ملخص
اتجه #خالد_ الإسلامبولي إلى المنصّة وألقى قنبلة قبل أن يقوم بإطلاق النار على #السادات ومن حوله
منذ بداية القرن العشرين، هزّت العالم العربي عمليات اغتيال كثيرة غيّرت في مسارات الأحداث والتطورات وبدّلت في تاريخ المنطقة. معظم هذه الاغتيالات حصل بالرصاص قبل أن تتحول عمليات تفجير، وأكثرها كان نتيجة الصراع السياسي. "اندبندنت عربية" تفتح بعض ملفات هذه الاغتيالات، وفي هذه الحلقة نتناول قضية اغتيال الرئيس المصري أنور السادات في 6 أكتوبر (تشرين الأول) 1981.
لم يخطر ببال الرئيس أنور السادات أن يتمّ اغتياله في ذكرى حرب 6 أكتوبر التي اعتبر أنه حقّق فيها نصراً على الجيش الإسرائيلي، وخلال العرض العسكري. الرئيس الذي غامر بعقد اتفاقية كامب دايفيد مع إسرائيل كان يحتاط لمثل هذه النهاية. سقط على منصّة العرض ولكنّ معاهدة السلام لم تسقط معه.
نائب الرئيس رئيساً
الرجل الذي خلف جمال عبد الناصر لم يكن ظلّاً له واستمراراً لسياسته. دائماً كان الضابط أنور السادات في الخطوط الخلفية، منذ أعلن بصوته في 23 يوليو (تموز) 1952 قيام حركة الضبّاط الأحرار بالإنقلاب على حكم الملك فاروق وتحويل مصر إلى جمهورية. كان من بين ضبّاط الثورة ولكن ليس من قيادات الصفّ الأوّل إلى جانب عبد الناصر. وتبوّأ منصب رئيس مجلس الشعب الذي لم تكن له سلطة القرار في ظلّ قيادة الثورة وجمال عبد الناصر. وربّما هذا ما يفسره البعض بأنّه السبب وراء اختيار عبد الناصر له ليكون نائباً للرئيس في 15 ديسمبر (كانون الأول) عام 1969. لا عبد الناصر كان يتوقّع أنه سيموت بعد تسعة أشهر في 28 سبتمبر (أيلول) 1970، ولا السادات كان يتوقّع أنّه سيكون الرئيس الذي يخلفه بالتعيين أولاً ثمّ بالاستفتاء والانتخاب.
أكثر ما اقترن اسم عبد الناصر في الحكم باسم اللواء عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة المصرية ونائب قائدها الأعلى ووزير الحربية الذي تحمّل، أو حُمِّل، مسؤولية هزيمة عام 1967 فانتهى منتحراً. وأكثر من التصق بصورة العهد الناصري كان زكريا محيي الدين الذي صار رئيساً للحكومة ونائباً للرئيس ورئيساً للاستخبارات العامة، وصلاح نصر الذي صار أيضاً رئيساً للاستخبارات، وسامي شرف، الوزير الأسبق لشؤون رئاسة الجمهورية، وسكرتير الرئيس للمعلومات. لم يسلّم هؤلاء وغيرهم برئاسة السادات بسهولة، وفي المقابل لم يستسلم لهم، وعمل على أن يكون عهده "عهد السادات" وليس امتداداً لعهد عبد الناصر.
