Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

كيف أصبح بلوغ سن الـ30 مرعبا لجيل يسيطر عليه القلق؟

إذا كانت جميع الدلالات على بلوغ سن الرشد – وظيفة براتب جيد وامتلاك منزل والفرصة لتكوين أسرة - تبدو بعيدة من منال من هم في العشرينيات من عمرهم اليوم، فلماذا لا يزال بلوغ سن الـ30 يثير مخاوف كثيرة؟

مع اقتراب بلوغ سن الـ30، كانت تطارده فكرة أن الحياة على وشك البدء بـ"تعقبه" (وارنر براذرز)

ملخص

إذا كانت جميع الدلالات على بلوغ سن الرشد – وظيفة براتب جيد وامتلاك منزل والفرصة لتكوين أسرة - تبدو بعيدة من منال من هم في العشرينيات من عمرهم اليوم، فلماذا لا يزال بلوغ سن الـ30 يثير مخاوف كثيرة؟ 

ذهبت أخيراً لقضاء عطلة نهاية أسبوع في احتفال عيد ميلاد مشترك مع 10 من أصدقائي الذين أعرفهم منذ الطفولة. كنا جميعاً بلغنا سن الـ30 أو على وشك ذلك. ونحن ثمالى في أحد المساكن المستأجرة في دورست، شغلنا الفيلم الكوميدي الرومانسي "من 13 إلى 30" 13 Going on 30 الكلاسيكي عن السفر عبر الزمن. هل هناك فيلم آخر أفضل يمكننا اختياره؟ ضحكنا معاً على التصوير المتخيل للحياة في سن الـ30 في الفيلم: العيش في شقة فاخرة في مانهاتن والحصول على وظيفة تحريرية عالية المستوى في مجلة وغرفة كاملة مخصصة للملابس ولا ديون دراسية تلوح في الأفق. لكننا شعرنا أيضاً بعدم الارتياح من حقيقة أن المرة الأخيرة التي شاهدنا فيها الفيلم معاً كانت عند إطلاقه عام 2004. حينها، كنا جميعاً في عمر 11 سنة و- مثل بطلة الفيلم المراهقة التي تستحضر نفسها المستقبلية بطريقة سحرية، وتتمنى أن تكون "في الـ30، ومثيرة ومزدهرة" – كنا تواقين إلى تجاوز فوضى المراهقة والوصول إلى مرحلة البلوغ، حين ستبدأ الحياة فعلاً كما تخيلنا. لكن وها قد وصلنا أخيراً إلى هناك، لماذا بدا الأمر، ليس وكأن الحياة قد انتهت بالضبط، لكن وكأن جزءاً كبيراً منها يصل إلى نهايته؟

مع اقترابي من سن الـ30، كان من المستحيل عدم ملاحظة كيف أن هذه "العلامة العمرية الفارقة" بالذات لا تزال قادرة على إفقاد الناس عقولهم. فجأة، كان الجميع من حولي يتحدثون عن الأطفال والقروض العقارية، لكن اللافت كانت نبراتهم التي تراوحت بين السخرية والعدمية (مثل "لا يمكنني إنجاب طفل، فأنا نفسي طفل") إلى الذعر الخالص ("سأظل ساكناً بالأجرة إلى الأبد"). مع ظهور مرحلة الحياة الكبيرة في الأفق، اتخذ الناس قرارات كبيرة في الحياة – ولكنها كذلك قرارات مصممة لتأجيل "جماليات سن الرشد" لفترة أطول قليلاً على ما يبدو. يقوم الناس العاملون في وظائف مستقرة بتركها فجأة، بينما باع آخرون متعلقاتهم وسافروا، شخصان في الأقل ممن أعرفهم انتقلا إلى أستراليا. تبادل الجميع السؤال نفسه: "كيف تشعر حيال بلوغك الـ30 من العمر"، وكانت إجابة الجميع "لا بأس تماماً" بينما لمعت نظرة مخبولة في أعينهم.

اقرأ المزيد

تشير أبحاث إلى أن ذعر الاقتراب من سن معينة يتجاوز بكثير القصص المتداولة - وفقاً لمسح أجري عام 2022 لمصلحة مؤسسة "ريليت" الخيرية لدعم العلاقات، فإن 77 في المئة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 25 و39 سنة و83 في المئة ممن هم بين 16 و24 سنة- يشعرون بالضغط عند اقترابهم من العلامات الفارقة التقليدية في الحياة. كشفت المؤسسة الخيرية أيضاً عن أن "القلق من العلامات الفارقة" هو موضوع يتزايد طرحه في جلسات العلاج النفسي. لكن السؤال المهم هو "لماذا"؟ لماذا تحمل مراحل عمرية معينة مثل هذا الثقل ومثل هذا التأثير العاطفي؟ ما الذي يسبب كثيراً من القلق والخوف في بلوغ سن الـ30 على وجه الخصوص؟

