ملخص
كان صندوق الدنيا من ملامح التراث المصري بما يضمه من قصص وحكايات شعبية حاول الفنانون التعبير عن جانب منها في المعرض الذي يحمل اسمه
في عصور سابقة عرف المصريون صندوق الدنيا، ذلك الصندوق الخشبي ذو الفتحات التي ينظر فيها الناس، بخاصة الأطفال، ليشاهدوا عالماً خيالياً من الحكايات والأساطير الشعبية تعكسها الصور المتحركة داخله، التي كانت تدار بعصا في جانبه كان هذا وقتها واحداً من أشهر جوانب الترفيه في زمن لم يكن فيه أي صورة من صور التكنولوجيا، انقرض الصندوق وأصبح جزءاً من التراث الشعبي، لكن الحكايات لم تنتهِ وظلت تروى بوسائل أخرى بحسب طبيعة العصر.
وتزامناً مع أجواء رمضان أقام غاليري آرت كورنر بالقاهرة معرضاً فنياً تحت عنوان "صندوق الدنيا" يعكس ملامح من المجتمع المصري والتراث الشعبي وأجواء رمضان بكل ما تحمله من مفردات تراثية وموتيفات شعبية تمنحه طابعاً مميزاً عن أي وقت في العام وعن أي مكان بالعالم.
يشارك في المعرض 66 فناناً يمثلون أجيالاً مختلفة ومدارس فنية متنوعة، بينهم الفنان والناقد صلاح بيصار، وفنانون وأساتذة بكليات الفنون الجميلة منهم طاهر عبدالعظيم، وعبدالعزيز الجندي، وهيثم غراب، إضافة إلى حشد من شباب الفنانين يمثلون توجهات فنية مختلفة، ليمثل المعرض توليفة فريدة وكرنفالاً للفنون التشكيلية.
يقول الفنان حسن داوود، قومسيير المعرض، "يمتاز رمضان في مصر بطبيعة خاصة، لذلك اخترنا للمعرض اسم صندوق الدنيا، فهو ملمح تراثي مليء بالحكايات والأسرار، وكان هدفنا أن يعبر كل فنان عن جانب من جوانب مصر التي يمكن أن يضمها الصندوق، ومن ثم قدم كل فنان مرئياته عن الحياة المصرية مثل الشوارع والبيوت والاحتفالات وأجواء رمضان برؤى ومدارس فنية مختلفة، فكل فنان كان له حرية كاملة في تقديم عمله المشارك في المعرض بأي صورة وبالخامة التي يفضلها تحت الإطار العام للفكرة".
ويضيف داوود، "المعارض الجماعية بصورة عامة تكون ثرية بمحتواها بتقديمها أنواعاً مختلفة من الفنون وأجيالاً من الفنانين، وأحياناً تكون مرتبطة بفكرة أو تيمة معينة يعمل الجميع في إطارها وفي حالات أخرى تكون عامة وتتناول موضوعات مختلفة، ونجد في المعرض مشاهد كثيرة من رمضان في مصر الذي يميزه زخم كبير يجعل له طابعاً خاصاً يمكن أن يعكسه الفنان في لوحاته".
ملامح من مصر
تنوعت الموضوعات التي قدمها الفنانون ما بين المرتبطة بشهر رمضان بصورة مباشرة مثل الزينات والفوانيس والشوارع والأجواء الرمضانية الشهيرة، وقدم آخرون ملامح من احتفالات مختلفة، وظهر النيل والأماكن المفتوحة في لوحات بعض الفنانين، كما اتجه البعض إلى إظهار العادات الاجتماعية والترابط بين الناس الذي ينتشر في رمضان فصورت واحدة من اللوحات إفطار المطرية الشهير الذي أصبح إحدى الفعاليات الشعبية التي تشهدها القاهرة لسنوات متتالية.
