ملخص
ظهرت الحارة المصرية وصراعات الطبقات من خلال تجسيد شخصيات من لحم ودم في مسلسلات أبرزها "ليالي الحلمية" و"المال والبنون" و"زيزينيا" و"حسن أرابيسك" وغيرها من الأعمال. وبلورت تلك الأعمال البطل الشعبي بأنه ينحاز للقيم والأخلاق ويتصدى للمشكلات بشهامة ورجولة تبرز شخصية ابن البلد الذي يخطف القلوب والأنظار، ومع ذلك هو شخصية من لحم ودم له ميزات وعيوب وتربطه علاقات بكل شخصيات العمل والطبقات المختلفة.
الدراما الشعبية التي تتناول حياة الحارات المصرية أو العربية البسيطة وتقدم نماذج للشخصيات التي تعيش فيها، وما يتميزون به من أخلاقيات أصيلة وتقاليد عريقة من أهم وأقوى أنواع الدراما التي تحظى بنسبة مشاهدة عالية جداً، وتحتفظ بمكانة خاصة وقاعدة جماهيرية عريضة جداً عبر عشرات الأعوام.
الحارة بطل أساس
وتميز شهر رمضان بتقديم هذا النوع من الدراما عبر أعوام طويلة، فظهرت مسلسلات شعبية متوازنة عرضت كل فئات المجتمع المصري وأبرز مشكلاته، وكان البطل الأساس هو الحارة والبيئة الشعبية التي تنتمي إليها النسبة العظمى من الشعب المصري.
وظهرت الحارة المصرية وصراعات الطبقات من خلال تجسيد شخصيات من لحم ودم في مسلسلات أبرزها "ليالي الحلمية" و"المال والبنون" و"زيزينيا" و"حسن أرابيسك" وغيرها من الأعمال.
وبلورت تلك الأعمال البطل الشعبي بأنه ينحاز للقيم والأخلاق ويتصدى للمشكلات بشهامة ورجولة تبرز شخصية ابن البلد الذي يخطف القلوب والأنظار، ومع ذلك هو شخصية من لحم ودم له ميزات وعيوب وتربطه علاقات بكل شخصيات العمل والطبقات المختلفة.
بداية التراجع
ومنذ أعوام بدأت الدراما الشعبية في تقديم نماذج بعيدة من التاريخ الشعبي الطويل الذي تعود عليه الجمهور والقريب من الشخصية المصرية الحقيقية، ويظهر الممثل بالدراما الشعبية الحالية أو معظمها كبطل خارق يضرب ويحطم ويطير ويصول ويجول بلا منازع، ويسحق أعداءه بقبضة حديدية متحدياً القانون وأقرب إلى البلطجة.
وفي دراما رمضان هذا العام عرضت مسلسلات عدة تقدم البيئة الشعبية بصورة تتمادى في تمجيد البطل الشعبي الأقرب إلى البلطجي، وصورت الحارة الشعبية على أنها مكان للمؤامرات، وبالغت المسلسلات في تقديم الخير في صورة البطل الخارق الذي يحطم الأعداء ويضرب ولا يبالي، وسط صيحات الضعفاء الفرحين بقوته المفرطة وتحطيمه أي شيء يقف أمامه، بينما لم تُقدم فئات متوازنة سواء من الجانب الطيب أو الجانب الآخر الذي يصنع الصراع الدرامي الذي تتعمد تصعيده وتصديره تلك النوعية من الدراما بصورة مبالغ فيها.
"سيد الناس"
قدم عمرو سعد شخصية شعبية من خلال مسلسل "سيد الناس" مع المخرج محمد سامي وشاركه البطولة أحمد رزق وإلهام شاهين وريم مصطفى وإنجي المقدم وعدد من النجوم.
اعتمدت الأحداث الأساس على علاقة الجارحي أبو العباس بأبيه، إذ يفضله على الجميع ويطلق عليه "سيد الناس"، وتولد هذه العلاقة أزمة بينه وبين إخوته من الأب وزوجة أبيه التي تلعب دورها إلهام شاهين.
يتوفى الأب ليترك ابنه الجارحي في قبضة أحقاد إخوته وأمهم، ولا يكتفى سوء الحظ بذلك بل يضع الجارحي في مواجهة مع أسرار أبيه وعشرات من الأعداء الذين يحاولون تصفية حساباتهم مع ورثة الأب الراحل.
وعلى رغم وصف الجارحي أو "سيد الناس" بالمثالية والرجولة والشهامة المطلقة وكذلك الشجاعة الخيالية التي تجعله يقهر عشرات الرجال بقبضة واحدة، يتحدث الجارحي بألفاظ ساخرة أحياناً وخارجة أحياناً أخرى، كذلك يبالغ في رد فعله، ودائماً يرد بأقوال مأثورة أو جمل مركبة تعتمد على الاستعارات والكنايات الشديدة المبالغة.