تخبرني إيمي*، وهي في الـ33 من عمرها الآن: "نحن نركز على الخسارة وليس الربح عندما نتقدم في السن... أعتقد بأن الجزء المخيف يأتي من توقع أنك بعد عمر الـ 30 سنة يجب أن تكوني أكثر استقراراً – تعرفين ما المهنة التي تريدين اتخاذها وتقومين بذلك العمل، تعيشين في مكان تشعرين بأنه منزلك، أو أن يكون لديك أطفال، أو تبدئين في إنجاب الأطفال إذا كنت راغبة في ذلك". هذا التوقع بالاستقرار – بأنك "حللت الأمور" – قد يجعل الفترة التي تسبق عمر الـ 30 سنة تبدو مثل العيش في طنجرة ضغط. تقول إيمي: "لا أحد يبتهج لبلوغ سن الـ 30 مثلما يفعلون عند الوصول إلى الـ 21... تمثل سن الـ 21 بداية حقبة وتمثل الـ 30 نهاية حقبة". يتردد صدى هذا الشعور لدى إيلينور التي بلغت الـ30 من العمر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وتقول: "لقد نشأنا على فكرة أن الحياة تنتهي عند سن الـ30". على رغم اعترافها بأن الجميع يعرفون أن هذه "كذبة بالكامل"، إلا أنها تقول إن الفكرة لا تزال تسهم في الإحساس بأنك "قمت بالجزء الجيد وما تبقى أمامك هو التقدم في السن".

يبدو أن جزءاً من المشكلة هنا يكمن في مدى تمجيد الثقافة المعاصرة كون المرء في العشرينيات من العمر. في إطار الصناعات الإبداعية على وجه الخصوص، يتم منح عدد من الجوائز والفرص للممارسين "الناشئين" – وهذا يعني أحياناً من هم تحت عمر الـ 25 سنة ومن هم أقل من 30 سنة بشكل دائم تقريباً. أصبحت قائمة مجلة "فوربس" التي تتضمن "30 شخصية ناجحة تحت سن الـ 30" عنصراً أساسياً في وسائل الإعلام، مغذية الشعور بأن الـ 30 هي نقطة انقطاع من نوع ما وتصبح الإنجازات بعدها أقل أهمية، بحيث "من المفترض" أنك أصبحت راسخاً ولست "ناشئاً" فحسب في تلك السن. هناك رواية اجتماعية منتشرة مفادها بأن مرحلة العشرينيات مخصصة للاستكشاف والمغامرة والمتعة، ولكن أيضاً لتسوية الأمور وترسيخ نفسك في العالم. يتم إلغاء عدم الاستقرار وعدم اليقين في العشرينيات من العمر – أو تتم الإشادة بهما حتى كجزء لا يتجزأ من "كونك شاباً" - لكن إذا وجدت نفسك بعد ذلك في نهاية العقد من دون شريك عاطفي دائم ووظيفة "جيدة" ومدخرات كافية في حسابك المصرفي، فربما يتسلل إليك شعور مزعج بالفشل. تقول إيلينور: "نشأنا مع فكرة أننا بحلول سن الـ30 سنكون متزوجين ولدينا أطفال ومنزل"، مشددة على أن هذه "النسخة التقليدية للغاية من الحياة" تتغير، لكنها تضيف أن "التخلص من علامات النجاح تلك المغروسة في اللاوعي صعب للغاية" على المستوى الشخصي.

على مدى الأعوام الستة الماضية، عملت هانا كمدرسة للغة الإنجليزية في شمال لندن. بكل المقاييس، يبدو أنها حققت نجاحاً في العشرينيات من عمرها، ولم تجد الوظيفة فحسب، بل وظيفة استمتعت بها وتفوقت فيها على حد سواء، إذ تمت ترقيتها أخيراً. ومع ذلك، في الفترة التي سبقت بلوغها سن الـ30 الشهر الماضي، وجدت نفسها هي الأخرى محاصرة بالشك في الذات - بشعور "أنني فشلت في حياتي"، كما تقول. كانت تشعر بالتعب والتوتر المزمن وظلت تمرض. كان المعلمون الآخرون في محيطها يستقيلون، وكانت هانا تدرك بشكل مستمر أنها، مثلهم، تعاني حال إرهاق شديدة - لكن الصوت الذي يتردد في داخلها كان يقول إنها "لم تكن في المكان الذي ينبغي أن تكون فيه" وإنها كانت فاشلة، "مما يعني أن وظيفتي كانت الشيء الذي كنت أتشبث به، على رغم أنها لم تكن تجعلني سعيدة جداً". أخيراً، قبل أسابيع قليلة من عيد ميلادها الـ30، استقالت هانا. تقول: "وصلت إلى مرحلة كنت أقول فيها لنفسي ’إذا عشت حياتي كما لو أنها انتهت، فستكون الحال كذلك‘".

