Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

ما عواقب إصرار ترمب على تجاهل القرارات القضائية؟

يقول خبراء قانونيون إن رئيس الولايات المتحدة ربما يواجه اتهامات بازدراء المحكمة أو لإجراءات العزل. ولكن أحداً لا يعرف إلى أين ستقود هذه "اللحظة الحاسمة بالنسبة إلى الديمقراطية" البلاد

يزعم محامو إدارة دونالد ترمب أن الأخير يتمتع بموجب السلطة التنفيذية بصلاحيات واسعة "لا تخضع للمراجعة أو التدخل القضائي" (رويترز)

ملخص

يواجه ترمب وإدارته معركة قانونية خطيرة بسبب تحدي أوامر المحكمة، مما يهدد بتقويض سيادة القانون والدستور الأميركي، إذ قد يؤدي استمرار تجاهله للأحكام القضائية إلى اتهامه بازدراء المحكمة أو حتى إجراءات عزله، وفق تحذيرات خبراء قانونيين.

منذ أسابيع، يخوض الرئيس الأميركي دونالد ترمب وحلفاؤه محاولة لتقويض القضاة الذين يشرفون على سيل من الدعاوى القضائية المرفوعة ضدهم. وقد وُصف القضاة الذين يحكمون ضده بأنهم فاسدون، يستحقون العزل، أو مجرمون، والرئيس غير قادر على التصديق أن في مستطاع قاض فيدرالي أن يلغي أمراً صادراً من السلطة التنفيذية باعتباره منافياً للدستور.

في الواقع، اختبرت إدارة الرئيس ترمب مراراً وتكراراً حدود قدرتها على تحدي أوامر المحكمة، ولكن معركة قانونية حول سلطة الرئيس في ترحيل مجموعات من المهاجرين غير الشرعيين بموجب قانون نادر الاستخدام من زمن الحروب تقود الولايات المتحدة نحو مفترق طرق خطير يهدد استقرارها الدستوري، وفق خبراء قانونيين.

إن إعادة قراءة لأحداث بالترتيب الزمني الفعلي لرحلات الترحيل الخاصة بالمهاجرين وأوامر المحكمة هي خطوة بالغة الأهمية لتحديد ما إذا كان المسؤولون في إدارة ترمب قد تحدوا السلطة القضائية علناً.

يمكن أن يواجه المسؤولون تهمة ازدراء المحكمة في حال عدم الامتثال لأوامرها، وهي جريمة تستوجب عزلهم من مناصبهم، وفق كلام بروس أكرمان، البروفيسور في القانون والعلوم السياسية في كلية الحقوق في "جامعة يال" ومؤلف سلسلة كتب "نحن الشعب" We the People التي تتناول الدستور الأميركي.

في تصريح أدلى به إلى "اندبندنت" قال أكرمان إن "تعديات ترمب على سيادة القانون الأميركي" ربما تفضي إلى "إجراءات لعزله من منصبه مرة أخرى".

ولكن لا أحد على يقين مما سيحدث بعد ذلك.

وتطبق إدارة ترمب نظرية قانونية من شأنها أن تمنح الرئيس فعلاً سلطة مطلقة على مختلف مؤسسات الحكومة، وبالتالي على المحاكم أيضاً، التي طالما كانت تمثل رقابة حاسمة على الرئاسة.

ونشرت جويس فانس، المحللة القانونية والمدعية الفيدرالية السابقة، إن "نظرية السلطة التنفيذية الموحدة ليست في الواقع سوى وسيلة لإخفاء تحول رئيس منتخب ديمقراطياً إلى ديكتاتور تحت ستار الشرعية".

وكتبت فانس "إذا كان في يد الرؤساء أن يفعلوا كل ما يحلو لهم، بما في ذلك وضع الناس على متن طائرة وإرسالهم إلى سجون في دولة أجنبية ضاربين عرض الحائط أي إجراءات وضمانات قانونية واجبة، فمن نكون؟ إننا ماضون حتماً، سواء في هذه القضية أو غيرها، إلى مواجهة بين رئيس رفض سيادة القانون من جهة، وبين قاض أقسم على الالتزام بتطبيقها، من جهة أخرى. إننا في مرحلة تشكل تهديداً بالغ الخطورة للديمقراطية".

في حديثه إلى "اندبندنت" الشهر الماضي، أعرب تاي كوب، وهو مسؤول سابق في إدارة ترمب، عن قلق من أن المسألة لا تكمن في ما إذا كانت المحاكم ستقوم بدورها في الحد من الانتهاكات في عهد إدارة ترمب، بل في ما إذا كان لها أي تأثير حقيقي على ترمب نفسه.

