Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وقف "الإبادة المعرفية" في غزة... إمكانات خجولة وسعي جريء

صعوبة شحن البطاريات والهواتف وغياب الكهرباء والإنترنت تصعب من نجاح التعليم عن بعد

عشرات المتطوعين في غزة يسعون إلى تعزيز القدرات التعليمية للأطفال (أ ف ب)

ملخص

الحرب الضارية التي حطمت آمال أطفال غزة بالعودة إلى مدارسهم، أنهت أيضاً المسيرة التعليمية لنحو ربع مليون طالب جامعي بعد أن حولت جامعاتهم ومختبراتهم العلمية إلى كومة من الركام، ووفقاً لمراقبين تعمدت الآلة العسكرية الإسرائيلية تسوية جميع الجامعات الكبرى والمعاهد المتوسطة بالأرض.

فداحة التدمير التي طاولت مخيم جباليا شمال قطاع غزة وإعلانه منطقة منكوبة لم يمنعا الشاب ياسر الحتو (18 سنة) من البحث بين ركام منزله الذي سوي بالأرض، على ما تبقى من كتب التوجيهي (الثانوية العامة)، فشعوره بالحسرة والألم لعدم تمكنه من أداء اختبارات الثانوية العامة هذا العام على غرار طلاب الضفة الغربية والتي تؤهلهم لدخول الجامعات، خلق لديه شعوراً بالضياع والعجز.

الحتو إلى جانب نحو 40 ألفاً من طلاب الثانوية العامة في غزة حرموا من الالتحاق بهذا الاختبار للمرة الأولى منذ النكبة الفلسطينية عام 1948، نظراً إلى تداعيات الحرب الإسرائيلية المتواصلة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وتدمير معظم البنية التحتية للمدارس والمنشآت التعليمية، وغياب الكوادر العاملة وتحول المدارس إلى مراكز إيواء، إذ اقتصرت مشاركة بعض الطلبة من خلال السفارات الفلسطينية الموجودة في الدول التي استطاع بعض الطلاب الغزيين السفر إليها خلال فترة الحرب.

وفقاً لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فإن جميع المدارس التابعة لها في قطاع غزة أغلقت بسبب الحرب، ونحو 300 ألف طفل من بين 625 ألف طالب في قطاع غزة قد حرموا من التعليم، في حين فقد 22 ألف مدرس في قطاع التعليم وظائفهم. وكانت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أعلنت عن مقتل نحو 6 آلاف طالب و239 موظفاً تعليمياً، وإصابة أكثر من 11 ألفاً بين طلاب ومعلمين.

محو الأمية

نتيجة للظروف المتدهورة وتردي الواقع الاجتماعي والاقتصادي للأسر التي تعرض أبناؤها لكثير من الصدمات النفسية خلال حرب كان جل ضحاياها من الأطفال، وضعت وزارة التربية والتعليم في قطاع غزة خطة مبدئية لاستئناف مسيرة التعليم الأساسي والثانوي في اليوم التالي لانتهاء الحرب. تستند إلى إقامة 25 ألف خيمة كقاعات دراسة بديلة في ظل التدمير الكلي أو الجزئي الذي أصاب معظم المدارس، وتتضمن توظيف آلاف المدرسين والمساعدين بدلاً من المعلمين الذين قتلوا في الحرب. وبحسب أطباء نفسيين للأطفال من منظمة "أطباء بلا حدود" فإن "أدمغة معظم الأطفال في غزة في الوقت الحالي تعمل تحت الصدمة".

 تدني الأداء والتحصيل الدراسي لطلبة غزة منذ بدء الحرب وتعطل الحياة التعليمية المدرسية والجامعية بصورة تامة دفع الشاب معاذ الملفوح لإطلاق مبادرة "محو الأمية الحديثة في شمال غزة"، تهدف بالأساس إلى توفير الدعم التعليمي الضروري وبرامج الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال في المرحلة الأساسية مع توفير دروس تعليمية مكثفة، وتوزيع المواد التعليمية، لضمان حصولهم على المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب القائمين على المبادرة فإن نقص الموارد والوضع الأمني غير المستقر في بيت لاهيا لم يحل دون استمرار عشرات المتطوعين في تحقيق هدفها بتعزيز القدرات التعليمية للأطفال، وتحسين الوعي بأهمية التعليم لبناء مستقبل مستدام وتحقيق تأثير إيجابي طويل الأمد، من خلال تقليل معدلات الأمية. وتعد معدلات الأمية في فلسطين من أقل المعدلات في العالم، إذ لم تتجاوز نسبتها بين الأفراد ممن يبلغون 15 سنة 2.2 في المئة في عام 2022.

ومن بين عشرات المبادرات التعليمية التي تنتشر في مراكز الإيواء وخيام النازحين تضم آلاف الأطفال، تبرز مبادرة الشاب محمد الخضري (38 سنة)، التي ترتكز فكرتها على تعليم مادة اللغة العربية والتفريغ النفسي، باستخدام الأسلوب القصصي والدمى والرسم بالألوان، وسط بيئة تعليمية واقعية، تبدأ بطابور الصباح وتحية العلم. ويتجول الخضري الذي يحمل درجة الماجستير في مناهج طرق التدريس، ويعمل محاضراً في جامعات غزة، على مدى الأسبوع بين مراكز الإيواء ومخيمات النازحين في مناطق جنوب القطاع، مستهدفاً الأطفال في سن التعليم الأساسي من الأول حتى السادس.

وكان للمكتبات الناجية من القصف الإسرائيلي داخل مراكز الإيواء دور جوهري في إعادة الأمل للأطفال النازحين مع ذويهم وإحياء شغفهم بالقراءة والمطالعة، فالشاب رائد أبو طعيمة الذي يعمل أميناً للمكتبة في مدرسة الطائف غرب رفح، التي تعد واحدة من أكبر مراكز الإيواء، أطلق مبادرة "نضوي شمعة"، التي عمل خلالها مع مبادرين ومتطوعين لتخصيص صف تعليمي وآخر ترفيهي، يتيح للأطفال داخل مركز الإيواء التخلص من ضغوط الحرب وآلامها إلى جانب تعليمهم المواد الدراسية ثلاثة أيام في الأسبوع.

إبادة معرفية

الحرب الضارية التي حطمت آمال أطفال غزة بالعودة إلى مدارسهم أنهت أيضاً المسيرة التعليمية لنحو ربع مليون طالب جامعي بعد أن حولت جامعاتهم ومختبراتهم العلمية إلى كومة من الركام، ووفقاً لمراقبين تعمدت الآلة العسكرية الإسرائيلية تسوية جميع الجامعات الكبرى والمعاهد المتوسطة بالأرض. وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي فإنه من المتوقع أن يكلف تدمير 70 في المئة من الكليات والجامعات في غزة نحو 720 مليون دولار. وطبقاً لبيانات المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فقد قتل منذ بدء الحرب ثلاثة رؤساء جامعات وأكثر من 95 عميد جامعة وأستاذاً، كما اضطر 88 ألف طالب إلى الانقطاع عن تعليمهم الجامعي، ولم يتمكن 555 طالباً حصلوا على منح دولية من السفر إلى الخارج.

 

على خلفية تلك الأرقام دعا أكثر من 180 أكاديمياً وعاملاً في جامعات غزة الأكاديميين في جميع أنحاء العالم إلى كبح حملة "الإبادة المعرفية" المستمرة في قطاع غزة، والعمل جنباً إلى جنب على إعادة إعمار الجامعات المهدمة، ورفض كل المخططات التي تهدف إلى تجاوز أو محو المؤسسات الأكاديمية القائمة أو إضعافها. مطالبين بضرورة صياغة استراتيجية طويلة المدى لإعادة تأهيل البنية التحتية التعليمية والانتقال السريع للتعليم عبر الإنترنت، للتخفيف من الآثار المدمرة التي أصابت التعليم الجامعي نتيجة الحرب.

واعتبر الأكاديميون في بيان أن "الاستهداف المتعمد للبنية التحتية التعليمية محاولة سافرة لجعل غزة غير صالحة للسكن ولتفتيت النسيج الفكري والثقافي وقطع الطريق المستقبلي أمام إعادة إعمار الجامعات كجزء من عملية أوسع هدفها القضاء على فرصة وجود حياة تعليمية فلسـطينية مستقلة في غزة". مؤكدين أن الحاجة الماسة إلى إعادة تشغيل مؤسسات غزة التعليمية ليس فقط من أجل دعم الطلاب الحاليين، بل وأيضاً من أجل ضمان صمود واستمرارية النظام التعليمي العالي باعتباره ركيزة حيوية ومنارة أمل للشعب الفلسطيني. وشدد البيان على ضرورة الانتقال السريع للتعليم عبر الإنترنت للتخفيف من الخلل الناجم عن تدمير البنية التحتية للجامعات.

وسبق أن أعرب نحو 100 أكاديمي أوروبي عن قلقهم البالغ من الاستهداف المستمر من قبل الجيش الإسرائيلي للأكاديميين والمؤسسات التعليمية ومواقع التراث الثقافي في قطاع غزة، داعين عبر عريضة بعنوان "إبادة التعليم في غزة - إسرائيل تمارس محواً منهجياً للنظام التعليمي برمته" إلى مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية المتواطئة، بخاصة تلك التي بنيت على الضفة الغربية وداخل المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية، كونها "تمثل سياسات الفصل العنصري تجاه الفلسطينيين والتطهير العرقي التدرجي واحتلال الأراضي الفلسطينية".

وبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان كان لإظهار المعاناة التي يتعرض لها الأكاديميون في القطاع، لا سيما أولئك الذين لم يطلعوا على حجم هذه المأساة تأثير كبير في القطاع الأكاديمي الأوروبي، فقد وقع أكثر من 180 أكاديمياً بريطانياً على عريضة مماثلة للتنديد بإبادة التعليم العالي في قطاع غزة.

خطة إسعافية

بدوره أعلن مجلس رؤساء الجامعات الفلسطينية تنفيذ خطة وزارة التربية والتعليم العالي الإسعافية لإنقاذ العملية التعليمية في مؤسسات التعليم العالي بقطاع غزة، عبر استئناف طلبة القطاع تعليمهم في جامعات ومعاهد الضفة الغربية وبعض الدول الشقيقة والصديقة كطلبة زائرين، على أن يدرس طلاب غزة في جامعات الضفة مجاناً مدة ثلاثة فصول دراسية كحد أقصى، بواقع تسع ساعات معتمدة في الفصل الواحد، وأن تصدر شهاداتهم من جامعاتهم الأم.

 

وبين المجلس أن المرحلة الثانية من الخطة الإسعافية للتعليم العالي تشمل إعادة إعمار المؤسسات التعليمية التي دمرتها الحرب. وكان المؤتمر السنوي الثالث لجمعية صندوق الطالب الفلسطيني PSSF الذي نظمته جامعة بوليتكنك فلسطين الشهر الماضي في الضفة الغربية، أشار إلى أن المساعدات الإغاثية التي يحتاج إليها قطاع التعليم العالي في غزة تصل إلى 300 مليون دولار.

جاء ذلك في وقت أطلقت فيه جامعة بيرزيت القريبة من رام لله مبادرة "إعادة الأمل" لاستئناف التعليم العالي لطلبة من جامعات قطاع غزة، بهدف تمكينهم من النهوض ومواصلة العملية الأكاديمية واسترجاع دورهم المجتمعي، بما يتوافق مع حاجاتهم ورؤيتهم، وإضافة إلى الإشراف على مشروعات ورسائل وأطروحات التخرج، بالتعاون والشراكة مع جامعات قطاع غزة وتطوع الكادر الأكاديمي في جامعة بيرزيت من أجل تعليم الطلبة والإشراف البحثي لإنجاز الساعات المطلوبة للتخرج.

وأكدت الجامعة أن الخطوة الثانية من المبادرة ستهدف إلى تطوير البنية التحتية المؤسساتية والرقمية في الجامعة والقطاع، اللازمة للشروع بالتعليم من بعد، وتجهيز غرف صفية ذكية، ومساندة الطلبة والباحثين للوصول إلى قواعد البيانات، ومصادر المعرفة الضرورية لاستكمال مسيرتهم الأكاديمية. وسيشرف الكادر الفني والإداري في جامعة بيرزيت بصورة تطوعية على هذا التدخل، لتوفير الدعم اللازم.

وأشارت الجامعة إلى أن المبادرة في مرحلتها الأخيرة ستعمل على نسج شراكات بين باحثي الجامعات في قطاع غزة من جهة، وباحثي جامعة بيرزيت والجامعات العربية والعالمية من جهة أخرى، بهدف تطوير أبحاث ودراسات تساند عملية إعادة الأعمار وتسهم في إزالة آثار الحرب الهمجية، ودراسة الأثر الاجتماعي والنفسي والاقتصادي نتيجة الحرب.

على رغم أن وزارة التربية والتعليم تابعت مع هيئة تنظيم قطاع الاتصالات الفلسطينية آليات تقوية خدمات الإنترنت في قطاع غزة، بما يسهم في تذليل العقبات أمام التعليم الإلكتروني لطلبة الجامعات والكليات في القطاع، فإن المسألة برمتها لم تحسم بعد، إذ يعرب طلاب الجامعات في قطاع غزة عن خشيتهم من كيفية تطبيق تلك المبادرات ونجاحها، خصوصاً مع انعدام الإمكانات التي يحتاجون إليها كالكهرباء والإنترنت واستمرار الحرب، وإلى جانب الحالة النفسية المتردية التي يعانيها طلاب القطاع جراء القصف والنزوح المتكرر، هناك صعوبة في شحن البطاريات والهواتف، كما أن غالبية الطلاب لا يملكون أجهزة حاسوب، ويقيمون في خيام من صفيح أو بلاستيك، لا توفر بيئة مناسبة ولا حتى مريحة للدراسة، بخاصة مع ارتفاع درجات الحرارة وافتقادها أدنى الخدمات الإنسانية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير