منذ حظر النظام الجزائري التظاهرات السلمية في منتصف مايو (أيار)، بهدف خنق الحراك قبل الانتخابات التشريعية المقررة السبت، توقفت الحركة الاحتجاجية باستثناء منطقة القبائل (شمال شرق) الأمازيغية والمعروفة بتمردها.
انتفاضات افتراضية
وبعد مطاردة ناشطي الحراك في الشارع، لجأ هؤلاء إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن رفضهم لاقتراع أراده "نظام" يعتبرونه استبدادياً وفاسداً، لكن هل يمكن للحراك أن يستمر على الرغم من القمع بعد شيطنته وشرذمته؟
السلطة المدنية، واجهة المؤسسة العسكرية، مصممة على فرض "خريطة الطريق" الانتخابية، من دون مراعاة مطالب الحراك (سيادة القانون، والانتقال الديمقراطي نحو السيادة الشعبية والقضاء المستقل)، من أجل استعادة "الاستقرار" بعد الانتفاضة الشعبية في الـ 22 من فبراير (شباط) 2019.
وتسعى السلطة إلى شرعية جديدة بعد إخفاقها في استحقاقين انتخابيين، الاقتراع الرئاسي في العام 2019 والاستفتاء الدستوري في 2020، اللذان تميزا بمقاطعة غير مسبوقة.
تصريح بالتظاهر
وباعتمادها الحل الأمني، أجبرت وزارة الداخلية منظمي مسيرات الحراك الذي لا يتمتع بقيادة فعلية، على "التصريح" بالتظاهرات مسبقاً للسلطات، الأمر الذي يعني منعها بحكم الأمر الواقع.
ويشيد النظام وعلى رأسه الرئيس عبدالمجيد تبون، بانتظام بـ "الحراك المبارك"، لكنه يعتبر أنه لبى مطالبه "في وقت قياسي".
وهو ينتقد "الحراك الجديد" على عكس "الحراك الأصيل"، ويصف نُشطاؤه بأنهم "خليط معاد للثورة" في خدمة "أطراف أجنبية" معادية للجزائر. واستحوذت السلطات على ذكرى 22 فبراير تحت تسمية "اليوم الوطني للأخوة والتلاحم بين الشعب والجيش من أجل الديمقراطية"، بل إن "الحراك المبارك" ورد في ديباجة الدستور.
وبعد أكثر من عامين من ولادته، يواجه الحراك خياراً صعبا، المشاركة في المسار السياسي والمخاطرة بالتنازل عن مبادئه لمصلحة نظام لا يحظى بشعبية، أو الضياع في مطلب "ليرحل الجميع" العقيم.
وينقسم الحراك بين إسلاميين محافظين وعلمانيين ديمقراطيين، وبين المنفتحين على المشاركة السياسية.
هل بلغ الحراك منتهاه؟
ويرى الصحافي عابد شارف أن "الحراك هز النظام السياسي القديم في الجزائر، لكنه لم ينجح بعد في فرض نظام جديد".
فهو نجح في وضع حد لحكم الرجل القوي السابق عبدالعزيز بوتفليقة، لكن الحراك المؤيد للديمقراطية تعرض لانتقادات لعدم تقديمه مقترحات سياسية ملموسة أو برنامجاً انتخابياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كذلك يتهمه بعض المنتقدين بأنه "اعتمد نهجاً متشدداً" وانحرف نحو التطرف. ويرد كريم ذابو أحد الوجوه البارزة في الحراك على ذلك بالقول، إن "السلطة تقف ضد كل المبادرات. هناك جهاز قمعي جاهز لاستخدام كل الوسائل لمنع التغيير".
وبالنسبة إلى سجين الرأي السابق هذا، الحراك هو "أكبر حزب سياسي في الجزائر" الذي "استطاع أن يهيئ الظروف للتعايش والعمل المشترك لجميع التيارات الناشطة من أجل التغيير". وقال لوكالة الصحافة الفرنسية، "هناك سلطة تنظم الانتخابات وهناك شعب في الشارع".
وتشير آمال بوبكر، الباحثة في المدرسة العليا للدراسات في العلوم الاجتماعية في باريس إلى أن "الحراك كحركة سياسية وكفكرة ومبادرة للإصلاح لا يزال حاضراً وملائماً".
ومن جهته، يعتبر الجامعي والمناضل الحقوقي قدور شويشة أن "الحراك، كحركة سياسية يبقى، ولهذا السبب لن يضعفه القمع".
إنها حركة فردية وجماعية، وهي الوحيدة التي انبثقت من المجتمع المدني، بدعم من الشباب والطبقات الشعبية.
ويرى المحلل السياسي منصور قديدير أن الحراك "قد يشهد تطورات أخرى أو يقدم أشكالًا أخرى من الاحتجاج، لكنه سيستمر في نشر الوعي الجماعي طالما بقي النظام السياسي على حاله". مضيفاً، "وفي الفضاء الافتراضي النشط للغاية يستمر في تنوير العقول".
يؤجج تدهور الوضع الاقتصادي التوترات الاجتماعية، ويغذيها معدل بطالة مرتفع (15في المئة) وإفقار شرائح كبيرة من المجتمع.
وتشير داليا غانم الباحثة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إلى أن "القضية الاجتماعية، التي غابت خلال الموجة الأولى من الحراك في العام 2019، أصبحت جزءاً من الاحتجاج السياسي". وشددت الحكومة نبرتها في وقت سابق من هذا الشهر بشجب "استغلال النشاط النقابي من قبل بعض الحركات التخريبية".
لكن من سيكون قادراً على قيادة حركة الاحتجاج الاجتماعي؟ يقول قدير، "في سياق الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب التوترات السياسية، سيبقى الحراك الحاضن الوحيد لجميع الإحباطات الاجتماعية، والوسيلة الوحيدة للتعبئة الشعبية".