الضابط المشاغب
مثل عبد الناصر أتى السادات إلى الجيش والثورة والحكم من عائلة متواضعة. وُلِد في 25 ديسمبر عام 1918 في السودان حيث كان يعمل والده، والتحق بالكلّية الحربية في الجيش المصري عام 1935 ليتخرّج ضابطاً في العام 1938. ويبدو أنّه كان مشاكساً، حيث يُسجَّل له أنّه نشط ضد الحكم البريطاني في مصر، ودخل السجن في عام 1941، ثم فرّ منه في عام 1944، ليعود في عام 1945 إلى الالتحاق بالجيش. ثم اعتُقِل مرّة ثانية بعد اتهامه بعملية اغتيال أمين عثمان وزير المالية المؤيِّد للإنجليز، ولكنّه خرج بعد عامين بعد ثبوت براءته وعاد إلى الجيش وانضمّ إلى الضبّاط الأحرار في عام 1950.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بخلاف عبد الناصر عمل السادات على إعادة مصر إلى داخل الحدود. كانت الوحدة مع سوريا قد انهارت منذ عام 1961. وكان الخلاف قد وقع مع الحكم الذي قام في العراق بعد انقلاب 14 يوليو (تموز) 1958 بقيادة العقيد عبد الكريم قاسم، ثم مع الحكم الذي أتى بعده، وكانت الثورة الجزائرية قد انتصرت وصار للجزائر رئيس هو أحمد بن بلة الذي أزاحه هواري بومدين بعد أقل من سنتين عام 1965. وكانت حرب اليمن قد انتهت وانتهت معها تجربة كانت مؤلمة للرئيس عبد الناصر وللجيش المصري. وكانت مصر قد خرجت مهزومة من حرب 1967 وخسرت شبه جزيرة سيناء عندما عيَّن عبد الناصر السادات نائباً له في عام 1969. كان يملأ منصباً لم تكن له صلاحيات فعلية ولم يكن يتوقّع أن يواجِه خطر الموت نتيجة أزمة صحّية مفاجئة. هكذا وضع القدر السادات في أعلى منصب في الجمهورية المصرية بعد الاستفتاء الذي جرى في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 1970 وصار الرئيس الثاني للجمهورية المصرية.
الرئيس الحاكم لا الرئيس الظلّ
كانت المواجهة الأولى التي خاضها السادات مع رجال عبد الناصر الذين اعتبروا أنهم كانوا أجدر منه بتسلّم السلطة، وربّما كان بعضهم يعتبر أنّه غير جدير بتسلّم هذا المنصب. ولذلك قام في أبريل (نيسان) 1971 بحركته التصحيحية داخل السلطة وأبعدهم عن مراكز القوى. عندما عزل علي صبري الذي كان عيّنه نائباً له تضامن معه آخرون واستقالوا للضغط على السادات، فاتهمهم بمحاولة الانقلاب عليه واعتقل عدداً منهم.
لم تكن تلك نهاية المفاجآت في حكم السادات. خلال عامين كان خطّط لإعادة تجهيز وتقوية الجيش المصري من دون الحاجة إلى الخبراء السوفيات الذين اتّخذ القرار بإعادتهم إلى روسيا. كان قراره جريئاً ولكن المفاجأة الأكبر كانت في حرب 6 أكتوبر 1973 التي شنّها لاستعادة سيناء، بالتنسيق أولاً مع رئيس النظام السوري حافظ الأسد الذي شنّ الحرب على جبهة الجولان. ولكن العبور الذي تحقّق على جبهة سيناء كان نصراً محدوداً انتهى إلى عبور إسرائيلي معاكس وإلى قرار السادات وقف الحرب على الجبهة المصرية، بينما كان الجيش الإسرائيلي يحقّق خرقاً آخر على الجبهة السورية. منذ ذلك التاريخ سيقع الخلاف بين الأسد والسادات وسيبدأ مسار السادات المستقل نحو استراتيجية مصرية لاستعادة سيناء تمثّلت باتفاقية فصل القوات أولاً التي ترافقت أيضاً مع اتفاقية مماثلة بين سوريا وإسرائيل في الجولان في مايو (أيار) 1974. ولكن تلك لم تكن إلّا بداية جديدة للسادات ولمفاجآته.
