Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سينما الحرب" هواجس موحدة واشتغالات متنوعة

على رغم تفاوت جودة الأفلام التاريخية كان لها دائماً جمهور عريض

ليوناردو دي كابريو وغينيفر كونيلي في أحد مشاهد فيلم "الألماس الدموي" (مواقع التواصل)

ملخص

السينما التاريخية المرتكزة على أفلام الحروب تصنف باعتبارها الأكثر حضوراً عالمياً... فما سر ذلك؟

تحبل الفيلموغرافيا العالمية بعشرات الأفلام التي حاولت طرق باب الحروب والمجاعات والكوارث. وإن كانت أفلام الحروب الأكثر حضوراً وتميزاً داخل هذا النوع في السينما الأميركية، لكن حين نطالعها يتلمس المشاهد نوعاً من التكرار البصري القائم على استعراض بشاعة الحروب وأهوالها.

ومع ذلك فإن ثمة سمات جمالية تكاد تسيطر عل هذه الأفلام، أولاً وقوف مؤسسات إنتاج كبيرة وراءها تعمل على تغذيتها بجميع الوسائل التقنية للحصول على صور سينمائية مؤثرة في وجدان المشاهد.

أما الأمر الثاني، فيتعلق بحكم الأيديولوجيا الكامنة وراء بناء الصور وتدرجها في جسد الفيلم، بل إن هذا البعد الأيديولوجي لا يكاد أي فيلم يخلو منه، لأن المؤسسات دائماً ما تحاول استغلال هذه الوسائط البصرية لكتابة تاريخ مزيف يخدم بلدانها. في حين، يعمل بعض المخرجين "الراديكاليين" على كتابة تاريخ مضاد لسلط بلدانهم في سبيل الالتزام بقضايا المقهورين والمهزومين.

سينما تاريخية

ويعتبر هذا النوع السينمائي الأكثر حضوراً في السينما العالمية، لأن عائداته تكون كبيرة ويضخ دماءً جديدة في شرايين دور العرض، كما هو الأمر مع فيلم "1917" للمخرج سام مينديز الذي حصل على جوائز عالمية كثيرة، بعدما تربع على عرش الصالات لأسابيع طويلة.

وإذا كانت مدة كتابة أفلام الحروب تأخذ وقتاً طويلاً بالمقارنة مع أفلام سياسية واجتماعية أخرى، فإن عملية التصوير والمونتاج قد تتجاوز مدة الكتابة نفسها، وذلك بحكم ما يرافقها من بحث تاريخي واجتهاد بصري وتدقيق علمي وبحث تنقيبي عن ملابس وإكسسوارات تنتمي إلى مرحلة الحرب.

هنا يتجاوز المخرج والكاتب مهماتهما التخيلية المرتبة بالنص والصورة، والانفتاح بقوة على عناصر علمية تسهم في بناء الفيلم، بل إن هناك كثيراً من الأفلام التي قدمت معلومات تاريخية مغلوطة دون وعي منها، فكانت الانتقادات شديدة للفيلم وصانعيه، بينما هناك من يتعمد تضليل المشاهد بمعلومات عن أحداث لم تحدث أو أن من شارك فيها ليسوا من يستعرضهم الفيلم.

يقول الناقد السينمائي إبراهيم العريس، "تتشكل السينما التاريخية من مجموعة الشرائط التي تعيد إلى الشاشة الكبيرة أحداثاً وقعت في الماضي القريب أو البعيد، سواء استخدمت في ذلك مجموعات من الشرائط الوثائقية التي سجلت الحدث بالفعل".

ويضيف "وهذه السينما التاريخية، على تفاوت جودة أفلامها، كان لها دائماً جمهور عريض، جعل هذا النوع يعيش أكثر من غيره، كما جعل المنتجين والمخرجين يضيفون دائماً شرائط جديدة عن أحداث كان سبق لها أن قدمت على الشاشات مراراً، وعن شخصيات اهتمت بها السينما منذ بداياته".

سينما الحرب.. صور مختلفة

وتختلف جماليات هذه الأفلام بحسب الموضوع وهندسته السردية وما يريده المؤلف من الحكاية، فهناك نوعان من أفلام الحرب، الأول تكون فيها الصورة ملتصقة بمسام الأحداث وحرارتها، إذ تكون الشخصيات في صراع بين ثنائية "الخير والشر".

ويستمد هذا النوع أحداثه من كتب التاريخ لدرجة يغدو فيها الفيلم كتابة بالصورة، إذ يتبع المخرج نوعاً من السرد البطيء وطريقة معينة في تدرج الحكاية والاشتغال عليها من الناحية الدرامية، كما يلجأ العديد من المؤرخين إلى فهم الفيلم على أساس أنه وثيقة بصرية يقرؤون فيها ملامح تاريخهم، على رغم أن هذا الأمر ليس صحيحاً من الناحية العلمية، فالتاريخ يستحيل أن يكتب داخل السينما، لكون الصورة السينمائية متحركة وزئبقية ومختلفة في الزمان والمكان، علاوة على أن السينما على رغم ما قد تضمر من اشتغالات فكرية أو تصوير لأحداث سياسية أو وقائع اجتماعية أو عرض لسيرة ذاتية حقيقية ما، يبقى هاجسها هو التخييل وليس التأريخ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والحقيقة أن هذا الأمر، عملت على تكريسه مدرسة الحوليات مع كل من لوسيان فيبر ومارك بلوك وفيرناند بروديل، بعدما تم توسيع مفهوم الوثيقة التاريخية وتجاوز نظيرتها المادية المكتوبة. وعلى رغم أن هذا التوجه غير مطروح بالمرة داخل العالم العربي، فهناك كثير من الآراء والمواقف والنظريات داخل المعرفة الغربية، حاولت التشبث بطرح معرفي يؤمن بقوة أفلام الحروب ومكانتها داخل البحث التاريخي، باعتبارها شاهدة (وثيقة) على الأحداث السياسية والعسكرية.

ويركز هذا النوع كثيراً على الأكشن وعلى تصوير العاهات وإظهار البؤس الذي عاناه الناس، بخاصة خلال الحربين بين 1914 و1945 وما رافقهما من ثورة بلشفية روسية وأزمة اقتصادية عالمية عام 1929.

وتعاملت هذه الأفلام مع الحدث باعتباره مقدساً، فجاءت الصور على شكل محاكاة ملتصقة بمسامه أو تحاول التعبير عنه بميكانيكية، إذ لا يهمها التخييل ولا اعتبار الحدث مجرد ذريعة للتخييل. وبغض النظر عن قوة الأكشن وقوة أداء بعض الشخصيات، فإنها من الناحيتين الفكرية والجمالية لا تقدم أي جديد يعول عليه سينمائياً.

ووفقاً لهذه الأفلام فالسينما هي عبارة عن وسيط ترفيهي لاستعراض الأجساد وإظهار قوة الولايات المتحدة في إنقاذ العالم وتخليص من الحروب والمآسي، مع أن هناك كماً من الأفلام التي أنتجت سردية سينمائية مغايرة بتحميل أميركا السبب فيما يعانيه العالم اليوم.

النص بدل الصورة

أما النوع الثاني من أفلام الحروب فلا يهتم بالحدث العسكري ولكنه يرتكز على نماذج صغيرة داخل الحرب نفسها، فتعمل على وضعها في قالب سينمائي متخيل، كما الحال في فيلم "الألماس الدموي" (2006) للمخرج الأميركي إدوارد زويك وبطولة ليوناردو دي كابريو وجينيفر كونيلي ودغيمون هونسو.

ويحكي الفيلم قصة سولمون فاندي (دغيمون) صياد بسيط في سيراليون يعمل جاهداً ليتلقى ابنه تعليماً جيداً ويصبح طبيباً يساعد الفقراء، لكن بسبب ما تعيشه بلدته من حروب وأهوال ومآزق بسبب الحروب الأهلية، يختطف ابنه ويتم أسر سالمون للعمل في منجم ألماس.

هنا ستتقاطع قصة سالمون مع كل من ريتشر (ليوناردو) الذي جاء إلى أفريقيا للبحث عن الألماس، والصحافية (جينيفر) التي جاءت للبحث عن الحقيقة وكشفها للعالم، كيف يتم الحصول على هذا الألماس وطريقة بيعه من لدن شركات عالمية بأموال باهظة، في وقت تعاني فيه ساكنة أفريقيا الجوع والقهر والألم.

تقول الكاتبة أمل الأندري "خلال تلك الرحلة المشوقة للعثور على الماسة، يقترب المخرج إدوارد زويك من ذلك الفصل الدموي من تاريخ سيراليون الحديث، لكن الأهم من كل ذلك أن الفيلم يكشف لنا النقاب عن الجشع الذي يتحكم بسوق تجارة الماس في العالم. نرى كيف استخدم الماس في تأجيج الصراع الدائر وتمويله، وتواطؤ حكومات في أوروبا وأميركا مع عصابات تهريب الماس في جنوب أفريقيا وحتى حمايتهم فيما يصور استغلال العمال الأفارقة في مناجم الماس".

وتذكر "هذا ما دفع شركة (بي بيرز غروب) التي تسيطر على 80 في المئة من سوق تجارة الألماس عالمياً، إلى الإعراب عن تحفظها على الفيلم الذي تخوفت من انعكاساته السلبية على السوق وطلبت أن ترد ملحوظة في الفيلم تشير إلى أن وقائعه لا ترتكز إلى الواقع. أي أننا أمام مجرد فيلم مغامرات، ترفيه هوليوودي جديد لا يؤذي مصلحة رأس المال العالمي".

تعامل الفيلم مع الحرب باعتبارها إطاراً سينمائياً يتم داخل تخييل عناصر الحكاية، فالحرب هنا وإن كانت دافعاً قوياً لبينة الأحداث من الناحية الدرامية، فإن وجودها في الفيلم له بعد واقعي، لكن السيناريو محكم ويتميز بالقوة، لكونه يتفوق على عنصر الصورة، والأهم في الفيلم الكتابة وليس الإخراج، لأن النص يحاول منذ المشاهد الأولى أن يبني علاقة قوية مع المشاهد وتشده لاستكمال الفيلم والتعرف على نهايته.

المزيد من سينما