Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مذبحة كاتين" بين البطش السوفياتي وأخطاء الروس

نشر معلومات جديدة يعيد "الجدل" حول مسؤولية ستالين عن إعدام 20 ألف ضابط بولندي

مراسم تذكارية بأوكرانيا للضباط البولنديين الذين قتلوا في "مذبحة كاتين" التي وقعت خلال الحقبة السوفياتية عام 1940 (أ ف ب)

ملخص

عاد الجدل ليحتدم مجدداً حول "المسؤولية" التي لطالما ضاعت حقائقها ومفرداتها لعقود طويلة منذ سنوات الحرب العالمية الثانية حول ما يعرفه العالم والتاريخ تحت اسم "مذبحة كاتين".

عاد الجدل ليحتدم مجدداً حول "المسؤولية" التي لطالما ضاعت حقائقها ومفرداتها لعقود طويلة منذ سنوات الحرب العالمية الثانية حول ما يعرفه العالم والتاريخ تحت اسم "مذبحة كاتين"، التي راح ضحيتها زهاء 22 ألفاً من الضباط البولنديين، وعدد من ممثلي الجنسيات والقوميات الأخرى. 

وفيما تواصل السلطات البولندية اتهاماتها لموسكو عن مسؤوليتها تجاه إعدام الضباط البولنديين بأوامر صريحة من الزعيم السوفياتي الأسبق يوسف ستالين أصدرها إلى وزير داخليته لافرينتي بيريا، تعود روسيا لتنشر على الموقع الرسمي لأرشيف الدولة الوثائق التي تميط اللثام عما تراه الحقيقة في هذه الاتهامات، ومنها ما تردد حول مسؤولية "السلطات النازية الهتلرية" تجاه هذه الجريمة البشعة، وذلك على نحو يضيف مجدداً كثيراً من الحيرة والارتباك تجاه ما تناولته الأدبيات الروسية إبان سنوات حكم الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين في أكثر من مناسبة.

عادت المصادر الروسية لتنقل عن مصادر جهاز الأمن والاستخبارات الفيدرالي (FSB) - إدارة سانت بطرسبورغ، وثائق تتعلق بعملية لينينغراد في الفترة 1945-1946 في شأن الجيش الألماني المتورط بعمليات الإعدام الجماعية للمدنيين في الأراضي المحتلة.

وقالت صحيفة "وقائع وبراهين" الأسبوعية الروسية إن من بين المواد التي أزيح عنها النقاب نسخة من محضر أحد اجتماعات المحكمة العسكرية لمنطقة لينينغراد العسكرية (LVO)، الذي كان مقاتل كتيبة "المهام الخاصة" الألمانية أرنو دوريت أدلى خلاله بشهادته على "واقعة إطلاق النار" على الضباط البولنديين في كاتين عام 1941.

وأضافت الصحيفة التي لطالما عرف عنها الصدقية و"الميل إلى التوثيق"، أنه وبموجب ما قاله دوري "خلد الجنود الألمان إلى النوم خلال النهار، استعداداً للعمل ليلاً في حفر خندق بعمق 15-20 متراً في غابات كاتين، حيث تم (إلقاء) من نقلتهم وحدات (أس أس) الألمانية إلى أعماقه".

وفي عام 1943، خلال إحدى إجازاته التي عاد فيها إلى منزله، حدث أن شاهد دوري صورة لموقع المقبرة الجماعية كانت نشرته إحدى الصحف، يذيلها تعليق يقول إن الروس فعلوا كل هذا، وهو ما علق عليه بقوله "أخبرت والدتي أنه ليس الروس هم الذين فعلوا ذلك، لكن الألمان، إلا أن والدتي لم تصدقني".

مقبرة جماعية

وكانت وكالة أنباء "سبوتنيك" الروسية الحكومية أعادت نقل هذه الرواية في توقيت مواكب لاحتفالات بولندا التي تقيمها في 13 أبريل (نيسان) من كل عام تخليداً لذكرى "ضحايا كاتين"، وذلك ما بادرت السلطات الألمانية بالتعليق عليه بإعلان عن العثور على مقبرة جماعية للجنود البولنديين "يزعم" أن قوات " "NKVD(وزارة الداخلية) أطلقت النار عليهم في غابات كاتين.

