ملخص
يواجه الرئيس السوداني السابق عمر البشير وأركان نظامه الهاربون من السجن تهماً بجرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لكنه ينفيها جميعاً
ذهبت الخلافات في السودان إلى نقطة أبعد مما كانت تحلم به الثورة الشعبية في الـ11 من أبريل (نيسان) 2019، وعلى رغم حرب الخرطوم الدائرة وما نتج منها، لا يزال مصير الرئيس السابق عمر البشير ومكان وجوده مجهولاً للملايين ليثير التساؤلات بين حين وآخر.
ومع اقتراب الحرب السودانية من عامها الأول بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، يحاول الغالبية من المدنيين محاولة تتبع موقع البشير، فمنذ إطاحته أودع السجن المركزي في "كوبر" مع بعض أركان نظامه، إلا أنه وبقرار طبي جرى نقله إلى المستشفى العسكري داخل "السلاح الطبي" في مدينة أم درمان، بينما فر معاونوه من السجن بعد أسبوعين من اندلاع المعارك.
ويواجه الرئيس السوداني السابق وأركان نظامه الهاربون من السجن تهماً بجرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لكنه ينفيها.
وقبل أيام، زار وفد من المحكمة الدولية السودان، إذ التقى وزيرة العدل المفوضة هويدا عوض الكريم، لكن الوفد لم يحصل على إجابات واضحة في شأن مكان وجود البشير ورفاقه الهاربين.
محاولة لتتبع البشير
في أثناء اندلاع الحرب منتصف أبريل 2023، كان البشير وثلاثة من كبار قادة نظامه، هم نائبه بكري حسن صالح ووزير دفاعه عبدالرحيم محمد حسين وعضو نظام "الإنقاذ" أحمد الطيب الخنجر، يوجدون في مستشفى علياء العسكري، تحت سيطرة الجيش، وتحديداً داخل السلاح الطبي في مدينة أم درمان.
آنذاك، فرضت قوات "الدعم السريع" عليهم طوقاً محكماً من الحصار، لكن بعد نحو أسبوعين من اندلاع الحرب، فر العشرات من قادة النظام المعزول المحتجزين من سجن كوبر المركزي، في منطقة الخرطوم بحري، كما اختفى أي ذكر للمجموعة الموجودة في المستشفى العسكري المحاصر.
ومنذ ذلك التاريخ تتضارب الأنباء عن مكان الرئيس السابق وأركان نظامه الهاربين من السجن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان الرئيس المعزول عمر البشير دين بالسجن بتهمة الفساد وغسل الأموال، وتم ترحيله إلى سجن كوبر في الخرطوم بحري، فيما قطع اندلاع الحرب إجراءات محاكمته في قضية أخرى تتعلق بتدبير وتنفيذ انقلابه العسكري في عام 1989 ضد حكومة منتخبة ديمقراطياً.
مخطط التهريب
بحسب صحيفة "الشرق الأوسط" فإن مصدراً وصفته بالقريب من مراكز القرار في "الحركة الإسلامية" السودانية، أكد أن البشير جرى تهريبه من مستشفى "السلاح الطبي" في أم درمان إلى مكان آمن في شمال السودان.
المصدر نفسه أوضح أن عملية تهريبه مع وزير دفاعه عبدالرحيم محمد حسين نفذتها نخبة من "الدبابين"، أي مجموعة من "المقاتلين المتشددين التابعين لتنظيم الحركة وقوات الإسلاميين الخاصة من دون مشاركة كبيرة من الجيش الذي اقتصرت مهمته على توفير تأمين محدود للعملية".
من بين ترجيحات المصدر فإن "البشير وحسين" نقلا مباشرة إلى مدينة بربر في شمال السودان، إذ تردد أن قادة الحركة عقدوا اجتماعاً كبيراً سرياً في المدينة، ترأسه الرئيس السابق نفسه.
ووفق المصدر فإن "عملية التهريب تمت قبل أكثر من شهر تقريباً، وليس عقب وصول قوات الجيش إلى منطقة السلاح الطبي المحاصرة منذ أشهر عدة".
وأوضح المصدر المقرب من "الحركة الإسلامية" أن "الحالة الصحية والبدنية للرئيس السابق عمر البشير ورفيقه عبدالرحيم محمد حسين تدهورت بصورة كبيرة خلال أشهر الاحتجاز".
وشملت عملية التهريب إنزالاً جوياً معقداً سبق نقل الرجلين لإنقاذهما عبر إيصال مستلزمات طبية وغذائية عاجلة لهما، على خلفية تدهور حالتهما الصحية والمعيشية لدرجة الحاجة إلى ملابس بديلة لتلك التي تهرأت على جسديهما، وهو الأمر الذي حفز على تسريع عملية التهريب، بحسب المصدر.
ويميل المصدر إلى أن عملية إنزال المساعدات أجريت بطائرة مسيرة، خصوصاً أن المروحيات ستكون هدفاً سهلاً لقوات "الدعم السريع"، إذا حاولت الاقتراب من المنطقة المحاصرة.
