ملخص
سقوط بشار الأسد منح تركيا بقيادة أردوغان نفوذاً كبيراً عبر دعم المعارضة الإسلاموية، لكن على رغم الفرص الاقتصادية والسياسية تواجه أنقرة تحديات انتشار التطرف وعدم استقرار محتمل، مما يهدد مصالحها الإقليمية ويكبدها مسؤوليات إضافية.
أثارت أنباء سقوط الرئيس السوري بشار الأسد قلقاً هائلاً في معظم عواصم الشرق الأوسط. إلا أن أنقرة ليست واحدة منها. فبدلاً من القلق في شأن مستقبل سوريا بعد صراع دام أكثر من عقد من الزمن، يرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن ثمة فرصة في مرحلة ما بعد الأسد. ولتفاؤله هذا ما يبرره، ذلك أن أنقرة تتميز بين جميع اللاعبين الأساسيين في المنطقة، بأنها تملك أقوى قنوات الاتصال و[أطول] تاريخ عمل مع الجماعة الإسلاموية التي تتولى السلطة الآن في دمشق، مما يجعلها في وضع يسمح لها بجني ثمار سقوط نظام الأسد.
إن "هيئة تحرير الشام" التي تعد من كبريات القوى المتمردة التي وضعت حداً لحكم الأسد، هي جماعة سنية إسلامية كانت تابعة في السابق لتنظيم القاعدة، وقد صنفتها تركيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة كمنظمة إرهابية. وعلى رغم هذه التصنيفات، فقد قدمت تركيا مساعدات غير مباشرة لـ"هيئة تحرير الشام". كما أن الوجود العسكري التركي في مدينة إدلب في شمال غربي سوريا قد وفر الحماية لهذه الجماعة إلى حد كبير من هجمات القوات الحكومية السورية، مما سمح لها بإدارة المحافظة من دون إزعاج لسنوات. وتمكنت تركيا من إدارة تدفق المساعدات الدولية إلى المناطق التي تديرها "هيئة تحرير الشام"، الأمر أمَّن شرعية المجموعة لدى السكان المحليين. وكذلك وفرت التجارة عبر الحدود التركية الدعم الاقتصادي للمجموعة.
وقد أعطى هذا كله تركيا نفوذاً على "هيئة تحرير الشام". في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ألغى أردوغان خططاً لشن هجوم للمتمردين في حلب، لكن أطلقوا حملتهم في أواخر الشهر الماضي فإنها جرت بموافقة أردوغان، على الأغلب. بقي الأسد يماطل لأعوام، بينما سعى أردوغان إلى إصلاح العلاقات مع دمشق وإعادة ملايين اللاجئين السوريين الذين قوض وجودهم في تركيا الدعم لحزبه الحاكم. ومع إضعاف حلفاء الأسد الإقليميين بسبب الحملة الإسرائيلية في غزة ولبنان، وتشتت انتباه روسيا بسبب الصراع في أوكرانيا، رأى أردوغان فرصة سانحة لإجبار الزعيم السوري على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان نجاح المتمردين بمثابة مفاجأة. والآن، وقد أصبح الأسد خارج الصورة تماماً، يستعد أردوغان للاستفادة من استثماره الذي استمر لأعوام في المعارضة السورية. ولقد كُسرت شوكة كل من إيران وروسيا، وهما المنافسان الرئيسان لتركيا في سوريا. وقد تشكل حكومة صديقة لتركيا قريباً في دمشق، تكون على استعداد للترحيب باللاجئين العائدين. وربما يفتح رحيل الأسد نافذة حتى أمام القوات الأميركية المتبقية لمغادرة المنطقة، وتحقيق هدف طويل الأمد تسعى إليه أنقرة. وإذا تمكنت تركيا من تجنب الأخطار المحتملة في المستقبل، فقد ينتهي بها الأمر إلى تحقيق فوز واضح في الحرب الأهلية السورية.