في عام 1977 فاجأ العالم عندما تحدّث في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) عن زيارة القدس. لم يتم أخذ كلامه على محمل الجدّ إلا عندما هبطت طائرته بعد عشرة أيام في إسرائيل وبقي هناك ثلاثة أيام، وألقى خطاباً في الكنيست الإسرائيلي متحدثاً عن السلام. كان السادات قد أصبح واثقاً من قوّته داخل السلطة والحكم في مصر حتى يتّخذ هذه الخطوة التي تصل إلى حد الانقلاب على المفاهيم التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وتقوم على التحضير الدائم للحرب والمواجهة مع إسرائيل، وليس على السلام. بقي السادات في إسرائيل ولم يَخَف من الانقلاب عليه قبل سفره أو قبل عودته. وربّما كان واثقاً أيضاً من أنّه يتمتّع بالحماية اللازمة التي تمنع عنه الاغتيال. كان يتّجه إلى انقلاب كامل على استراتيجية عبد الناصر ولم يتوقّف عند احتمال معاداة الدول العربية له. وهذا ما حصل في النتيجة عندما مضى قُدماً في عقد اتفاقيات كامب دايفيد مع إسرائيل ووقّع عليها مع مناحيم بيغن في 17 سبتمبر 1978 وعندما وقّع معاهدة السلام في 26 مارس (آذار) 1979 وشاركه في التوقيع الرئيس الأميركي جيمي كارتر ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغن، ولم يَخَف خلال تلك الفترة وخلال وجوده في واشنطن لأكثر من عشرة أيام من الانقلاب عليه أيضاً. كان اتخذ قراراته واستعاد سيناء وأعاد فتح قناة السويس أمام الملاحة الدولية ولم يتوقّف عند قرار مقاطعة الدول العربية له وإعلان جبهة الصمود والتصدي ضدّه ونَقْلِ مقرّ جامعة الدول العربية من القاهرة إلى تونس.
الاغتيال
عام 1981، في الاحتفال بالذكرى الثامنة لحرب 6 أكتوبر، جلس الرئيس السادات بكامل هندامه العسكري على المنصة الرئيسة، وحوله مساعدون له وضيوف، لمتابعة العرض العسكري الذي بدأ الساعة 11. كان إلى يمينه نائبه محمد حسني مبارك، ثم الوزير العُماني شبيب بن تيمور مبعوث السلطان قابوس الذي لم يقطع علاقة سلطنة عمان بالقاهرة، وإلى يساره المشير عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع... كان الحاضرون يتابعون عرض طائرات "الفانتوم" وهي تمارس ألعاباً بهلوانية في السماء، ثم تقدّم قائد طابور المدفعية لتحيّة المنصّة، وحوله عدد من راكبي الدراجات النارية، وفجأة توقّفت إحدى الدراجات بعد أن أصيبت بعطل مفاجئ، ونزل سائقها وراح يدفعها أمامه، لكن سرعان ما انزلقت قدمه، ووقع على الأرض، والدراجة فوقه فتدخّل جندي كان واقفاً إلى جوار المنصة، وأسعفه بقليل من الماء.
كل هذا حدث أمام الرئيس والجمع المحيط به، وأسهمت تشكيلات الفانتوم وألعابها في صرف نظر الحاضرين واهتمامهم. ولكن، في تمام الثانية عشرة وعشرين دقيقة، كانت وصلت عربة تجرّ مدفعاً كورياً عيار 130 ملم، وأصبحت أمام المنصة تماماً، وفي لحظات وقف القنّاص حسين عباس، وأطلق النار باتجاه السادات وأصابه، بينما أمر خالد الإسلامبولي السائق بالتوقف، ونزل مسرعاً واتجه إلى المنصة وألقى قنبلة قبل أن يقوم أيضاً بإطلاق النار على السادات والموجودين قربه على المنصة بعدما حاول السادات أن ينهض واقفاً بعد إصابته في عنقه وهو يصرخ، بينما اختفى جميع الحضور أسفل كراسيهم. وتحت ستار الدخان، وجّه الإسلامبولي دفعة طلقات جديدة إلى صدر السادات، في الوقت الذي ألقى فيه كل من عطا طايل قنبلة ثانية، لم تصل إلى المنصة، ولم تنفجر، وعبد الحميد عبد السلام قنبلة ثالثة وصلت إلى الصف الأول ولم تنفجر. بعدها قفز الثلاثة وهم يصوّبون نيرانهم نحو الرئيس، وكانوا يلتصقون بالمنصة يمطرونه بالرصاص. بعدما سقط السادات على وجهه مضرجاً بدمائه انطلقوا يركضون عشوائياً، قبل أن يُعتَقلوا ويبدأ التحقيق معهم.
المتهمون بالاغتيال
أبرز المتهمين بعملية الإغتيال كانوا:
خالد الإسلامبولي: ضابط عامل باللواء 333 مدفعية، هو المخطط والمنفذ الرئيس لعملية الاغتيال، أُصيب في ساحة العرض وتم القبض عليه.
عبود الزمّر: ضابط بالاستخبارات الحربية شارك في تخطيط وتنفيذ عملية الاغتيال، وهو الذي اختار فكرة الهجوم بشكل مباشر على المنصة من الأمام.
حسين عباس: قناص بالقوات المسلّحة، كان ضمن فريق الاغتيال المنفّذ للعملية، وكان يجلس فوق سيارة نقل الجنود التي كانت تقل فريق التنفيذ، وانتظر حتى حصل على فرصة اقتناص السادات وأطلق طلقة واحدة اخترقت رقبة الرئيس الراحل وكانت من الأسباب الرئيسة لوفاته، وبعد قنص السادات ترجل من السيارة وتابع ما حدث لزملائه من خلال تسلله إلى منصة المشاهدين ثم رحل كأي شخص عادي ولم يُقبض عليه إلا بعد ثلاثة أيام من خلال اعترافات زملائه تحت التعذيب.
عطا طايل: ملازم أول مهندس احتياط
عبد الحميد عبد السلام: ضابط سابق بالدفاع الجوي
في 6 مارس أصدرت المحكمة العسكرية المصرية الأحكام في قضية اغتيال السادات وقضت بإعدام كل من خالد الإسلامبولي وعبد الحميد عبد السلام علي وعطا طايل حميدة وحسين عباس محمد ومحمد عبد السلام عطية وقضت بالأشغال الشاقة المؤبدة لكل من المقدم عبود عبد اللطيف الزمّر وطارق عبد الموجود الزمر... وتفاوتت الأحكام على عدد آخر من المتّهمين بينما تمّت تبرئة الشيخ عمر عبد الرحمن الذي اتّهم لاحقاً بمحاولة تفجير مبنى التجارة العالمية في نيويورك بواسطة شاحنة مليئة بالمتفجّرات عام 1993 قبل سبعة أعوام من عمليات 11 سبتمبر 2001 التي استهدفت البرج نفسه. واعتُقِل في الولايات المتحدة الأميركية حيث توفّي في السجن في 18 فبراير (شباط) 2017. وهو كان من بين الإسلاميين الذين أطلَق سراحهم السادات بعدما كان اعتُقلوا خلال ولاية الرئيس عبد الناصر. وفي تقييم لهذه المسألة هناك من يعتبر أنّ عبد الناصر ارتكب خطأ التخفيف عن الإسلاميين الأمر الذي أدى إلى محاولة اغتياله في حادث المنشية، كما أخطأ السادات بإطلاق سراحهم والتمهيد لقرار اغتياله. وعندما حاول استدراك الأمر وتنفيذ عمليات اعتقال شاملة لعدد من الإسلاميين والمعارضين، ولبابا الكنيسة الأرثوذكسية شنودة، كان قد تأخّر كثيراً.
عقب اغتيال السادات تولّى صوفي أبو طالب رئاسة الجمهورية موقتاً لمدة ثمانية أيام وذلك من 6 إلى 14 أكتوبر 1981 حتى حصل انتخاب محمد حسني مبارك رئيساً للجمهورية.