Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معركة استعادة الخرطوم تكشف عن "مدينة متحللة"

جثث بآلاف في المنازل والشوارع والساحات وحملات واسعة لانتشالها وتوثيقها والسلطات تمنع التجمهر وتحذر من المتفجرات

بعض هذه القبور كان معلوماً مكانه داخل المنازل أو خارجها، والآخر كشفته الصدفة (مواقع التواصل)

ملخص

تشير الإحصاءات إلى أنه جرى حصر أكثر من 1900 مقبرة موقتة داخل المنازل أو في الشوارع والساحات والميادين العامة بولاية الخرطوم، كما عثرت الحملات عقب تحرير مدينة الخرطوم بحري ومحلية شرق النيل على نحو 185 جثة مجهولة الهوية لمدنيين وعسكريين يعود بعضها لبدايات الحرب.

بالتزامن مع التقدم المطرد الذي يحرزه الجيش السوداني والقوات المتحالفة معه في اتجاهه لبسط سيطرته على العاصمة السودانية، انتظمت في ولاية الخرطوم حملات واسعة لجمع الجثث وتعقيم المنازل والشوارع والأحياء، وسط صعوبات وتعقيدات وفظائع ومآس كشفت عنها تلك الحملات بالعثور على كثير من القبور الفردية والجماعية، بعضها معلوم مكانه كمقابر موقتة داخل المنازل أو خارجها في الشوارع والميادين العامة، إذ اضطر السكان إلى دفن جثامين أقاربهم نتيجة تعذر الوصول إلى المقابر، وبعضها كشفت عنه الصدفة المحضة بعد تحرير الجيش عدداً من مناطق العاصمة الخرطوم.

قبور موقتة ومآس

وشرعت وزارة الصحة بولاية الخرطوم في جمع الجثث المتحللة بمحلية شرق النيل شرق العاصمة السودانية وتعقيم المنطقة، وسط صعوبات تتمثل في تدمير قوات "الدعم السريع" للمؤسسات الصحية وبنية إصحاح البيئة.

واستعادت قوات الجيش السيطرة على محلية شرق النيل من قبضة قوات "الدعم" مطلع هذا الشهر، وأحكمت سيطرتها على المداخل الشرقية لجسري سوبا والمنشية.

وبدأت هيئة الطب العدلي التابعة لوزارة الصحة بولاية الخرطوم، بالتعاون مع قوات الدفاع المدني وجمعية الهلال الأحمر السوداني، في جمع الجثث المتحللة وتطهير الطرقات والمرافق الحيوية والمنازل في محلية شرق النيل، ضمن عمليات إزالة مخلفات الحرب.

أكدت هيئة الطب العدلي استعدادها الكامل لمواصلة مهماتها، والاستجابة لأية بلاغات من المواطنين في شأن وجود جثث في المنطقة.

 

وتشير الإحصاءات إلى أنه جرى حصر أكثر من 1900 مقبرة موقتة داخل المنازل أو في الشوارع والساحات والميادين العامة بولاية الخرطوم، كما عثرت الحملات عقب تحرير مدينة الخرطوم بحري ومحلية شرق النيل على نحو 185 جثة مجهولة الهوية لمدنيين وعسكريين يعود بعضها لبدايات الحرب.

وشكلت واقعة العثور على جثث عدد من النساء داخل بئر (سبتك تانك) بأحد المنازل في حي شمبات بالخرطوم بحري، الحادثة الأكثر قساوة ومأسوية بسبب حجم الفظائع ومستوى القهر والتعذيب الذي تعرضن له قبل قتلهن والتخلص من الجثث.

وتعود تفاصيل الكشف عن الواقعة إلى بلاغ من أصحاب المنزل بوجود آثار دماء في الصالون وروائح كريهة تنبعث من بئر السايفون، وبحضور الفريق المتخصص عثر على الجثث متحللة بالكامل داخل البئر.

ورجح هشام زين العابدين، مدير هيئة الطب العدلي بولاية الخرطوم، أن تكون الجثث المنتشلة لنساء توفين أثناء التعذيب وجرى لفهن بسجاد ورميهن في الـ"سباتك تانك"، إذ تعود أسباب الوفاة لكسور في عظام الجمجمة ومنطقة الحوض.

لم يستبعد زين العابدين، في تصريحات صحافية، وجود حالات أخرى مشابهة داخل منازل أخرى، وناشد المواطنين التبليغ الفوري عن أي شيء غريب داخل المنازل.

فرق ميدانية

من جانبه أوضح العقيد صديق تاليو، القائد الميداني من الدفاع المدني لعمليات انتشال الجثث والأجسام المتفجرة وتعقيم المنازل، أن فرق الدفاع المدني تمكنت بالتنسيق مع وزارة الصحة والطب العدلي وجمعية الهلال الأحمر السوداني من انتشال عدد من الجثث والأشلاء البشرية في منطقة شرق النيل، ومنطقة شمبات الجنوبية بالخرطوم بحري.

