ملخص
ما بين المتغيرات السياسية والأمنية الكبيرة في كل من سوريا ولبنان، أعاد كثيرون المطالبة بإنهاء اتفاقات ومعاهدات مشتركة بين البلدين كانت قائمة في العقود السابقة، لعل أهمها معاهدة "الأخوة والتعاون والتنسيق بين لبنان وسوريا"، التي على أساسها جرى تشكيل ما يعرف بـ"المجلس اللبناني السوري الأعلى".
لا تشبه المرحلة الراهنة من العلاقة بين سوريا ولبنان أية مرحلة سابقة في خمس عقود مضت، والمتغيرات هنا كثيرة كما الأسباب، ففي سوريا سقط نظام آل الأسد، من حافظ إلى بشار، وباتت البلاد تدار من خلال إدارة جديدة رئيسها أحمد الشرع، أما في لبنان فأدت الحرب الأخيرة بين إسرائيل و"حزب الله" إلى تغيير جوهري في الداخل، سياسياً وأمنياً، فأنتخبت البلاد رئيساً جديداً، وهو قائد الجيش جوزاف عون الذي لا يحسب على الحزب ولا على سوريا ولا حتى على المحور الإيراني، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس الحكومة الجديد نواف سلام. فيما أمنياً بات الحزب اليوم خارج جنوب نهر الليطاني، وسط مطالبات غير مسبوقة بسحب سلاحه من كل المناطق اللبنانية.
وما بين البلدين حدود مشتركة كبيرة تمتد لعشرات الكيلومترات تضم مجموعة معابر شرعية، أهمها معبر المصنع وعشرات المعابر غير الشرعية، فيما شهدت بعض البلدات على الحدود السورية اللبنانية في الأيام الماضية اشتباكات دامية بين قوات وزارة الدفاع السورية وعناصر من "حزب الله" وبعض العشائر اللبنانية، مما أدى إلى سقوط عشرات بين قتلى وجرحى من الطرفين.
وما بين المتغيرات السياسية والأمنية في كل من سوريا ولبنان، أعاد كثيرون المطالبة بإنهاء اتفاقات ومعاهدات مشتركة بين البلدين كانت قائمة في العقود السابقة، لعل أهمها معاهدة "الأخوة والتعاون والتنسيق بين لبنان وسوريا"، التي على أساسها جرى تشكيل ما يعرف بـ"المجلس اللبناني السوري الأعلى".
معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق
بالعودة لمرحلة سابقة من تاريخ العلاقات بين سوريا ولبنان، وقبل نشوء المجلس الأعلى السوري اللبناني كان تنسيق العلاقات بين الدولتين السورية واللبنانية يكون عبر المكتب الدائم للعلاقات اللبنانية السورية الذي كان بمثابة سفارة بين البلدين، وقد ترأسه بداية ألبير عاصي وكان مقره في دمشق.
ثم وفي الـ22 من مايو (أيار) عام 1991 وقع كل من الرئيس السوري حافظ الأسد واللبناني إلياس الهراوي ما يعرفه اللبنانيون على أنه "معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق"، لتنظيم العلاقة بين البلدين في كل مساراتها بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990). علماً أنه بانتهاء الحرب خرجت قوات الردع العربية من لبنان، وبقيت القوات السورية وفق ما نص عليه اتفاق الطائف عام 1989. وهذه القوات السورية بقيت في لبنان حتى عام 2005 حين جرى اغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري وخرج اللبنانيون بتظاهرة مليونية طالبوا فيها خروج القوات السورية، وهو ما تم في الـ26 من أبريل (نيسان) من العام نفسه.
هذه المعاهدة تضمنت كثيراً من البنود، وعلى أساسها أنشئت أجهزة عدة مشتركة بين البلدين، لعل أبرزها المجلس الأعلى السوري اللبناني الذي يتألف من رئيسي الجمهورية في كل من الدولتين المتعاقدتين، ورئيس مجلس الشعب ورئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس مجلس الوزراء في سوريا، ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس مجلس الوزراء في لبنان.
أما أبرز مهمات هذا المجلس فهي وضع السياسة العامة للتنسيق والتعاون بين الدولتين في المجالات كافة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، والإشراف على تنفيذها، فيما تعد قرارات المجلس نافذة المفعول في إطار النظم الدستورية في كل من البلدين.
انتقادات كثيرة ومخالفة للدستور
كثيرة هي الانتقادات اللبنانية التي طاولت المجلس واعتبرت أنه يحقق مصالح سوريا في لبنان، كما نظر إليه قانونيون على أنه مخالف للدستور اللبناني، وفي هذا السياق ندد النائب الدكتور ألبير مخبير مراراً بالمخالفات الدستورية التي رافقت إنشاء المجلس الأعلى، إضافة إلى مفاعيله السياسية بخاصة أنه يتمتع بصلاحيات إجرائية مما يجعله مخالفاً للدستور.
والمنادون بضرورة حل هذا المجلس ومعه المعاهدة يقولون إن العلاقات بين دمشق وبيروت يجب أن تمر بالأطر العادية المتعارف عليها بين الدول، إلا أنه وعلى رغم المطالبات المتكررة لم تستطع الحكومات المتعاقبة في لبنان أن تلغي الاتفاقات القائمة.
كذلك يرى آخرون أن وجوده مكلف على خزانة الدولة اللبنانية من دون أية جدوى، إذ تخصص له موازنة سنوية تقدر بنحو 500 ألف دولار أميركي بصورة منفردة من الدولتين.
أما عدد موظفي المجلس فهو 22 موظفاً يفترض أن يكونوا مناصفة بين اللبنانيين والسوريين، إلا أن عدد السوريين أكبر بحسب مؤسسة الدولية للمعلومات.
خلال السنوات الماضية، وتحديداً بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005 واندلاع الحرب في سوريا عام 2011، كان ينظر إلى المجلس على أنه غير فعال ومجمد قسرياً بخاصة نتيجة انقطاع التواصل بين البلدين، التزاماً من لبنان بقرارات جامعة الدول العربية وبالإجماع العربي على مقاطعة النظام السوري.
وأخيراً حضر موضوع المجلس في كواليس وخلفيات الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة السابق في لبنان نجيب ميقاتي إلى سوريا حيث التقى الرئيس أحمد الشرع، مع اتفاق الطرفين على جملة من الملفات التي تهم البلدين، وتشكيل لجان مشتركة للبحث في قضايا عدة تهم الطرفين، فيما تحدثت تقارير صحافية عن ميل سوري واضح إلى عدم العمل بالمجلس الأعلى السوري اللبناني المؤلف منذ أيام الراحل السابق حافظ الأسد.
لا حاجة إلى المجلس في ظروف اليوم
يعتبر الكاتب السياسي سمير سكاف أنه منذ زمن بعيد لم تعد هناك حاجة إلى المجلس اللبناني السوري الأعلى، بخاصة منذ أن تم افتتاح السفارات في البلدين، ومعها ليست هناك ضرورة أو مهمة خاصة لهذا المجلس وكل التنسيق يمكن أن يتم عبر حكومتي البلدين وكذلك عبر السفراء، كما أن التعامل السياسي والدبلوماسي بين دمشق وبيروت، وكما كل الدول، يجب أن يتم عبر الحكومات وأطراف حكومية وليس عبر أية جماعات خاصة أو أحزاب.
يرى سكاف أنه حان الوقت لمراجعة مجموعة اتفاقات تم توقيعها سابقاً بين البلدين ووقعت في ظروف غير متكافئة، ولم يكن لبنان في موقع جيد فيها ووقع على اتفاقات ليست لصالحه حينها، ومنها اتفاق المياه المتعلق بنهر العاصي، وأخرى اتفاقات أمنية واقتصادية، فيما يجب مراجعة كل هذه الاتفاقات اليوم لما فيه مصلحة لبنان وسوريا، وكل الأمر يجب أن يجري في الإطار الحكومي وليس في أي إطار آخر.
المسار القانوني لإلغاء المعاهدة
يؤكد رئيس مجلس شورى الدولة السابق القاضي شكري في حديث صحافي أنه "في حال اتفق الطرفان على إلغاء المجلس فإن الأمر يكون بالتراضي، وإن اتفق الجانب اللبناني مع السوري بعدم جدوى وجود هذا المجلس لأي أسباب موجبة، يتخذ مجلس الوزراء أو الطرف الموقع على الاتفاق رئيس الجمهورية مثلاً قراراً بإلغائه، لأن من أبرم الاتفاق هو المولج بأن يقول إنه سقط".
وفي هذا السياق، واستناداً إلى اتفاق فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، هناك شروط محددة يجب استيفاؤها لتتمكن الدولة من الانسحاب بصورة أحادية من اتفاق ثنائي. وتوضح هذه الشروط المادة الـ54 من الاتفاق المتعلق بانقضاء المعاهدة أو الانسحاب منها بموجب نصوصها أو برضا أطرافها، وتؤكد ضرورة اتباع نصوص المعاهدة أو توفر رضا جميع أطرافها بعد التشاور مع الدول المتعاقدة الأخرى.
يرى الخبير الاقتصادي بلال علامة أن نشوء هذا المجلس بين البلدين كان ضرورة عندما كانت هناك اتفاقات تعاون وتنسيق معاهدات شراكة ودفاع مشترك وغيرها، وكنا نعرف أن المجلس عمله "تهذيب" نتائج الاتفاقات، إنما لم تأت الأمور كما تمناها الشعبان السوري واللبناني وبقي عمل المجلس مجتزئاً وغير كاف، علماً أن هناك أموراً يقوم بها المجلس من خلال المصادقات على بعض الشهادات الصادرة من سوريا أو من لبنان ومصادقات على قوائم السلع أو شهادات المنشأ.
ويتابع قائلاً "في ظل الواقع الحالي لا أرى أن حل هذا المجلس سيكون كارثياً على الوضع الاقتصادي في لبنان، بخاصة أن التبادل التجاري يجري بصورة كبيرة عبر التهريب من خلال المعابر غير الشرعية بين البلدين، وبالتالي المجلس لا يؤثر في هذا المجال".