Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

مكافحة الإسلاموفوبيا في عالم تجتاحه الفوضى

المعضلة التي يسجلها غياب الاهتمام الكافي بهذه القضية أن البشرية أصبحت تتعامل مع قائمة طويلة من المشكلات المستعصية

رجل يمر أمام جدار مكتوب عليه "لا للإسلاموفوبيا" في الهند، 14 فبراير 2020 (أ ف ب)

ملخص

يشير التقرير الأوروبي في شأن الإسلاموفوبيا لعام 2022، إلى أن الظاهرة أصبحت مؤسسية وتتفاقم في أوروبا بصورة كبيرة يليها آسيا وأميركا الشمالية، ويعدد التقرير كثيراً من المظاهر مثل القرارات التمييزية كحظر الأذان والمساجد والحجاب، وقيام بلجيكا بحظر الذبح الشعائري في بعض المناطق.

مر اليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا بقدر قليل من الاهتمام في الإعلام العربي والدولي، وفي ظل ترقب متصاعد لما سيكون عليه الموقف في غزة، التي عادت إليها آلة الحرب والدمار الإسرائيلية بقسوة بالغة، فضلاً عن تطورات على صعيد الصراع في أوكرانيا يرجح أن تكون لها تأثيرات عميقة على مستقبل المجتمع الدولي، كان من الطبيعي أن يقتصر الأمر على إشارات خفيفة، كان أهمها كلمة الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى رئيس رابطة العالم الإسلامي كما شملت الكلمات التي شاركها الوفود كلمة لشيخ الأزهر ألقاها نيابة عنه مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة أسامة عبد الخالق.

فعاليات أممية ضرورية

لعل أهم دلالة للاحتفالية الرمزية للجمعية العامة للأمم المتحدة هي تذكير العالم والدول الغربية بصورة خاصة بأن العالم لا يزال يتجاهل تحديات وقضايا كبيرة لا تقتصر على الصراعات العسكرية والاقتصادية التي تلفت الانتباه وحدها، وأن هذه المسألة يجب أن تكون على مائدة الاهتمام الدولي كونها لا تنفصل عن منظومة أكبر من التحديات المترابطة.

تضمنت كلمات الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريتش، وكذا أمين عام منظمة التعاون الإسلامي ورئيس رابطة العالم الإسلامي، وشيخ الأزهر  وكذلك الممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، الإعراب عن القلق إزاء الظاهرة التي لم تتراجع عبر الأعوام الأخيرة. ولفت الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى إلى أن "رهاب الإسلام" يعد من مهددات تحقيق المواطنة الشاملة التي تُبنى عليها الدساتير المختصرة والقوانين والمبادئ والأعراف الدولية. محذراً من أن ذلك "يعزز التطرف والانقسامات داخل المجتمعات ذات التنوع الديني". ومحملاً المجتمع الدولي مسؤولية بناء عالم يسوده التسامح والمحبة. وركزت كلمة شيخ الأزهر على أهمية تعريف مصطلح الإسلاموفوبيا، وإنشاء قواعد بيانات شاملة ومحدثة لتوثيق الجرائم والممارسات العرقية والعنصرية ضد المسلمين بسبب دينهم، ورصد القوانين والسياسات التي تشكل تعميقاً للظاهرة.

اقرأ المزيد

 

وأثار موراتينوس الممثل السامي لتحالف الحضارات ملاحظات مهمة، حيث ذكر أن التمييز ضد المسلمين ليس نمطاً معزولاً، بل هو جزء من عودة ظاهرة القومية العرقية والنازية الجديدة وأيديولوجية تفوق العرق الأبيض والعنف الذي يستهدف الفئات الضعيفة، وهو ما سنعود إليه.

يشير التقرير الأوروبي في شأن الإسلاموفوبيا لعام 2022، إلى أن الظاهرة أصبحت مؤسسية وتتفاقم في أوروبا بصورة كبيرة يليها آسيا وأميركا الشمالية، ويعدد التقرير كثيراً من المظاهر مثل القرارات التمييزية كحظر الأذان والمساجد والحجاب، وقيام بلجيكا بحظر الذبح الشعائري في بعض المناطق، ويرصد الأعداد الكبيرة للاعتداءات على المنصات الرقمية، وكذا على الأفراد في عدد من المجتمعات الأوروبية في العام السابق (2022)، وعلى رأسها فرنسا والدنمارك والنمسا والتشيك وبريطانيا.

