Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

اختفاء فتاة موريتانية يفتح باب الحديث عن "نكاح الجهاد"

الشرطة أعلنت عن توقيفها وسط تقارير إعلامية عن انضمامها إلى الجماعات المسلحة في شمال مالي

سلسلة من الحالات التي تُسلط الضوء على انضمام بعض النساء إلى الجماعات المسلحة (أ ف ب)

ملخص

صورة الفتاة الموريتانية المنقبة التي نشرها الأمن، أعادت إلى الأذهان سيناريوهات سابقة لفتيات موريتانيات التحقن بجماعات متطرفة تنشط في شمال مالي والنيجر.

أعلنت الشرطة الموريتانية الأسبوع الماضي عن توقيف فتاة كانت اختفت قبل أيام من منزل أسرتها في العاصمة نواكشوط، وخبر توقيف الفتاة أعاد إلى الشارع الموريتاني الجدل حول المخاوف من ظاهرة "نكاح الجهاد" في صفوف الفتيات الموريتانيات اللاتي يُغرر بهن عناصر نشطة في الجماعات المسلحة تتخذ من شمال مالي مراكز لتحركاتها ضد دول منطقة الساحل وشمال أفريقيا.

البيان الرسمي للأمن الموريتاني أكد أن الفتاة، "قابلة" متدربة في مستشفى الصداقة بنواكشوط، تم ضبطها في مقاطعة باسكنو شرق موريتانيا ومتاخمة للحدود المالية، وذلك أثناء محاولتها مغادرة البلاد بمحض إرادتها، بحسب نص البيان، إلا أن مصادر إعلامية محلية ربطت بين محاولة الفرار ونية الفتاة الالتحاق بشاب قد يكون على صلة بجماعات مسلحة في شمال مالي.

فرضية التحاق الفتاة بالشاب أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي في موريتانيا بالحديث عن القضية، حيث تبنى بعض النشطاء رواية الاختطاف، بينما انتشرت محادثات مزعومة تُظهر شاباً يزعم أنه خاطف الفتاة، مطالباً بفدية للإفراج عنها.

ومع ذلك، فإن صورة الفتاة المنقبة التي نشرها الأمن، أعادت إلى الأذهان سيناريوهات سابقة لفتيات موريتانيات التحقن بجماعات متطرفة تنشط في شمال مالي والنيجر.

ظاهرة أم استثناء

لم تكن هذه الحادثة الأولى، وربما لن تكون الأخيرة، في سلسلة من الحالات التي تُسلط الضوء على انضمام بعض النساء إلى الجماعات المسلحة، وحول هذا الأمر يقول الصحافي المتخصص في الشؤون الاجتماعية، محمد عبدالله "هنالك عوامل عدة قد تدفع بعض الفتيات إلى الالتحاق بالمجموعات المتطرفة، تتراوح بين الاجتماعية والنفسية منها التهميش والتمييز الاجتماعي، إضافة إلى الضغوط الأسرية مثل العنف والقمع، وقد تجعل الفتيات يبحثن عن هوية بديلة، وهو ما تستغله الجماعات المتطرفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لاستقطابهن".

ويضيف "العوامل النفسية، كالصدمات العاطفية أو الفشل الدراسي، قد تلعب دوراً في تعزيز هذا التوجه، وعلى رغم عدم توافر معطيات دقيقة حول أعداد الفتيات الموريتانيات الملتحقات بهذه التنظيمات، إلا أن الظاهرة لا ترقى إلى مستوى المشكلة الاجتماعية، لكنها قد تتحول إلى تهديد مجتمعي في حال غياب التوعية وضعف العدالة الاجتماعية".

