لطالما ارتبطت حفلات الزفاف في مصر بفترات معينة، مثل أوقات الأعياد وفصل الصيف، باعتبارها موسماً للإجازات وعطلة من الدراسة، كما أنها فترة ذروة عودة العاملين بالخارج، إلا أن هذا العام اختلف الوضع تماماً بسبب ظروف وباء كورونا. فمع تطبيق حظر التجوال الجزئي والإغلاق التام لقاعات الأفراح والمناسبات الملحقة بالمساجد والكنائس، انقلبت الأمور رأساً على عقب وأصبحت الزيجات المستقبلية رهن انجلاء الجائحة، فإما أن تُلغى المراسم المتعارف عليها أو المجازفة بإقامة حفل زفاف قد تكون نهايته في قسم الشرطة!
ولعل واقعة عُرس شقيقة الفنان محمد رمضان، الذي أقيم في إحدى الفيلات الخاصة في تحدٍ لإغلاق قاعات الأفراح ودعوات التباعد الاجتماعي والبقاء في المنازل، خير دليل، فقد انتهى "الحدث السعيد" بإلقاء الشرطة القبض على العريس الذي أخلّ بتدابير كورونا، وهو المأزق نفسه الذي ينسحب على حال أسر مصرية عدة.
حال كثيرين من المقبلين على الزواج مثل العريس السابق، بعضهم اختار تغيير خططه والتأجيل لحين تحسّن الوضع، وآخرون قرروا إتمام الزيجة من دون احتفال أو تجمعات، وقلة هنا وهناك تحدّت الوضع بإقامة تجمع كبير في حدائق المنازل الكبيرة أو حتى في الشارع بالمناطق الشعبية والقرى، لينتهي أمر بعضها في أقسام الشرطة التي سارعت إلى فضّ التجمّعات.
حفل زفاف عبر الـ"فيديو كول"
اختلفت الآراء بين الناس، فالبعض رأى إتمام خططه المسبقة والزواج من دون احتفال والاكتفاء بعقد القران في منزل العروس، وظهرت فكرة حضور المدعوين افتراضياً من خلال الـ"فيديو كول"، والبعض وجد أن كل الظروف غير متاحة ومن ثم فإن الأفضل تأجيل كل شيء لحين عودة الأمور إلى طبيعتها.
تقول سارة، عروس في الخامسة والعشرين من عمرها، كان مقرراً عقد زواجها في عيد الفطر "كنا ننوي أن يكون حفل زفافنا ثاني أيام عيد الفطر وحجزنا القاعة بالفعل في أحد الفنادق قبل أزمة كورونا، وتقريباً أوشكنا على الانتهاء من تجهيز كل مستلزماتنا، حيث كنا حريصين على أن يكون كل شيء جاهزاً قبل شهر رمضان، إلا أن اشتداد الأزمة أربك كل خططنا، فالوضع لا يسمح بإقامة أي نوع من أنواع التجمعات، وبالفعل ألغينا حجز القاعة وأجّلنا كل شيء لحين فرج قريب".
وتضيف "اقترح البعض أن نعقد القران في المنزل ونتزوج من دون احتفال، إلا أننا لم نفضّل الفكرة، فلا أجد أي منطق في أن أتزوج في هذه الأجواء المتوترة، حيث لا يستطيع أحد مجرد مصافحتنا للتهنئة، وبعد الزواج لا يستطيع أحد زيارتي أو أن نتمكن من السفر مثلما كانت خطتنا، ما حدث إرادة الله ونأمل أن تمرّ الأزمة بسلام".
بينما تقول إسراء، عروس في السادسة والعشرين من عمرها "كان مقرراً زواجي في منتصف يونيو (حزيران) الذي يتواكب مع الإجازة السنوية لخطيبي الذي يعمل بإحدى الدول العربية، إلا أن الظروف الحالية وتوقف الطيران في العالم أجمع نتج عنه أنه لم يستطع المجيء لمصر، وحتى لو تمكّن من القدوم في إحدى الرحلات الاستثنائية فسيخضع لفترة حجر صحي لمدة أسبوعين سيضيع خلالها جزء كبير من الإجازة، وقد يستمر الطيران متوقفاً فلا يتمكّن من العودة بعدها لعمله".
وتتابع "لم تمكّنا ظروف الإغلاق من إنهاء جميع مستلزمات الزواج التي تحتاج إلى شراء الكثير من الأشياء، والتجول في الأسواق، وهو ليس متاحا الآن، لذا قررنا تأجيل كل شيء إلى حين انفراج الأزمة واستقرار الأمور".
ركود تجاري
يرتبط بمناسبات الخطوبة والزفاف العديد من النشاطات التجارية المعتمدة كليّاً على المقبلين على الزواج، وتعتبر فترة الصيف والأعياد موسم رواجها، على رأسها معارض فساتين الزفاف ومراكز التجميل ومنظمي الحفلات، بالإضافة إلى محلات الأثاث والمجوهرات والزهور، وكل ما له علاقة بالزواج وتجهيزاته.
تقول أسماء، صاحبة أتيليه لفساتين الزفاف بالقاهرة "يعتمد عملنا بشكل شبه كامل على العرائس، فالأتيليه متخصص في فساتين الزفاف والخطوبة والسهرات، والوضع الحالي أثّر علينا كثيراً، حيث قلّ الطلب تماماً نتيجة إغلاق قاعات الأفراح وتأجيل مشاريع الزواج التي كان محدداً لها هذه الفترة التي تتواكب مع عيد الفطر وبداية الصيف، وكانت تمثل لنا ضغطاً كبيراً في العمل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتضيف "نعاني بشدة في الفترة الأخيرة نحن وكل من يعمل في مجالات مشابهة، فالمكان يحتاج إلى مصاريف الإيجار والمرافق والعمال والعائد أصبح ضعيفاً جداً، ولا نعرف إلى متى سيستمر الوضع على هذا الحال".
مساجد وكنائس
في الآونة الأخيرة، وحتى من قبل أزمة كورونا، اتّجه كثير من الناس في مصر إلى إقامة حفل بسيط للزواج في إحدى قاعات المناسبات الملحقة بالمساجد أو الكنائس، حيث يُكتفى بعقد القران وتجمع الأهل والأصدقاء والتقاط بعض الصور وينتهي الأمر على ذلك لتجنب التكلفة العالية التي تطلبها قاعات الأفراح وحفلات الزفاف الكبرى، إلا أن هذا الأمر أيضاً أصبح غير متاح مع إغلاق مثل هذه القاعات أخيراً بسبب كورونا.
تقول هدير، عروس كان مقرراً عقد زفافها خلال هذا الصيف "لا أفضّل أنا وخطيبي الحفلات الكبرى والأجواء الصاخبة، وكان قرارنا أن يُجرى عقد القران في إحدى القاعات الملحقة بالمسجد، إلا أن الظروف الحالية ومنع التجمعات ستغيّر من خططنا. فكّرنا أن نعقد القران في المنزل، ففي جميع الأحوال لن نقيم حفلاً كبيراً، ولكن فكرة عدم وجود مَن يشاركنا هذه اللحظة المميزة تبدو غير موفقة، في الأغلب سننتظر بعض الوقت لحين تحسّن الظروف".
لم يختلف أمر الكنائس كثيراً عن المساجد، فحالياً تتيح الكنائس في مصر إقامة الإكليل لراغبي الزواج بعد فترة من الإغلاق، ولكن بحضور ستة أشخاص فقط بخلاف العريس والعروس، ووجود كاهن وشماس واحد مع أخذ الاحتياطات اللازمة من تباعد وتعقيم، حيث تشهد فترة (الخماسين المقدسة)، وتبدأ من بعد عيد القيامة لمدة خمسين يوماً، عقد كثير من الأكاليل في الكنيسة وتشهد كثافة في الراغبين في الزواج، حيث لا يُعقد الإكليل خلال فترة الصوم الذي يسبق عيد القيامة.
تقول مارينا - عروس في الرابعة والعشرين كان مقرراً عقد زواجها الشهر الماضي "الإكليل في الكنيسة هو أساس الزواج وهو الفرحة الكبرى حتى لو أقمنا بعده احتفالاً في إحدى القاعات، بالتالي لا أتخيّل إلا أن يشاركني فيه أهلي وصديقاتي ويكونوا معي في الكنيسة، وفكرة عقده بحضور ستة أشخاص فقط أراها صعبة، وليس هناك حاجة ماسة لها عدا الضرورة القصوى، ومن هنا قرّرنا تأجيل الزواج والانتظار حتى يشاء الله وتنتهي أزمة كورونا ونتمنى أن يكون ذلك قريباً".
أرقام وإحصائيات
كان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر قد أعلن أنه في عام 2019 تم عقد 879298 زواجاً بتراجع 8017 عقداً عن عام 2018 الذي شهد 887315 عقد زواج، ومن المتوقع أن يشهد العام الحالي 2020 تراجعاً.
يقول أحمد حسنين، المأذون الشرعي بالقاهرة "كانت فترة عيد الفطر دائماً تشهد كثافة كبيرة في عقود الزواج حيث كنّا نعقد أكثر من عقد في اليوم الواحد، بالإضافة إلى فترة الصيف والإجازات عموماً، إلا أن هذا العام هناك تراجع كبير جداً في عقود الزواج بداية من مارس الماضي مع بداية ظهور فيروس كورونا في مصر، الذي نتج عنه تأجيل معظم الناس الزواج بسبب ظروف الحظر والإغلاق ودعوات التباعد وإغلاق الطيران".
ويضيف "نتوقع أن يستمر الأمر على هذا الوضع لفترة من دون تغيير إلى أن تتحسن الظروف وتنتهي فكرة الإغلاق، فإحدى المشكلات حالياً أنه حتى مَن يرغب في إتمام زواجه بعدد محدود جداً من المدعوين لا يجد أي مكان يصلح لذلك، وندعو الله ألا يطول الأمر وتعود الحياة في مصر والعالم كله إلى طبيعتها".