ملخص
التوترات بين "حزب الله" والجيش السوري ليست مجرد حادثة عابرة أو صراع محلي، بل تعكس تغيراً في المعادلات الإقليمية وتطرح تساؤلات حول الدوافع الحقيقية للحزب، وما إذا كان يسعى إلى إعادة رسم دوره في الداخل السوري، أو الدفاع عن مصالح استراتيجية متعلقة بتهريب السلاح والمخدرات، أو حتى إيصال رسائل سياسية إلى دمشق وحتى طهران.
خلال الأيام الأخيرة شهدت الحدود اللبنانية - السورية تصعيداً ملحوظاً بين "حزب الله" ووحدات من وزارة الدفاع السورية على خلفية اتهام وزارة الدفاع السورية مسلحين من "حزب الله" بعبور الحدود إلى الأراضي السورية في ريف حمص وقتل ثلاثة من أفراد الجيش السوري.
ونقلت وكالة الأنباء السورية "سانا" عن المكتب الإعلامي في وزارة الدفاع أن مجموعة من "ميليشيات حزب الله" قامت عبر كمين بخطف ثلاثة من عناصر الجيش السوري عند الحدود اللبنانية قبل أن تقتادهم إلى الأراضي اللبنانية وتقوم بـ"تصفيتهم"، وأضافت الوزارة أنها ستتخذ الإجراءات اللازمة بعد هذا "التصعيد الخطر من قبل ميليشيات حزب الله"، مشيرة إلى أن الحادثة وقعت قرب سد زيتا غرب حمص.
في المقابل نفى "حزب الله" خلال بيان بصورة قاطعة ما يجري تداوله حول وجود أي علاقة له بالأحداث التي جرت على الحدود اللبنانية – السورية، وأضاف "نجدد تأكيد ما سبق وأعلناه مراراً، أن لا علاقة لـ’حزب الله‘ بأي أحداث تجري داخل الأراضي السورية".
ورداً على مقتل الجنود قامت القوات السورية بقصف بلدات لبنانية حدودية، مما أدى إلى نزوح سكان بلدة القصر اللبنانية.
ورد الجيش اللبناني بدوره على مصادر النيران من الأراضي السورية وأرسل تعزيزات إلى المنطقة الحدودية لضبط الأمن، وكانت قوات "الفرقة 52" في وزارة الدفاع السورية حشدت على المنطقة الحدودية واشتبكت مع عناصر لـ "حزب الله"، مما أدى إلى طرد مسلحي الحزب من قرية حوش السيد علي السورية والسيطرة عليها وعمدت إلى تمشيط المنطقة المحيطة التي كانت تعتبر تجمعاً لعناصر الحزب وفلول نظام بشار الأسد.
وأوضح مصدر من وزارة الدفاع السورية لوكالة "سانا" أن قوات الجيش تستهدف تجمعات وتحركات "حزب الله" في المنطقة، بخاصة في قرية حوش السيد علي السورية "التي أصبحت وكراً لميليشيات حزب الله في أيام النظام البائد"، مضيفاً "نهدف من تحركاتنا على الحدود إلى طرد ميليشيات حزب الله من القرى والمناطق السورية التي تتخذها كأماكن موقتة لعمليات التهريب وتجارة المخدرات".
وجاء في بيان صادر عن قيادة الجيش اللبناني - مديرية التوجيه أنه ضمن مراقبة الحدود وضبطها في ظل الأوضاع الراهنة والعمل على منع أعمال التسلل والتهريب، أغلقت وحدة من الجيش المعابر غير الشرعية "المطلبة في منطقة القصر- الهرمل والفتحة والمعراوية وشحيط الحجيري في منطقة مشاريع القاع - بعلبك".
وفي حديث للباحث في مؤسسة "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين قال إن بلدة حوش السيد علي هي بلدة لبنانية تبعد من العاصمة بيروت 160 كيلومتراً في قضاء الهرمل (البقاع)، "وعندما رُسمت الحدود بين سوريا ولبنان قبل نحو قرن من الزمن قسمت البلدة إلى جزءين، القسم الأول والأكبر يبلغ نحو أربعة ملايين متر مربع ويقع في الأراضي اللبنانية والقسم الثاني الذي تبلغ مساحته نحو مليون متر مربع يقع في الداخل السوري، وسكان القسمين هم من اللبنانيين وهم امتداد لعائلات واحدة".
117 موقعاً حيوياً لـ"حزب الله" في سوريا
هذه التوترات بين "حزب الله" والجيش السوري ليست مجرد حادثة عابرة أو صراع محلي، بل تعكس تغيراً في المعادلات الإقليمية وتطرح تساؤلات حول الدوافع الحقيقية للحزب، وما إذا كان يسعى إلى إعادة رسم دوره في الداخل السوري، أو الدفاع عن مصالح استراتيجية متعلقة بتهريب السلاح والمخدرات، أو حتى إيصال رسائل سياسية إلى دمشق وحتى طهران.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل لا يزال "حزب الله" يحتفظ بمواقع له داخل الأراضي السورية؟
منذ تدخله في الصراع السوري عام 2011 عزز الحزب وجوده العسكري في محافظات سورية عدة، بما في ذلك دمشق وريفها وحلب وحمص ودير الزور ودرعا والسويداء وإدلب وحماة، ويقدر أن الحزب كان يسيطر على أكثر من 117 موقعاً حيوياً في سوريا، تتنوع بين مقار عسكرية ونقاط حراسة ومستودعات أسلحة.