"إلا إذا تدخلت المحكمة العليا تحديداً"، كما قال كوب، "لأنها المحكمة الوحيدة التي يبدو أنه يستمع إليها".

وأضاف "على الناس ألا ينتظروا أن يهدأ هذا الوضع بل على العكس، عليهم أن يتوقعوا هجوماً محموماً على الدستور في السنتين المقبلتين".

ووفق إيليا سومين، بروفيسور في كلية أنتونين سكاليا للحقوق في "جامعة جورج ماسون"، يمكن للقضاة إصدار أوامر ازدراء جنائية أو مدنية ضد المسؤولين المعنيين في إدارة ترمب جزاء انتهاكهم أوامر المحكمة.

"ولكن هل سيجدي هذا الإجراء نفعاً ضد إدارة عازمة تماماً على المقاومة حتى أبعد الحدود؟ إنه سؤال صعب. لن أكون صادقاً إذا قلت إنني أعرف يقيناً النهاية التي ستؤول إليها هذه المواجهة القانونية"، أخبر سومين "اندبندنت".

بعد أقل من شهر من بدء عمل إدارة ترمب، اتهم قاض فيدرالي الحكومة بمواصلة "تجميد الأموال الفيدرالية بشكل منافٍ للقانون" ورفضها "استئناف صرف الأموال الفيدرالية المقررة" على رغم صدور أمر "واضح وصريح" يقضي بذلك.

واضطر قاض فيدرالي آخر إلى إصدار أمر إلى مسؤولي إدارة ترمب يقضي برفع تجميد تمويل "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" ثلاث مرات على أقل تقدير، وذلك بعدما تجاهلت الإدارة تلك الأوامر، على ما يبدو. وبعد إصدار أمر للإدارة باستئناف التمويل لمجموعات إعادة توطين اللاجئين، ألغى المسؤولون عقودها فجأة.

واتهم قضاة آخرون مسؤولين في "وزارة الكفاءة الحكومية" الأميركية، بمحاولة التهرب من التدقيق من طريق عدم الإجابة عن هوية الجهة التي تتخذ القرارات المتعلقة بسير عملها.

لكن إدارة الرئيس لجأت إلى محاكم الاستئناف، وفي ثلاث قضايا أقله إلى المحكمة العليا للولايات المتحدة، إذ صرح ترمب في إحدى المرات بأن إدارته ستلتزم "دائماً" بأحكام المحكمة بينما كان يواجه قرارات قانونية تهدد تنفيذ أجندته السياسية.

وتشير إدارة ترمب الآن إلى أنها تتمتع بصلاحيات واسعة بموجب المادة الثانية من الدستور الأميركي، التي تتعلق بالسلطة التنفيذية [وتشمل صلاحيات الرئيس في تنفيذ القوانين وإدارة شؤون الدولة]. في 2019، ادعى رئيس الولايات المتحدة أن هذه المادة تمنحه "الحق في تنفيذ أي قرار يرتئيه" [حتى إن كان يتعارض مع القوانين أو القيود الأخرى].

ويدافع مسؤولون في إدارة ترمب عن موقفهم بأن المادة الثانية من الدستور الأميركي تحمي أفعال ترمب، من قبيل إرسال المهاجرين إلى دولة أخرى، ضد أي قرارات قضائية تعارضها.

وكتب محامو وزارة العدل الأميركية في 17 مارس (آذار) الماضي: "هذه الصلاحيات الممنوحة بموجب المادة الثانية من الدستور، لا تخضع، خصوصاً عند ممارستها خارج الولايات المتحدة، للمراجعة أو أي تدخل قضائي".

قبل ثلاثة أيام، لجأ ترمب إلى قانون "الأعداء الأجانب" Alien Enemies Act لعام 1798 للمرة الرابعة في تاريخ الولايات المتحدة بغية ترحيل فنزويليين "أعضاء" في عصابة "ترين دي أراغوا" Tren de Aragua و"لا يحملون فعلاً الجنسية الأميركية أو الإقامة الدائمة القانونية في الولايات المتحدة".

وتعود المرة الأخيرة التي لجأت فيها الولايات المتحدة إلى هذا القانون إلى الحرب العالمية الثانية، عندما نفذت عمليات ترحيل واحتجاز قسرية لأميركيين من أصول يابانية، من بينهم مواطنون أميركيون.

وقال ترمب على متن طائرة الرئاسة في 16 مارس: "إنها حرب من نواحٍ عدة. إنها أخطر من الحرب نفسها، لأنه في الحرب على الأقل فإنهم يرتدون زياً موحداً".

في الحقيقة، إنها محاولة لـ"انتهاك فاضح للقانون" هدفها التخلي عن الإجراءات القانونية الواجبة"، وفقاً لـكاثرين يون إبرايت، المستشارة في "برنامج الحرية والأمن القومي" في مركز "برينان" للعدالة في كلية الحقوق في "جامعة نيويورك".

