ملخص
يشارك البريطانيون العرب في الانتخابات البرلمانية المقبلة بزخم لم يعرف من قبل. فهناك محاولات لتوسيع مشاركة أبناء الجالية ليس في التصويت فحسب وإنما في الترشح لعضوية مجلس العموم أيضاً. ثمة تحديات تواجه هذا المسعى كحداثة التجربة في الاستحقاق البرلماني، وغياب الرؤية الواضحة على مستوى الجالية ككل، ولكن التأسيس لمرحلة لاحقة أكثر نضجاً في العمل البرلماني مكسب سهل المنال في الرابع من يوليو (تموز) المقبل.
لم يصل إلى البرلمان البريطاني حتى اليوم مهاجر من أب وأم عربيين. هناك فقط نائبة عن الحزب الليبرالي الديمقراطي تدعى ليلى موران تحمل جذوراً عربية من جهة والدتها، بلغت مجلس العموم في 2017 ممثلة لإحدى مناطق مدينة أكسفورد، ثم فازت في استحقاق 2019 وتستعد اليوم للسباق المقرر في الرابع من يوليو (تموز) المقبل.
الإحصاءات الرسمية في عام 2022 قدرت عدد أفراد الجالية بنحو 400 ألف، ولكن مصادر أخرى تقول إن العدد أكبر من ذلك بكثير، لكن العرب عموماً إما أن يشار إليهم كجزء من المسلمين في بريطانيا، أو ضمن تعداد المهاجرين من آسيا أو أفريقيا وفقاً للدول التي قدموا منها، وفي الحالتين يصعب حصر أعدادهم بصورة واقعية.
بعيداً من الأرقام، يقول مراقبون إن الجالية العربية عزفت عن الحياة السياسية لأسباب عدة. اكتفى أبناؤها من الجيل الأول أو الثاني بالانخراط في الانتخابات البلدية التي تمس الخدمات العامة، أما الاستحقاق البرلماني فكانوا يتابعون نتائجه في الإعلام فضولاً أو يصوتون لمرشح الحزب الأقوى في مناطقهم أياً كان برنامجه الانتخابي.
غالبية المهتمين بالعمل السياسي من عرب بريطانيا انضموا لحزب العمال أو تعاطفوا معه، فوقفوا مع مرشحيه في الانتخابات البرلمانية وأيدوا سياساته اليسارية عندما كانت تلتقي مع قضايا المنطقة والدول التي انحدروا منها. بقيت الحال على هذا النحو لعقود طويلة حتى تغيرت قبل أشهر من الاستحقاق المرتقب بسبب الحرب على غزة.
لم يصغ الحزب الأكبر في بريطانيا من ناحية عدد الأعضاء للمطالب الشعبية بالدعوة إلى وقف فوري لحرب غزة المستمرة منذ تسعة أشهر، حتى إن زعيمه كير ستارمر قبل في مقابلة إذاعية بقطع الماء والكهرباء عن سكان القطاع في سياق الرد الإسرائيلي على هجوم حركة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
أثار ستارمر حفيظة العرب فقرر كثر منهم مقاطعته أو التصويت لخصومه في الانتخابات المقبلة. وتقدم عدد من أبناء الجالية للترشح إلى البرلمان كمستقلين أو أعضاء في أحزاب أخرى سعياً وراء عضوية أقدم برلمانات العالم، والسؤال هل ينجح أبناء الجالية الصغيرة في مسعاهم على هذين الصعيدين أم يعوقهم نقص الخبرة؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الرؤية والتنظيم
برأي مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني جريس دويل، يتوزع العرب على مناطق مختلفة في المملكة المتحدة ولا يشكلون كتلاً شعبية واضحة إلا في أماكن قلة يصعب أن تؤثر في نتائج الانتخابات البرلمانية أو المحلية، بخاصة أن أبناء الجالية لا تجمعهم رؤية سياسية ولا يعملون تحت مظلة برنامج محدد في المشهد الداخلي.
ويشير دويل في حديث مع "اندبندنت عربية" إلى أن "أبناء الجالية العربية لم ينخرطوا في الاستحقاق البرلماني إلا في حدود ضيقة عبر الأحزاب الكبرى بمجلس العموم، هم يفضلون الانتخابات المحلية التي يتنافس فيها المرشحون على ضوء برامجهم الخدمية للمناطق التي يعيشون فيها، وليس استناداً إلى تصوراتهم السياسية".
يؤكد جريس أن حرب غزة نقلت عرب بريطانيا من السلبية إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية إلى حد كبير، ولكن هذا الانتقال يصعب تقدير نتائجه خارج نشاط الجالية المسلمة التي ينتمي لها المهاجرون العرب في غالبيتهم، أو بعيداً من الأحزاب السياسية التي ينتسبون إلى صفوفها أو يدعمونها لأنها أيدت وقف حرب غزة.
ويشدد مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني على أن حرب غزة كانت السبب وراء ترشح عدد من المهاجرين العرب إلى البرلمان في هذه الدورة، وسخط فئات كثيرة من الجالية على حزب العمال وزعيمه، ولكن السؤال هل يؤدي هذا إلى اختراق في خريطة مجلس العموم المقبل، أم يكون مجرد تجربة سياسية مختلفة للعرب؟
المرشحون العرب
ثمة أكثر من 10 مرشحين تقدموا للانتخابات البرلمانية ينحدرون من أصول عربية، العنوان المشترك في حملاتهم هو المطالبة بوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإحلال السلام في الشرق الأوسط، ولكن هذا ليس كافياً للفوز بمقعد في مجلس العموم إلا إذا حظي المرشح بدعم شعبي يتجاوز كتلة الجالية في منطقته.
المرشح في مدينة برمنغهام الدكتور كامل حواش، يقول في حديث مع "اندبندنت عربية" إن رهانه على رغبة السكان في منطقته بوقف حرب غزة. ليست الجالية المسلمة أو العربية فحسب، وإنما أيضاً رغبة مؤيدي أعضاء حملة "التضامن مع فلسطين" التي يقودها منذ خمس سنوات وتجمع بريطانيين من مختلف المشارب والأعراق خلف هذه الغاية، وقد أغضبها موقف زعيم حزب العمال وقيادييه مما يجري في الشرق الأوسط.
بسبب هذا الموقف انشق حواش عن "العمال" وترشح للانتخابات المقبلة مستقلاً، كذلك فعلت المرشحة من أصول سودانية منى آدم، التي غادرت المعارضة العمالية إلى حزب الخضر بعد أن وجدت فيه ما يلبي تطلعاتها داخلياً وخارجياً. آدم قالت لـ"اندبندنت عربية" إن ترشيح "الخضر" لها بحد ذاته انتصار لفلسطين والعرب، كما أنه يؤسس لمرحلة جديدة ينخرط فيها العرب بصورة جدية أكثر في الاستحقاق البرلماني.
المرشح المستقل من أصل أردني حلمي حراحشه يرى أيضاً في تجربته تأسيساً لمرحلة قادمة يكون العرب فيها أكثر نضجاً بالعمل البرلماني، ويقول في حديث مع "اندبندنت عربية" إن هناك فرصة كبيرة للمستقلين خلال انتخابات يوليو المقبل، وبخاصة في المناطق التي تشكل الجالية المسلمة كتلة كبيرة اعتادت التصويت لحزب "العمال"، واليوم قررت مقاطعته نتيجة مواقفه من حرب غزة، إضافة إلى وجود ناخبين كثر لا يجدون ضالتهم في البرامج الانتخابية المعلنة للأحزاب، أو قرروا تغيير توجهاتهم التقليدية في التصويت لأسباب مختلفة.