الوجه الآخر

الباحث في قضايا الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا، يشرح السياق الأوسع الذي تتحرك فيه هذه الظاهرة، قائلاً إن "نكاح الجهاد" كما هو متداول منذ العقدين الأخيرين في مناطق الشام والعراق "بات متجسداً في منطقة الساحل، والجماعات المسلحة في هذه المنطقة لديها حواضن ألسنية وعرقية وأحياناً قبلية، ما يسهل انخراط النساء فيها، حيث يُنظر إليهن كرفيقات حياة أو زوجات، لا كمقاتلات بالضرورة"، مشيراً إلى أن "الإطار الفقهي السائد في المنطقة، ذو المرجعية المالكية، يعتبر الزوجة امتداداً للزوج، مما يجعل المرأة الرفيقة في هذه الجماعات غير مسؤولة قانونياً عن أفعال زوجها".

اقرأ المزيد

ويتابع سيديا "معظم الملتحقات بهذه الجماعات ينحدرن من أوساط متدينة أو مؤدلجة، وأحياناً تلعب العلاقات الأسرية دوراً في تزكية الزواج بينهن وبين عناصر التنظيمات المسلحة، كما أن غياب سجل شخصي واضح عن العريس قبل الزواج يسهل حدوث مثل هذه الزيجات".

التطرف كمنتج اجتماعي

الناشطة الحقوقية، مكفولة بنت براهيم، تعيد جذور المشكلة إلى طبيعة التنشئة الدينية في المجتمع، موضحة ذلك بالقول "الأفكار المتطرفة لم تأتِ من فراغ، بل كانت موجودة مسبقاً، لكن العزلة الجغرافية وسيطرة القبيلة على أفرادها كانتا بمثابة حصن وقائي، ومع ضعف دور القبيلة وانتشار الإنترنت واحتكاك الشباب بعالم أوسع، بدأت تلك الأفكار تجد طريقها إلى السطح".

وأضافت "الفتاة التي تم توقيفها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، المجتمع نفسه يسهم في غرس هذه الأفكار، حيث لا ترى كثير من الفتيات فرقاً بين تعاليم هذه الجماعات وما يتلقينه من محيطهن، الفرق الوحيد أن الجماعات المتطرفة تعدهن بالجنة على الفور، بينما المجتمع يعدهن بها لاحقاً"، مشيرة إلى الدور الذي تلعبه المعاهد الدينية غير الخاضعة للرقابة، واصفة إياها بأنها "بؤر لتفريخ الفكر المتطرف".

البحث عن حلول

في ظل هذه المعطيات، يرى المتخصص في الشأن الاجتماعي أحمد عبداوه، أن الحل يكمن في مقاربة متعددة الأبعاد، موضحاً أن الأسرة تلعب دوراً أساساً في منع الشباب، بخاصة الفتيات، من الانخراط في هذه التنظيمات، عبر تعزيز التماسك الأسري والاستماع إليهن، كما أن "التعليم القائم على التفكير النقدي، وتوفير فرص عمل، وتعزيز الرقابة على المحتوى المتطرف في وسائل التواصل، كلها عوامل تحدّ من عمليات الاستقطاب".

وشدد عبداوه على ضرورة وجود "مقاربة تشاركية، تتكامل فيها أدوار الأئمة والفقهاء والأسرة والمدرسة والإعلام، إلى جانب دعم فرص العمل، من أجل تحصين الشباب ضد أفكار هذه الجماعات".

تيارات فكرية

حادثة اختفاء الفتاة، بغض النظر عن تفاصيلها الدقيقة، تفتح الباب لنقاش أوسع حول هشاشة الفئات الشابة أمام التيارات الفكرية المتشددة، بين البحث عن هوية، والهروب من واقع قاسٍ، والانجذاب إلى وعود الخلاص الفوري، تظل قضايا التطرف والتجنيد الإلكتروني قنابل موقوتة تحتاج إلى تفكيك ممنهج.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل تملك موريتانيا استراتيجية واضحة لمواجهة هذا التحدي، أم أننا أمام مشكلة تُترك لتتفاقم حتى تصبح أزمة يصعب احتواؤها؟

المزيد من العالم العربي