كما أشار تقرير وكالة حقوق الإنسان الأوروبي الصادر في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) 2024، إلى أن نصف المسلمين في القارة العجوز يعانون التمييز في حياتهم اليومية، ما يمثل زيادة بنسبة كبيرة عن العام السابق (2023)، التي سجلت 39 في المئة، وسجلت التقارير حوالى 1000 جريمة كراهية في النمسا وفرنسا والدنمارك.

والملاحظ أيضاً أن الحكومة البريطانية ترفض تبني مصطلح الإسلاموفوبيا بعد تحذير من خبراء ومتخصصين من أن هذه الخطوة قد تعرقل مكافحة الإرهاب وتقوض حق أفراد شرطة المطارات والموانئ الجوية في توقيف المشتبه فيهم وحبسهم من دون الحصول على إذن سابق، وتسجل التقارير الأممية أيضاً تمييزاً ضد المسلمين في الحصول على السلع والخدمات وفي التوظيف والتعليم.

نسق شامل

ما لفت إليه المفوض السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، موراتينيوس، أن هذا التمييز ضد المسلمين ليس إلا جزءاً من عودة ظاهرة القومية العرقية والنازية الجديدة وأيديولوجية تفوق العرق الأبيض، هي ملاحظة في محلها تماماً، لكنها لا تكفي وحدها في وصف ظاهرة مزمنة في تاريخ البشرية، وكانت تعبر عنها الحروب الدينية في كافة العصور، ووصلت ذروتها في الحروب الصليبية، وكذا خلال الحروب الدينية في أوروبا.

والحقيقة أن المفارقة كبيرة، وسجل الاستشراق الغربي الطويل يشير في معظمه إلى جذور بناء صورة مغلوطة للإسلام والمسلمين عبر التاريخ، وأن هذه الصورة الذهنية سادت أنشطة التعليم والكنائس وأدت دوراً خطراً في تشكيل العقل الغربي تاريخياً، وأن هذه الصورة كانت هي الغالبة تاريخياً وحتى مرحلة زمنية قريبة لم تتحرر منها أوروبا إلا بعد الحرب العالمية الثانية لفترة زمنية وجيزة، ولم يكن ذلك إلا بسبب كشف البشرية خطر الفكر العنصري والقومي المتطرف والثمن الباهظ الذي دفعته شعوب العالم جراء ذلك، ومن ثم تصاعد لفترة قصيرة التيار الآخر الليبرالي الذي حاول بناء عالم أكثر مثالية.

وفي الحقيقة فإن حال التسامح الأوروبية القصيرة زمنياً لم تكن وحدها سبب تزايد الهجرات الأجنبية، وإنما أيضاً الحاجة إلى العمالة الرخيصة من دول الجنوب في أسواق العمل الأوروبية، ولم يكن من الممكن في البداية قصرها على أبناء دين واحد أو استثناء جنسيات بعينها، فقد اتسمت الهجرات لأوروبا باعتبارات تاريخية وجغرافية ولغوية مرتبطة في غالبيتها بالتاريخ الاستعماري للدول الأوروبية، ومن ثم كانت كثافة هجرة ولجوء جنسيات معينة من دول شمال أفريقيا وغربها بصورة خاصة لعدد من الدول الأوروبية.

يضاف إلى هذه الأبعاد السابقة مفارقة أخرى هي الاحتضان الغربي لعناصر من الإسلام السياسي الذي تم توظيفه تاريخياً لتحقيق مصالح غربية، ويجري هذا منذ مراحل سابقة على الحرب الروسية في أفغانستان في الربع الأخير من القرن الماضي.

