ملخص
كيف دارت رحى "هجوم حماس" و"السيوف الحديدية" على أثير الـ"سوشيال ميديا" حول العالم؟
دوي الانفجارات أنواع. وحصاد مكاسب القصف والكر والفر وخسائرها يتم حسابها على مدار الدقيقة. وفي كل دقيقة يتم سماع دوي جديد على الأثير، ويجري حصاد مكاسب هنا تتجسد بعدد مرات المشاهدة وتكرار المشاركة، أو خسائر هناك عبر إبلاغ الإدارة بغرض الحذف أو توثيق تقرير عن وجود مادة حساسة وداعية للعنف أو ناشرة للكراهية بهدف الإزالة من على منصات الـ"سوشيال ميديا".
إنها المنصات التي تعلن نفسها سلاحاً محورياً منذ اللحظات الأولى لشن هجوم "حماس"، وتعاود التأكيد مع انطلاق "السيوف الحديدية" رداً على الهجوم.
وعلى رغم عودة الملايين ممن هجروا أثير الشاشة الفضية أدراجهم نحو شاشات غرف جلوسهم ونومهم لمتابعة مجريات ما يجري في غزة وإسرائيل وجنوب لبنان على مدار الدقيقة، حيث "وردنا الآن" مزود بتحليل المراسل أو الخبير المقيم في الاستديو، والنبأ العاجل مصحوب بتوقع المحرر العسكري لما سينجم عنه بعد قليل، إلا أن المرابطة على الأريكة المواجهة للشاشات الإخبارية لم ولن تلغي وجود الشاشة الصغيرة في الأيادي، تلك الشاشة التي لم تهدأ لحظة منذ يوم 7 الجاري بين فيديو تم تشاركه أو صور جرى تحميلها ناهيك عن ملايين التدوينات والتغريدات والفيديوهات التي يضخها المستخدمون والناشطون القابعون على طرفي نقيض.
الشبكة فاعل رئيسي
وعلى النقيض من المتوقع، فإن جزءاً غير قليل من الصور والفيديوهات التي يجري بثها على شاشات القنوات الإخبارية، وما ينجم عنها من فقرات تحليلية في الاستديو وأخرى تستضيف خبراء الشرق الأوسط التحليليين من مشارق الأرض ومغاربها مصدرها الشبكة العنكبوتية التي تفرض نفسها فاعلاً رئيساً ومحركاً محورياً في الحرب الشرسة الدائرة رحاها.
بداية انتشار أخبار العملية كانت عنكبوتية بامتياز، واستمرار المتابعة متحقق بضمان منصات الـ"سوشيال ميديا"، وأغلب الظن أن أيام الحرب الثقيلة المقبلة وأسابيعها وربما شهورها سيكون أيضاً على أثير الشاشات الصغيرة.
هذه الشاشات الصغيرة المرفوعة من قبل مئات وآلاف الأيادي مسجلة وموثقة ما يجري على الأرض على مدار الدقيقة هي أدوات الحرب الشعبية المتاحة للجميع. وما يتاح للجميع يحتمل دائماً الاستخدام الحقيقي الواعي، أو المجتزئ للحقيقة الموجه للمتلقي لأغراض جذب التعاطف لمصلحة طرف على حساب آخر. الهواتف المحمولة في أيادي الجميع سمة من سمات الحياة اليومية، وتتحول إلى أداة تمكين إضافية في أوقات الحروب.
ثلثا العالم على الأثير
اليوم، يباهي ثلثا سكان العالم، أي نحو 4.9 مليار شخص بأنهم على اتصال بشبكة الإنترنت. والجانب الأكبر من هؤلاء بين 4.4 و4.6 مليار شخص يستخدمون منصات الـ"سوشيال ميديا" وعلى رأسها "فيسبوك" و"يوتيوب" و"إنستغرام" و"تيك توك" و"تويتر". لذلك، فإنه من الطبيعي أن تعتبر الملايين التي تجد نفسها طرفاً في حرب، فاعلاً أو مفعولاً به، صفحاتها العنكبوتية وسيلة لنصرة من تدعم، ونشر ما تعتقد، ولفت انتباه العالم لما تريد أن تلفت انتباهه إليه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انتباه العالم كله التفت إلى فيديوهات "الإعلام العسكري" لكتائب القسام والتي بثتها "حماس" بينما وعقب تنفيذ العملية، إضافة إلى غمر الأثير العنكبوتي بالمزيد من المقاطع المحررة بمهنية واضحة منذ السابع من الشهر الجاري. الفيديوهات التي وثقت لحظات قليلة فقط مما قامت به من عمليات مباغتة يوم 7 الجاري دامت وكأنها قرون على أثير الـ"سوشيال ميديا". هذه الفيديوهات، التي أظهرت لقطات من مرور عشرات الدراجات النارية عبر السلك الشائك، وهبوط مظليين في أرض مهرجان موسيقي، وأسر إسرائيليين – مدنيين وعسكريين- على ظهر دراجات، أو على متن سيارات عسكرية إسرائيلية تم الاستيلاء عليها أو في عربات "غولف"، وغيرها الكثير مما يتم بثه على مدار الساعة وأحياناً أقل، هي أقرب ما يكون إلى آلة إعلامية ضخمة أصبحت محط أنظار العالم حالياً.
محط الأنظار الآن
محط أنظار العالم حالياً ما يجري في المنطقة، لكن هذه الفيديوهات التي تعكس قفزة كبرى في المفهوم والاستخدام الإعلامي من قبل "حماس" للمادة الإعلامية التي تريد أن يشاهدها العالم، وبهذه الطريقة التي وصفها خبراء إعلام في جامعات عدة بـ"بالغة التطور"، إذ لم يعد المحتوى مجرد تصوير لعملية هنا أو واقعة هناك بأياد مهزوزة وجودة صورة لا يشفع لها إلا ضيق ذات اليد أو الخبرة أو كليهما، بل أصبحت لقطات مدروسة جيداً ومختارة بعناية فائقة بزوايا عين الخبير وأهداف خبرة المتكتك الاستراتيجي.
إعداد هذه الفيديوهات، وانتقاء المشاهد واللقطات، واختيار ترك المادة التي يصنفها كثيرون باعتبارها "مادة حساسة" وقد تحمل شبهة العنف أو الكراهية أو العنصرية أو هجوم مباشرة على شخص أو عدة أشخاص وغيرها من أنواع المحتوى غير المسموح به على أغلب منصات السوشيال ميديا عمليات مدروسة، وتؤتي ثمارها الإعلامية والنفسية والسياسية في الداخل والخارج، بين أولئك الداعمين لـ"حماس" والمعتبرين هجوم "حماس" فتحاً عظيماً ونصراً مبيناً، وكذلك للفريق المعارض والكاره لـ"حماس" والمعتبر هذه العملية عدواناً وسفك دماء ودعوة لفتح أبواب العنف على مصاريعها.
منصات الـ"سوشيال ميديا" هي الأخرى مفتوحة على مصاريعها وبشكل غير مسبوق منذ شُنت العملية، ولا تظهر أية أمارات تدل على قرب الإغلاق أو حتى المواربة، بل العكس هو الصحيح.
اللافت كذلك أن مراكز إعلام فلسطينية تتحدث باسم "كتائب القسام" و"حماس" تحرص هذه الآونة على كتابة تقارير صحافية على مواقعها لتشير وتشيد فيها بـ"التناغم العالي بين الأداء الميداني والإعلامي العسكري"، وذلك على حد وصفها بـ"حرفية واقتدار وبرسائل بالغة الدقة لجهات عدة".
نجاح المحتوى
تقارير إعلام "حماس" تتحدث عن نجاح محتواها الإعلامي، لا سيما عبر فيديوهات العملية وكذلك "البلاغات العسكرية للكتائب" (بيانات عسكرية) التي تصدرها بين الحين والآخر، وتصفها بأنها "عززت ثقة الأمة بهزيمة الكيان الصهيوني"، والتي تصدر "بفارق وقتي مناسب" لاستعراض تطورات المعركة "وأبرز ما يسمح بنشره معززة ذلك بمقاطع الفيديو الملحقة".
"ترندز" الغالبية المطلقة من تطبيقات التواصل الاجتماعي، والأكثر قراءة، والأعلى مشاهدة والأكثر تشاركاً في دول عدة في العالم، على رأسها الدول العربية، وإسرائيل، ودول أوروبية لا تخرج عن إطار "حماس" "إسرائيل" "غزة" "المستوطنين" "الأسرى" "المخطوفين" "طوفان الأقصى" "السيوف الحديدية" "العزة" "الخيبة"، ولكن المحتوى والمستخدمون وصانعو المحتوى يقفون على طرفي نقيض.
الحرب الدائرة رحاها حالياً، وهي فصل جديد من فصول الصراع الفلسطيني أو العربي- الإسرائيلي، أعلنت أن السوشيال ميديا ساحة رئيسية لها بشكل غير مسبوق. فالعملية أدت إلى طوفان عنكبوتي قادر على إحداث تغيير، وقلب موازين، وحسم معارك، وإعلان منتصر والكشف عن مهزوم، سواء كان ذلك للخير أو للشر.
إغراق الـ"سوشيال ميديا"
مراقبون يرون أن جزءاً معتبراً من "هجوم حماس هدفه إغراق الـ"سوشيال ميديا"، ومن ثم وعي المستخدمين في جميع أنحاء العالم، بـ"القضية الفلسطينية". آخرون رأوا في الإغراق بفيديوهات وصور، والكثير منها ذو محتوى مثير للجدل الأخلاقي والإنساني، وسيلة لاستعراض العضلات ونقل رسالة للعالم قوامها "نحن هنا"، لا سيما بعد ما أثبتت صراعات العالم وحروبه في العقد الأخير، خصوصاً حرب روسيا في أوكرانيا أن في إمكان السوشيال ميديا أن تحدث ثورة في تصورات الصراع ومآلات الحروب.
وعلى رغم الخبرات المكتسبة في أماكن صراع وحروب عدة في العالم من قدرة ما يتم بثه على الإنترنت، لا سيما منصات التواصل الاجتماعي، من صور وأخبار (وبعضها يتم بثه عبر مواقع إخبارية تقليدية) وبروباغندا وغيرها من إحداث المزيد من العنف والتسبب في قدر أكبر من الدمار، لا سيما وأن الجميع يدق -بعلم ونية مسبقة أو من دون- على مشاعر الخوف والغضب والكراهية والترقب، سمة الحروب إلا أن الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي انخرطا في حرب السوشيال ميديا من دون هوادة، حيث يحاول الجانب الإسرائيلي جاهداً لملمة ما فاته من إغراق عنكبوتي في الدقائق الأولى للعملية بمحتوى مكثف غارق إما في الدق على أوتار "هل هذا ما يحث إليه الإسلام الحنيف؟!" في إشارة إلى فيديوهات تعامل المقاتلين الفلسطينيين مع المستوطنين والنساء والجنود الإسرائيليين الذين تم أسرهم، ومنها ما تم تزويده بآيات قرآنية وأحاديث نبوية بغرض الدق على وتر الإسلام والإيمان، أو معتمداً مبدأ المقارنة بين "الحنان والإنسانية والأخلاق الرفيعة" الإسرائيلية في التعامل مع المرضى العرب وأطفالهم، أو تقديم الطعام لمن تقطعت بهم السبل منهم إلخ في مقابل "العنف والقسوة والدماء" على الجانب الآخر، أو ناضحاً بالتهديد والتأكيد على أن الرد سيكون أقسى من الفعل والبادي أظلم.
إشعال الأثير
"طوفان الأقصى" و"السيوف الحديدية" يشعلان الأثير كما لم يشتعل من قبل. والاشتعال هذه المرة متعدد الشعلات. فبين شعلات "رسمية" حيث "حماس" و"كتائب القسام" وغيرهما من الكيانات الفلسطينية والعربية الداعمة للجانب الفلسطيني، والحكومة الإسرائيلية بمختلف أذرعتها ومنصاتها وصفحاتها والدول والجهات الداعمة لها، جنباً إلى جنب مع قدر هائل من المحتوى الذي يتم تحميله شعبياً من كل الأطراف، تنضح منصات الـ"سوشيال ميديا" بطوفان محتوى الصخب سمته، والاستقطاب الشديد منهجه، والكراهية والغضب والصدمة والتوعد والترقب وقوده.
هجوم "حماس" قوبل بردود فعل شديدة التباين على المستوى الشعبي. بين مشاعر فرحة من قبل داعمين للقضية الفلسطينية واعتبار مجريات العملية شكلاً من أشكال المقاومة، ونتيجة فعلية للتعامي العالمي عن "الظلم والغطرسة" الإسرائيليين على مدار عقود من جهة، ومشاعر صدمة وغضب من قبل آخرين سواء يصطفون على الجانب الإسرائيلي، أو كانوا داعمين أو غير مهتمين بالقضية الفلسطينية لكن أغضبتهم ما اعتبروه "عنفاً مفرطاً" و"سلوكاً شائناً" في التعامل مع الأسرى والمخطوفين، تتباين ردود الفعل على منصات التواصل الاجتماعي من جميع أنحاء العالم.
تباينات الحرب الضروس
التباين في هذه الحرب الضروس ليس مجرد تفاوت في وجهات النظر، يعبر عنها مستخدمون أو يتناقلونها، ولكنها تجييش وتجنيد يبدوان معتادين في مثل هذه الأحوال شديدة الاستقطاب، إضافة إلى تغيير وتعديل مواقف سابقة يتوقع ويستهدف أن يتم تحويل دفة تأييدها من اليمين إلى اليسار أو العكس.
من جهة أخرى، يجري استخدام الفيديوهات التي تم بثها على السوشيال ميديا لمقاتلين فلسطينيين وهم يتجولون ومعهم "أسرى" أو "مختطفون" في شوارع غزة لتحديد مواقع هؤلاء، وذلك من قبل جهات إسرائيلية، وكذلك من قبل جهات غربية مستقلة مهمتها تحقق مصداقية وتوقيت الفيديوهات والصور، وتحقيق مواقعها باستخدام خرائط وتطبيقات مثل "غوغل فوتوسفير" وغيرها.
كما تتصاعد دعوات غربية مطالبة بتشديد إجراءات وتطبيق القواعد المعمول بها على منصات التواصل الاجتماعي، وذلك للحد من حدة المحتوى العنيف، لا سيما المصور، مع توجيه اتهامات واضحة إلى منصة "إكس" (تويتر) سابقاً والتي يقولون إنها خففت كثيراً من قواعد وقيود تحميل ونشر المواد ذات المحتوى العنيف، وذلك في إشارة إلى الفيديوهات الفلسطينية.