صور مختلفة من الفنون وخامات متنوعة عكستها الأعمال المقدمة في المعرض من بينها عمل جسد صندوق الدنيا ذاته برؤية فنية معاصرة وبأسلوب فني فريد يعتمد على الاستعانة بالأشياء المهملة ومنحها فرصة أخرى للحياة بدمجها في تكوينات فنية مبتكرة ترتكز على رؤية الفنان، وتبهر المشاهد بوجودها في سياقات جديدة قد تختلف كلياً عن وظيفتها الأصلية.
الفنانة سماء يحيي تقول عن عملها صندوق الدنيا "هذا النوع من الفن يعتمد على إبراز جماليات كل ما هو مهمل وتقديمه في صورة جديدة، كل الأشياء المصاحبة لنا لها تاريخ وتطور، ومن بينها صندوق الدنيا الذي قدمته في المعرض، فهو كان وسيلة لعرض الحكايات، لاحقاً يمكن اعتبار التلفزيون، ويليه الموبايل هو صندوق الدنيا للعصر الحديث، فالفكرة تتطور بتطور العصر، لكنها تبقى قائمة، وصندوق الدنيا بصورته التقليدية تراث مميز جداً لمصر أغلبنا لم يعاصره، لكنه كان وسيلة مهمة للترفيه والحكايات، وكان تطوراً لعازف الربابة الذي يحكي قصصاً شعبية تراثية".
ويضيف "قدمت عملاً يجسد الصندوق، لكن الحكايات مصورة خارجه، فنقلت الحكايات والقصص والأساطير التي كانت تروى داخل صندوق الدنيا على جلد الغزال لخارجه ليراها المتلقي، ويتفاعل معها ويسرح بأفكاره في هذا العالم، ويكون شريكاً في العمل الفني، في مصر لدينا خصوصية لشهر رمضان وحكايات كثيرة يمكن أن تروى في صندوق الدنيا جمع هذا المعرض ملامح منها باتجاهات فنية مختلفة، وهذا من ميزات المعارض الجماعية، لأنها تجعلنا نرى كيف فكر الفنانون في موضوع معين وما رؤية كل واحد منهم".
رمضان في الجنوب
على رغم تقارب العادات والتقاليد المرتبطة برمضان في كل أنحاء مصر فالفوانيس والزينات والتجمعات وارتياد المساجد لصلاة التراويح تجمع المصريين من الشمال إلى أقصى الجنوب، فإن كل محافظة وكل منطقة يكون لها بعض السمات التي تميزها للاحتفال بالشهر الكريم، سواء في طريقة الاحتفال أو المأكولات أو الطقوس الشعبية التي يعتمدها الناس عنواناً لشهر رمضان.
كثير من الفنانين عمل على إظهار جوانب من هذه الطقوس الرمضانية فظهرت المقاهي التي تجمع الناس بعد الإفطار والمساجد العامرة بالمصلين وراقصو التنورة، وظهر الجنوب في التحطيب المصاحب لغالب احتفالات أهل الصعيد في مصر.
الفنانة ميرفت الشاذلي تقول عن عملها المشارك في المعرض "في كثير من أعمالي استلهم من الجنوب فهو له خصوصية فاستحضره دائماً بثرائه اللوني وعاداته وتقاليده واحتفالاته وألعابه المميزة التي أصبحت جزءاً من العادات والتقاليد، وعكس عملي المشارك التحطيب، وهو اللعبة الشعبية الشهيرة التي يتميز بها الجنوب وتنتشر في المناسبات والاحتفالات بجميع أنواعها فهي من الموضوعات الثرية لأي فنان بما تمثله من خصائص للحركة والصراع والألوان".
وتستكمل "بصورة عامة رمضان في كل أنحاء مصر غني بالمفردات الشعبية، مثل الفوانيس والزينات والحلويات الشعبية، مثل بائعي الكنافة والقطائف وكلها عناصر ملهمة للفنانين الذين عبروا عنها كل بأسلوبه وأدواته وخاماته المفضلة، وقدموا حالاً فنية تتناسب مع أجواء شهر رمضان".