وأضافت إبرايت أن "’ترين دي أراغوا‘ عصابة إجرامية فنزويلية خطيرة، وفي الأساس يمنح قانون الهجرة الرئيس الأميركي سلطة واسعة تخوله ترحيل أعضاء "ترين دي أراغوا" الذين يؤذون مجتمعاتنا".

ولكن بدلاً من ذلك، "أعلن الرئيس زيفاً وجود غزو وهجوم عواني يتهددان البلاد ليتسنى له استخدام قانون كُتب لأوقات الحرب، في تنفيذ قوانين الهجرة في زمن السلم".

وأكملت إبرايت "على المحاكم وقف هذا الإجراء. إذا سمحت المحاكم بتنفيذه، فقد يمهد الطريق لانتهاكات ضد أي مجموعة من المهاجرين يقرر الرئيس استهدافها، وليس الفنزويليين فحسب، حتى لو كانوا موجودين بشكل قانوني في الولايات المتحدة، وليس لديهم سجل إجرامي".

في 15 مارس (آذار) الجاري، تقدمت منظمتا "الاتحاد الأميركي للحريات المدنية" و"الديمقراطية إلى الأمام" بدعوى قضائية تطالب بإصدار أمر تقييدي مؤقت يمنع عمليات الترحيل بموجب قانون "الأعداء الأجانب".

قاضي المحكمة الجزئية في واشنطن جيمس بواسبرغ، الذي عينه في منصبه رئيس الولايات المتحدة السابق باراك أوباما، حدد جلسة استماع قصيرة في الساعة الخامسة مساء من اليوم نفسه، ثم رفع الجلسة بعد 20 دقيقة لمنح إدارة ترمب الوقت للتحقق مما إذا كانت أي من الرحلات الجوية يومها تقل أشخاصاً خضعوا للترحيل بموجب قانون "الأعداء الأجانب". وكان من المقرر أن يعود الطرفان إلى المحكمة في الساعة السادسة مساء.

ثم في الساعة الخامسة و26 دقيقة مساء من ذلك اليوم، غادرت واحدة من رحلتين كانت استأجرتهما "إدارة الهجرة والجمارك" الأميركية تكساس متجهة إلى هندوراس، وذلك وفق سجلات الرحلات التي اطلعت عليها صحيفة "واشنطن بوست". وتبعتها رحلة أخرى في الساعة الخامسة و45 مساء متجهة إلى السلفادور.

بعد نحو ساعة، أوقف القاضي، شفهياً، تطبيق ترمب لقانون "الأعداء الأجانب". وظهر أمره مكتوباً في ملف القضية في الساعة السابعة و26 مساء.

لم تكن أي من الطائرتين قد هبطت في السلفادور قبل صدور أمر القاضي. ثم بعد 10 دقائق أخرى، أقلعت رحلة ثالثة من تكساس متجهة إلى السلفادور.

وصباح الأحد، في تمام الساعة 7:47 صباحاً، أي بعد أكثر من 12 ساعة من صدور أمر القاضي الشفهي وحكمه المكتوب، رد رئيس السلفادور نجيب أبو كيلة على خبر حكم القاضي بمنشور على وسائل التواصل الاجتماعي يقول فيه متهكماً: "أوبس، فات الأوان".

بدوره، أعاد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو نشر رسالة أبو كيلة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وعقب صدور أمر بواسبرغ، أصدرت المدعية العامة بام بوندي بياناً صحافياً اتهمت فيه القاضي بـ"دعم إرهابيي عصابة "ترين دي أراغوا" على حساب سلامة الأميركيين".

وعلى منصات التواصل الاجتماعي، هاجم تشاد ميزيل، كبير موظفي وزارة العدل الأميركية، "قاضياً فيدرالياً غير منتخب ’عين‘ عدداً من موظفي السلطة التنفيذية يفوق عدد موظفي الرئيس ترمب".

وكتب إننا إزاء "محاولة استحواذ قضائي على السلطة. هكذا بكل بساطة".

وسرعان ما تلت المنشور تهديدات موجهة ضد ذلك القاضي.

مثلاً، كتب مايك ديفيس، حليف ترمب ومؤسس مشروع "المادة الثالثة": "لقد حان الوقت. اطلبوا من الكونغرس عزل القاضي جيمس بواسبرغ في واشنطن العاصمة، الذي عينه أوباما، لأنه يسعى لإبقاء إرهابيين في أميركا".

وصرح النائب الجمهوري براندون جيل من ولاية تكساس بأنه يعتزم تقديم لائحة اتهام ضد القاضي بواسبرغ بغية عزله من منصبه.