"رحلة العتاولة"
وقدم مسلسل "العتاولة" في الجزء الثاني امتداداً لشخصيات وأحداث الجزء الأول في الحارة الشعبية في الإسكندرية وإبرازها من خلال شخصيات أساس، على رأسها نصار وخضر الشقيقان اللذان يحترفان السرقة وفتح الخزائن، ويتطور الصراع ليدخل فيه عدوهما اللدود عيسى الوزان، رجل الأعمال الفاسد الذي يعتمد كذلك على عمليات تجارة غير مشروعة ويلجأ للشقيقين لمساعدته في تحقيق أهدافه.
تقدم أحداث "العتاولة" نماذج كثيرة مثل أصدقاء خضر ونصار وجيرانهما والرجال الذين يساعدونهما في عمليات السرقة، وكل النماذج لم تقدم شخصيات شعبية متوازنة تنتصر لأخلاق الحارة الشعبية المصرية أو حتى تتوازن مع الشخصيات الأخرى.
وقدم أحمد العوضي كذلك الشخصية الشعبية في أكثر من عمل وأحدثها مسلسل "فهد البطل"، وهو شاب صعيدي يتميز بالشجاعة والبطولة ويتصارع مع من قتلوا والده، وقدم كذلك العام الماضي مسلسل "حق عرب" ودار في قالب شعبي أيضاً، إذ يتميز البطل بقوة خارقة في سحق أعدائه.
البرنس والأسطورة
محمد رمضان أيضاً احترف تقديم الدراما الشعبية بالطريقة نفسها التي ألفتها الدراما الحديثة في الأعوام الأخيرة، إذ البطل الشعبي الذي يتعرض للظلم ويسعى إلى الانتقام ويتحدى القانون ويقضي على العشرات بقبضة واحدة.
وعلى رغم نجاح أعمال رمضان من هذه الفئة مثل "جعفر العمدة" و"البرنس" و"الأسطورة" فإنها حاصرتها الانتقادات والاتهامات بتشويه سمعة الحارة الشعبية المصرية، وتقديم نماذج غير متوازنة تشجع على البلطجة وعدم احترام القانون.
وقدم كذلك مصطفى شعبان كثيراً من المسلسلات الشعبية التي عظمت من البطل وقوته الخارقة في سحق الأعداء، حتى لو اقتضى الأمر تحدي القانون والتقاليد.
تراجع ومطبات
وحول تراجع مستوى الدراما الشعبية وأبرز عيوب المرحلة الحالية والمسلسلات التي تقدم بيئة البسطاء في رمضان تحدثت الناقدة هبة محمد علي في تصريحات خاصة إلى "اندبندنت عربية"، وقالت "للأسف منذ أعوام وقعت الدراما الشعبية في كثير من المطبات أدت إلى تراجعها بصورة كبيرة جداً، وأبرز العيوب وقوعها في مشكلة التنميط، وانحصر أبطال العمل أو أهل المنطقة الشعبية في أشكال مكررة، منهم معاونون للبطل من جهة وأعداء من الجهة الثانية، وغاب التوازن في تقديم الشخصية الشعبية بطريقة أحادية تماماً تغيب عنها تناقضات الخير والشر".
شخصيات ضعيفة
وتابعت هبة "تلك الدراما لا تعتبر أمينة في تقديم ونقل الواقع والحارة الشعبية، لأنها لا تحاول نقل شريحة من الحياة اليومية للأحياء الشعبية، بل تقدم شخصيات ضعيفة ومبالغاً فيها لدرجة كبيرة سواء في الخير أو الشر".
وحصرت أهم أسباب تراجع الدراما الشعبية في عدم وجود مؤلفين وكتاب بارعين في هذا المجال، وكشفت عن أن معظم المؤلفين الذين قدموا هذه الدراما في الفترة الأخيرة بخاصة في رمضان هذا العام لا يتميزون بالعمق أو الفهم الحقيقي للبيئة الشعبية، فمعظمهم لم يحتك بنماذج حقيقية بل معظمهم من سكان الكومباوندات الفاخرة الذي لم يختلط بالحارة وسكانها.
وأشارت إلى أن كتاب الدراما الشعبية العظيمة مثل أسامة أنور عكاشة ومحمد جلال عبدالقوي وغيرهما من الكتاب الذين قدموا أعمالاً ما زالت أيقونات فنية حتى الآن مثل "ليالي الحلمية" و"المال والبنون" و"حسن أرابيسك" كانوا يعايشون الناس بالحارات الشعبية ويقيمون فيها تقريباً، وكانوا يلتقطون التفاصيل من الواقع لدرجة أن الشخصيات التي تظهر بمعظم هذه الأعمال من وحي الواقع وبها شخصيات حقيقية.