بداية صعبة
كان طريق أردوغان إلى الظفر بالنفوذ في سوريا وعراً. وبعد اندلاع الانتفاضة في البلاد عام 2011، أصبحت أنقرة مؤيدة متحمسة للمعارضة المناهضة للأسد، إذ قدمت المساعدات المالية والعسكرية للجماعات المتمردة، بل وسمحت لها معه باستخدام الأراضي التركية لتنظيم وشن الهجمات. كانت أنقرة تأمل في أن يتوسع نفوذ تركيا الإقليمي مع وجود حكومة يديرها الإسلامويون في دمشق، ولكن استمرار الحرب الأهلية السورية سبب مشكلات لتركيا. وأدت جهود أنقرة الرامية إلى الحث على تغيير النظام إلى توتر في علاقاتها التي كانت في السابق ودية مع دول إقليمية. فقد اختلفت مع كل من مصر والعراق والأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة، وأيضاً مع أقوى داعمي الأسد، إيران وروسيا. ودفعت هذه العزلة كبير مستشاري أردوغان السياسيين في ذلك الوقت، إبراهيم كالين، إلى الإشارة عام 2013 لالتزام تركيا دعم المعارضة السورية والقضية الإسلاموية على أنه كان سياسة خارجية لتحقيق "عزلة نفيسة".
والأكثر أهمية هو أن الصراع السوري قد أدى أيضاً إلى تحويل علاقات تركيا المشحونة سلفاً مع الولايات المتحدة إلى كابوس استراتيجي. كان قرار الولايات المتحدة عام 2014 بإسقاط الأسلحة جواً لوحدات حماية الشعب الكردية السورية، وهي المجموعة التي تعدها أنقرة منظمة إرهابية، بمثابة نقطة تحول في العلاقات بين البلدين. ومن منظور الولايات المتحدة، أصبح دعم وحدات حماية الشعب ضرورة استراتيجية بعدما فشلت المساعي التي قامت بها على مدى أشهر لإقناع تركيا ببذل مزيد من الجهد لإخضاع تنظيم "داعش". ولم تجد واشنطن، التي كانت تشعر بالإحباط على نحو متزايد إزاء اللامبالاة التركية الواضحة تجاه نشاطات "داعش" داخل حدودها، خياراً أفضل. ومن جانبها، شعرت أنقرة بالخيانة بسبب قرار حليفتها تسليح عدوها.
وفيما كانت مشكلات تركيا مع الولايات المتحدة آخذة بالتفاقم، استفادت روسيا من الوضع. فقد تدخلت موسكو في سوريا عام 2015 من أجل إنقاذ نظام الأسد، مما وضع مصالحها على طرفي نقيض مع مصالح أنقرة. وكانت لروسيا اليد العليا الواضحة في سوريا، ولم ير أردوغان أي خيار آخر أمامه سوى التعاون مع الرئيس فلاديمير بوتين. وما كان التوغل التركي العسكري عام 2019 في شمال سوريا للحد من التقدم الكردي هناك ممكناً إلا بعدما حصلت على ضوء أخضر من موسكو، علما أنها خطوة اعتبرها أردوغان ضرورية من أجل تعزيز تحالفه المحلي مع القوميين الأتراك. وهناك بعض التكهنات التي تقول إن قرار أردوغان بشراء أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية "أس-400"، جاء بهدف تأمين موافقة موسكو على ذلك [التوغل]. ولقد تسببت صفقة شراء الأنظمة الدفاعية تلك في خلاف مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو).
مكافأة كبيرة
أما اليوم وقد مضى الأسد، فإن ميزان القوى هذا قد تحول على وجه السرعة وأصبح في مصلحة أردوغان. إن خسارة روسيا لا تعطي تركيا حرية أكبر في سوريا فحسب، بل إنها ستلحق الضرر أيضاً بمكانة موسكو في مناطق أخرى حيث يتنافس البلدان على النفوذ. مثلاً، أفريقيا هي واحدة من هذه المناطق. إن التدخل في سوريا قد ساعد بوتين على إعطاء روسيا صورة قوة عظمى جديرة بالثقة لجهة تقديم الدعم. وقد استغل هذه السمعة لتطوير علاقات وثيقة مع حكام أفارقة مستبدين، وخصوصاً في منطقة الساحل، في حين سعت تركيا إلى تقديم نفسها بديلاً لموسكو. إن انهيار الأسد من شأنه أن يشوه صورة روسيا تلك ويشكل تهديداً لشراكاتها. ومن دون أن يكون لها موطئ قدم عسكري في سوريا، سيتعرض دعم روسيا اللوجيستي لعملياتها في أفريقيا، ولا سيما في ليبيا، إلى الخطر، مما قد يترك فراغاً يمكن لتركيا أن تملأه.
وإن سقوط الأسد من شأنه أن يعزز موقف تركيا بما يتصل بعلاقتها مع إيران أيضاً. كثيراً ما كانت الدولتان متنافستين إقليميتين. وفي سوريا، نسقت القوات المدعومة من إيران مع وحدات حماية الشعب في إطار محاربة "داعش"، مما أفضى إلى تهميش القوات المدعومة من تركيا في بعض المناطق. وأسهمت الميليشيات المدعومة من إيران داخل قوات الحشد الشعبي، وهي وحدات شبه عسكرية ترعاها الدولة العراقية، في زيادة التعقيد الذي يتسم به قتال تركيا ضد حزب العمال الكردستاني، الجماعة الانفصالية المسلحة التي تنشط في تركيا وقد صنفتها كل من أنقرة وواشنطن على أنها منظمة إرهابية تتخذ من شمال العراق مقراً لها. وفي جنوب القوقاز، سعت أنقرة وطهران إلى تحقيق أجندات متضاربة. فقد عززت تركيا تعاونها مع أذربيجان بطرق تراها إيران تهديداً، في حين تحافظ إيران على علاقات ودية مع أرمينيا، التي تشكو علاقتها بتركيا من الخلافات.
يستعد أردوغان لجني مكاسبه من استثماره في المعارضة السورية
غير أن إيران أصبحت ضعيفة، أولاً جراء الحرب الإسرائيلية في غزة، التي وجهت ضربة إلى "محور المقاومة" الذي تقوده طهران، وثانياً نظراً إلى أن الأسد قد أطيح، وهو كان حليفاً قوياً لطهران. وقد لعبت سوريا دوراً مهماً في استراتيجية إيران التي تتصل بدعم الجماعات المتشددة والوكلاء في مختلف أنحاء المنطقة. وكانت بمثابة جسر بري تمكنت طهران من خلاله أن تنقل الأسلحة وغيرها من الإمدادات إلى "حزب الله" في لبنان. وسوف تؤدي خسارة سوريا إلى الحد من قدرة إيران على فرض قوتها، مما سيمنح تركيا مساحة أكبر للمناورة، من العراق وسوريا إلى جنوب القوقاز.
ومن المرجح أن يوفر سقوط نظام الأسد لأردوغان فائدة أخرى هي فرصة المصالحة مع واشنطن. والواقع أن الوجود العسكري الأميركي في سوريا والتعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية قد تسببا في توتير العلاقات الثنائية وتعقيد العمليات التركية في المنطقة. ففي عام 2019، بعد أيام من إعلان الرئيس دونالد ترمب انسحاب القوات الأميركية من سوريا، أمرت أنقرة بشن حملة عسكرية ضد حلفاء واشنطن من الأكراد السوريين. وفرض حينذاك ترمب الغاضب عقوبات على تركيا كما تعهد بالإبقاء على "عدد صغير" من القوات في أجزاء من سوريا من أجل حماية المنشآت النفطية. وكثيراً ما أرادت أنقرة أن تنسحب القوات الأميركية، وقد أحيا انتخاب ترمب لولاية ثانية الآمال في أنه أخيراً سيعيد القوات المتبقية إلى الوطن. وربما سيجعل رحيل الأسد هذه النتيجة ممكنة أكثر مما مضى، إذ في اللحظة التي وصل فيها المتمردون السوريون إلى ضواحي دمشق لاقتحام معقل نظام الأسد، أصر ترمب على أن الولايات المتحدة "لا ينبغي أن يكون لها أي صلة" بمعركتهم. وعندما يباشر مهامه كرئيس، قد يوافق على إبرام صفقة تلتزم فيها تركيا احتواء "داعش" وتسحب الولايات المتحدة قواتها من سوريا، ومن ثم يهيئ لأنقرة إقامة علاقة مثمرة مع الإدارة الأميركية الجديدة.
الحذر واجب
على رغم أن سوريا في مرحلة ما بعد الأسد توفر فرصاً لأنقرة، فإن هناك أيضاً أخطاراً لا يمكن تجاهلها وتتمثل في أن القوى التي يقودها الإسلامويون والتي أطاحت الديكتاتور يمكن أن تعزز عدم الاستقرار والتطرف. نادراً ما تكون انتقالات سلطة من هذا النوع سلسة. فبعد 13 عاماً من الانتفاضة في ليبيا بدعم من حلف الـ"ناتو"، التي أطاحت معمر القذافي، لا يزال هذا البلد غارقاً في الصراع والفوضى، ويعاني سكانه على رغم ثروته النفطية الوفيرة. وبعد إسقاط صدام حسين عام 2003، كافح قادة العراق الجدد بهدف ترسيخ الديمقراطية وتحملت البلاد موجة عنف وحشي. وتواجه سوريا اليوم تحديات لها حجم مماثل لتحديات العراق، أو ربما أكبر، بعد أن عانت لأكثر من عقد من الزمن من الحرب الأهلية التي تسببت في دمار واسع النطاق وعمقت الانقسامات الاجتماعية والسياسية.
ومن غير المؤكد أن الجماعات التي حلت محل الأسد ستكون قادرة على معالجة هذه المشكلات. فقد أعلن المتمردون عن تعيين رئيس وزراء موقت، بيد أن سيطرة الحكومة الجديدة لم تتوطد بعد بصورة كاملة. وإن تمكنت تركيا من التحرك بهدف المشاركة في جهود إعادة الإعمار الضخمة التي تحتاج إليها سوريا الآن، سيكون لها بالتأكيد دور ما تلعبه فيها. إن دعمها المجموعات التي تمسك بزمام المسؤولية، والحدود الطويلة التي تشترك فيها مع سوريا، ووجودها العسكري في البلاد يمنحها نفوذاً كبيراً. ومع ذلك، لن تكون أنقرة قادرة على إملاء كيفية حكم القادة الجدد في دمشق.
لم يقدم تحالف المتمردين الذي تقوده "هيئة تحرير الشام" كثيراً من التفاصيل حول الخطط التي وضعها لحكم سوريا، بيد أن الدول الغربية والعربية تخشى أن يحاول إقامة نظام إسلاموي متشدد. ومع ذلك، حاولت "هيئة تحرير الشام" في بعض النواحي تقديم وجه معتدل. وقد نأى زعيمها بنفسه عن الإرهاب الدولي علناً. وبعد إسقاط الأسد، تعهدت المجموعة بعدم تدمير مؤسسات الدولة وتعهدت باحترام التنوع العرقي والديني في البلاد.
هناك خطر يتمثل في أن القوى التي أطاحت الأسد قد تعزز عدم الاستقرار والتطرف
ومع ذلك، هناك أسباب وجيهة للتشكك. إن حكم "هيئة تحرير الشام" في إدلب لم يكن ديمقراطياً على الإطلاق. وقد تدفع تركيا الحكومة السورية الجديدة إلى ضمان حقوق المرأة والأقليات، جزئياً لأن ذلك سيساعدها على إرضاء الغرب والفوز باستحسانه. إلا أن هذا لا يعني أن المتمردين سيصغون إليها. ومن المستبعد أن تسعى تركيا إلى توفير شروط سخية لأكراد سوريا، خصوصاً أنها ترفض منح سكانها الأكراد حقوقاً أساسية. إن المشكلة الكردية من شأنها أن تؤدي إلى استمرار عدم الاستقرار في شمال سوريا، مع إمكانية انتقال بعض آثار هذه الحالة إلى تركيا. وإذا فشل المتمردون في ترسيخ الحقوق المتساوية لجميع السوريين في القانون والممارسة، فقد لا تبدو سوريا الجديدة مختلفة كثيراً عن تلك القديمة. ولن تكون هذه النتيجة جيدة بالنسبة إلى أنقرة. يريد أردوغان أن يعود اللاجئون السوريون المقيمون الآن في تركيا إلى بلادهم طواعية. وفي ظل غياب ضمانات بمستقبل ديمقراطي، قد لا يرغب كثر في ذلك.
