ملخص
اعتبر الباحث في شؤون السياسة الخارجية الروسية رولاند بيجاموف أن "القاسم المشترك بين القيادتين السورية والروسية هو البراغماتية، والهدف الرئيس للروسيين هو الاستقرار السياسي ووحدة الأراضي السورية".
أبحرت ناقلة النفط "سابينا" من روسيا في طريقها إلى الموانئ السورية محملة بمليون برميل من النفط الخام، وأفادت خدمة "تاكنر تراكرز" الخاصة بتتبع الناقلات البحرية برفعها علم دولة باربادوس متجهة إلى ميناء مورمانسك، ومنها إلى ميناء بانياس على الساحل السوري غرب البلاد.
تفاصيل الشحنة ذكرتها الوكالة المتخصصة للتتبع، وأوردت أن التسليم هو الجزء الأول من الدفعة للسلطات الروسية عبر الناقلة التي يبلغ وزنها ما يناهز 158 ألفاً و574 طناً.
وسبق الحديث عن الناقلة "سابينا" وصول ناقلة تحمل على متنها أكثر من 30 ألف طن من مادة المازوت إلى مصب الشركة السورية في بانياس بريف طرطوس، وسلمت الناقلة "بروسبيرتي" نحو 30 ألف طن من وقود الديزل إلى الميناء نفسه.
صفحة جديدة من العلاقات
يأتي وصول الدفعة الجديدة من النفط الروسي إلى سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد قبل ثلاثة أشهر في موازاة مفاوضات روسية - سورية مشتركة حول القواعد العسكرية الروسية، والتي أثار وجودها سخطاً شعبياً لأن منها كانت تنطلق الغارات كافة على مواقع في الشمال السوري.
ولفت الباحث في شؤون السياسة الخارجية الروسية رولاند بيجاموف إلى كون هذه الناقلة ليست الأولى من نوعها التي تبحر باتجاه سوريا بعد سقوط النظام السوري السابق، "ومع وصول الحكومة الجديدة أعلنت روسيا أنها مهتمة ببقاء قواعدها في سوريا، وهو مقترح من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بخاصة ميناء طرطوس، لإيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا".
واعتبر الباحث الروسي بيجاموف أن "القاسم المشترك بين القيادتين السورية والروسية هو البراغماتية، والهدف الرئيس للروسيين هو الاستقرار السياسي ووحدة الأراضي السورية والسماح للشركات الروسية بالعمل في هذه المنطقة، وتحقيق العمل الاستراتيجي للعسكريين الروس في شرق المتوسط".
وأعلن الكرملين عن رسالة وجهها الرئيس الروسي إلى نظيره السوري أحمد الشرع أكد فيها استعداد بلاده تعزيز التعاون مع القيادة السورية في مختلف المجالات، ودعم جهودها لتحقيق الاستقرار في البلاد في أسرع وقت ممكن. وجاء في رسالة بوتين، أيضاً، التزام بلاده مواصلة تقديم الدعم لسوريا، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، بما يسهم في تحسين الأوضاع المعيشية للشعب السوري.
واللافت للنظر وصول شحنات نفطية عدة إلى سوريا وفق وكالة تتبع الناقلات النفطية من دون إعلان دمشق عن مصدرها، حيث وصل في الـ28 من فبراير (شباط) الماضي أول ناقلة نفط محملة بمادة المازوت منذ سقوط الأسد، تحمل ما يناهز 29 طناً مترياً، أما في الـ12 من يناير (كانون الثاني) الماضي فوصلت ناقلة محملة بمادة الغاز المنزلي.
عائق العقوبات
في الأثناء غادرت ثلاث ناقلات نفط خاضعة للعقوبات الأميركية روسيا هذا الشهر إلى سوريا لفترة وجيزة قبل أن تغير مسارها، حيث أبحرت الناقلة "أكواتيكا" من ميناء مورمانسك في الأول من مارس (آذار) حاملة 680 ألف برميل نفط خام، وفق وكالة "بلومبيرغ" نقلاً عن بيانات تتبع السفن، وكانت السفينة تشير إلى سوريا كوجهة لها، لكنها غيرت وجهتها نحو الصين.
الأمر ذاته تكرر مع الناقلة "سكنة" التي كانت تحمل مليون برميل من النفط الخام، والتي غادرت أيضاً ميناء مورمانسك بعد أسبوع من إبحار السفينة "أكواتيكا"، لكنها عدلت وجهتها إلى مدينة بورسعيد المصرية، وذكرت الوكالة أنه وبصورة منفصلة غادرت الناقلة "سابينا" الميناء ذاته هذا الأسبوع، وكانت تشير إلى سوريا كوجهة، لكنها عدلت مسارها أيضاً نحو المدينة المصرية ذاتها.
وسط هذه الأجواء قال مصدر في وزارة النفط السورية "لا تريد سوريا المغامرة بالحصول على مليون برميل نفط تخضع للعقوبات الدولية، وستكون مناقصة توريد النفط الخام التي أعلنت عنها الوزارة الطريق لحصول سوريا على هذه المادة".
وجزم مدير العلاقات العامة في وزارة النفط السورية أحمد سليمان في حديث خاص بأن "النواقل التي تأتي إلى سوريا تابعة للشركات التي رست عليها المناقصات".
القواعد مقابل النفط
وكان وزير النفط والثروة المعدنية السوري غياث دياب أعلن عن مواجهة بلاده صعوبات في تأمين المشتقات النفطية، إذ لا يزال عدد من الآبار النفطية خارج إدارة الدولة، إضافة إلى العقوبات المفروضة على سوريا، والتي يراها الوزير السوري "لا معنى لها بعد التخلص من النظام البائد".
وسط هذه الأجواء يدور الحديث عن انفراجات في قطاع الطاقة بعد دمج "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) بالحكومة، والعمل على تشكيل لجان متخصصة للإشراف على تسلم الحقول والآبار النفطية، وحول جاهزيتها وحالتها الفنية للإنتاج.
الدعم الروسي "براغماتي جداً" بحسب ما يراه الباحث الروسي بيجاموف ملوحاً إلى حاجة سوريا لدعمها بالنفط "إذ كانت تنتج قبل عام 2013 قرابة 350 ألف برميل يومياً، وقبل هذا التاريخ لم تكن في حاجة إلى استيراد النفط". ويتابع أن الإنتاج بات اليوم "بأقل من 40 ألف برميل يومياً، وغالب الإنتاج في مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، ويمكن القول إن غالبية هذه الآبار قد استنفدت لأنها استخرجت بطرق بدائية جداً، وكذلك استخراج الغاز الطبيعي، فضلاً عن عجز وشح بالطاقة، ومحطات كهرومائية وسدود بنيت في زمن الاتحاد السوفياتي".
ويتوقع بيجاموف تطوراً في المفاوضات بين دمشق وموسكو، "يبدو أن هناك تفاهمات، ولك أن تترك كل المطالب بتسليم الرئيس السابق بشار الأسد. إن سوريا تحتاج إلى روسيا في نواحٍ عدة، إحداها النواحي الاقتصادية، إضافة إلى الدعم السياسي كون روسيا عضواً دائماً في مجلس الأمن، ويجب أن ننظر إلى الأمر في السياق الدولي، لا سيما بعد وصول الرئيس دونالد ترمب إلى السلطة في واشنطن، وباتت كل تخمينات الخبراء وبعض السيناريوهات أكثر ترجيحاً، ومعها بقاء القواعد الروسية".