ملخص
كان الجيش الإسباني يستعين بزراعة الألغام الأرضية المضادة للأفراد، وأيضاً المضادة للعربات، من أجل أهداف عسكرية بالأساس تروم صد أي هجوم محتمل، وأيضاً حماية منشآته الإدارية وعتاده العسكري في مناطق الصحراء.
إذا كان أكثر ما يبحث عنه الرعاة والرحل في مناطق الصحراء في المغرب الكلأ والمرعى لماشيتهم ودوابهم، فإن أكثر ما يخشونه ويتفادونه هو أن يقعوا صرعى أو معطوبين في "حقول الموت" جراء الألغام الأرضية القديمة المدفونة تحت التراب وأكوام الرمال.
آلاف الألغام زرعت في مناطق صحراوية، سواء تلك التي خلفها الاحتلال الإسباني أو تلك التي زرعتها جماعة "بوليساريو" التي تنادي بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة، بغية الحد من تحركات الجيش المغربي.
وعلى رغم تمشيط القوات المسلحة المغربية مناطق الصحراء من أجل رصد هذه الألغام القاتلة وتحييدها وحتى تدميرها، فإن كثيراً من هذه المواد المتفجرة أسقطت ضحايا من قتلى ومصابين وخلفت تشوهات جسدية وأشخاصاً باتوا من ذوي الاحتياجات الخاصة وما زالوا يكابدون معاناة اجتماعية ونفسية معقدة.
حقول موبوءة
يقسم مكتب شؤون نزع سلاح الألغام الأرضية إلى قسمين، الأول ألغام مضادة للأفراد والثاني ألغام مضادة للمركبات، وتعتبر الألغام المضادة للأشخاص محظورة وفق "اتفاقية حظر استعمال وتكديس وإنتاج ونقل تلك الألغام وتدميرها" التي اعتمدت عام 1997 والتي انضم إليها أكثر من 150 بلداً.
ووفق المصدر الأممي نفسه، يوجد في مختلف أرجاء العالم أكثر من 10 ملايين لغم بنوعيه تنتظر التحييد والتدمير والإزالة، مما يعني أن "هناك مساحات شاسعة من الأراضي موبوءة، بالتالي خطرة جداً بما يحول دون استخدامها بصورة مثمرة".
وفي مناطق الصحراء بالمغرب، يعود تاريخ الألغام الأرضية لعقود خلت يوجزها الأستاذ في التاريخ عبدالحق زايدي في محطات أو فترات زمنية رئيسة، الأولى الحقبة الاستعمارية التي احتلت فيها إسبانيا مناطق صحراوية.
وأكمل أن الجيش الإسباني كان يستعين بزراعة الألغام الأرضية المضادة للأفراد، وأيضاً المضادة للعربات، من أجل أهداف عسكرية بالأساس تروم صد أي هجوم محتمل، وأيضاً حماية منشآته الإدارية وعتاده العسكري في مناطق الصحراء.
وأردف زايدي أنه بعد مغادرة الإسبان للصحراء بفضل "المسيرة الخضراء" السلمية التي أعلن عنها الملك الراحل الحسن الثاني ونفذها آلاف المغاربة، شهدت المنطقة نزاعاً مسلحاً بين المغرب وجبهة "بوليساريو"، وهي الحرب التي عرفت زرع ألغام من الجانبين لغايات عسكرية بحتة بغرض منع الطرف الآخر من أي محاولات للتقدم العسكري في رمال الصحراء.
بين الزرع والقلع
وعلى رغم وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة "بوليساريو" منذ عام 1991 تحت رعاية الأمم المتحدة، فإن آلاف الألغام الموجودة تحت الرمال في الحقول الصحراوية تنثر شبح الموت وتتسبب في تبادل الاتهامات بين المغرب والجبهة.
ويتهم المغرب "بوليساريو" بأنها تعمدت زرع آلاف الألغام الأرضية المضادة للأفراد والمركبات خلال فترة النزاع المسلح وبأنها تركت هذه المتفجرات المختبئة من أجل إيقاع عدد أكبر من الضحايا من الجانب المغربي.
بدورها ما فتئت "بوليساريو" تتهم الرباط بزرع ملايين الألغام بمحاذاة الجدار الأمني الرملي، منتقدة ما أسمته "إصرار المغرب على عدم توقيع اتفاقية أوتاوا لحظر الألغام المضادة للأفراد". وفي المقابل تردّ المملكة أنها على رغم أنها ليست دولة طرفاً في هذه الاتفاقية، فإنها تدخل في تطبيق مقتضياتها، كما تلتزم الاتفاقية الموقعة مع "مينورسو" عام 1999، الخاصة بوضع إشارات وعلامات على مناطق الألغام وإزالتها وتدمير الألغام والمخلفات المتفجرة للحرب".
وسبق للمغرب أن شدد على أن الألغام المخزنة لا تستعمل إلا للتكوين والتدريب، لا سيما في مجال إزالة الألغام، باعتبار أن الألغام الموجودة في خط الدفاع تتم فهرستها ومراقبتها وفقاً لمواقع محددة مسبقاً تشرف عليها وحدات الهندسة العسكرية.
وفي وقت تعلن "بوليساريو" أنها تعمل على إزالة الألغام الأرضية "من دون دعم مادي من المجتمع الدولي"، يضطلع الجيش المغربي بمهمة تحييد وتدمير آلاف الألغام، وتمكن من تحييد زهاء 97 ألف لغم أرضي بنهاية عام 2021، لكن يظل 24 حقل ألغام في شرق "الجدار الرملي"، و42 منطقة تضم الذخائر العنقودية، وفق تقرير سابق للأمين العام للأمم المتحدة الذي أثنى على تعاون المغرب مع "مينورسو" في تدمير الألغام القاتلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ضحايا
وللألغام، عدا آليات الصد السياسي والعسكري، جانب اجتماعي وإنساني بالغ الأهمية، ذلك أنها تؤدي في كثير من الأحيان إلى حدوث وفيات أو تشوهات وإعاقات في الأجساد وأعطاب في المركبات.
وقبل أسابيع خلت أصيب موظف في مدينة الداخلة مع مرافقه بجروح خطرة جراء انفجار لغم مضاد للمركبات، هز السيارة التي كانت تقلهما وحوّلها إلى ركام.
من جهة أخرى يحكي إدريس الباردي، ناشط محلي من قبيلة "الركيبات" الصحراوية، عن قصة ابن عم له يعمل راعياً من الرحل، أصيب بعطب في أطرافه التي بُترت بعد أن وطأت قدماه لغماً أرضياً قديماً انفجر، أصاب ماشيته أيضاً.
ووفق المتحدث ذاته، فإن ابن عمه أصيب بعاهة مستدامة في يديه وبكسور ورضوض في رجليه، مما جعله يضاف إلى قائمة ضحايا الألغام المنتشرة في رمال الصحراء.
وعن معاناة ضحايا الألغام، أفاد الباردي بأنها معاناة نفسية واجتماعية قاسية، ذلك أن الضحية يعيش طوال حياته أسير تلك الإصابة، لا سيما أنها عاهات لا يأخذها القانون في الاعتبار، ولا يتم منح تعويضات مالية لهم لمساعدتهم في اجتياز محنتهم الصحية والاجتماعية.
نظرية الأخطار
وعلى رغم تعسر حصول ضحايا الألغام على تعويضات، فإن محكمة الرباط أصدرت حكماً شكّل استثناء في هذا السياق، عندما أمرت في حكم صدر العام الماضي، يقضي بأداء "إدارة الدفاع الوطني" تعويضاً مالياً لأحد ضحايا الألغام.
ووفق موقع "المفكرة القانونية"، تكمن أهمية هذا الحكم في أنه يضمن "حق ضحايا الألغام في الحصول على تعويض من الدولة في إطار نظرية الأخطار، من دون الحاجة لإثبات خطأ، كما أنه يمدد أمد التقادم في دعاوى المسؤولية التقصيرية الناجمة عن الأضرار اللاحقة بضحايا الألغام".
وكان الشخص الذي صدر الحكم في شأنه، وفق المصدر ذاته، تعرض لأضرار بدنية جسيمة نتيجة انفجار لغم في منطقة تدعى النويمسة خنيك الرملة، مما جعل القاضي يرى أن "مسؤولية الدولة قائمة على أساس الأخطار".
في المقابل، نفى الوكيل القضائي مسؤولية الدولة المغربية في هذا الحادثة لأن انفجار اللغم في منطقة الصحراء لا يعني أنه من مخلفات الدولة، بخاصة أن المنطقة المذكورة عرفت عمليات حربية.