Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إثيوبيا "الجديدة" تغازل الشرق الأوسط فهل تطوي الأزمات؟

آبي أحمد أعلن سعيه إلى تعزيز العلاقات مع دول المنطقة وإصلاح أخطاء الماضي

رئيس الوزراء الإثيوبي أعلن تبني بلاده لسياسة جديدة نحو الشرق الأوسط (رويترز)

ملخص

خلقت مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع جمهورية أرض الصومال الانفصالية أزمة استعدت أطرافاً إقليمية، لكن إثيوبيا الجديدة بدأت بالفعل محادثات للانضمام إلى جامعة الدول العربية في حال سنحت الفرصة، سعياً إلى التصالح مع محيطها العربي والإسلامي.

تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة التنافس في شأن البحر الأحمر بين أطراف إقليمية، ما بين مطالبة باستحقاق شرعي تنادي لنيله إثيوبيا، وحرص أطراف أخرى تتمسك بحقوق جغرافية وسيادية، إذ فسرت الصومال خطوات أديس أبابا لنيل الاستحقاق عبر مذكرة التفاهم التي وقعتها مع أرض الصومال بالتعدي، مما دفع بأطراف عربية شرق أوسطية إلى التدخل، ومن ثم دعت القيادة الإثيوبية إلى تبني سياسة جديدة تجاه الشرق الأوسط بهدف الحيلولة دون انزلاق للأوضاع.

ما الرابط بين الأحداث المتوترة في القرن الأفريقي والشرق الأوسط؟ وإلى أي مدى تسير الأوضاع في منطقة البحر الأحمر ما بين التصالح والمصالح؟

رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أكد في خطابه الأخير، الخميس الـ31 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أمام أعضاء البرلمان الإثيوبي "التزام بلاده تعزيز علاقاتها مع دول الشرق الأوسط"، مشيراً إلى ضرورة "بناء شراكات قوية مع هذه الدول في ظل الروابط الثقافية والدينية المشتركة".

وأشار إلى أن "السياسات الإثيوبية السابقة تجاه دول الشرق الأوسط كانت خاطئة"، وأكد ضرورة تغيير هذا النهج، وقال "يجب أن نقيم علاقات قوية معهم، لأننا نتشارك كثيراً من جهة الثقافة واللغة والإيمان".

يجيء حديث القيادة الإثيوبية في ظروف أجواء ما بعد مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع جمهورية أرض الصومال الانفصالية إقليم (صوماليلاند) في يناير (كانون الثاني) الماضي، والتي كان مضمونها تأجير إثيوبيا ميناءً بحرياً على شواطئ صوماليلاند بحدود 20 كيلومتراً مربعاً لمدة 50 عاماً، في مقابل الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة، وفي حين نظرت إثيوبيا لمذكرة التفاهم كونها عملاً شرعياً وضرورياً لخروجها من انغلاقها وصولاً إلى البحر، تسببت الخطوة في جر أطراف إقليمية، بعد رفض الصومال المذكرة باعتبارها اتفاقاً غير شرعي، وتعدياً على سيادته.

وكان رئيس الوزراء الإثيوبي صرح في أكتوبر 2023 بأن "الحصول على منفذ بحري لبلاده بات مسألة حياة أو موت".

وكانت إثيوبيا احتفظت بعلاقات خاصة مع جمهورية أرض الصومال منذ إعلان انفصالها عن دولة الصومال في مايو (أيار) 1991. وسبق للطرفين إبرام اتفاق مشترك في 2018 للاستفادة من ميناء بربرة الصومالي الذي يقع على بعد 943 كيلومتراً من أديس أبابا.

وعلى رغم أن مذكرة التفاهم الموقعة لا تمثل تطبيقاً فعلياً، فإنها في حال تحولها إلى اتفاق سيعني ذلك وصول إثيوبيا إلى البحر الأحمر وقناة السويس، وربطها بالعالم الخارجي وصولاً إلى أوروبا. كما يشمل الاتفاق جانباً عسكرياً في امتلاك إثيوبيا قاعدة عسكرية على سواحل البحر الأحمر، وهو ما يشكل وضعاً دراماتيكياً لا ترتضيه أطراف أفريقية منافسة.

هواجس

تبعت أزمة مذكرة التفاهم بين مقديشو وأديس أبابا تطورات في إبرام "الاتفاق الإطاري للتعاون الدفاعي والاقتصادي" بين تركيا والصومال، والاتفاق المصري عبر بروتوكول التعاون العسكري المشترك بين مصر والصومال كذلك، الذي تبعته القاهرة بإرسال مساعدات عسكرية إلى الصومال هي الأولى منذ أربعة عقود، وعلى رغم أن القوات في نطاق قوة "التميس" الأفريقية فإن أديس أبابا تعدها تدخلاً وتصعيداً خطراً للأوضاع في المنطقة. كما مثل اللقاء الثلاثي بين الرئيس الإريتري أسياس أفورقي والرئيسين المصري والصومالي الذي تمخض عنه بيان مشترك للرؤساء الثلاثة داعم للصومال، ويتوعد بمواجهة مشتركة من البلدان الثلاثة لهواجس استحواذ إثيوبيا على منفذ في البحر الأحمر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقد صاحب هذه التطورات ردود فعل إثيوبية على المستوى العسكري، وعلى المستوى الدبلوماسي في تعيين سفير لها بأرض الصومال، وإجراءات أخرى دعماً لما تراه أديس أبابا حقاً شرعياً في الوصول إلى البحر بعد أن باتت حبيسة عقب استقلال إريتريا عام 1993.

الاستعمار الغربي

ضمن حيثيات تاريخية وجغرافية ظلت علاقات إثيوبيا بالشرق الأوسط يشوبها تحفظ، يرجع لأسباب عدة، في مقدمتها الاستعمار الغربي الذي ظل يلعب على تناقضات وأبعاد تنافسية بين الطرفين، والحرص على عدم تشجيع التواصل بين إثيوبيا والعالم العربي، إلى جانب خلقه جفوة عبر سياساته ما بين العرب والقرن الأفريقي ضمن الأزمات والأحداث، إذ كانت القضية الإريترية التي استمرت حربها عقوداً عديدة مواجهة ما بين دول شرق أوسطية داعمة للثوار الإريتريين وإثيوبيا. هذا إلى جانب الحساسية التقليدية ما بين مصر التي تمثل عمق الشرق الأوسط، وإثيوبيا، بسبب خلافات الطرفين حول النيل والمصالح المائية، لتختتم بأزمة سد النهضة الذي لعبت فيه أطراف دولية مساندة لإثيوبيا، ثم خلافات الاتفاق الإطاري (اتفاق عنتيبي) الذي ترفضه مصر، لتأخذ العلاقة الآن بعداً تنافسياً إقليمياً أكثر حدة.

تشكك

انجذاب أديس أبابا نحو الغرب في مسيرة العلاقات الإثيوبية الحديثة هو الأكثر بروزاً على رغم المصالح المرتبطة بالعرب، والتاريخ المشترك مع الشرق الأوسط. وعلى رغم تأييد إثيوبيا غير المتحفظ لقضية فلسطين (بؤرة المصالح العربية)، فإن العلاقة بالشرق الأوسط ظلت يشوبها تشكك وفتور، وعدم اهتمام من الحكومات الإثيوبية المتعاقبة، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء آبي أحمد في وصف علاقة بلاده بالشرق الأوسط لدى مخاطبته البرلمان، بقوله "كل ما سعت إليه إثيوبيا سابقاً في ما يتعلق بالشرق الأوسط كان مضللاً تماماً".

ولفت أحمد إلى أن دول الشرق الأوسط تملك موارد مالية كبيرة ومعرفة وخبرة، وتمثل سوقاً واسعة ومصدراً مهماً لتوافر فرص العمل للشباب الإثيوبي. وقال "العالم يتعاون معهم، ولا فائدة لنا إذا بقينا مكتوفي الأيدي بينما الآخرون يفعلون ذلك".

وأشار رئيس الوزراء الإثيوبي إلى أن "إثيوبيا بدأت بالفعل محادثات للانضمام إلى بعض المنظمات العربية"، مؤكداً أنه في حال سنحت الفرصة، ستسعى أديس أبابا إلى الانضمام إلى جامعة الدول العربية. وأضاف، "نحن عازمون على جعل صوتنا مسموعاً في أي منظمة دولية نشارك فيها، ورأينا بالفعل الأثر الإيجابي للمشاركة في المنظمات المتعددة الجنسيات".

نظرة متكاملة

رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية ياسين أحمد يقول إن "ما بدأته إثيوبيا من إعادة النظر بعلاقاتها بالشرق الأوسط يعبر عن نظرة متكاملة نحو السلام الذي ظلت أديس أبابا تنادي به في علاقات إقليمية جامعة لكل دول المنطقة"، ويضيف، "معظم دول القرن الأفريقي تفتقد الرؤية الإقليمية التي تربط بين مصالحها الوطنية والمصالح الإقليمية المشتركة اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وأمنياً، بينما الشعوب تتطلع إلى رؤية قرن أفريقي جديد يسوده السلام والاستقرار والديمقراطية"، وتابع "التوجه الإثيوبي الذي نادي به رئيس الوزراء بتعزيز العلاقات مع الشرق الأوسط يأتي ضمن حرص إثيوبيا على علاقات تسودها روح الإخاء والتعاون، وهو مما يؤدي إلى التقدم والرفعة. واعتراف القيادة الإثيوبية بكون ما سعت إليه في السابق في ما يتعلق بالشرق الأوسط كان مضللاً تماماً، يأتي كتأكيد من إثيوبيا تجاه إعادة النظر في علاقاتها بالمنطقة".