وتعرض دراسة صادرة عن مركز "جسور" للدراسات في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020 انتشار "حزب الله" في سوريا والمواقع التي تمركز بها، ووفقاً للدراسة أن ذلك يسهم في تحديد مسار أهم طرق الإمداد البري التي اعتمد عليها لتوريد الأسلحة إلى لبنان وفي معرفة منشآت التدريب والتسليح والتخزين التابعة له في سوريا وفي توضيح الأهداف الاستراتيجية التي حققها من تدخله في سوريا وطريقة نشاطه عسكرياً وأمنياً وثقافياً واقتصادياً، علماً أنه كان من الصعب تحديد مواقع انتشار الحزب وتوزعه داخل الأراضي السورية لأن وجوده، بخاصة على خطوط التماس الممتدة على مسافات طويلة، ليس وجوداً منفرداً، إنما يكون مع قوات أخرى، إضافة إلى عدم وجود قواعد عسكرية كبيرة له على غرار القوى الأخرى. ويضم ذلك الخط 55 نقطة، في وقت يأتي الانتشار الثاني الأكبر في محافظتي درعا والقنيطرة جنوب البلاد بـ 28 نقطة، تليهما محافظة حمص بـ 15 نقطة، بينما تتوزع بقية النقاط في كل من دير الزور ودمشق والسويداء.
وخلال حديث للباحث في "جسور" وائل علوان في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2024، قال إن نفوذ "حزب الله" في سوريا "تهدَّد بصورة فعلية أخيراً بعد سيناريوهات الحرب الإسرائيلية في لبنان والمنطقة"، وأشار إلى أن المواقع التي يتوزع فيها الحزب في سوريا لصيقة بمواقع الميليشيات الإيرانية، مما يعني اعتماد النفوذ الإيراني بصورة كبيرة على "حزب الله"، خصوصاً في محيط حلب وإدلب (شمال) وفي مناطق الساحل السوري والمنطقة الوسطى وبالتأكيد في كامل المناطق الممتدة على طول الحدود مع لبنان.
اقرأ المزيد
منطقة القصير "ضاحية جنوبية ثانية"
وتمتد الحدود بين لبنان وسوريا لمسافة 375 كيلومتراً وتعتبر حدوداً طويلة جداً، وفي حديث سابق لأحد أبناء العشائر الذي طلب عدم ذكر اسمه، قال إن "تلك الحدود استخدمها ’حزب الله‘ لتهريب الأسلحة والذخائر والمخدرات والكبتاغون في عهد نظام الأسد البائد وإن الحزب كان يسيطر على عشرات المعابر غير الشرعية للانتقال إلى الداخل السوري والتبديل العسكري إبان الحرب السورية، أضف إلى أن هذه المعابر سيطرت عليها عشائر وأطلقت أسماءها عليها".
أيضاً وفي حديث سابق لنا مع رئيس اتحاد العشائر العربية في لبنان الشيخ جاسم العسكر قال إن "حزب الله" كان يسعى إلى جعل منطقة القصير "ضاحية جنوبية (الضاحية الجنوبية لبيروت) ثانية في الداخل السوري وكان يشجع أنصاره والمقربين منه على الاستثمار وشراء شقق والتمدد في تلك المنطقة وصولاً إلى حمص". واليوم هل ما زالت لدى الحزب مواقع في الداخل السوري؟
"فتنة سنية - شيعية"
يقول الإعلامي والمحلل السياسي فادي أبو دية إن ما يحصل على الحدود الشمالية مع سوريا هو "إعادة فرض هيمنة للعصابات المسلحة التي تريد أن تحقق مشاريع تقسيمية وإسرائيلية وبث الفوضى والفتنة الطائفية لأن زج اسم ’حزب الله‘ في إشكاليات كهذه لا علاقة له بها، وأيضاً هي بين مجموعة من اللصوص وهي محاولة للفت الأنظار والإضاءة على الفتنة السنية - الشيعية باعتبار أن هذه الجماعات ذات غالبية سنية و"حزب الله" غالبيته من الشيعة، بالتالي يريدون زج اسم الحزب لأجل هذه الفتنة"، ويتابع أن "الحزب ومنذ بداية وجوده في سوريا لمحاربة الإرهاب التكفيري من أجل حماية لبنان لم يكن موجوداً ضمن مراكز عسكرية معلومة أو معروفة في سوريا، وهذ أصبح واضحاً، بالتالي منذ أكثر من ثلاثة أعوام وبالمعلومات، فإن ’حزب الله‘ قلص عديده بما يقارب 80 في المئة، مما يعني أن وجوده أصبح رمزياً مرتبطاً ببعض الأمور والتفاصيل التي تحتاج إلى حضوره فقط لا غير".