قيل كثير عن معاناة "جيل الألفية"، "المراهقة الطويلة": فيصلون إلى "الاستقرار" في وقت متأخر مقارنة بالأجيال السابقة ويغيرون وظائفهم أكثر ويعيشون مع أهاليهم أو في مساكن مشتركة لفترة أطول. ربما يفترض بعض الناس أن كل هذا القلق حيال بلوغ سن الـ 30 نابع من الرغبة في إطالة أمد مرحلة المراهقة إلى أبعد من ذلك - وأنه يأتي من الإحجام عن قبول حقائق سن الرشد وأن "جيل الألفية" هو أيضاً "جيل هش". لكن بالنسبة لي، يبدو بوضوح أن العكس هو الصحيح. بالنسبة إلى من هم في العشرينيات من عمرهم اليوم، فإن سن الرشد بعيد المنال إلى الأبد، وفي الواقع، نحن لم نكن نستمتع كثيراً حقاً على أي حال.

تصطدم الروايات الثقافية السائدة حول "مؤشرات النجاح" في عالم شهدت فيه الأجور ركوداً والإيجارات وأسعار المساكن ارتفاعاً كبيراً، كما أدى التوسع في التعليم الجامعي الذي تلاه إدخال رسوم دراسية بقيمة 9 آلاف جنيه استرليني إلى ترك مجموعة كبيرة من الشبان محملين بديون تزيد على 50 ألف جنيه. يقدر معهد الدراسات المالية بأن ثلاثة أرباع الخريجين لن يتمكنوا على الإطلاق من سداد كل هذا المبلغ، في حين تفيد "قائمة المسح السنوي لساعات العمل والأجور" الخاص بمكاسب الفئات العمرية الذي نشره المكتب الوطني للإحصاء بأن متوسط الدخول لمن تتراوح أعمارهم بين 22 و29 سنة في المملكة المتحدة يبلغ 25178 جنيهاً استرلينياً. وفي ظل ارتفاع متوسط الإيجارات الشهرية خارج لندن إلى مستوى قياسي بلغ 1190 جنيهاً استرلينياً في الربع الأول من هذا العام، فهل من المستغرب الوصول إلى علامات الحياة الفارقة التقليدية في وقت لاحق؟ عندما تسعى فقط إلى تأمين إيجار مسكنك، فإن إنجاب الأطفال قبل سن الـ 35 ربما يبدو آخر شيء يدور في ذهن أي شخص (خصوصاً أن كلف رعاية الأطفال ترتفع أيضاً والعمالة غير المستقرة تصبح أكثر شيوعاً بين من هم دون عمر الـ 30).

هذه الخلفية السياسية هي أيضاً سبب اعتقادي بأن "القلق من الـ30" مرتبط بلا شك بالهوية الجنسية للشخص. سمعت من أشخاص كثيرين – تتراوح أعمارهم بين العشرينيات والستينيات - أن النساء يخفن بلوغ سن الـ30 والرجال يخافون بلوغ سن الـ40. بالتأكيد، تواجه النساء مجموعة مختلفة من التوقعات الاجتماعية عندما يتعلق الأمر بالتقدم في السن، يبدو صوت النظام الأبوي المتحيز على أساس الجنس والسن كثيراً مثل لاوعي ليوناردو دي كابريو. على كل حال، يبدو أن معظم النقاش الذي شهدته حول هذه العلامة العمرية الفارقة يبدأ من افتراض أن الأمر برمته بيولوجي، وأن المشكلة تعود للقنبلة الزمنية الموقوتة في أجساد النساء. عند التحدث إلى نساء في بدايات ونهايات الـ30، لم يكن الشعور السائد هو القلق من فكرة "نفاد الوقت"، ولكن الإحباط من أن المحادثات حول "تنظيم الأسرة" مرتبطة بهن وليس بالرجال في سنهن. على سبيل المثال، تقول هولي البالغة من العمر 33 سنة إنها "لاحظت تغييراً منذ بلوغ سن الـ30 في عدد المرات التي شعر فيها أشخاص من أجيال أكبر سناً بأنه لا بأس في سؤالها متى ستنجب أطفالاً أخيراً".