والحقيقة أنه حتى في أكثر مراحل ازدهار سردية الليبرالية الغربية ومنطقها، وذلك في ذروة نهايات الحرب الباردة ضد المعسكر السوفياتي الشيوعي عند استخدام هذه السردية الليبرالية الديمقراطية ضد الشيوعية، لم تكن حوادث العنصرية والكراهية ضد المسلمين وحتى ضد غير البيض عموماً غائبة تماماً، فالذين تفاعلوا مع المجتمعات الغربية في الربع الأخير من القرن الماضي لديهم قصصهم وتجاربهم بهذا الصدد.

قرن عودة العنصرية

إذاً جاء القرن الحالي من خلفية لم تكن قد شفيت تماماً من أمراض العنصرية والتطرف الديني، ليبدأ التدهور في حادثة سبتمبر (أيلول) 2001 وما أعقبها من حالات عنف تورطت فيها عناصر من "القاعدة" وغيرها عبر مراحل زمنية متفاوتة، لتطوى صفحة وتبدأ صفحة جديدة تصاعد معها العداء للإسلام ومحاولة تحميله مسؤولية كل التعقيدات والصراعات التي يعانيها العالم الغربي.

وفي الحقيقة فإن دوافع الظاهرة عدة وليست نابعة فقط من ظاهرة الإسلام السياسي وحده، ومن ثم تحتاج إلى معالجة متكاملة.

ومن بين هذه الدوافع العوامل الاقتصادية وبخاصة ظواهر البطالة والتنافس في سوق العمل، والمعضلة هنا أن غالبية هذه المجتمعات المتقدمة لا تستطيع التخلص تماماً من المهاجرين سواء الشرعيين أو غير ذلك، فالمفارقة مثلاً في المناطق الزراعية الأميركية وحتى الفرنسية، والأخيرة أصبحت تستقدم عمالة زراعية موقتة لهذا الغرض، لكنها تترك مزايدات الأحزاب اليمينية ضد العمالة الأجنبية ومزاحمة المواطنين الذين لم تعد غالبيتهم قادرة على الأعمال الشاقة بمرتبات هزيلة لكن يقبلها هؤلاء الأجانب.

ومن بين الدوافع أيضاً اعتبارات المعايير المزدوجة التي تعانيها الشعوب الغربية، وأيضاً كافة شعوب العالم بدرجات متفاوتة، ولعل التعاطف الغربي مع الشعب الأوكراني في مقابل القسوة تجاه اللاجئين السوريين لا يزال حاضراً في الذاكرة، فضلاً عن تفاوت درجة التعاطف مع الشعب الفلسطيني، وهو خير شاهد بهذا الصدد.

وتظل أبرز الاعتبارات صعود ظاهرة اليمين المتطرف في كثير من أنحاء العالم، الذي كما ذكرنا لديه جذوره العميقة في الثقافة الغربية التي عاشت تاريخياً جدلية بين التيارين الليبرالي والقومي المتطرف، ويحمل هذا التيار اليميني أيضاً سرديات يوظفها لتغييب العقول وإشاعة التفكير المتطرف، ومن السهل أن يجد في سلوك كثير من المهاجرين المسلمين دوافع لتغذية هذه المخاوف، وبخاصة من وجود توجهات دينية متطرفة إسلامية لدى بعض الأوساط المهاجرة أو رغبات انعزالية متباعدة عن قبول ثقافة المجتمعات الغربية.

في النهاية أصبحت مشكلة التطرف ضد المسلمين إحدى القضايا التي تحتاج إلى معالجة جادة، لكن المعضلة التي يسجلها غياب الاهتمام الكافي بهذه القضية، أي الإسلاموفوبيا، أن البشرية أصبحت تتعامل مع قائمة طويلة من القضايا والمشكلات التي لا تعالج، بما يضاف إلى الإحباطات والتحديات التي لا يتم حسمها من صراعات سياسية وعسكرية واقتصادية، وبخاصة مشكلات الفقر وغياب العدالة في توزيع الثروات، إلى قضايا التغير المناخي وغيرها، لتكتمل دوائر متصاعدة من الإحباطات التي تعمق الشعور بالأخطار وعدم الاستقرار.

المزيد من تحلیل