المتحدة حول الدول الأعضاء في الدورة الـ47 للمجلس الأممي.
وسلطت لجنة حماية الصحافيين الضوء على العديد من الاعتقالات والاحتجازات التعسفية بحق الصحافيين، وأشارت إلى تراجع كبير في حرية الصحافة منذ الاستعراض الدوري الشامل الأخير لإثيوبيا، وقدمت اللجنة في تقريرها توصيات للحكومة الإثيوبية لإنهاء القمع الإعلامي المستمر. وفصل التقرير الاعتقال التعسفي والعنف الجسدي والمضايقة والقيود القانونية الشديدة التي يواجهها الصحافيون الإثيوبيون، مما يعزز تقارير سابقة وثقت تراجع حرية الصحافة في إثيوبيا بسبب اعتقال إعلاميين ونفيهم وسط الاضطرابات السياسية.
وتطرق التقرير أيضاً إلى غياب المساءلة في مقتل اثنين من الصحافيين، فضلاً عن الاعتداءات الجسدية على العاملين في مجال الصحافة، والإغلاق القسري للمنافذ الإعلامية، والقيود المفروضة على الصحافيين الدوليين.
وقال التقرير "على رغم الإصلاحات التي أجريت على مدى الأعوام الخمسة الماضية، فإن قوانين الإعلام ومكافحة الإرهاب في إثيوبيا تحتفظ بأحكام كانت تستخدم لاضطهاد الأصوات المعارضة، وتبرير إغلاق وسائل الإعلام، كذريعة لطرد الصحافيين الأجانب من البلاد".
ووثق التقرير أن أديس أبابا احتلت المرتبة الثالثة بين أسوأ الدول من حيث سجن الصحافيين في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في الأعوام 2020 و2021 و2023. ووفقاً للتقرير الدوري الذي أجرته اللجنة خلال الأعوام الماضية، ثمة انتهاكات واسعة لا تزال تمارس في إثيوبيا من بينها الخطف والاعتقال لمدد طويلة لصحافيين في مواقع لا تشرف عليها المؤسسات القضائية ومن دون تقديم تهم واضحة.
وحذرت لجنة حماية الصحافيين من أن "هذه الانتهاكات تخلق قلقاً واسعاً لدى ممارسي مهنة الصحافة"، مضيفة "على مدى الأعوام الخمسة الماضية، رسخت إثيوبيا نمطاً من الاعتقال التعسفي للصحافيين".
ودعت لجنة حماية الصحافيين السلطات الإثيوبية إلى قبول وتنفيذ التوصيات المتعلقة بتحسين ظروف حرية الصحافة وضمان سلامة الصحافيين.
كما تضمن التقرير توصيات عدة بما في ذلك الإفراج الفوري عن الصحافيين المعتقلين، والتحقيق في التعديات على الصحافة، وضمان المساءلة عن العنف الممارس ضدهم، وتعديل القوانين القمعية لتتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، داعياً المجتمع الدولي إلى ضرورة إيلاء اهتمام أكبر بوضع حرية التعبير في هذا البلد الأفريقي الذي يرتبط بعلاقات راسخة مع القوى الكبرى، من دون أن يثير وضع حرية التعبير والصحافة قلقاً لدى المجتمع الدولي.
من جهته، رأى الناشط الحقوقي الإثيوبي تآمرات تلا، أن التقرير المقدم لمجلس حقوق الإنسان، يتضمن توثيقاً مهماً لحالات اعتقال خارج القانون، إضافة إلى حالتي قتل، مما يستدعي رداً رسمياً من السلطات الإثيوبية، بخاصة في ظل تعهدات عدة ظل يطلقها رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، ومسؤولو "حزب الازدهار" الحاكم، حول ضمان حرية التعبير وحماية الصحافيين، مشيراً إلى أن الأزمة الحقيقية تكمن في الممارسات التي درجت عليها أجهزة الأمن الفيدرالي منذ عقود. وأكد أن ثمة ضرورة ملحة أمام الحزب الحاكم والحكومة الإثيوبية لإعادة تأهيل الأجهزة الأمنية بما يتماشى مع الدستور الفيدرالي، فضلاً عن الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها البلاد في مجال حقوق الإنسان.
الصوت الواحد لا يجدي
ويرى الناشط الحقوقي الإثيوبي أن تاريخ تعاطي الأجهزة الأمنية مع قضايا حقوق الإنسان مر بمرحلتين، الأولى بدأت بالعهد الإمبراطوري وحتى تسعينيات القرن الماضي وشهدت انتهاكات واسعة، وحينها استأثرت وسائل الإعلام المملوكة للدولة بالقطاع ولم يسمح بتأسيس أي إعلام مستقل، فيما بدأت المرحلة الثانية بعد سقوط نظام منجستو هيلي ماريام (عام 1991) ووصول "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" لسدة الحكم في أديس أبابا، وعلى رغم التعهدات التي أطلقتها الجبهة لضمان حرية الصحافة، وفقاً لأحكام الدستور الجديد، والسماح للخواص بتأسيس صحف وقنوات مستقلة، إلا أن سيطرة النظام ظلت قائمة على المستويات كافة كما استمرت أجهزة الأمن في قمع الآراء المستقلة.
