تشير تسريبات سياسية في العراق، إلى سحب تحالف "البناء" مرشحه لمنصب رئيس الوزراء المقبل أسعد العيداني مقابل ترشيح شخصيات بديلة، أبرزها قائد قوات جهاز مكافحة الإرهاب السابق الفريق عبد الغني الأسدي لمنصب رئيس الوزراء.
وفي غضون ذلك، يعود الحديث عن حكم العسكر، في بلاد شهدت العديد من الانقلابات والحكم الاستبدادي والدكتاتورية لعقود طويلة تحت بنادق عسكرية، كان آخرها نظام صدام حسين، وعلى الرغم من تلك الذكريات المرتبطة بحكم العسكر، إلا أن هناك من يؤيد وصول عسكريين إلى دفة الحكم في العراق.
بين التأييد والاعتراض
يعتمد مؤيدو حكم العسكر على حجج عدة، أبرزها أن القوات الأمنية تشهد حالة انقسام وعدم وجود ضبط لتوجهاتها، فضلاً عن عدم قدرة الدولة العراقية على حصر السلاح بيدها، ما أدى إلى تغلغل نفوذ دول إقليمية ودولية على القرار الأمني والسياسي على حد سواء، فيما يرون أن العسكري هو الوحيد القادر على تأسيس منظومة أمن وطنية، ويحصر السلاح بيد الدولة.
ويبدو أن اليأس من إمكانية أن تحقق التظاهرات التغيير المنشود للعراقيين، فضلاً عن فقدان الثقة بالوسائل الديمقراطية بإزاحة أحزاب السلطة، هو الدافع الرئيس للمطالبة بحكم عسكري.
أما المعترضون، فتبدو مبرراتهم أكثر منطقية، حيث يتخوفون من أن يسيطر رئيس الوزراء المؤقت على السلطة ويعلن انقلاباً يتجاوز الوسائل الديمقراطية، فضلاً عن مخاوف تتعلق بالعودة إلى زمن الاستبداد والدكتاتورية.
ويطرح معارضو تولي عسكري منصب رئيس الوزراء، تساؤلات عدة حول كيفية تعامله مع القضايا الرئيسية في البلاد، منها الاحتجاجات والعلاقات الإقليمية والدولية للعراق، والموقف من الديمقراطية والتعددية والحريات العامة، فضلاً عن السؤال الأبرز المتعلق بضمان مغادرته للسلطة بعد انتهاء الفترة الانتقالية.
البناء يرشح الأسدي
يبحث تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري، تقديم مرشحٍ جديد لتولي منصب رئيس الوزراء المقبل، بعد رفض قوبلت به كل الأسماء التي طرحت من خلالهم، وتشير تسريبات إلى أن التحالف يبحث ترشيح قائد قوات جهاز مكافحة الإرهاب السابق الفريق عبد الغني الأسدي.
ويبدو أن الأسدي يحظى بقبول لدى أغلب الأطراف السياسية سواء في تحالف "البناء" أم من كتل أخرى خارجه، فضلاً عن مقبولية نسبية يحظى بها في الشارع العراقي.
وكشف النائب عن كتلة الصادقون، المنضوية في تحالف "البناء" عبد الأمير التعيبان، أن "تحالف البناء بصدد دراسة شخصية مرموقة لتقديمها إلى رئيس الجمهورية"، مبيناً أن "هناك توجهاً من نواب الفتح والبناء لتمرير عبد الغني الأسدي".
وأشار إلى أن "تحالف البناء مستمر بالاجتماعات التشاورية مع بقية الكتل حول اختيار شخصية جديدة".
الصدر وسباق الرئاسة
وكانت صفحات مقربة لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، قد طرحت الأسدي كأحد المرشحين الذين يحظون بقبول في ساحات الاحتجاج، لكنها سرعان ما تخلت عن تلك الترشيحات بحجة عدم رد المحتجين عليها.
لكن تسريبات تحدثت عن اجتماعات بين تحالف "سائرون" وتحالف "البناء" للاتفاق على ترشيح الأسدي للمنصب، إلا أن نواباً عن كتلة "سائرون" نفوا تلك التسريبات، مؤكدين أنهم مع أي مرشح يرضي ساحات الاحتجاج.
من جهة ثانية، قال النائب عن تحالف سائرون غايب العميري، إن "تحالفه لن يقف عائقاً أمام ترشيح أي شخصية تقنع الشارع العراقي".
ونفى لـ"اندبندنت عربية" أن يكون تحالف سائرون قد اجتمع مع أي كتلة سياسية في سياق ترشيح أي شخصية للمنصب.
الكرد يفضلون "مدني"
في سياق متصل، يبدو أن موقف الكتل الكردية غير منسجم كثيراً مع الكتل الأخرى في ترشيح عسكري لمنصب رئيس الوزراء المقبل.
ويرى القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني سعيد ممو زيني، أن الكرد عانوا سابقاً من حكم العسكر وكانت لهم تجارب سيئة معه، مبيناً أنهم لن يعترضوا فيما لو اتفقت الكتل الشيعية على ترشيح عسكري للمنصب.
ويقول زيني في تصريحات صحافية، إنه "يتردد خلال هذه الأيام، طرح مجموعة من الشخصيات العسكرية كمرشحين لتولي منصب رئاسة الوزراء، ومنها عبد الغني الأسدي"، مؤكداً أن "البلد في هذا الظرف العصيب يحتاج إلى شخص يمتلك الكفاءة والمهنية والقبول لدى الشعب للخروج من الأزمة الحالية".
ويعتقد أن "المشاكل التي يعاني منها الشعب العراقي في هذا الوقت من الصعب على شخصية عسكرية التعامل معها، لكن إذا اتفقت الكتل الشيعية على اسم معين فنحن لا نمانع ذلك على الرغم من تفضيلنا شخصية مدنية لديها خبرة في التعامل مع الأزمات".
عودة الانقلابات العسكرية
يرى متابعون أن وصول العسكر إلى السلطة سيؤدي إلى تعقيد المشهد السياسي، وقد يقود إلى الدكتاتورية، مبينين أن الكتل السياسية غير جادة بطرح تلك الأسماء، لكنها تحاول امتصاص الغضب الشعبي.
وقال المستشار الاستراتيجي السابق في وزارة الدفاع معن الجبوري، إن "وصول عسكري إلى رأس الحكومة ليس حلاً وسيؤدي إلى تعقيدات كثيرة في المشهد السياسي".
وأوضح لـ"اندبندنت عربية" أن "عقليّة العسكري ستقوده إلى وضع أعراف عسكرية للحكم، ونبدأ في التحول نحو الدكتاتورية"، مبيناً أن "وصول عسكري للسلطة قد يعيدنا إلى زمن الانقلابات".
وأضاف أن "القيادات السياسية تتخوف من وصول عسكري إلى السلطة، لكنها تطرح تلك الأسماء في محاولة لامتصاص النقم الشعبي الرافض لإعادة تدوير الوجوه السياسية".
جيل ديمقراطي
ينطلق شباب جيل الاحتجاجات الجديد برفضهم لحكم العسكر في العراق، من مخاوف تتعلق بالتجارب العالمية في هذا الإطار، معتبرين أن المواصفات التي وضعها المحتجون لرئيس الوزراء المقبل لا تنطبق على العسكر.
وفي هذا السياق يقول الكاتب والصحافي زيا وليد، أن "رفض الحكم العسكري يخرج من مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال شباب من الجيل الجديد القارئ للتجارب العالمية والمطّلع على التجربة المصرية وغيرها"، لافتاً إلى أن "شبان الاحتجاج يخشون الدكتاتورية بقدر خشيتهم الفوضى والحكم الطائفي واللادولة".
أضاف وليد أنه "لا توجد قاعدة تقول أن العسكري يضبط السلاح، إلا في أدبياتنا"، مبيناً أن "باستطاعة أي رئيس يمتلك مواصفات رجل الدولة، وبدعم شعبي، ومن أطراف محلية متنفذة، أن يحد كثيراً من انفلات السلاح، وأن يُقدم بعض المجرمين للمحاكمة".
قادة الحرب على "داعش"
في السياق ذاته، يقول الناشط والصحافي محمد المحمودي، إن "ساحات الاحتجاج لا تطالب بشخصية عسكرية لقناعتها أن المرحلة تتطلب حكماً عسكرياً، وإنما هناك من يطالب شخصيات محددة عرفت شعبياً بوصفها قادة التحرير من تنظيم داعش".
ويضيف "المخاوف تنطلق من الاعتقاد بأن السلاح والقبضة الحديدية هي الحل الأمثل للوضع العراقي، وهذا يترتب عليه نظام قمعي ودكتاتوري ممكن يعيد لنا نظام ما قبل 2003"، مبيناً أن "مخاوف حقيقية من تكرار تجربة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في العراق".
وعن قدرة القائد العسكري على مواجهة انفلات الجماعات المسلحة، يبين المحمودي أن "المواجهة المسلحة تعني حرباً أهلية، وهذا يتسبب بخسائر كبيرة للبلاد، ويضخم الفجوة الاجتماعية"، مشيراً إلى أن "الحلول تكمن في السياسة، وهذا ما يزيد من مخاوفنا تجاه الأسدي، ولا نملك تصوراً دقيقاً عن أدائه الإداري والسياسي".
إرادة سياسية وراء انفلات السلاح
من جهة ثانية، يرى الناشط محمود حميد، أن "المواصفات التي وضعها المحتجون لرئيس الوزراء المقبل لا تنطبق على العسكر وعندما طرح عسكري كمرشح قوبل برفض المحتجين".
ويضيف "نجاح العسكري في الميدان، لا يعني نجاحه في حصر السلاح بيد الدولة"، لافتاً إلى أن "خلف انفلات السلاح إرادة سياسية، تحتاج إلى فعل سياسي وتشريع قوانين"، موضحاً أن "أبرز المخاوف متعلقة بتجارب العسكر في حكم العراق، حيث ترتبط بذاكرة من القمع والدكتاتورية، ولم يكن وصولها إلى الحكم منسجماً مع الخيار الديمقراطي".