Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إعلانات رمضان مصر... العقارات تسيطر والمشاهدة تكفي

الحملات الترويجية للمدن والمنتجعات تستقطب النجوم وتستحوذ على النصيب الأكبر من الشاشة والخبراء يحذرون من فقاعة وشيكة

الفنانان المصريان حسين فهمي وميرفت أمين في إعلان لأحد المشروعات العقارية في مصر (يوتيوب)

ملخص

كبار نجوم الغناء والتمثيل والإنفلونسرز أيضاً باتوا أبطالاً رئيسين لإعلانات التجمعات السكنية في مصر خلال شهر رمضان من كل عام، وإن كانت هذه الإعلانات مستمرة طوال العام بطبيعة الحال ولكن أعدادها تشهد طفرة ملحوظة خلال هذا الشهر، إذ تستحوذ إعلانات المشروعات العقارية التي تقام على أرض مصر على النصيب الأكبر من الحملات الدعائية، وباتت تجذب خلال الفترة الأخيرة نجوماً من لبنان والسعودية والأرجنتين واليونان

في كل مرة يأتي الموسم الدرامي الرمضاني يسير معه على الخط موسم الإعلانات، باعتبارها أعمالاً فنية موازية ينتظرها الجمهور، نظراً إلى أنها مادة ترفيهية مسلية وتقدم أيضاً معلومات عن خدمات يبحث عنها قطاع كبير، كما أن غالبيتها باتت تستعين بنجوم محبوبين كأبطال لها، وهي إن كانت مصدراً كبيراً للدخل بالنسبة إلى المشاهير فإنها تتخطى في نظر الجمهور هذه النقطة، إذ تحدث مقارنات بين مستوياتها والتفتيش عن النجم الأكثر توفيقاً في إعلانه.

لكن لماذا يوحي الجانب الأكبر من هؤلاء المشاهير للجمهور هذه العام بأنهم يبحثون عن منزل جديد، وحي سكني مختلف، ويحثون المشاهدين على السير على خطاهم والتمتع بمناظر خلابة وطبيعة ساحرة وتصميمات واجهات تشع بالرفاهية، على رغم أن بعضاً منهم العام الماضي كان يروج لتجمعات سكنية أيضاً لكن تابعة لمطورين مختلفين تماماً، هذه التفصيلة التي تخص الصدقية يركز فيها بعض المتابعين ويتندرون عليها، لكن ما يثير الاستغراب بصورة أكبر هو تراجع الإعلانات المعتادة للمنتجات الغذائية والملابس والأدوات الكهربائية وغيره بصورة ملحوظة، فيما الغلبة لعالم العقارات.

هل تتحمل القوة الشرائية للمواطنين كل هذه التجمعات والمنتجعات والمدن السكنية؟ هي بالطبع تقدم لشريحة معينة، لكنها تلعب بخيالات وطموحات متوسطي الدخل أيضاً بخطط سداد طويلة الأمد، وتلوح لهم بإمكانية تحقيق الحلم، وإذا كان مندوبو شركات البيع العقاري أصبحوا يلحون باتصالاتهم اليومية على الزبائن المحتملين في مصر طوال العام، فهم يتراجعون بعض الشيء في رمضان ويتركون المهمة للإعلانات التي تحتل الشاشات ومنصات الإنترنت، بوجوه يعرفها الجميع جيداً لنجوم كبار يتمتعون بشعبية واسعة ويروجون لمشروعات تكتسب كثيراً من الثقة في نظر المشاهد أو الشاري المحتمل بوجودهم.

شراء الثقة وبيع الرفاهية

من منى زكي إلى آسر ياسين وميرفت أمين وأسيل عمران وشيكو وكريم عبدالعزيز وسوسن بدر ونور عريضة، وصولاً إلى جورجيا رودريغيز وأنتيجوني وأحمد سعد وغيرهم كثر، مشاهير من مصر والسعودية ولبنان والأرجنتين واليونان يروجون لمشروعات عقارية على أطراف القاهرة والمناطق الساحلية، حيث المساحات الخضراء الشاسعة والتصميمات المبهرة، بينما تتقاسم باقي السلع والخدمات النصيب الأقل من الحملات الترويجية، سواء كانت خدمات بنكية أو سلعاً غذائية أو تكنولوجية وغيره.