وناشد تاليو، المواطنين العائدين لولاية الخرطوم التبليغ الفوري عن أية جثث أو أجسام متفجرة أو أشياء غريبة داخل منازلهم أو الأحياء.

وتسببت المعارك والمواجهات في شرق النيل بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في انتشار الجثث المتحللة والمتفحمة، فضلاً عن الأجسام غير المنفجرة.

وقابل سكان محلية شرق النيل عمليات التعقيم وجمع الجثث بارتياح كبير لتفادي الأوضاع الصحية المتردية وتزايد الأخطار البيئية والصحية، إذ تسبب تحلل الجثث في انتشار الروائح الكريهة وزيادة احتمالات تفشي الأوبئة في ظل تراجع خدمات الصرف الصحي وانعدام مياه الشرب النظيفة في كثير من المناطق.

مكافحة العشوائيات

من جهة أخرى كشف الهادي عبدالسيد، الأمين العام لحكومة ولاية الخرطوم، عن إجراءات يقوم بها جهاز حماية الأراضي لإزالة السكن العشوائي بمنطقة العزبة بحري التي تعاني إشكالات متراكمة للسكن العشوائي سيجري التعامل معها وفق قانون حماية الأراضي الحكومية.

وأكدت سلطات ولاية الخرطوم أنها في إطار مساعيها لاستعادة الحياة في أحياء محليتي الخرطوم بحري وشرق النيل ستعمل وفق خطة متكاملة لإعادة التنظيم في السكن المخطط وإزالة العشوائيات في كل المناطق المستردة، إذ تواجه تحديات تتعلق بإعادة تأهيل شبكات ومحطات الكهرباء والمياه التي تعرضت لدمار وتخريب واسعين.

وكانت اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمة بولاية الخرطوم برئاسة والي الخرطوم ومشاركة الفريق أول ركن ياسر العطا، عضو مجلس السيادة الانتقالي ومساعد القائد العام للجيش، وجهت بانتقال محليتي بحري وشرق النيل إلى مقارها الرئيسة وممارسة عملها هناك، بينما بدأت قوات الشرطة الانتقال إلى مقارها في شرق النيل ضمن خطة شاملة لمكافحة الجريمة وظواهر الانفلات التي برزت خلال فترة الحرب.

في السياق أوضح بشرى حامد، الأمين العام للمجلس الأعلى للبيئة بولاية الخرطوم، أن الانتشار الكبير للجثث في الشوارع أو المنازل يشكل أكبر مهددات تلوث البيئة والهواء والتربة والمياه، فضلاً عن أخطار انتشار الأمراض وعلى رأسها الطاعون نتيجة تعاطي الكلاب والقطط من تلك الجثث، مما يتطلب التعامل معها بسرعة وجهد كبيرين قبل عودة المواطنين.

وأوضح حامد، أن قيادة حكومة الولاية تتابع الأمر ميدانياً مع المجلس الأعلى البيئة ووزارة الصحة بدخول فرق متخصصة إلى أية منطقة يجري تحريرها بالولاية.

وفي ما يخص المعالجات الجارية لمحاربة السكن العشوائي، أشار حامد إلى أن جهات سياسية كانت تستغل هذا الموضوع منطلقاً لتأليب المجتمع الدولي بدعاوى التهميش، وتمارس عبره ضغوطاً على السلطات لتقوم بتخطيط الحيازات العشوائية للأرضي، وتحول الأمر إلى مدخل للثراء والحصول على قطع أراض متعددة، مما تسبب بدوره في تشويه وجه العاصمة وإعاقة المخطط السكني الهيكلي للولاية.

وشدد أمين مجلس البيئة على أن البلاد  تعيش حال طوارئ لا مجال فيها لأي تساهل أو خروق للسكن العشوائي، بعد أن ثبت تحوله إلى مهدد بيئي وأمني ولعب دوراً تخريبياً محطماً للاستثمار والبنية الصناعية والخدمية، لذا لا بد من مواجهته بعمل حاسم على المستوى الاتحادي بسن قوانين رادعة بعيداً من الروتين وتأجيل المعالجات.

تعقيم وتوثيق

إلى ذلك حذر الناشط الحقوقي أبو عبيدة نورالدين، من اشتداد ظاهرة عمليات الانتقام والعنف المفرط التي تمارسها قوات "الدعم السريع" تجاه المدنيين العالقين في أماكن سيطرتها خلال معارك الأخيرة الجارية مع الجيش السوداني، وتصفية عديد منهم بصورة محزنة وقاسية.

وأشار نورالدين إلى ضرورة الانخراط في عمل دؤوب للتعقيم وتوثيق القبور والجثامين قبل نقلها إلى المقابر، في ظل التعقيدات الكبيرة التي تكتنف عملية التعرف على أصحابها، متوقعاً ظهور مزيد من القبور والجثامين التي ستكشف عنها الأيام نتيجة الجهل بعدد والمناطق التي جرى دفن جثث المدنيين فيها.

وتوقع الناشط أن تتضاعف أعداد الجثث والمقابر الجماعية بالعاصمة، إذ ما زال هناك عديد من الجثث والقبور التي يجري العثور عليها في مناطق سيطرة "الدعم السريع" ربما لها علاقة مباشرة بمعتقلين ومفقودين قضوا بالإهمال أو تمت تصفيتهم وإخفاء جثثهم داخل آبار أو حتى "منهولات" الصرف الصحي، مما تسبب في تحللها التام بصورة تصعب من التعرف عليها من دون تحاليل علمية معمقة.

 

إزاء استمرار عمليات القصف واستهداف الميليشيات المستمر للمواطنين داخل الأحياء السكنية، التي راح ضحيتها عشرات، وحفاظاً على أرواح المواطنين، وجهت لجنة أمن ولاية الخرطوم برئاسة والي الولاية المكلف أحمد عثمان حمزة، بإيقاف التجمعات الجماهيرية والصلاة داخل المساجد والإفطارات الجماعية.

وعلى رغم إشارة التقرير الجنائي لولاية الخرطوم إلى انخفاض معدلات الجرائم بصورة عامة، فإنه كشف عن زيادة معدلات الجرائم ضد النفس بسبب مقتل أعداد كبيرة من المواطنين نتيجة قصف الميليشيات المتكرر للأحياء السكنية بخاصة بمحلية كرري شمال أم درمان.

في الأثناء، وقف والي الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة، أمس الثلاثاء الـ25 من مارس (آذار)، على حجم الدمار الذي طاول عدداً من المواقع الحكومية وسط الخرطوم وشارع النيل، خلال جولة ميدانية موسعة رافقه فيها الأمين العام لحكومة الولاية الهادي عبدالسيد إبراهيم، والمدير التنفيذي لمحلية الخرطوم عبدالمنعم البشير أحمد، وعدد من القيادات الأمنية والتنفيذية. 

شملت زيارة الوالي منطقة وسط الخرطوم بما فيها مباني مجلس الوزراء، والأمانة العامة لحكومة الولاية، والمجلس الأعلى للحكم المحلي، وجزير "توتي"، والمتحف القومي، ومسجد "أرباب العقائد" (مسجد فاروق)، بجانب مقر شرطة ولاية الخرطوم، وعدد من المرافق العامة.

وناشدت سلطات الولاية المواطنين اتخاذ الحيطة والحذر، وعدم التجمهر أو الاحتفالات إلا بعد إعلان الجهات المختصة خلو مناطقهم من الميليشيات، مع عدم الاقتراب من المتفجرات والأسلحة والذخائر.

أوضاع بائسة

وقالت غرف طوارئ بمحلية الخرطوم إن المحلية تشهد أوضاعاً مأسوية، إذ يتعرض المواطنون في مناطق متعددة لانتهاكات واسعة النطاق من قوات "الدعم السريع" والميليشيات المتحالفة معها.

ونوهت الغرف إلى أن المحلية شهدت عمليات تهجير قسري واسعة بدءاً من وسط الخرطوم إلى شرقها وجنوبها طاولت المواطنين الذين صمدوا طوال فترة الحرب خلال الأيام الماضية، إذ قتل خلال أسبوع واحد ما لا يقل عن 50 شخصاً، بينهم 10 من المتطوعين والمتطوعات، واختطف نحو 70 آخرين و12 من المتطوعين من الجنسين، فضلاً عن تسجيل حالات اغتصاب عدة، وتزايد خطر في سوء التغذية وسط الأطفال والحوامل وكبار السن، مما أدى إلى وفاة سبعة أطفال منذ بداية شهر مارس الجاري.

ومنذ أسابيع تتراجع قوات "الدعم السريع" أمام هجمات الجيش في ولاية الخرطوم بمدنها الثلاث (الخرطوم، أم درمان، والخرطوم بحري) مع اقتراب الجيش من بسط سيطرته على كامل الولاية من خلال المعارك الجارية الآن في مدينة الخرطوم بعد تحرير القصر الرئاسي ومنطقة الوزارات السيادية والمرافق الحيوية وسط العاصمة.

وتتفاوت الأرقام في شأن إحصاءات العدد الكلي للقتلى الذي خلفته الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، إذ تتفاوت تقديرات المنظمات المختلفة ما بين 60 إلى 130 ألفاً.

وقدر بحث أجرته أربع جامعات أميركية عدد الذين قتلوا بصورة مباشرة وغير مباشرة خلال الحرب التي تشرف على إكمال عامها الثاني بنحو 130 ألف شخص، منهم نحو 19 ألفاً قتلوا بصورة مباشرة في الحرب، بينما فقد نحو 111 ألفاً آخرين حياتهم لأسباب أخرى ناجمة عن تداعيات الحرب.

المزيد من متابعات