ويضيف الناشط الإثيوبي "بحلول عام 2018 ووصول آبي أحمد للسلطة محمولاً بآمال التغيير والانفتاح، أطلق تعهدات بحماية حرية التعبير والصحافة، إلا أن الانفراج النسبي الذي تحقق خلال عامي (2018-2020) قد تبدد أمام أول اختبار فعلي، عندما اندلعت الحرب في إقليم تيغراي، إذ تم إعلان قانون الطوارئ، وتوسعت حالات الاعتقال التي استهدفت بالأساس الأصوات المعارضة للحرب، وبخاصة الصحافيين المعارضين لمشاركة الجيش الإريتري في القتال، بذريعة تهديد الأمن القومي الإثيوبي.
وينوه تلا إلى أن الانتهاكات الجسيمة بحق الصحافيين لم تتوقف عند الفئة التي تعارض الحرب، بل توسعت لتطاول كافة الأصوات المستقلة، بما في ذلك من يؤيد الحرب وفي ذات الوقت يقدم رؤية نقدية لمساراتها. وأضاف أن الأجهزة الأمنية لا تزال تتحرك في إطار فكرة أحادية، تسعى إلى تكريس صوت واحد، وهو أمر لا يجدي في بناء دولة المؤسسات التي لطالما بشّر بها الحزب الحاكم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أزمة التقارير الدولية
ويؤكد الناشط الإثيوبي أن مجلس حقوق الإنسان الإثيوبي، ونقابة الصحافيين وثقا تلك الانتهاكات في تقارير منشورة مما جعلهما عرضة للاستهداف أيضاً.
وفي تعليقه على بعض جوانب التقرير الخاص بلجنة حماية الصحافيين الدولية، يرى تلا أنها تتضمن معلومات مغلوطة، فيما ركن الجزء الآخر إلى تقديرات غير دقيقة، وذلك عائد إلى رفض النظام الحاكم في إثيوبيا السماح لمحققي المنظمات الدولية التواجد في البلاد وإجراء تحقيقات موسعة.
ويعتقد الناشط الإثيوبي أن السماح لكافة المنظمات واللجان الدولية المعنية بالنشاط الحقوقي، بالتواجد، سيسهم حتماً في تقديم رؤية متوازنة لواقع حقوق الإنسان عموماً وحرية الصحافة بشكل خاص.
ويضيف أن الأمر لا يقتصر على استهداف المنظمات الحقوقية الدولية، فحتى المنظمات المحلية تواجه استهدافاً ممنهجاً من قبل الأجهزة الأمنية، مما يتطلب إيجاد صيغ جديدة لتعاطي قوات الأمن مع المؤسسات الصحافية والإعلامية، مؤكداً أن التعاطي الرسمي، - بخاصة الأمني منه- هو الذي يتسبب في العبث بالأمن القومي الإثيوبي، وليس النشاط الصحافي المستقل.
تقرير مسيس
بدوره يرى عضو "حزب الازدهار" الحاكم تازب برهانو، أن تقرير لجنة حماية الصحافيين الدولية تضمن معلومات مغلوطة، تعتمد على شهادات أشخاص يقيمون خارج البلاد، مشيراً إلى أن إعداد تقرير حقوقي بالاعتماد على أشخاص معارضين مقيمين في الخارج يعد تسيساً لعمل اللجنة التي تزعم الدفاع عن القيم الدولية.
ويقول برهانو "من المؤكد أن ثمة اعتقالات استهدفت بعض الأشخاص لمخالفتهم نصوص الدستور الإثيوبي، إذ إن الصحافيين ليسوا فوق القانون، ومن ثم لا ينبغي اعتبار ذلك مساساً بحرية التعبير المنصوص عليها في الدستور الفيدرالي".
ويلفت القيادي في الحزب الحاكم إلى أن حالات الحرب تفرض تدابير استثنائية وفقاً لقانون الطوارئ، إذ يتم تقييد بعض الحقوق حماية للأمن القومي للبلاد، وهو أمر معمول به في كافة الدول الديمقراطية في العالم. مؤكداً أن حكومة بلاده تعمل من أجل عدم التوسع في أحكام الطوارئ.
وينوه إلى أن هناك تقارير دولية مهمة عن تحقيق بلاده قفزات نوعية في حرية التعبير منذ عام 2018، مستشهداً بتقرير "مراسلون بلا حدود" RSF الصادر عام 2019، والذي أشار إلى أن إثيوبيا قد انتقلت من المرتبة 150 إلى 110 في مؤشر حرية الصحافة في العالم.
ويزعم برهانو أن العديد من المنظمات المعنية بحقوق الصحافة وحرية التعبير قد وثقت عام 2019 أن رئيس الوزراء آبي أحمد، أمر بإطلاق سراح الصحافيين والمدونين ورفع الحظر عن المواقع الإخبارية وأصلح التشريعات القمعية التي ظلت قائمة، كاشفاً أن الحرب الأخيرة في إقليم تيغراي ثم الحرب في إقليم الأمهرة، دفعت أجهزة الأمن إلى متابعة كل من ينشر معلومات مغلوطة حول الحرب، مما يسهم في الإضرار بالأمن القومي للبلاد.
وتابع قائلاً "لا شك أن هناك بعض التجاوزات قد تحدث بين الحين والآخر، ويتم الوقوف عليها من قبل المنظمات المحلية، بخاصة وأن الوضع الأمني في بعض أقاليم البلاد يشهد تدهوراً مما يستدعي اللجوء لقانون الطوارئ، والتوسع في الحبس الاحتياطي، إلا أن ذلك لا يمثل نهجاً ثابتاً للحكومة الإثيوبية وإنما يتم اللجوء له في إطار محدود".
ودعا برهانو لجنة حماية الصحافيين إلى ضرورة مراجعة معاييرها في دراسة الوضع الإثيوبي.