وعلى رغم أنه لا توجد إحصائية لعدد الإعلانات أو معلومة موثقة توضح نسبة العقارات في تورتة الدعاية الرمضانية هذا العام، فإن العاملين في المجال أنفسهم يقرون بهذا الأمر، وبينهم مصطفى أمين استشاري التسويق الذي يمتلك إحدى شركات الدعاية العاملة بالسوق، يقول "بالطبع هذا العام الكم الأكبر من هذه الإعلانات تفوز به الشركات العقارية بلا جدال، والاعتماد على فكرة النجوم يأتي لأسباب عدة أنها عادة موجهة لشريحة اقتصادية معينة يكون لديها فائض مالي بنسبة معقولة، ويرغبون في الانتقال إلى حي سكني جديد أو يرغبون في الاستثمار بتملك وحدات إضافية، علاوة على سبب رئيس يدخل في صميم مهمة الإعلان وهو جذب العين، وكذلك الاستعانة بوجه معروف لضمان ثقة المشاهد في المنتج، وأيضاً لأن الشركات الكبرى حينما تصل إلى مرحلة معينة من الانتشار تهتم أن تظل على القمة، والاستعانة بكبار النجوم أحد الوسائل لتحقيق هذا الهدف، كي تظل صورتها الذهنية لدى الجماهير مرتبطة بأسماء لها وزنها".

 

شركات التطوير العقاري تزداد في مصر بصورة يلمسها كل من يسير بالطرقات، وتشهد لافتات الشوارع على تلك الحقيقة، وبالطبع لا ينكر أحد النهوض الكبير في هذا القطاع خلال الأعوام الأخيرة، كما أن للدولة أيضاً عدداً من المشروعات المهمة والقومية في هذا الصدد، فالبناء في مصر لا يتوقف، وهناك تنوع في المعروض سواء تلك الوحدات التي يبلغ سعرها عشرات ومئات الملايين، أو تلك التي تقدمها الجهات الرسمية مدعومة لتخفف عن كاهل محدودي الدخل وتؤمن لهم سكناً بمقاييس عالية الجودة مقابل ثمن يلائم مدخولاتهم.

ويرى الخبير العقاري ومدير القطاع التجاري بإحدى شركات التطوير العقاري أحمد مصطفى أن مصر ما زالت على رغم تباطؤ البيع في بعض الأماكن، سوقاً واعدة للغاية في ما يتعلق بالاستثمار العقاري، سواء بالنسبة إلى أصحاب الشركات أو الأفراد المهتمين بالشراء بهدف الربح في ما بعد أو حتى حفظ قيمة أموالهم، لافتاً إلى أن أسعار بعض المشروعات في الساحل الشمالي تحديداً تتضاعف خلال عام واحد فقط، حتى بعد استقرار سعر الصرف.

ويضيف مصطفى الذي يمتلك خبرة تمتد 10 أعوام في هذا المجال، إن الإعلانات التلفزيونية مهمة للغاية بالنسبة إلى شركات التطوير العقاري، لكنه يضرب المثل أيضاً ببعض الشركات التي تكتفي باسمها الكبير وبسمعتها ولا تقدم على أي نوع من الإعلانات الترويجية التقليدية، مكتفية بظهور مشاهير المجتمع في الأنشطة التي تقام في التجمعات السكنية التي ينفذونها، مؤكداً أن الأهم من الحملات الإعلانية هو تنفيذ المشروعات خلال الوقت المحدد طبقاً للجدول الزمني وبجودة عالية.

