Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خلاف الرؤساء يمدد شلل الدولة اللبنانية ويمهد للارتطام الكبير

المانحون يتهيأون لموجة جديدة من المساعدات الإنسانية و"حزب الله" لا يترك مجالاً لترميم العلاقة مع الخليج

الرئيس اللبناني ميشال عون بين رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري (أ ف ب)

الإلحاح الدولي والعربي على السلطات اللبنانية أن تقوم بما عليها كموجب لمساعدة بيروت في وقف الانهيار المتواصل لأوضاعها الاقتصادية والمالية والمعيشية، يبقى من دون مجيب، على الرغم من الضغوط الهائلة الهادفة لحمل التركيبة الحاكمة على الوفاء بالتزاماتها، كي تحصل على المعونة اللازمة لوضع البلد المأزوم على طريق الحلول.

وإذا كان المدخل لمقاربة المجتمع الدولي المعالجات التي يحتاج إليها لبنان هو أن تتخذ الحكومة القرارات الإصلاحية المطلوبة وأن تبعده عن الصراعات الإقليمية، فإن الأيام الماضية رسخت استمرار تعطيل اجتماعاتها، ومواصلة زج البلد في تدخلات في أوضاع دول خليجية من قبل "حزب الله"، الذي يرفض مراعاة مساعي دول عدة لتفكيك الأزمة مع السعودية ودول الخليج وفي طليعتها فرنسا، التي لعبت دور الوسيط خلال زيارة رئيسها إيمانويل ماكرون إلى جدة في 4 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

الخلافات الرئاسية حول دعوة مجلس الوزراء

ويزيد الانسداد السياسي التدهور في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، وبات على عتبة الـ30 ألف ليرة للدولار الواحد (تخطى الـ27 ألف ليرة في 14 ديسمبر)، ما يسهم في التهاب أسعار السلع مجدداً ويزيد الأوضاع الحياتية للبنانيين تعاسة.

وتراكمت عوامل تعطيل مجلس الوزراء منذ 12 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي جراء اشتراط "حزب الله" وحليفه رئيس البرلمان نبيه بري تقليص صلاحيات المحقق العدلي القاضي طارق بيطار في جريمة انفجار مرفأ بيروت في ملاحقة الوزراء والنواب الذين استدعاهم للتحقيق وعدم حضور الوزراء الشيعة الخمسة جلسات المجلس، فبرزت خلافات جديدة، وإن بقيت كامنة، بين رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي، تضاف إلى الخلاف بينهما وبين "الثنائي الشيعي" حول المخرج للحد من صلاحيات القاضي بيطار، من أجل إتاحة المجال أمام مجلس الوزراء للانعقاد لاتخاذ القرارات الملحة التي تنعكس إيجاباً على الأوضاع المعيشية. فالمخارج للفصل بين صلاحية ملاحقة هؤلاء الوزراء والنواب وملاحقته سائر المتهمين من أمنيين وإداريين، اصطدمت بمبدأ استقلالية القضاء الذي يتمسك مجلسه الأعلى بصلاحية بيطار في هذه الملاحقة، وبرفض نواب "التيار الوطني الحر" أن يأتي قرار الفصل من المجلس النيابي.

تجمعت علامات التوتر والعرقلة المستجدة لانتظام عمل الحكومة كالآتي:

- الرئيس عون يلح على ميقاتي لدعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد بمن حضر فيما يتجنب رئيس الحكومة تصعيد المواجهة مع الثنائي الشيعي، الذي سيعتبر تجاهل ممثلي الطائفة خرقاً لمبدأ "الميثاقية" في اتخاذ القرارات في السلطة التنفيذية بغياب ممثلي أحد المكونات الطائفية الرئيسة. ولم ينفِ أي من القصر الرئاسي والسراي الحكومي المعلومات عن أن عون ألح على ميقاتي أن يدعو مجلس الوزراء للاجتماع، باعتبار الأمر من صلاحيته الدستورية، حتى لو تغيب الوزراء الشيعة الخمسة، فطالبه ميقاتي بأن يتواصل مع الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، بصفته حليفاً له، كي يشرح له الحاجة الملحة إلى اتخاذ قرارات ضرورية وأن الدعوة ليست تجاوزاً للطائفة الشيعية، لكن عون رفض، وطلب من ميقاتي التواصل مع بري لهذا الغرض، في وقت كان رئيس الحكومة بذل مساعيه لدى رئيس البرلمان لهذا، لكن الأخير أصر على شرطه ونصر الله إيجاد مخرج لتقليص صلاحيات القاضي بيطار. أي أن كلاً من عون وبري رمى على الآخر مسؤولية الحصول على الضوء الأخضر من الثنائي الشيعي. ويعكس ذلك أيضاً استمرار الخلاف بين عون وبري، ومن ضمنه الخلاف على تحديد موعد الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، وعلى التعديل الذي أدخله البرلمان على قانون الانتخاب بإلغاء ستة مقاعد نيابية مخصصة للمغتربين وعدم اعتماد مراكز اقتراع في أماكن السكن، الأمر الذي دفع عون إلى رد هذه التعديلات، و"التيار الحر" إلى الطعن في هذا التعديل أمام المجلس الدستوري. فأوساط الفريق الرئاسي تتهم ميقاتي بمراعاة بري.

