ملخص
بدأت المناقشات عندما وصل نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ومبعوثها إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف إلى البلاد في يناير (كانون الثاني) الماضي. وبينما كانت نيتهما التفاوض على مستقبل قاعدة حميميم الجوية والقاعدة البحرية الروسية في طرطوس، سرعان ما نمت المحادثات لتشمل علاقات اقتصادية أوسع.
كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مساعٍ روسية لإبرام اتفاق مع الحكومة السورية الموقتة للحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا وتوسيع وجودها الاقتصادي داخل البلاد.
وتحدثت مصادر للصحيفة الأميركية عن تقارب بين موسكو والقيادة الجديدة في دمشق، على رغم الدور الذي قام به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دعم نظام الأسد خلال 14 عاماً من الحرب الأهلية، إذ إن روسيا استخدمت قواعدها العسكرية على طول الساحل السوري لضرب أهداف المتمردين، بما في ذلك المواقع التي يحتلها حكام سوريا الجدد. كما أن بشار الأسد وعائلته حصلوا بعد الفرار من البلاد على وضع اللجوء الإنساني في موسكو.
وتشمل المفاوضات الخاصة بين الطرفين مجموعة من القضايا، بما في ذلك مليارات الدولارات نقداً واستثمارات في حقول الغاز والموانئ واعتذار محتمل من جانب موسكو من دورها في قصف المدنيين، وحتى طلب من السلطات السورية الجديدة بتسليم الأسد. لكن وفقاً لمسؤولين أوروبيين وسوريين مطلعين على المحادثات رفض الجانب الروسي مناقشة طلب تسليم الرئيس السابق.
وبدأت المناقشات عندما وصل نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ومبعوثها إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف إلى البلاد في يناير (كانون الثاني) الماضي. وبينما كانت نيتهما التفاوض على مستقبل قاعدة حميميم الجوية والقاعدة البحرية الروسية في طرطوس، سرعان ما نمت المحادثات لتشمل علاقات اقتصادية أوسع، وفق أشخاص مطلعين على المفاوضات.
وفي واحدة من أولى العلامات الملموسة على تحسن العلاقات بين الجانبين سلمت روسيا الشهر الماضي ما يعادل 23 مليون دولار بالعملة السورية بأسعار رسمية إلى البنك المركزي في دمشق. وأفاد مسؤولون سوريون وأوروبيون الصحيفة بأن موسكو طبعت الأوراق النقدية للاقتصاد السوري المتعطش للنقد عندما رفضت غالبية الدول الأخرى بسبب الخوف من العقوبات. وأشارت المصادر إلى أن قطر امتنعت عن تقديم المساعدات المالية التي ناقشتها سابقاً مع النظام الجديد في انتظار توضيح من واشنطن حول ما إذا كانت العقوبات الأميركية ضد الجهاديين السابقين الذين يتولون السلطة في سوريا الآن سترفع.
ويرى مراقبون أن غموض موقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب حيال سوريا يوفر فرصة غير متوقعة لروسيا ليس للحفاظ على وجودها فحسب، بل كذلك تعزيزه. كما أن موسكو التي تخضع هي نفسها لعقوبات أميركية وأوروبية بسبب حربها في أوكرانيا، لا تشعر بالمخاوف ذاتها التي لدى غيرها من الدول الداعمة للنظام الجديد في سوريا. وقالت الزميلة لدى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني آنا بورشفسكايا إن "ميزة روسيا في التفاوض مع سوريا هي أنها لا تعوقها أية مخاوف أخلاقية في التعامل معها، ويمكنها تنفيذ القرارات من دون الحاجة إلى الإجماع. والسؤال الرئيس هو كيف سيقدم الغرب نفسه لسوريا لتقليل أسباب الاعتماد على روسيا".
وتقول الصحيفة إن الاتفاق الواسع النطاق بين روسيا وسوريا من شأنه أن يعيد كثيراً من الروابط التي رسخت العلاقة بين البلدين. ففي عهد الأسد كانت سوريا واحدة من أكثر الدول ولاء لروسيا، في حين كانت روسيا من بين أكبر الشركاء التجاريين لسوريا. وفي ذلك الوقت كانت لدى الشركات الروسية استثمارات بمليارات الدولارات شملت ضخ النفط من الحقول السورية ومعالجة الغاز الطبيعي للتصدير.
واكتسبت العلاقة الموقتة بين روسيا وزعماء سوريا الجدد زخماً بعد فترة وجيزة من إجراء بوتين وأحمد الشرع أول مكالمة هاتفية بينهما ناقشا خلالها العلاقات السياسية والتجارية والاقتصادية، بما في ذلك استعداد روسيا "لتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي في سوريا"، كما جاء في بيان الكرملين، وأرسلت موسكو الطائرة المحملة بالأوراق النقدية بعد بضعة أيام من الاتصال.
وبعد مكالمة بوتين مع الشرع قالت الرئاسة السورية إن بوتين دعا وزير خارجيتها إلى زيارة موسكو وذكرت دمشق أن الرئيس الروسي أبدى استعداده لمناقشة شروط الاتفاقات الموقعة بين روسيا وسوريا الأسد، وهو مطلب رئيس للحكومة السورية الجديدة، وفقاً لأشخاص مطلعين على المحادثات.
وتشمل هذه العقود مرحلة جديدة في بناء ميناء طرطوس الذي عُلق العمل ضمنه وتطوير حقول غاز طبيعي بحرية ومناجم الفوسفات وحقول الهيدروكربون في منطقة تدمر، إضافة إلى بناء مصنع للأسمدة في حمص وسط سوريا.
وتورد "وول ستريت جورنال" أن سوريا تستمد دوافعها نحو روسيا جزئياً من رغبتها في تنويع حلفائها خارج تركيا التي اضطلعت بدور فاعل في دعم "هيئة تحرير الشام"، وأرسل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رجال أعمال ومسؤولين إلى دمشق بعد أيام من سقوط الأسد ونشر جيشه في أجزاء من شمال البلاد.