أين العملاء؟

ويلفت مصطفى إلى أن مصر خلا الوقت الحالي فرصة كبيرة للشركات الصاعدة، لأن السكان يزدادون بمعدل تقريبي يصل إلى مليونين سنوياً، من ثم يزداد الطلب، وتابع "حتى إن المطورين الأجانب الذين يعملون في السوق المصرية يعترفون بأنهم حققوا أرباحاً مهولة، نظراً إلى أن الشريحة المستهدفة كبيرة للغاية، فهناك طبقة تبحث عن منزل صغير للاستقرار لتغيير نمط حياتها للأفضل وآخرون يبحثون عن المشروعات الأكثر رفاهية، التي قد تصل أسعار الوحدات فيها إلى 600 مليون جنيه (12 مليون دولار أميركي)".

واختتم أحمد مصطفى حديثه بتأكيد أن لدى مصر خبرات كبيرة في هذا المجال يجري تصديرها للخارج من طريق مطورين ينفذون مشروعات بالغة الأهمية في دول العالم المختلفة، وأن السوق العقارية الآن إحدى أهم ركائز الاقتصاد في مصر خلال الفترة الحالية، وللحفاظ على هذه الركيزة المهمة للاقتصاد وحتى تستمر بنفس القوة خلال الفترة المقبلة لا بد من الأخذ في الاعتبار بعض المعايير، أهمها التسعير العادل للوحدات والتنفيذ والتسليم خلال الموعد المحدد بالجودة المطلوبة، والعمل أيضاً بصورة سريعة جداً على تصدير العقار المصري".

لكن هذه الأسعار الخرافية بالنسبة إلى عموم الناس لمن توجه، وما نسبة الجمهور المعني الذي يمكن أن توجه له الحملات الدعائية للشراء في ظل هذا الوضع الاقتصادي الضاغط الذي تزداد فيه شريحة محدودي الدخل بعد موجات التعويم والتضخم؟

 

يجيب أحد مسؤولي المبيعات في شركة تطوير عقاري إعلاناتها الرمضانية تعرض على قدم وساق، ليشير إلى أنه وفق خبرته الطويلة في هذا الحقل، فإن نسبة العملاء من هذا النوع، لا يتعدون الخمسة في المئة داخل مصر، لكنهم وفقاً لعدد السكان قد يصلون إلى 5 ملايين عميل، وهو رقم ضخم مقارنة بأعداد الوحدات الخاصة التي تطرح بأسعار تصل لمئات الملايين، كما أنهم لا يكتفون بالاستثمار في مشروع واحد فقط من هذه النوعية، من ثم هناك "زبائن دائمون"، مشيراً إلى أن السوق بالطبع مرت بمرحلة تذبذب كبيرة بعد أزمة السيولة الدولارية قبل عامين، وبخاصة خلال المرحلة التي سبقت التعويم مباشرة في مارس (آذار) 2024، لكنها أصبحت أكثر استقراراً الآن، منوهاً بأن هناك قطاعاً من المستثمرين يتفاوضون بينهم وبعض على بيع وشراء وحداتهم بالدولار الأميركي، موضحاً أن عملية البيع نفسها تجري بالجنيه المصري لكن يجري الاستقرار على السعر أولاً بالدولار ووضع قيمته المقابلة بالعملة المصرية تحسباً لأي تذبذب في سعر الدولار الأميركي وللحفاظ على ربحية الصفقة.

هذا التحليل قد يفسر سبب إقبال أصحاب تلك المشروعات، التي قد تكون تجمعات سكنية أو مدناً كاملة على إنفاق مبالغ طائلة للاستعانة بمشاهير المجتمع من مصر والعالم، ومنحهم أجوراً عالية للغاية مقابل دقائق قليلة يتحدثون فيها عن سلعتهم الفاخرة، فعلى ما يبدو أن العائد مضمون. ويعود مصطفى أمين استشاري التسويق ليؤكد أن كلف بعض الإعلانات قد تتجاوز المئة مليون جنيه مصري (نحو مليوني دولار أميركي)"، وقد يصل أجر الفنان المشارك بها إلى 20 مليوناً (400 ألف دولار)، مؤكداً أن المشاهير عامل كبير في إقناع الشريحة المستهدفة، وبخاصة في بعض المشروعات التي لا تجدي نفعاً بها الاتصالات التلفونية المعتادة التي يقوم بها مسوقو شركات التطوير العقاري، التي قد تستهدف أشخاصاً بصورة عشوائية غير مهتمين بالمجال من الأساس.

وتابع، "هناك بعض المشروعات التي طرحت أخيراً، وكان الراغبون في الشراء يقفون طوابير من أجل الحجز المبدئي سواء للسكن أو الاستثمار، إذ دأب بعضهم على الحجز في البداية بسعر أقل من أجل البيع بعد فترة قصيرة بسعر أكبر بكثير، كذلك وبحسب تجارب كثيرة فإن شركات الإعلانات تقوم بتنفيذ إعلانات كثيرة لمشروعات هي لا تزال قطعة أرض جرداء، ومع ذلك يخرج الإعلان مبهراً، إذ تقوم الشركة بعدها بجمع مبالغ مالية من الراغبين في الشراء على هيئة مقدم تتبعه أقساط على أعوام متوالية، وبعد الحصول على مبلغ ضخم يبدأ البناء بالفعل".

اقرأ المزيد

اللعب بخيال الطموحين

وعن تأثير هذه الدعاية الفاخرة لمنتج باهظ على عموم المشاهدين، وبخاصة أن أسعارها معلنة بطرق كثيرة، يقول عبدالرازق إن بالطبع هناك فجوة ضخمة بين المستويات المادية للغالبية مقارنة بما تقدمه هذه الإعلانات، لكنه مع ذلك يضيف "هذه استراتيجية قديمة جداً في التسويق تقوم على الحرص على وصول الدعاية الفاخرة للأحياء الفقيرة وللمواطن محدود الدخل، لصنع ما يسمى الطموح، والحلم في الترقي الطبقي لاقتناء هذه المنتجات".

 

ويضيف المصدر الذي يعمل في مبيعات إحدى الشركات الكبرى ويفضل عدم ذكر اسمه، إلى أن أزمة السوق المرتبطة بالدولار جعلت بعضاً يبالغ في تسعير الوحدات التي يربطها في حساباته بسعر الدولار، وخلال فترة التذبذب اعتبر بعض أن الدولار قيمته 100 جنيه مصري على رغم أنه بعد التعويم تجاوز بالكاد الـ50 جنيهاً.

وتابع "هذا الأمر إضافة إلى زيادة المعروض وتعدد المشاريع، إذ إن وجود آلاف شركات التطوير العقاري متفاوتة المستويات أدى إلى تراجع ملحوظ في حركة البيع، وعلى رغم عدم حدوث فقاعة عقارية بالمعنى المعروف، نظراً إلى أن طبيعة المشتري المصري أنه لا يعتمد على القروض البنكية في شراء الممتلكات وبينها العقارات، فإن هناك تباطؤاً لا يمكن إنكاره بسبب التخمة العقارية وارتفاع الأسعار مقارنة بمستويات الدخول، من ثم يحاول المطورون تجنب الفقاعة بوضع طرق سداد طويلة الأمد، فبعد أن كانت لا تتجاوز مدة الأقساط أربعة وخمسة أعوام زادت تدريجاً لتصل إلى 16 عاماً، مقابل تقليل قيمة القسط السنوي لجذب أكبر شريحة من المشترين، وذلك بهدف احتواء الفوضى التي وقعت تزامناً مع أزمة الدولار، وللاقتراب من السعر العادل للوحدة بعض الشيء".

بينما يشدد أحمد مصطفى المدير بإحدى الشركات أنه ينبغي وضع خطة في ما يتعلق بمنح الأراضي للمطورين، مطالباً بتنظيم هذه العملية من قبل الجهات المعنية وتحديد حصة سنوية لكل شركة دون ترك الأمور تجري بصورة عشوائية، كي لا تحدث الفقاعة الكبرى التي يحذر منها الجميع، ويغرق السوق في كساد ووقتها سيخسر جميع الأطراف.

المزيد من منوعات