ملخص
تتضمن عشرات آلاف الصفحات وكثيراً من الوثائق أصدرت في وقت سابق لكن مع حجب معلومات وتسليط الضوء على عمليات وكالة الاستخبارات المركزية قبل نصف قرن
نشر الأرشيف الوطني الأميركي يوم الثلاثاء الدفعة الأخيرة من الملفات المتعلقة باغتيال الرئيس جون كينيدي في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1963، الجريمة التي ما زالت تغذي نظريات المؤامرة بعد أكثر من 60 عاماً من وقوعها.
في ما يلي خمسة أمور يجب معرفتها عن الوثائق الجديدة التي أفرج عنها والمتعلقة بإحدى اللحظات الفارقة في تاريخ الولايات المتحدة.
1 - تتضمن هذه الدفعة عشرات آلاف الصفحات
أصدر الأرشيف الوطني أكثر من 1100 وثيقة في البداية، بلغ مجموعها 31 ألف صفحة، وفي وقت لاحق من اليوم نفسه نشرت مجموعة ثانية من الوثائق، مما رفع العدد الإجمالي إلى ما يقارب 2200 وثيقة تحوي ما لا يقل عن 63 ألف صفحة في الأقل، أي أقل من 80 ألف صفحة التي وعد بها دونالد ترمب.
وإفصاحات الثلاثاء هي الأحدث في سلسلة من الإصدارات التي بدأت منذ التسعينيات والتي أسهمت في تشكيل رؤية البلاد والمؤرخين لاغتيال كينيدي. ووفقاً لموقع الأرشيف الوطني رفعت بالفعل السرية عن الغالبية العظمى من 6 ملايين صفحة من الوثائق المتعلقة بالاغتيال.
وقال المحامي لاري شنابف الذي يدفع منذ عام 2017 الحكومة إلى الإفراج عن سجلات اغتيال كينيدي، إنه يتوقع نشر مزيد من الوثائق خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة.
لكن وفقاً لشنابف، فإن أكثر الوثائق إثارة للاهتمام لم تنشر بعد، إذ إن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) أبلغ الأرشيف الوطني الشهر الماضي بأنه عثر على 2400 وثيقة تحوي 14 ألف صفحة، وهي ملفات لم تعرض مطلقاً على لجنة وارن واللجنة التابعة لمجلس النواب المعنية بالاغتيالات اللتين شكلتا للتحقيق في مقتل جون كينيدي ومارتن لوثر كينغ جونيور، وقال شنابف "ليست لدينا أية فكرة عما تحويه تلك الوثائق".
2 - كثير من الوثائق أصدرت في وقت سابق ولكن مع حجب معلومات
ووفقاً لتحليل قامت به صحيفة "واشنطن بوست" لا توجد ملفات جديدة أصدرت يوم الثلاثاء بناء على أرقام تعريف الوثائق ومعظم المواد الجديدة هي معلومات كانت حُجبت سابقاً وكشف عنها الآن.
وتتناول الوثائق مواضيع أثارت الفضول وأربكت المهتمين بالاغتيال وتشمل معلومات عن وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) ومتابعتها لزيارات القاتل لي هارفي أوزوالد للقنصلية الكوبية والسفارة السوفياتية في مدينة مكسيكو قبل أسابيع من الاغتيال، إضافة إلى سجلات حول كيفية مراقبة السوفيات لأوزوالد أثناء وجوده في الاتحاد السوفياتي.
وبعد فحص وثائق عدة قال فيليب شينون، مؤلف كتاب عن التحقيقات في مقتل كينيدي، إنه لم يجد ما يغير فهمه للاغتيال، وأضاف أن هذه المواد كثيفة وتحتاج إلى عين خبير لتحديد كيف تختلف السجلات غير المحجوبة حديثاً عن النسخ المحجوبة جزئياً أو كلياً في السابق.
وأضاف شينون "من الممكن دائماً أن يكون هناك شيء مذهل، لكن حتى الآن لا شيء هنا يبدو أنه يعيد كتابة الحقيقة الأساس لما حدث في ذلك اليوم. سيتطلب الأمر أياماً وأسابيع وأشهراً حتى يفهم الباحث الجاد حقاً ما تحويه هذه الوثائق".
واتفق شنابف الذي أشار إلى إنه ظل مستيقظاً حتى الساعة الرابعة صباحاً أمس الأربعاء لمراجعة الوثائق مع هذا الرأي، لافتاً إلى أن بحثه الأولي أسفر عن "حقائق صغيرة" ستساعد المؤرخين والباحثين في "خلق الصورة الكاملة" لما كان يحدث، بخاصة في ما يتعلق بمصادر وطرق خدمات الاستخبارات الأميركية، وأضاف "لكن لا يوجد دليل قاطع. لا يوجد ما يخبرنا مزيداً عن الاغتيال نفسه".
3 - تسليط الضوء على عمليات وكالة الاستخبارات المركزية قبل نصف قرن
وتتضمن السجلات الجديدة غير المحررة صفحات منفصلة تمثل الكم الهائل من الأوراق البيروقراطية التي كانت تدير واشنطن قبل نصف قرن أي البرقيات والمذكرات والتقارير.
والملفات تراوح ما بين ترجمة رسالة تطلب دواء لعلاج فقر الدم وتقرير متلاشٍ جزئياً حول تحركات جواكيم جويستين الذي ألف كتاباً مبكراً عن اغتيال كينيدي، فالتغيير الوحيد هو أن المسؤولين أزالوا الحجب عن اسم عاصمة آيسلندا، ريكيافيك في قائمة المدن الأوروبية.
وبعض السجلات التي كشف عنها أخيراً أكدت ما كان يفترض على نطاق واسع، مثل أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت تضع جواسيس في دول أجنبية تحت ستار العمل لمصلحة وزارة الخارجية.
ومذكرة عام 1961 بعنوان "إعادة تنظيم وكالة الاستخبارات المركزية" التي كتبت خصيصاً لكينيدي، تقدم نظرة داخلية حول فلسفة وكالة الاستخبارات المركزية في مجال التجسس وتوسعها في أجزاء أخرى من الحكومة الأميركية، وتورد أن أكثر من 1500 موظف من موظفي "سي آي أي" كانوا يعملون تحت غطاء وزارة الخارجية.
وكتب التقرير آرثر م شليزنجر جونيور، المؤرخ الحائز جائزة "بوليتزر" الذي شغل منصب "فيلسوف البلاط" في البيت الأبيض لكينيدي، وفقاً لنعيه المنشور عام 2007 في صحيفة "ذا بوست"، وضمنه يكتب كيف أن "استخدام غطاء وزارة الخارجية لموظفي سي آي أي‘ كان من المفترض أن يكون محدوداً وموقتاً بصورة صارمة"، لكن الوكالة تخلت عن محاولة إيجاد طرق أخرى لاختراق الدول الأخرى لأن هذا الخيار كان أسرع وأرخص.
وعلى سبيل المثال كتب شليزنجر أن 128 شخصاً من "سي آي أي" عملوا في السفارة لدى باريس "ومقر الوكالة في الطابق العلوي من السفارة وهي حقيقة معروفة محلياً، وخلال ليلة ثورة الجنرالات في الجزائر لاحظ المارة مع التسلية أن الطابق العلوي كان مضاء بصورة غير عادية".
4 - معلومات استخباراتية أميركية عن الاتحاد السوفياتي وكوبا
خلال العقود التي سبقت اغتيال كينيدي وبعده كان جزء كبير من القدرة الاستخباراتية الأميركية موجهاً نحو الاتحاد السوفياتي وكوبا ويمكن ملاحظة ذلك في الوثائق غير المحجوبة، ومن بينها برقية مؤرخة عام 1991 تتحدث عن معلومات من مسؤول في الاستخبارات السوفياتية KGB يدعى فياتشيسلاف نيكونوف الذي كان جده وزير الخارجية السوفياتي السابق في عهد ستالين فياتشيسلاف مولوتوف، صاحب الاسم الذي ارتبط بقنبلة مولوتوف. وقال نيكونوف لأستاذ أميركي يدرس في روسيا إنه "راجع شخصياً" خمسة مجلدات ضخمة من الملفات عن أوزوالد.
وبحسب التقارير أصبح نيكونوف "واثقاً الآن من أن أوزوالد لم يكن في أي وقت عميلاً تسيطر عليه KGB. ومن وصف أوزوالد في الملفات كان يشك بأن أي شخص يمكنه السيطرة على أوزوالد"، لكن نيكونوف قال إن KGB "راقبته عن كثب ودائماً أثناء وجوده في الاتحاد السوفياتي".