ونبهت أنه ليس من الضروري أن يقدم كتاب الدراما حالياً البطل والحكاية والبيئة الشعبية كأنها مدينة فاضلة خالية من العيوب والتناقضات، لكن الدراما حالياً تعتقد أن الحارة عبارة عن بطل شعبي خارق يحترف قول الجمل التي يغلب عليها السجع والحكم، ومن الناحية الأخرى أعداء يغلب عليهم الشر المطلق، وهذا المحتوى غير منطقي ويضعف الأحداث والتصاعد والحبكة.
وبالنسبة إلى الأعمال الشعبية المقدمة هذا العام علقت هبة على بعض المسلسلات، وأوضحت أن مسلسل "سيد الناس" لعمرو سعد حاول تقديم البطل الشعبي بصورة خارقة وغير منطقية تجنح إلى البلطجة والألفاظ الخارجة في بعض المشاهد، كذلك فإن الأداء شديد الافتعال والمبالغة، ويعاب على نجوم كبار مثل عمرو سعد وإلهام شاهين أن يقدموا الشخصيات بهذا الأداء.
وربما لم يحظَ العمل حسب حديث الناقدة بالنجاح الكافي لسبب مهم جداً، وهو أن الناس تشبعت من هذه الطريقة في الدراما، بخاصة أن عمرو سعد حاول استنساخ مسلسلات محمد رمضان بخاصة "جعفر العمدة" فجاء العمل مكرراً ومتوقعاً، ولم يتقبل الناس التكرار من سعد، حتى لو قدمه محمد رمضان نفسه فلن يحظى بالنجاح السابق، لأن الجمهور يبحث عن الجديد ومنفتح على كل أنواع الدراما.
وقالت إن المخرج محمد سامي يقدم هذا العام كمخرج ومؤلف مسلسلي "سيد الناس" و"إش إش" وكلاهما من النوع الشعبي، وللأسف يعانيان الضعف الشديد، لأنه كمؤلف ليس لديه مخزون حقيقي لشريحة المناطق الشعبية والحواري، لذلك فعالمه ضيق وخياله محدود ويقدم شخصيات بعيدة من الواقع وليست قريبة من الناس، ولأنه يحاول التكثيف في تقديم هذا النوع يضطر إلى التكرار كما حدث هذا العام.
عبارات السجع
وانتقدت هبة علي كذلك تعمد النجوم الظهور بصورة خارقة، ومغازلة مواقع التواصل الاجتماعي بقول عبارات مؤثرة ومنمقة يغلب عليها السجع أصابت الحوار والأداء بالضعف التام، بسبب عدم التركيز في المضمون والبحث عن الترند.
ونجد ذلك بوضوح في مسلسل أحمد العوضي "فهد البطل" وأعماله السابقة التي تركز في عمل ترند ببعض العبارات والجمل.
أما عن مسلسل "العتاولة" فقالت "المسلسل ضعيف جداً في الجزء الثاني، ولا يوجد سيناريو محكم، ويعتمد الأبطال على ما يسمى ’كسر الإيهام‘، أي أن يتحدث الأبطال بصفتهم الحقيقية كممثلين في بعض العبارات وليس بشخصياتهم في المسلسل، فنجد فيفي عبده مثلاً تقول ’أحببت المسلسل في الجزء الأول فقررت مشاركتكم في الجزء الثاني‘".
وبالنسبة إلى محتوى العمل من ناحية الدراما الشعبية، قالت إنه قدم الحارة السكندرية بصورة سيئة تحمل المبالغة والبعد من الواقعية.
شعبية جارفة
وأشار الناقد طارق الشناوي إلى أن "المسلسلات الشعبية التي تعرض هذا العام تحظى بشعبية كبيرة بين الجمهور وتعتبر مسلية للبعض، وهي تتعمد المبالغة، لأن صناعها يعتبرون تلك الطريقة هي المفضلة لدى الجمهور الذي يحب المبالغة والتناقضات حتى لو تكررت في أعمال شعبية متوالية".
وأوضح الشناوي أن تلك المسلسلات لا تعتبر محاكاة للواقع، بل تعتمد على عناصر نمطية تروق للجمهور وتقدم بطريقة غير منطقية في كثير من الأحيان، وهذه النوعية على رغم عيوبها وعدم خضوعها لشروط الدراما المعروفة فإنها تحظى بمشاهدات من قطاع كبير جداً من الجمهور.
وعبر عن عدم رضاه عن الطريقة التي يتحدث بها الأبطال في الأعمال الشعبية، وقال إن الحديث الذي يغلب عليه أسلوب السجع المبالغ فيه في المسلسلات الشعبية غير واقعي، والناس في المناطق الشعبية والحواري لا يتحدثون هكذا في الحياة اليومية