وقالت المصادر الروسية إن ما نشره جهاز الأمن الفيدرالي (FSB) من وثائق يؤكد عدم مشاركة روسيا في الحادثة. غير أن من الوثائق والأدبيات الروسية، وجدنا ما يشير إلى أن هناك فيما شهده الاتحاد السوفياتي خلال آخر سنواته من "جدل ولغط وفضائح، واتهامات متبادلة"، بين الليبراليين والديمقراطيين الجدد من جانب، والمحافظين والحرس القديم من أساطين الحزب الشيوعي السوفياتي من جانب آخر، ما يقول أيضاً إن ميخائيل غورباتشوف، وكان أول من سارع إلى الاعتراف بما قالته بولندا حول تصفية مواطنيها في كاتين، سلم بوريس يلتسين "الحزمة رقم 1" من هذه الوثائق التي كانت منها وبحسب تصريحات أندريه أرتيزوف مدير أرشيف الدولة "مذكرة من مفوض الشعب للشؤون الداخلية بيريا بتاريخ مارس (آذار) 1940 تتضمن مقترحات حول إعدام وتصفية الضباط البولنديين أسرى الحرب".

ونقل أرتيزوف كذلك ما نصت عليه مذكرة بيريا (وزير داخلية ستالين) حول وجود 14 ألفاً و736 ضابطاً ومسؤولين وملاك أراضٍ ورجال شرطة ودرك وسجانين سابقين في معسكرات أسرى الحرب إجمالاً، باستثناء الجنود وضباط الصف (الذين تم الإفراج عنهم بعد ذلك). وقال أرتيزوف "إن أكثر من 97 في المئة من هؤلاء كانوا بولنديين".

وتشير الوثائق كذلك إلى أن تلك المذكرة تتضمن بين طياتها قرارات ستالين الأصلية وعدد من أعضاء المكتب السياسي الآخرين، ومنهم فوروشيلوف ومولوتوف وميكويان، إلى جانب نص قرار المكتب السياسي الصادر في 5 مارس 1940، بالموافقة على مقترحات بيريا حول إعدام الضباط البولنديين.

ملف خاص

ووجدت على هامش القرار ملاحظة كتبت بالقلم الرصاص حول أن هذه القضية وضعت في ملف خاص، وتم اعتماد القرار المقابل للمكتب السياسي في شأنها، فضلاً عن مذكرة مكتوبة بخط اليد مؤرخة في عام 1959، حيث أبلغ ألكسندر شيليبين رئيس الاستخبارات السوفياتية آنذاك، قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي عن "تدمير" ملفات الضباط البولنديين الذين تم إعدامهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن المعلومات ما يقول أيضاً إنه جرى في أكتوبر (تشرين الأول) 1990، ونيابة عن بوريس يلتسين، تسليم نسخ من الوثائق إلى الرئيس البولندي ليخ فاليسا، وتم نشرها في بولندا.

وأضاف مدير أرشيف الدولة أن القادة السوفيات ممن خلفوا ستالين في حكم الاتحاد السوفياتي السابق، كانوا قد أحيطوا علماً بـ"جريمة كاتين"، كما أنه كانت هناك ملاحظات على الظرف تشير إلى أن هذه الوثائق تم فتحها بشكل دوري من قبل قادة الحزب والتعرف عليها، وما يشير أيضاً إلى ختم هذه المستندات، والاحتفاظ بها في الأرشيف حتى إشعار آخر"، على حد تعبير أرتيزوف، وذلك ما خلده المخرج البولندي المعروف أندريه فايدا على شريط سينمائي، وما علق عليه أرتيزوف بقوله إن كاتين "مكان مأسوي ليس فقط للبولنديين، لكن لنا أيضاً، نحن المواطنون الروس". وأضاف "هناك في خنادق كاتين، نحو 10 آلاف جندي سوفياتي تم إعدامهم".

رفع السرية

ومن التاريخ، وعن الأدبيات الروسية، نشير إلى أن الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف ومن مواقعه السابقة كواحد من "أبرز رموز" الليبراليين والديمقراطيين في الساحة الروسية خلال سنوات حكمه كرئيس للدولة، والتي لم تمتد لأكثر من أربع سنوات "2008-2012" عاد بعدها إلى موقعه السابق كرئيس للحكومة الروسية، كان أصدر أوامره برفع السرية عن "وثائق كاتين". وينقلون عنه "توجهنا بدعوتنا إلى الجميع للنظر إلى ما تم القيام به، ومن اتخذ تلك القرارات، ومن أعطى التعليمات لتصفية الضباط البولنديين. كل شيء مكتوب هناك".

وأكد أن روسيا "ستواصل العمل على الكشف عن المحفوظات المتعلقة بالقمع الجماعي"، ومنها الوثيقة التي أشرنا إليها عاليه.

ومن وثائق تلك الحقبة الزمنية المؤرخة في 29 أبريل 2010، نشير إلى خبر زيارة فلاديمير بوتين، وكان آنذاك رئيساً للحكومة الروسية، مع نظيره البولندي دونالد توسك للنصب التذكاري الذي أقيم تخليداً لضحايا "مذبحة كاتين".

وكانت قناة "روسيا اليوم" قد نقلت عن مدير الأرشيف الروسي أندريه أرتيزوف، تصريحاته حول أنه "تقرر نشر الوثائق الأصلية المتعلقة بمأساة كاتين على الموقع الإلكتروني الرسمي للوكالة الفيدرالية الروسية للأرشيف التي تحفظ الأرشيف التاريخي السياسي للدولة الروسية".

وأضاف أن النماذج الإلكترونية لم يسبق نشرها على مواقع حكومية رسمية، وأنها تنشر للمرة الأولى، معتبراً نشر هذه الوثائق "دليلاً على انفتاح روسيا الكامل في ما يخص موضوع "إعدام" الأسرى البولنديين عام 1940 في الاتحاد السوفياتي".

وأوضح أرتيزوف "أنه تم أخذ هذه الوثائق السرية من ملف المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفياتي، وأن الجانب الروسي "يبرز انفتاحه الكامل في كل ما يتعلق بما حدث في كاتين، وما جرى في أماكن أخرى مع الأسرى البولنديين. لقد تم كشف كافة الوثائق الأساسية الخاصة بهذه المسألة".

القول الفصل

على أن ذلك أيضاً لم يكن "كل القول الفصل"، حيث سارع الشيوعيون، ومنهم فيكتور إيليوخين النائب الراحل في مجلس الدوما، إلى دحض كل ما صدر عن السلطات الرسمية الروسية بهذا الشأن، وما أشار بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى مسؤولية ستالين والسلطات السوفياتية عن مصرع الآلاف من الضباط البولنديين في كاتين.

وتشير الأدبيات الروسية إلى أن مكتب المدعي العسكري الرئيس لموسكو تبرأ في مارس 2005 من الاتفاقية المبرمة مع بولندا في شأن تزويدها بوثائق التحقيق في قضية كاتين التي تم "إغلاقها" في سبتمبر (أيلول) 2004.

وهكذا، تم إنهاء القضية الجنائية التي لم يتوقف النظر فيها لمدة 15 عاماً، "بسبب عدم وجود الأدلة على وقوع (جريمة الإبادة الجماعية للشعب البولندي)، وأعيد تصنيف الجريمة نفسها، على أنها مجرد (تجاوز لصلاحيات السلطة الرسمية). ولم يتم التعرف على أي من أقارب الضباط البولنديين كضحايا". 

كان قرار إغلاق القضية سرياً. وتم الإعلان عن عدم احتواء 67 مجلداً فقط، من أصل 183 تم إعدادها أثناء التحقيق على أسرار الدولة. وفي المجموع مات 1803 أشخاص فقط في هذه الحالة، وتم التعرف على جثث 22 منهم. 

ومن هنا "هرول" كثيرون من ليبراليي ذلك الزمان، للاستعانة والتعلق بأهداب الأمل، كما يقال، فيما قد صدر عن ميدفيديف "ذلك الزمان" من تصريحات تقول بما يريد البولنديون تأكيده حول مسؤولية الاتحاد السوفياتي عن هذه "الجريمة"، على النقيض من كل محاولات الشيوعيين والمحافظين ممن يواصلون محاولات تبرئة النظام الأسبق من ارتكاب مثل هذه الجريمة.

نذكر أن دميتري ميدفيديف لم يخيب آمالهم، بما أعلنه في عام 2010، وكان في زيارة لكوبنهاغن حول "أن المواد المتعلقة بالقمع الجماعي في الاتحاد السوفياتي ستكون في متناول الجمهور بشكل أوسع نطاقاً".

ومضى ميدفيديف ليقول "سنستمر في القيام بذلك". وعلى رغم أن الرئيس الروسي السابق قصر مبادرته على المواد المتعلقة بالجرائم ضد المواطنين البولنديين، فإنه أكد اعتقاده "أن هذا من واجبه"، وأن "هناك عدداً من المواد التي لم يتم تسليمها بعد إلى شركائنا البولنديين. لقد أصدرت تعليماتي بتنفيذ الأعمال ذات الصلة، وبعد الإجراءات اللازمة، سيتم تسليم تلك المواد التي تهم الزملاء البولنديين".

متاهات الجدل

وهكذا، يعود الجدل إلى سابق "متاهاته"، وما يتعلق منه بما قد يكون مرتبطاً بما تبذله السلطات الروسية من محاولات لفضح ما تصفه بممارسات النازية، إلى جانب سقوط كثير من رموز النظام السابق إبان سنوات حكم غورباتشوف في الاتحاد السوفياتي السابق، ويلتسين في روسيا في تسعينيات القرن الماضي، في شرك "موالاة" الغرب والاستجابة طواعية وعن طيب خاطر لكل ما يخدم مصالحه، خصماً ليس فقط من رصيد الوطن ومصالحه، بل وأيضاً من تاريخه ومكانته، بحسب ما يقوله كثيرون، داخل روسيا وخارجها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير