Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
يحدث الآن

هل وصلت العلاقات المغربية - التونسية إلى "باب مسدود"؟

تُعد قضية الصحراء الغربية المعيار الذي تقيس به الرباط علاقاتها مع الدول

لا تزال العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وتونس معطلة على خلفية الموقف التونسي من قضية الصحراء الغربية (وكالة الأنباء المغربية)

ملخص

بات موقع السفير المغربي لدى تونس شاغراً تماماً بعد تعيين السفير السابق في منصب رسمي آخر في الرباط مما أثار تكهنات بأن الأزمة الدبلوماسية بين الجارين المغاربيين ستطول.

عيّن العاهل المغربي الملك محمد السادس أخيراً سفير الرباط لدى تونس، حسن طارق، على رأس المؤسسة "وسيط المملكة" الدستورية، ومن ثم أصبح منصب سفير المغرب في العاصمة التونسية شاغراً بشكل رسمي، ليرسّخ هذا المستجد "القطيعة الدبلوماسية" بين البلدين التي بدأت منذ عام 2022.
ويتفق مراقبون على أن منشأ أزمة العلاقات المغربية - التونسية يعود بشكل أساس إلى الموقف من الصحراء، وخصوصاً بعد استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، خلال ندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا (تيكاد 8) في أغسطس (آب) 2022.
ويرى محللون أن تونس في عهد سعيّد، وبخلاف ما دأبت عليه من الحفاظ على توازن علاقاتها الإقليمية، خصوصاً بين المغرب والجزائر، انحازت في ملف الصحراء إلى الجزائر و"البوليساريو"، بسبب "الأزمة الاقتصادية التي تكابدها وحاجتها إلى الدعم الذي توفره الجزائر في مجالي المال والطاقة.

مظاهر الأزمة

وجاء تعيين السفير السابق للمغرب في تونس رئيساً لمؤسسة "وسيط المملكة" (مؤسسة دستورية تعنى بالوساطة بين المواطن والإدارات العمومية)، لينهي حالة ترقب احتمال عودة السفير إلى تونس لمزاولة مهماته الدبلوماسية بعدما استدعته وزارة الخارجية المغربية في صيف عام 2022 "للتشاور".
ولم تخف الخارجية المغربية حينها امتعاضها من استقبال الرئيس التونسي زعيم جبهة البوليساريو، وبأن ما حصل "عمل خطر وغير مسبوق، يجرح بشدة مشاعر الشعب المغربي وقواه الحية"، معتبرةً ذلك تتويجاً "لمواقف وتصرفات سلبية تجاه المملكة المغربية ومصالحها العليا".

واستدعت وزارة الخارجية المغربية السفير حسن طارق من العاصمة تونس ليمكث في الرباط من دون مهام دبلوماسية ومن دون العودة إلى العاصمة التونسية طوال عامين ونصف العام تقريباً، قبل تعيينه منذ أيام على رأس مؤسسة دستورية، ويصبح منصب السفير شاغراً بشكل رسمي، من دون طرح اسم سفير بديل.

الرد التونسي

بدورها ردت تونس باستدعاء سفيرها من الرباط عقب القرار المغربي، وقالت إنها "حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء التزاماً بالشرعية الدولية، وهو موقف ثابت لن يتغير إلى أن تجد الأطراف المعنية حلاً سلمياً يرتضيه الجميع"، وفق الخارجية التونسية.
ومن مظاهر القطيعة الدبلوماسية عدم تهنئة العاهل المغربي الرئيس التونسي، بالذكرى الـ69 لاستقلال تونس، كما جرت عادة القصر الملكي في المناسبات الوطنية الكبرى، وهو ما اعتبره كثر ملمحاً أساساً دالاً إلى عمق الأزمة بين البلدين المغاربيين.
في المقابل جرى تبادل بعض اللقاءات والتصريحات بين مسؤولين مغربيين وتونسيين، غير أنها لم تسفر عن أية نتائج سياسية حقيقية، بقدر ما كانت مجرد "بروتوكولات" دبلوماسية لم تحرك ملف العلاقات الثنائية قيد أنملة، ومنها التقاء رئيس الحكومة المغربي عزيز أخنوش وزير الخارجية التونسي السابق نبيل عمار في فرنسا، خلال احتفال رسمي في أغسطس 2024، وأيضاً إجراء وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية التونسي الحالي محمد علي النفطي في سبتمبر (أيلول) 2024، من دون نتائج ملموسة على الأرض.