وأضافت البرقية أن "الملف أشار أيضاً إلى أن أوزوالد كان راغباً في إطلاق النار لكنه كان سيئ التصويب عندما حاول الرماية في الاتحاد السوفياتي".
والمعلومات التي كشف عنها حديثاً تفيد بأن أستاذ التاريخ المتقاعد من جامعة ماريلاند أي بي سميث الذي أصبح صديقاً لفياتشيسلاف نيكونوف أثناء عمله كأستاذ فولبرايت (منحة فولبرايت) في جامعة سانت بطرسبورغ الحكومية كان يزود الحكومة الأميركية بمعلومات عن نيكونوف. وتوفي سميث عام 2013 ونيكونوف هو عضو في الدوما الروسي وفرضت عقوبات عليه من قبل الحكومة الأميركية خلال الأيام الأولى من اجتياح روسيا لأوكرانيا.
وبعض الملفات مثل مذكرة عام 1965 بعنوان "شؤون كوبا في وزارة الدفاع" تتحدث عن فيديل كاسترو، الزعيم الشيوعي الكوبي الذي كانت الولايات المتحدة تحاول تقويضه، وكان التقرير يفترض أن كاسترو لم يكن مهتماً بصراع مع الولايات المتحدة قد يهدد نظامه.
وجاء في الوثائق "من المرجح على ما يبدو أن يكثف كاسترو دعمه القوى التخريبية في أميركا اللاتينية"، لكن بعض السجلات تكشف أيضاً كيف تمكنت الولايات المتحدة من جمع معلومات عن كاسترو، فذكرت وثيقة غير محجوبة أن مانويل ماتشادو يوساس، أمين صندوق "حركة 26 يوليو" و"صديق جيد" لكاسترو كان في الواقع عميلاً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
ومعظم سجلات الأرشيف الوطني المتعلقة بالاغتيال، بما في ذلك بعض الملفات التي لم تجرِ رقمنتها بعد متاحة عبر الإنترنت عبر مؤسسة ماري فيريل التي سميت باسم سكرتيرة قانونية متوفاة من دالاس أصبحت واحدة من أوائل الباحثين في موضوع الاغتيال.
5 - ردود فعل الخبراء والسياسيين حتى الآن كانت محدودة
كانت ردود الفعل العامة على الكشف عن الملفات محدودة، إذ يحاول الخبراء وآخرون فهم السجلات التي أفرج عنها بعد إزالة الحجب.
وأشاد روبرت ف. كينيدي جونيور، ابن شقيق جون كينيدي، بالرئيس ترمب في يناير (كانون الثاني) لأمره بالكشف عن السجلات وإتاحتها للجمهور. ووصف ذلك بأنه انقلاب على "استراتيجية استمرت 60 عاماً من الأكاذيب والسرية والتضليل والرقابة والتشهير" والتي قال إنها تشمل حرب فيتنام وهجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001 وتداعياتها واستجابة الحكومة لجائحة كورونا، بينما شكر آخرون الرئيس ترمب "على ثقته بالمواطنين الأميركيين وعلى اتخاذه الخطوة الأولى نحو عكس هذا المسار الكارثي".
وانتقد بعضهم الحكومة بسبب نشر معلومات حساسة قد تجعل الأشخاص عرضة للمضايقات والاحتيال، فعند إزالة الحجب عن بعض الصفحات نشر المسؤولون عدداً من أرقام الضمان الاجتماعي، مما وصفه المحامي مارك زيد الذي ناضل من أجل جعل السجلات علنية، في منشور له على منصة "إكس" بأنه "غير ضروري تماماً ولم يسهم في فهم اغتيال كينيدي".
وقال جوزيف ديجينوفا، المحامي الذي عمل في حملة ترمب لعام 2020، للصحيفة إنه "لا يعرف سبب وجود اسمه وتاريخ ميلاده ورقم الضمان الاجتماعي الخاص به في ملفات اغتيال كينيدي، ووصف إصدار الحكومة لهذه الوثائق بأنه "عشوائي وغير مهني" و"مثير للغضب الشديد".
وفي الماضي قال ديجينوفا إنه تلقى تهديدات شعر بأنه مضطر إلى إبلاغ مكتب التحقيقات الفيدرالي عنها، كما أنه يخشى أن يستخدم المجرمون هذه المعلومات للاحتيال عليه، وقال "أنتم تعرضون الناس لخطر تهديد الهوية، وكذلك للمجانين الذين قد يلاحقونكم".