وهناك أيضاً الخطر الذي يتمثل في عودة "داعش". وسيواجه قادة سوريا الجدد كثيراً من المهام التي ينبغي التعامل معها في العام المقبل. كما سيكون على الميليشيات الكردية السورية التي تؤمن الآن السجون ومراكز الاحتجاز التي تؤوي عشرات الآلاف من مقاتلي "داعش" أن تفكر في مستقبلها أيضاً. إن استغلال هذه الفترة من الفوضى قد يسمح للجماعة الجهادية أن تحاول تكوين نفسها من جديد. وتركيا معرضة خصوصاً للهجمات الإرهابية، لأنها موطن لشبكات "داعش" النشطة. ففي هذا العام وحده، اعتقلت السلطات التركية أكثر من 3 آلاف عضو مشتبه فيه في "داعش" في عمليات تستهدف ضرب هذه الشبكات.
إن التطور السياسي في سوريا في الأمد القريب لن يعتمد فقط على نيات الحكومة الجديدة وقدراتها، بل أيضاً على تصرفات القوى الخارجية للمساعدة في استقرار البلاد وإعادة بنائها. وسوف تحتاج سوريا إلى الاستثمار الأجنبي في البنية التحتية، والمساعدات الإنسانية، والتخفيف من العقوبات، ودعم عودة اللاجئين، والمساعدة في نزع سلاح الميليشيات وإعادة تدريب الأجهزة الأمنية. ولكن إذا تجاهل التحالف الذي تقوده "هيئة تحرير الشام" الضغوط الدولية للوفاء بوعده بتشكيل حكومة جامعة ومؤسسات مدنية، فسينبذه العالم، وقد تعود سوريا المعزولة بسهولة إلى الفوضى العنيفة. وستضطر تركيا بعد ذلك إلى التعامل مع جار تعرض للتدمير الاقتصادي تتناتفه جماعات مسلحة متنافسة.
وباعتبارها الوسيط القوي الذي أدت أفعاله إلى سقوط نظام الأسد، فإن تركيا ستتحمل مسؤولية مشكلات سوريا. ولقد سارع كثر في أنقرة إلى إعلان النصر بعد فرار الأسد من البلاد. والواقع أن وجود حكومة صديقة في دمشق قد يفتح الأبواب بالفعل أمام أردوغان. فهو يريد أن يعود اللاجئون إلى سوريا، ويرغب أن يكون حلفاؤه من العاملين في قطاع البناء في تركيا، بين المشاركين في إعادة إعمار سوريا. إن هذا الفوز في سوريا قد جعل مكانة أردوغان مرموقة، وهو ما يأمل في أن يستغله من أجل تدعيم علاقاته مع الغرب ومع بلدان في المنطقة. ولكن إذا انزلقت سوريا إلى الفوضى مرة أخرى، وصارت أرضاً خصبة للإرهاب وعدم الاستقرار، لربما يدفع هذا مزيداً من اللاجئين إلى عبور الحدود [نحو تركيا]، وقد يصل الأمر بالرجل القوي في أنقره إلى الندم على النجاح الكارثي الذي حققه المتمردون.
غونول تول هي مؤلفة كتاب "حرب أردوغان: صراع الرجل القوي في الداخل وفي سوريا" ومديرة الدراسات التركية في "معهد الشرق الأوسط" للبحوث.
مترجم عن "فورين أفيرز"، 11 ديسمبر (كانون الأول) 2024