3 أزمات

يقول الإعلامي التونسي رشيد خشانة إن "العلاقات المغربية - التونسية عرفت ثلاث أزمات كبرى منذ استقلال البلدين، إلا أنها كانت تعود أقوى مما كانت، لأنهما كانا في الواقع متجانسين في الخيارات السياسية الكبرى".
وأردف خشانة أنه "بخلاف الجزائر وليبيا، اللتين اختارتا الاقتصاد الموجه، وانضمتا إلى ما كان يُدعى بـ'المعسكر الاشتراكي'، اختار المغرب وتونس الانضمام إلى المعسكر الغربي أثناء الحرب الباردة".
ولفت المتحدث عينه إلى أن الزعماء المغاربة والتونسيين، ممن قادوا حركة التحرر من الاستعمار الفرنسي، أدوا دوراً حاسماً في عقد "مؤتمر طنجة" عام 1958 واتفقوا على بناء المغرب الكبير، الذي يشمل أيضاً الجزائر وموريتانيا.
وتابع الباحث التونسي، "أتت تلك الحماسة العاطفية للبناء المغاربي المشترك، بعد خضة شديدة في العلاقات الثنائية، لدى إعلان النظام الجمهوري في تونس، في يوليو )تموز( 1957، وألقى السياسي رشيد إدريس، المقرب من الرئيس الحبيب بورقيبة، خطاباً في تلك الجلسة، هاجم فيه الأنظمة الملكية بشدة، مما أغضب المغرب، وأدى إلى قطيعة استمرت نحو عامين، قبل أن يعود السفير التونسي لدى المغرب، طيب السحباني إلى مقر عمله في الرباط".

اقرأ المزيد

مد وجزر

الأزمة الثانية بين المغرب وتونس أتت على خلفية التنازع على التوزيع الجغرافي لمؤسسات "اتحاد المغرب العربي"، في القمة المغاربية الأخيرة بالدار البيضاء، عام 1994، إذ أُسندت الجامعة المغاربية إلى ليبيا، والهيئة القضائية المغاربية إلى موريتانيا، فيما حصل المغرب على مقر الأمانة العامة للاتحاد.
يقول خشانة في السياق إن "هذا التوزيع كان يعني أن تونس ستكتفي بمنصب الأمين العام، مما أدى إلى اندلاع خلاف شديد بين الرئيس التونسي آنذاك زين الدين بن علي والملك الراحل الحسن الثاني، وكان لافتاً أن الرئيس بن علي قطع مشاركته في القمة، واتجه مباشرة إلى المطار، قاطعاً زيارته للمغرب".

وبعدما طُويت صفحة تلك الأزمة بأعوام، يتابع خشانة، "فوجئ التونسيون بالملك محمد السادس في زيارة خاصة لبلدهم، دامت أياماً، حين كان العاهل المغربي يتجول في شوارع العاصمة التونسية بلا حراسات تقريباً ويصافح المواطنين التونسيين".

وتوقف خشانة عند الأزمة الثالثة التي أعقبت استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد زعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، في تونس، على خلفية مشاركة الأخير في ندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا (تيكاد 8) التي عُقدت في تونس يومي 27 و28 أغسطس 2022، لافتاً إلى أن العلاقات الثنائية لم تعد إلى وضعها الطبيعي إلى يومنا هذا، ويبدو أن ذلك سيحتاج إلى وقت ليس بقصير.

خط أحمر

ولأن المغرب وضع "معياراً" يقيس به علاقاته الدبلوماسية مع باقي الدول، متمثلاً في نزاع الصحراء، إذ يعتبر هذا الملف "خطاً أحمر"، فإن الرباط لم تستسغ التودد التونسي لجبهة البوليساريو المطالبة بانفصال الصحراء.
في السياق يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس المغربية، سعيد الصديقي، أن "فتور العلاقات التونسية - المغربية يرجع بصورة رئيسة إلى توجهات السياسة الخارجية التونسية في عهد الرئيس قيس سعيد، لا سيما في ما يتعلق بالعلاقات الجزائرية - التونسية، وفي مقدمها قضية الصحراء.

وأوضح الصديقي بأنه "عكس ما اعتادت عليه تونس من الحفاظ على توازن علاقاتها الإقليمية، خصوصاً بين المغرب والجزائر، اختار سعيد الانحياز إلى الجزائر، بما يمكن تفسيره بالأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس وحاجتها إلى الدعم المالي والطاقي الجزائري، إضافة إلى الطبيعة الشخصية للرئيس التونسي الحالي، التي أدت دوراً في تعميق الأزمة السياسية الداخلية في تونس".

وأبرز المتحدث ذاته أنه "خلال هذه الأزمة بين البلدين كان المغرب في موقف رد الفعل، بعدما لاحظ تغيراً واضحاً في التوجه العام للسياسة الخارجية التونسية ضد المصالح المغربية، وبلغ هذا التوتر ذروته عندما أقدم سعيد على استقبال رسمي لزعيم جبهة البوليساريو، وهو ما اعتبره المغرب تجاوزاً غير مبرر".

وأكمل الصديقي أن "المغرب رأى أن مشاركة 'البوليساريو' في القمة اليابانية - الأفريقية التي استضافتها تونس كان يمكن تدبيرها بطريقة مختلفة، من دون استفزاز المغرب الذي يعتبر قضية الصحراء خطاً أحمر، لا سيما في علاقاته مع الدول العربية".

المزيد من تقارير