قبل لحظات من بدء جلسة استماع في 17 مارس بشأن الأسئلة المتعلقة برحلات الترحيل، وما إذا كان مسؤولو إدارة ترمب تجاهلوا أمراً قضائياً، طلبت وزارة العدل من محكمة استئناف فيدرالية إبعاد القضية "فوراً" من قاعة محكمة بواسبرغ.

السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض كارولين ليفيت ومسؤولو إدارة ترمب أصروا على أن الأخيرة لم "ترفض الامتثال" لأمر المحكمة، وفي الوقت نفسه، أنحوا باللائمة إلى قاض في المحكمة الجزئية لا يملك، كما تزعم ليفيت، السلطة التي "تمكنه من إصدار أوامر بشأن تحركات حاملة طائرات مليئة بإرهابيين أجانب طُردوا فعلاً من الأراضي الأميركية".

من جهته، وصف آرون ريشلين-ميلنيك، الزميل البارز في مركز أبحاث "مجلس الهجرة الأميركي" American Immigration Council، الكلام السابق بـ"المغالطة"، مضيفاً أن سلطة القاضي كانت مُلزمة لمسؤولي الوكالة الفيدرالية المعنية في واشنطن العاصمة. أمرَهم بإعادة أي طائرة في الجو وعدم ترحيل أحد بموجب قانون "الأعداء الأجانب"، فرفضوا. إنه ازدراء للمحكمة".

وفي حديث إلى قناة "فوكس نيوز" قال توم هومان، مسؤول الحدود في إدارة ترمب: "لن نتوقف. لا يهمني رأي القضاة. لا يهمني رأي اليسار. نحن قادمون".

في المحكمة، ذكرت إدارة ترمب بأن الأسئلة المحيطة بتوقيت الرحلات الجوية ومن كان على متنها مسألتان حساستان تتعلقان بالأمن القومي، وأن المحكمة لم تعد تملك السلطة القانونية على ترمب لأن الرحلات كانت فوق المياه الدولية، وأن الأمر الشفهي الصادر عن القاضي لم يكن له نفس وزن القرار المكتوب.

وتوجهت ليفيت إلى الصحافيين في 17 مارس مشيرة إلى "وجود تساؤلات حول ما إذا كان الأمر الشفهي الصادر عن القاضي يحمل نفس قوة الأمر المكتوب"، وبعد مرور ساعات قليلة طرح محامٍ من وزارة العدل هذه الحجة في المحكمة.

أعرب القاضي بواسبرغ وعدد من الخبراء القانونيون عن ريبتهم من هذا التفسير.

في الواقع، هناك عدد من السوابق الحديثة نسبياً التي تشير إلى أن الرئيس الأميركي يسير على "مسار ربما يؤدي إلى عزله من منصبه"، ومنها حادثة رفض الولايات الامتثال لأمر المحكمة العليا بإلغاء الفصل العنصري في المدارس في "قضية براون ضد مجلس التعليم"، ورفض رئيس الولايات المتحدة السابع والثلاثون ريتشارد نيكسون الامتثال لأوامر الاستدعاء للحصول على أدلة تدينه في "فضيحة ووترغيت"، من بين جرائم تستوجب العزل ضده، وفق أكيرمان.

كذلك القرار التاريخي الصادر في قضية "ووستر ضد جورجيا" عام 1832، والذي أرسى أسس سيادة الأميركيين الأصليين على أراضيهم. آنذاك، قضت المحكمة بأنه لا يحق للولاية التدخل في شؤون قبيلة "شيروكي"، وأنها تستحق الحماية الفيدرالية.

لكن رئيس الولايات المتحدة آنذاك أندرو جاكسون تجاهل القرار تقريباً، ويُقال إنه رد بعبارة شهيرة لكن مشكوك في صحتها، "لقد اتخذ [رئيس قضاة المحكمة العليا] جون مارشال قراره، دعوه ينفذه الآن". وفي نهاية المطاف، بدأ جاكسون بالتهجير القسري للأميركيين الأصليين [الهنود الحمر]، ما أسفر عن وفاة الآلاف منهم.

بناء عليه، "هل سيستند محامو ترمب إلى مسيرة موت [إخراج سكان الأميركيين الأصليين من أرضهم] كسابقة قانونية تاريخية في دفاعهم؟"، قال أكرمان لـ"اندبندنت" متسائلاً بسخرية. "هل سيستخدمون هذه الحجة، أم سيتخذون من قضية "براون ضد مجلس التعليم" مثالاً، أم ربما يقتدون بفضيحة ريتشارد نيكسون [فضيحة ووترغيت]؟".

© The Independent

المزيد من تحلیل