"عمل الحزب... أمني"
ويشير أبو دية إلى أنه "بخصوص المراكز في الداخل اللبناني فإن هذه المراكز غير موجودة، بالتالي الحزب لا يخطط أو ينوي وليس لديه أي اتجاه نحو العودة لسوريا. والنظام في سوريا الذي كان حليفاً للحزب سقط، بالتالي فإن الحزب يتجه نحو الحضور اللبناني أكثر فأكثر، وحتى في هذه المشكلات هو أصدر بياناً أنه غير معني بكل ما يحصل وليس متورطاً وليس لديه حضور في هذه المعارك. أما بخصوص المراكز فإنها غير معروفة وعملها بشقه الكبير عمل أمني".
قوات استشارية إيرانية في سوريا
وفي ديسمبر (كانون الأول) عام 2024 أشارت تقارير صحافية إلى وجود تنسيق بين "حزب الله" وجماعات مسلحة أخرى مدعومة من إيران مثل "حركة النجباء" العراقية التي تنشط في مناطق مختلفة من سوريا، بما في ذلك دير الزور والرقة، ويعتقد بأن هذا التنسيق يهدف إلى تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة وتأمين المصالح الاستراتيجية المشتركة.
وكان عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني الجنرال إسماعيل كوثري أعلن عن إرسال بلاده "قوات استشارية إيرانية إلى سوريا" على خلفية الهجوم الذي قامت به الفصائل السورية المعارضة المسلحة في حلب وإدلب حينها. وتحدث مصدران في الجيش السوري الذي كان يتبع للنظام البائد أن عناصر من فصائل مدعومة من إيران دخلت سوريا من العراق واتجهت إلى شمال البلاد لتعزيز قوات الجيش السوري التي كانت تقاتل قوات المعارضة. ونقلت وكالة "رويترز" حينها أن عشرات من مقاتلي قوات "الحشد الشعبي" العراقية المتحالفة مع إيران عبروا من العراق إلى سوريا عبر طريق عسكري قرب معبر البوكمال وأن المقاتلين ينتمون لفصائل تشمل "كتائب حزب الله" العراقية و"لواء فاطميون". وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية آنذاك، نقلاً عن مصادر في "حزب الله" وميليشيات عراقية موالية لإيران، أن طهران نشرت عناصر من الحزب والميليشيات في سوريا.
خلايا نائمة تتحين الفرص
وسط هذه الأجواء أشار المتخصص في الأمن القومي والاستراتيجي العميد المتقاعد يعرب صخر إلى أنه "في الثامن من ديسمبر عندما سقطت دمشق وسقط النظام السوري وانتهت العمليات العسكرية، تبخرت الميليشيات الإيرانية والفرقة الرابعة والجيش السوري وتوجهت إما للعراق أو لبنان وبقي بعضها في الداخل السوري وتحولت إلى خلايا نائمة. وطبعاً غادر قسم كبير من الميليشيات الإيرانية وأبرزها ’حزب الله‘ إلى لبنان، لكن قسماً كبيراً منها بقي في مناطق وجود حاضنة شعبية له مثل الساحل السوري ومناطق العلويين وغيرها وتحول إلى خلايا نائمة تتحيّن اللحظة والفرصة المناسبة لإعادة قلب الأمور لأن لديها إصراراً كبيراً وعدائية شديدة تجاه النظام السوري الجديد أكبر من العدائية تجاه إسرائيل، والخلايا الموجودة في شرق لبنان هي الأكثر تخطيطاً حيث تدور المواجهات مما ينذر بالخطر الشديد إذا لم يجرِ تداركها".
تطبيق القرار الدولي 1680
ويتابع صخر أن "هناك مآخذ كثيرة على السلطات اللبنانية لأنها تتفاعل بالنتائج ولا تعالج الأسباب، ومعالجة الأسباب تتم عبر تطبيق القرار الدولي 1680، أو الدستور اللبناني، وإذا لم يحصل ذلك فهناك أربعة أفواج برية كاملة الجاهزية مهمتها الحصرية ضبط الحدود اللبنانية، أي أربعة آلاف عنصر. وعندما تكون هناك إرادة وجدية لبنانية لمعالجة هذه الأزمة، فالمعالجة سهلة جداً"، ولفت إلى أن "للحزب خلايا نائمة في الداخل السوري، لكن تخطيطها وأوامرها وتنسيقها ينطلق من شرق لبنان، حيث الحاضنة الثانية للحزب وفلول الأسد التي هربت إلى هذه المنطقة، وبالتنسيق مع جهات عراقية وبأوامر إيرانية تحاول قلب الأمور، وستعاود تكرار ما حصل إن لم تلجأ السلطات اللبنانية والسورية إلى الحزم في المعالجة عبر ضبط الحدود بصورة كاملة تمنع تكرار المواجهات".