أي اعتقاد بأن القلق الأساسي يؤثر في النساء فقط أو أنه متعلق بالخصوبة فحسب، يبدو مضللاً في أحسن الأحوال، وفي أسوأ الأحوال يديم الصور النمطية الضارة حول دور المرأة في المجتمع. بالتأكيد، كل المحادثات التي أجريتها مع رجال ونساء على حد سواء تكشف عن شيء صارخ أكثر حول بلوغ الـ30 من العمر، وكيف أن السن محملة بمخاوف خفية وأكثر عمقاً - حول كيفية العبور في العالم المعاصر وكيف يبدو النجاح والفشل وكيف يبدو أن الاستقرار والسعادة والأمل هشة وسريعة الزوال.

دان، مسؤول برامج كبير في برنامج المنح الدراسية والزمالات الدولية، بلغ الـ30 من العمر في الخريف الماضي. قال لي إنه عانى في مرحلة العشرينيات، موضحاً: "استغرق بناء خبراتي والوصول إلى مكان أكون مرتاحاً فيه وقتاً طويلاً، وكان هناك كثير من التعاسة على طول الطريق". ومع ذلك، شعر دان في الوقت نفسه بشيء من الحرية. يشرح: "كان الناس يقولون لي دائماً ’لا داعي للقلق في شأن عمرك لأن العشرينيات هي لنفسك، وبعدها تبدأ الحياة في تعقب سنك بعد ذلك‘... لهذا، كنت ذهنياً أركز دائماً على فكرة أنه لا فرق بين أن تكون في الـ 24 أو الـ 29  من عمرك، لأنني أفعل فقط ما أريد القيام به الآن". في الـ29 من عمره، "وصل إلى نقطة كان فيها سعيداً حقاً". لكن مع اقتراب بلوغ سن الـ30، كانت تطارده فكرة أن الحياة على وشك البدء بـ"تعقبه"، وظل يقول لنفسه "أنا في مكان جيد الآن وبالتأكيد لا أريد التخلي عنه".

في يوم عيد ميلاده الـ30 تحديداً، قال دان إنه شعر "بالإرهاق التام لأن أفعالي السيئة كانت ستعود علي، وكل ما كنت أبحث عنه في العشرينيات من عمري من حيث السعادة والراحة ذهب في مهب الريح لأنني يجب أن أبدأ بدفع الثمن لأني صرت في الـ 30 من عمري". بشكل أساسي، يعتقد بأن "شبح المسؤولية" هو الذي تسبب في هذه الزوبعة العاطفية. ومع ذلك، يبدو لي أن كلامه يشير أيضاً إلى مدى الشعور العدائي الذي يكنه المجتمع المعاصر تجاه الشبان اليوم – وماهية السعادة الموقتة التي يحصل عليها المرء بصعوبة، في حين أن الضغط لتحقيق توقعات المجتمع يبدو آخذاً في الصعود.

سأبلغ سن الـ 30 بعد شهر، وفي بعض الأحيان، كانت احتمالية حدوث ذلك تبدو وكأنه قد تم تسليط ضوء مبهر على كل جزء من حياتي، مظهراً كل الأجزاء الفوضوية والعبثية، كل الأشياء التي أود تغييرها. تعترف هانا: "صرت حسودة حقاً... وقللت من قيمة الأشياء التي أمتلكها، بينما بالغت في تقدير الأشياء التي لم تكن لدي". لكن منذ استقالتها من وظيفتها، بدأ هذا الشعور يتلاشى. تقول إن السؤال الرئيس الذي لا تزال تطرحه على نفسها الآن هو: "إذا كانت هذه هي حياتي، فكيف يمكن أن تبدو - ليس من حيث ما قد [تحتويه]، ولكن كيف يمكنني أن أشعر حيال عيشها؟". على كل حال، كان عليها كي تبدأ اكتشاف ذلك أن تتخلى عما يعتبره المجتمع نجاحاً. تضيف: "أجد صعوبة في فصل تقدمي في السن عن العالم الذي أكبر فيه".

في حال من الأزمة الدائمة، في ظل حكومات متعاقبة مناهضة للشبان بقيادة حزب المحافظين، فإن هذه مهمة صعبة. ومع ذلك، على المستوى الشخصي، ربما يكون الجواب الوحيد هو محاولة رؤية نماذج "سن الرشد الناجحة" كما هي: مجرد خيال. منذ بلوغه الـ30 من عمره، أدرك دان أن "شيئاً لم يتغير". يقول: "رجعت بالزمن حتى... أنا ألعب لعبة ’كراش بانديكوت‘ واشتريت بطاقات بوكيمون من متجر ’إي باي‘ الإلكتروني أخيراً، وأستمتع بتركيب قطع الليغو من سلسلة ’حرب النجوم‘ وتركت وظيفتي للتو". يضيف ضاحكاً: "لا أعرف ما إذا كان هذا يعتبر أزمة منتصف العمر، لكن ربما يكون كذلك!"

* تم تغيير أسماء المتحدثين.

© The Independent

المزيد من منوعات