عون يريد مستشاريه في التفاوض مع صندوق النقد

- إن الحساسية بين عون وميقاتي تصاعدت نتيجة إصرار الأول على اشتراك مستشارين له في المفاوضات بين الفريق الوزاري، الذي يرأسه نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، وصندوق النقد الدولي، باعتبار أن من صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية الإشراف على التفاوض لعقد المعاهدات والاتفاقات مع الخارج، فيما تعتبر أوساط رئيس الحكومة أنه لا يعقل إقحام المستشارين (وبينهم المسؤول المالي في "التيار الوطني الحر" شربل قرداحي) في مفاوضات يتولاها وزراء متخصصون، ويعود الحسم فيها إلى مجلس الوزراء في نهاية المطاف، حيث يمكن لرئيس الجمهورية أن يكون له رأيه وموقفه. هذا فضلاً عن أن ميقاتي أوفد نائبه الوزير الشامي بصفته رئيساً للفريق الوزاري المفاوض إلى عون ليطلعه على المراحل التي بلغها التفاوض، إضافة إلى أنه أطلعه شخصياً في أكثر من اجتماع على مضمون المفاوضات الجارية. وتشكو أوساط وزارية أن مطلب إشراك مستشاري الرئاسة هو لرئيس "التيار الحر" جبران باسيل، وفقاً لعادته التدخل في شؤون تتعلق برئاسة الجمهورية. لكن حجة الفريق الرئاسي كانت أن وفد صندوق النقد الذي زار عون طلب إليه العمل على تسهيل المفاوضات لإنجاز اتفاق حول برنامج مساعدة لبنان. لكن الحساسية بين الرئاستين الأولى والثالثة تعود أيضاً إلى شعور الفريق الرئاسي بأن هناك ما يشبه التهميش والعزل لعون في الاتصالات والتحركات الخارجية الجارية حول الأزمات التي تعصف بالبلد، ومنها حول أزمة لبنان مع السعودية ودول الخليج، إذ تردد أن الرئيس اللبناني ممتعض من إجراء الاتصال الهاتفي من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أثناء اجتماعهما في 4 ديسمبر (كانون الأول)، حيث شمل بحث الأزمة مع لبنان، مع ميقاتي وليس معه بصفته رئيساً للدولة، فيما اكتفى ماكرون بإيفاد سفيرته في بيروت آن غريو لإطلاع رئيس الجمهورية على نتائج المباحثات. وتنأى الدبلوماسية الفرنسية بنفسها عن هذا النوع من الحساسية بين عون وميقاتي، وترد مصادرها في بيروت على إثارة هذه القضية بالقول إن الاتصال حصل مع ميقاتي لأن على عاتقه وحكومته اتخاذ الإجراءات المطلوبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي السياق يجري تواصل البعثات الدبلوماسية والسفراء في بيروت في معظمه مع ميقاتي أكثر من عون، الذي يرغب في إبراز دوره في إيجاد الحلول للأزمة الاقتصادية المالية الخانقة خلال السنة الأخيرة من عهده، نظراً إلى تأثير ذلك في الموقع الانتخابي لفريقه في الانتخابات النيابية المقبلة في الربيع. وزاد الطين بلة أن منسق المساعدات الدولية والفرنسية للبنان الموفد الفرنسي السفير بيار دوكين، الذي جال على عدد من المسؤولين، امتنع عن لقاء عون. ويزيد من عناوين الخلافات على الصلاحيات والأدوار الرئاسية التباين بين عون وميقاتي حول الموقف من إجراءات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة النقدية. فالأول يسعى إلى تغيير الحاكم مسؤوليته عن عدم ضبط سعر صرف الدولار، والأخير يرفض ذلك خشية تأثر سوق الصرف أكثر، في انتظار إنجاز خطة التعافي الاقتصادي والاتفاق مع صندوق النقد.