يقول ياسين أحمد إن الحكومات والأنظمة في دول القرن الأفريقي ينبغي عليها هي الأخرى أن تنتقل من الحروب بالوكالة إلى تحقيق التكامل الإقليمي الاقتصادي الذي يضمن السلام والاستقرار في المنطقة ككل"، مستشهداً بتجربة الاتحاد الأوروبي ونجاحه في تحقيق السلام والاستقرار عبر دمج ونسج المصالح الاقتصادية في ما بين دوله.

الصورة النمطية

يؤكد رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية أن "إثيوبيا الجديدة تسعى إلى تغيير الصورة النمطية والسردية التاريخية التي تتهم فيها كونها تشكل خطراً على العالم العربي والإسلامي، وهي ادعاءات بهدف إعاقة نهضتها من خلال إشغالها بالحروب الأهلية، وحروب مع دول الجوار في القرن الأفريقي، ومثل هذه الافتراءات لا تخدم قضية السلام الإقليمي بينما تؤدي إلى عزل أديس أبابا عن محيطها العربي والإسلامي".

 

يتابع ياسين أحمد "إثيوبيا الجديدة تصالحت مع نفسها والآن تنشد التصالح مع محيطها العربي والإسلامي، بعد أن أحدثت تحولات جيوسياسية لتعزيز التعاون والتكامل والازدهار المشترك على المستويات الإقليمية والقارية والدولية بعد نجاحها في بناء سد النهضة، وسعيها إلى الحصول على منفذ على البحر الأحمر بتوقيعها على مذكرة التفاهم مع جمهورية صوماليلاند".

تأسيس علاقات

من جهته يقول أستاذ العلاقات الدولية محمد حسب الرسول إنه "من الجيد توجه إثيوبيا نحو مراجعة وتصحيح الأخطاء التي صاحبت تاريخ علاقاتها بالشرق الأوسط، بل إن هذا الأمر مطلوب لأنها ترتبط عبر التاريخ والجغرافيا بالشرق الأوسط"، ويضيف "تصريح رئيس الوزراء الإثيوبي الذي أعلن فيه هذا التوجه الجديد يعبر عن التفاتة مهمة، بل مطلوبة من هذا البلد الذي لا يمكن بحال عزله عن محيطه الحضاري العربي الذي له تأثير بالغ في الثقافة والهوية الإثيوبية، فاللغات الإثيوبية تعبر عن هذا التداخل الحميم، الذي يمكن ملاحظته في نسبة وجود المفردات العربية في تلك اللغات، كما يمكن ملاحظته بصورة واضحة كذلك في وحدة الوجدان الإثيوبي - العربي الذي شكل الإسلام والمسيحية نسيجه وعصبه، فالمسيحية التي في الأصل دين نزل في أرض عربية شأنها شأن الإسلام كان لها سبق تاريخي في الانتشار ببلاد الحبشة، والحال كذلك بالنسبة إلى الإسلام الذي كانت أولى هجراته إلى بلاد النجاشي الملك الذي لا يظلم عنده أحد"، وتابع، "على إثيوبيا وهي تعلن عن هذا التوجه الجديد الانتباه إلى أن علاقتها الجديدة تجاه الشرق الأوسط يجب أن تبدأ أولاً مع محيطها العربي، حيث لها علاقات اتسمت بالمد والجزر مع الصومال وجيبوتي والسودان، وحتى مع إريتريا التي يشكل العرب فيها نسبة عالية، فالمطلوب من إثيوبيا التخلي عن سياساتها التوسعية، وأن تسعى إلى تأسيس علاقات تكامل مع هذه الدول المحيطة بها لأنها تعتبر بوابتها الأهم للوطن العربي".

ويضيف أستاذ العلاقات الدولية "يجب عليها أن تسعى إلى التعامل مع القضايا العربية الكبرى على النحو الذي يقربها من الشعوب العربية، ويفتح الأبواب نحو إعادة تأسيس علاقات جديدة تعود بالنفع المشترك على الشعبين العربي والإثيوبي، وبمقدور أديس أبابا الإفادة من التوجهات المبدئية لدولة جنوب أفريقيا تجاه تلك القضايا وفي المقدم منها القضية الفلسطينية، إلى جانب السعي إلى إقامة شراكات اقتصادية وإستراتيجية مع النظم العربية".

المزيد من تقارير