موقف الجيش السوداني
الناشط السوداني البارز هشام عباس قال في منشور على حسابه بمنصة "فيسبوك"، إن "ما أطلق عليها عملية فك الحصار عن سلاح المهندسين، ما هي ألا غطاء ناري كثيف لتهريب قياديين بحزب المؤتمر الوطني وبعض مرافقيهما من السلاح الطبي، من الذين ظلوا تحت الحصار منذ بداية الحرب، لتدهور الوضع الصحي لأحدهما، مما تطلب المغامرة الصعبة والمحفوفة بالأخطار".
وحتى اليوم، لم يصدر عن المتحدث الرسمي باسم الجيش السوداني نفياً أو تأكيداً رواية تهريب البشير ورفاقه، لكن رئيس هيئة الدفاع عن الرئيس المعزول، المحامي محمد الحسن الأمين، أكد أن موكليه عمر البشير وعبدالرحيم محمد حسين وبكري حسن صالح، إضافة إلى القياديين يوسف عبدالفتاح والطيب الخنجر، نقلوا من السلاح الطبي بعد نفاد الرعاية الصحية تماماً، إلى موقع عسكري آخر آمن في أم درمان، وفق موقع "سودان تربيون".
واستمراراً لتضارب الروايات فإن الإعلامي السوداني إبراهيم الصديق، المقرب من "نظام البشير"، قال إن الرئيس السابق ورفاقه لا يزالون تحت القصف والاستهداف المباشر داخل السلاح الطبي، وإنهم لم يهربوا أو يجري تهريبهم.
البشير في سطور
كثيراً ما اشتهر عمر البشير بالزي السوداني بعمامته البيضاء ونظارته الطبية وعصاه الخشبية، إذ ظل ضابط المظلات السابق، الذي استولى على السلطة بانقلاب عام 1989، ممسكاً بالحكم نحو 30 عاماً، قبل إطاحته في 2019.
هو عمر حسن البشير، الرئيس السوداني المطاح، بإعلان من نائبه ووزير دفاعه الأسبق الفريق أول عوض بن عوف، الذي قرر بدء فترة انتقالية، مدتها عامان برئاسة مجلس عسكري.
حياة البشير، المولود عام 1944 بقرية حوش بانقا الفقيرة شمال العاصمة الخرطوم، في الرئاسة جعلت السودان يشهد أحداثاً تكاد تكون الأصعب في هذا البلد العربي الأفريقي، إذ لم يخل من الحروب الأهلية، والتمرد العسكري والجماعات المسلحة، فضلاً عن واقع متصاعد من الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية للسودانيين.
فمع تولي البشير السلطة في السودان، الذي كان من أكبر الدول الأفريقية من حيث المساحة، خاض حرباً أهلية طويلة مع متمردين في جنوب البلاد، انتهت بانفصال جنوب السودان عام 2011، وفقدان أكثر من 70 في المئة من نفط البلاد، وبهذا صار مهدداً كأول رئيس عربي بمذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية إثر اتهامات ينفيها بارتكاب جرائم حرب في دارفور.
بخلفية عسكرية عتيقة، نالت القسط الأكبر من حياته بين ثكنات الجيش الذي التحق بصفوفه في سن مبكرة، تدرج البشير في دراسات العلوم العسكرية، في أعوام 1981، و1983، و1987، وبعد عامين في الـ30 من يونيو (حزيران) 1989، قاد الانقلاب الذي دعمه الإسلاميون آنذاك على حكومة الصادق المهدي.
بداية البشير العسكرية جاءت بعد تخرجه في الكلية الحربية السودانية عام 1967، إذ خدم في الوحدة السودانية التي أرسلت إلى مصر للمساعدة في حرب الاستنزاف مع إسرائيل، التي بدأت بعد انتهاء حرب الأيام الستة. وعندما كان ضابطاً صغيراً في قوات المظلات، انضم إلى الجناح المسلح للحركة الإسلامية التي انفصلت عن جماعة "الإخوان المسلمين" وحكمت السودان منذ تولي البشير منصبه. وفي عام 1993 حل البشير المجلس العسكري، ليحكم السودان بقبضة من حديد.
ومنذ ذلك العام (1993) عانى السودان فترات طويلة من العزلة، عندما أضافت الولايات المتحدة حكومته إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب لإيوائها متشددين إسلاميين. وبعد أربع سنوات، فرضت واشنطن عقوبات على السودان، إذ لا يخفي البشير علاقاته مع تيار الإسلام السياسي، وهو ما أثر بصورة واضحة في حكمه، مع رفض التنازل عن علاقة الدين بالدولة، وازدادت إثارة، لا سيما بعد صدامه مع قادة إسلاميين بارزين منهم الراحل حسن الترابي الذي دعمه للوصول إلى سدة الحكم.
في نهاية 2018، ارتفع معدل التضخم في السودان إلى 72 في المئة، وعجزت الحكومة عن سداد قيمة الواردات الغذائية. وفي الأشهر التي سبقت بدء الاحتجاجات، كان السودانيون يواجهون صعوبات في المواءمة بين الدخل والحاجات الأساسية. وحاولت الحكومة تطبيق إصلاحات، فخفضت قيمة الجنيه السوداني وخففت قيود الاستيراد، غير أن هذه الإجراءات لم تصل إلى نتيجة، وانتهى الأمر بعزله في 2019.