"حزب الله" يواصل سياسته ضد الخليج

وإذا كان هذا غيض من فيض الخلافات الرئاسية الكامنة والظاهرة، فإن السعي إلى تخفيف وطأة الأزمة مع دول الخليج، وهو ما يسعى إليه ميقاتي بالاستجابة للمطلوب من لبنان من أجل تبديد الاعتراضات الخليجية على ممارسات "حزب الله" حيال هذه الدول، بدءاً بضبط الحدود وعمليات تهريب المخدرات من لبنان إلى السعودية وغيرها، فإن الحزب بدلاً من أن يتيح المجال لميقاتي في خطوات حسن النية، أمعن في المواقف العدائية التي تثير حفيظة الدول الخليجية.

في هذا الخضم أتاحت بلدية منطقة العبيري في ضاحية بيروت الجنوبية التي يسيطر على مجلسها البلدي "حزب الله"، عقد مؤتمر صحافي -وجهت الدعوة إليه على أن يكون برعاية وزير الثقافة محمد بسام مرتضى الذي يمثل الثنائي الشيعي في الحكومة- لمجموعة بحرينية معارضة، ما دفع وزارة الخارجية البحرينية إلى توجيه كتاب إلى الجامعة العربية والخارجية اللبنانية، أعربت فيه عن "بالغ أسفها ‏واستنكارها لاستضافة العاصمة اللبنانية مؤتمراً صحافياً لعناصر معادية ومصنفة ‏بدعم ورعاية الإرهاب، لغرض بث وترويج مزاعم وادعاءات مسيئة ومغرضة ضد ‏البحرين". وصنفت الأخيرة ذلك بأنه "انتهاك صارخ لمبادئ احترام سيادة الدول ‏وعدم التدخل في شؤونها الداخلية"، مطالبة الحكومة بمنع هذه الممارسات. واضطر ذلك ‎ميقاتي إلى شجب وإدانة "التطاول على البحرين"، مطالباً بتحقيق في الأمر.

فقدان الأمل والتحسب للارتطام الكبير

وجاء هذا الحدث فيما تنامت الحملات الداخلية من معارضي "حزب الله" على مواقف قادته، متهمة إياه بالتسبب في الأزمات الداخلية، وبتدهور العلاقات مع دول الخليج الذي ينعكس مزيداً من تفاقم الوضع المعيشي.

بدا واضحاً للدول التي تواكب الأزمة اللبنانية، التي بينها توافق على ضرورة وقف تعطيل جلسات مجلس الوزراء، وتلح على القرارات الإصلاحية وتسريع التفاوض مع صندوق النقد واتخاذ إجراءات حسن النية حيال الدول الخليجية. وبموازاة تكرار ممثلي هذه الدول كل هذه المطالب لا تتوقع الكثير من السلطات اللبنانية في الظروف الراهنة. ويصف بعض المراقبين قناعات هذه الدول بأنها أقرب إلى فقدان الأمل، من دون إعلان ذلك. وهي لهذا السبب تسعى إلى اتخاذ تدابير تحت عنوان موجة جديدة من "المساعدات الإنسانية"، هدفها منع "الارتطام الكبير" بفعل التأزم المالي والمعيشي أو التخفيف من أضراره الكارثية إذا وقع. والمعني بالارتطام الكبير هو بلوغ الصعوبات المعيشية حد انعدام القدرة لدى مؤسسات الدولة والقطاع الخاص على تقديم الخدمات الأساسية والبديهية من كهرباء وتعليم واستشفاء ومواد غذائية.

وفي وقت تقدم الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية وبعض الدول العربية مساعدات دورية، لا سيما للجيش وقوى الأمن الداخلي غذائية وطبية، وللجمعيات الأهلية، باتت من ضمن برنامجها المتواصل حيال لبنان، كشفت السفيرة الفرنسية غريو في 13 ديسمبر في حديث تلفزيوني لشرح مفاعيل الاجتماع السعودي الفرنسي أن الشق المتعلق بالمساعدات الإنسانية للبنان في البيان المشترك الذي صدر عن الجانبين، أن "الفكرة هي إنشاء صندوق ائتماني وآلية كلاسيكية تشترك فيها الدولتان والشركاء الخليجيون لتمويل مشاريع تساعد الشعب اللبناني في شكل مباشر، وأن المساعدات لن تمر عبر الدولة اللبنانية".

والمعروف أن هذه المساعدات تقدمها الدول المعنية عبر المنظمات غير الحكومية، أو بالتواصل المباشر بين سفارات الدول المعنية والمؤسسات الرسمية مثل الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام في حال هناك مساعدات لها، وبالصلة المباشرة مع مؤسسات صحية واستشفائية ومدارس ومؤسسات تعليمية، سواء كانت رسمية أو خاصة. فالدول المانحة لا تثق بعدالة توزيعها عبر الوزارات التي تخضعها لمنطق المحاصصة وإفادة الأزلام منها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل